"الحضارة المنسية"

309 43 28
                                    


في قلب الظلمات، حيث لا يمكن لأحد أن يتخيل كيف تبدو المعركة الداخلية، كانت تعيش ماريا تعاني من أعمق الاضطرابات النفسية. كانت ماريا، التي كانت تتخبط بين حبال عقلها الممزقة، تقاتل قوى غير مرئية تقبع في أعماقها

تلك المعركة لم تكن تُرى بالعين المجردة، لكنها كانت ضارية. كان الصوت الداخلي، الذي لا يعرفه أحد سواها، يُثقل كاهلها ويزيد من عذابها. يومًا بعد يوم، كانت تحاول أن تتسلح بالإرادة والوعي لمقاومة شياطين عقلها، التي كانت تشوش تفكيرها وتعبث بشعورها

لكن ذلك اليوم جاء، حين لم تعد قادرة على الصمود. دخلت تلك القوى الخفية إلى ساحة المعركة بقوة لا تُقاوم، مُظهرةً هيمنتها بلا هوادة. في لحظة غير متوقعة، تغلبت تلك القوى على ماريا، مستوليةً على عقلها كما يسطو الغزاة على مدينة محصنة

تغيرت تصرفات ماريا بشكل ملحوظ. لم تعد تلك الشخص الذي ناضلت من أجل السيطرة على نفسها، بل أصبحت تجسيدًا للاضطراب المتصاعد. أضحت كل حركة لها، وكل نظرة في عينيها، انعكاسًا لأعماق الفوضى التي اجتاحت عقلها. كانت تحاول أن تخرج من براثن الصراع الداخلي، لكنها كانت غارقة في مستنقع من التناقضات والتصرفات غير المتوقعة

كل لحظة أصبحت فيها ضحية لتلك القوى، وكل محاولة للتمسك بالأمل تتلاشى كضباب أمام شمس الاضطراب القاسية. كانت تعيش حياةً تتقلب بين الأمل والخوف، بين العقل والجنون، في صراع لا نهاية له مع نفسها التي أصبحت ساحة المعركة الأكبر
.
.
.
.
.
.
تتقدم بخطوات رشيقة، وهي تتنقل بين ممرات الملهى كما لو كانت سيدة الغموض في مسرحية مظلمة. خطواتها تحمل طابعاً من الغموض والتحدي، بينما تتلألأ الأضواء اللامعة حولها، تُسهم في خلق جو من التوتر. بيدها اليسرى، تتلاعب بشوكة رفيعة كما لو كانت سلاحًا، تُديرها بين أصابعها بحركة رشيقة تتناغم مع نغمة الموسيقى الخافتة

تبدأ في الغناء بصوتها العميق، كلمات الأغنية تتدفق من بين شفتيها كسم قاتل. كل حرف يخرج من فمها كضربة مؤلمة، كما لو كانت تعبر عن كل المآسي والاضطرابات التي تعاني منها. تغني بكلمات تعبث بمعاني الألم والجنون، كل كلمة تطير في الهواء كشرارة من النار

تلتقط نظرات من يراقبها و الجثث حولها ، التي تُظهر صدمة وغموض من تلك الرقصة المختلة التي تحمل في طياتها الاضطراب والشر، ماريا تواصل سيرها، كل حركة من جسدها، وكل لحن من صوتها، يُبدي تناقضًا مدهشًا بين النعومة والوحشية

"في ممرات الظلام اتيت وحدي
ابحث عن ضوء في عتمة هذا المدى
تحمل بين يدي شبح الالام
ارقص كالعاصفة في بحر من الظلام"

بينما تتجول بين الممرات، يبدو أن الشوكة في يدها تتألق كالرمح في ضوء الأضواء، وكأنها تستخدمها كأداة لتروي قصتها الوحشية. كل حركة حاذقة، كل تلاعب بالأغنية، يجعلها تشبه قائدة فرقة من الشياطين في مسرح متاهة من الظلام

white Russian snake حيث تعيش القصص. اكتشف الآن