"عودة إلى الأبدية"

1K 106 29
                                    

العودة، في جوهرها، تشبه أسطورة برسيفوني، تلك التي قضت نصف حياتها في ظلام العالم السفلي وعادت في كل ربيع إلى الأرض، جالبة معها الحياة والأمل. مثل برسيفوني التي نمت من عمق الفقد إلى النور من جديد، العودة ليست مجرد خطوة إلى الوراء بل هي عودة إلى النور، إلى حيث تبدأ الحياة من جديد بعد غياب طويل. في كل مرة نعود فيها، نعيد ترتيب الفصول داخل أنفسنا، كما تعود الأرض إلى الحياة بعد كل شتاء بفضل إلهة الربيع.

أما البدايات الجديدة فهي كخلق باندورا، التي رغم أن كل الشرور خرجت من صندوقها، كانت آخر شيء خرج هو الأمل. ذلك الأمل الذي، برغم كل التحديات، يبقى دائمًا الشعلة التي توجهنا نحو بداية جديدة. تمامًا كما واجهت هرقل مهامه المستحيلة بشجاعة، نواجه البدايات الجديدة بقوة لا تعرف الاستسلام. إنها تلك اللحظة التي نستجمع فيها كل التجارب السابقة ونقول، كما قال الأبطال الأسطوريون: "لقد عدنا، أقوى وأكثر حكمة."

كل بداية جديدة هي كالآلهة الإغريقية أثينا، حامية الحكمة والتجدد، التي ولدت كاملة من رأس زيوس، دليل على أن القوة الحقيقية تأتي عندما نولد من جديد، مكتملين، من التجارب والصعاب

.
.
.
.
.
.

وقفت أمام باب المنزل، وقلبها ينبض بشدة. ألقت التحية على الحراس بلمسة سريعة، رغم أن حضورهم كان جزءًا من حياتها اليومية منذ أن كانت في التاسعة من عمرها، إلا أنهم كانوا دائمًا هناك للحفاظ على سلامتها وأمانها، هي وزاك، في كل خطوة يخطونها. كان وجودهم لا يتوقف، كانوا كالظل الذي لا يفارقها. ربما يظن البعض أن هذا الأمن الزائد قد يكون ترفًا، لكن بالنسبة لها، كان حتمية، خاصة بعد الحوادث التي مروا بها.

نظرت إلى الباب الكبير أمامها، وحينما لمحته، اجتاحتها موجة من الشوق. هو ذلك الباب الذي يفصلها عن عائلتها وأصدقائها، الذين طالما اشتاقت إليهم. كانت مشاعرها متضاربة، الحنين يغمرها ولكنها كانت متأكدة من أنها لن تسمح لأي دمعة أن تفر من عينيها الآن. كانت تشتاق لكل لحظة، ولكنها أيضًا كانت مصممة على أن تعيش هذه اللحظات كما يجب، تعويضًا عن السنوات التي غابت فيها.

رفعت يديها بحركة ثابتة، ودفعت الباب الذي كان مزينًا بتصميم حلزوني فاخر، يتناغم مع كل زاوية من هذا المكان الذي لطالما كان جزءًا من ذكرياتها. عندما عبرت منه، شعرت بشيء غريب، وكأن العالم بأسره قد تغير، أو ربما كان هو المكان الذي تشعر فيه بأنها في موطنها.

رفعت عينيها إلى الأعلى، نحو السقف العالي، حيث كانت الثريا الكبيرة تتدلى بأناقة، مرصعة بالضوء الذي كان يتسلل من النوافذ الكبيرة. تلك الثريا التي كانت أكثر من مجرد قطعة ديكور بالنسبة لها؛ كانت رمزًا لكل الحكايات التي مروا بها هنا. توقفت لحظة، وهي تتأمل المكان، تلك الصالة التي كانت تبعد قليلاً عن المدخل، والتي كانت دومًا تشع بالدفء. تذكرت تلك اللحظات التي كانت تجمعهم فيها، هي وزاك، وهم يختارون الأثاث والتصاميم بحماس، كما لو أنهم يخلقون منزلًا ليس فقط لسكناهم، بل أيضًا لذكرياتهم التي لا تنسى.

white Russian snake حيث تعيش القصص. اكتشف الآن