"فقدان البصر ابتلاء يحجب عنك رؤية العالم، لكن عندما استعدت بصيرتي، اكتشفت أن الظلمة لم تكن سوى حاجز بيني وبين الحقيقة التي كنت أهرب منها."
بعد عودتنا إلى المنزل بأمان بصعوبة، لم أستطع النوم مطلقًا. ظللت أتحرك فوق فراشي يمينًا ويسارًا وأنا أفكر فيما رأيته. شعرت بحالة غريبة لم أشعر بها من قبل. ماذا أفعل هنا؟ كيف أستطيع النوم بكل هدوء وراحة دون الشعور بالفزع وانتظار الموت مثلهم؟
كيف أتناول الطعام الذي أعده أو تعده لي يارا بكل استمتاع وغيري من البشر يموتون من قلة الطعام؟ كيف أشرب المياه وغيري يحلم بها كل ليلة؟ أشعر وكأني شخص غير مستحق لكل هذه الراحة. كنت أعتقد أن وحدتي التي اخترتها هي أكثر شيء ألمًا، لكن اكتشفت أنها أقل بكثير من أن تكون وحيدًا دون عائلة بغير رضاك أو بدون اختيار. أفكر في النهوض من الفراش وشرب بعض الأعشاب التي قد تساعدني على النوم، لكن كلما تأتي في ذاكرتي مشهد الطفلين الذين كانت تتشاجر معهما والدتهما بسبب بكائهما من الجوع، أشعر بشيء لا أعرف ما هو، لكنه شيء يُفطر قلبي. أريد أخذ كل الأطفال الذين رأيتهم دون استثناء.وبعد ساعات من التفكير العميق أو ما يطلقون عليه البعض "overthinking"، قررت أخيرًا النهوض من الفراش والتحرر من ظلام غرفتي. دخلت إلى المطبخ ووضعت المياه في الغلاية الكهربائية، وأخرجت كوبًا ثم فتحت الأرفف لأخرج أي شيء أضعه بداخل الكوب. لكن توقفت فجأة، وتذكرت ما حدث، وتخيلت ما يحدث لهم الآن.
كلما حاولت التركيز فيما أفعله، أشعر كأنني مثل الغلاية الكهربائية التي تُفصل عنها الكهرباء. أرى في مخيلتي كل أم وأب يبكون من أجل أطفالهم. أتذكر الأطفال الصبورين بشكل غريب، لم أرى أطفالًا مثلهم في كل بلاد العالم. كيف بعد كل هذه الابتلاءات يلهون؟ أين طفولتهم؟
لفت نظري ذلك الشاب المراهق وهو يسجل فيديو يشرح فيه الأوضاع الحالية بكل هدوء، كأنه يلخص فيلمًا شاهده في سهرة نهاية الأسبوع. ثم توجه إلى مجموعة من الأطفال وسألهم إن كانوا يفضلون الرحيل إلى مكان أكثر أمانًا أم البقاء وسط الفوضى التي تحيط بهم.
في تلك اللحظات، توقعت إجابتهم. كنت على يقين أنهم سيختارون الرحيل، بحثًا عن ملاذ يمكنهم فيه ممارسة حياتهم الطبيعية والشعور بطفولتهم التي سُلبت منهم في عمر صغير. لطالما كنت أستمع بالصدفة إلى أغنية "عطونا الطفولة"، ولم أكن أفهم معناها أو أشعر بكلماتها، لكن في تلك اللحظة، بدأت تلك الكلمات تتغلغل في أعماقي.
وبعد سلسلة من المفاجآت السيئة، صدمني ذلك الطفل الصغير، الذي لم يتجاوز طوله شبرين، بإجابته الصادقة. قال: "لا، لن أترك موطني لأعدائي وأحقق ما يطمحون إليه. يريدوننا أن نختفي من الوجود، لكننا لن نسمح لهم. لن نترك هذه الأرض حتى لو استشهدنا، فهذا شرف لنا."
كيف لطفل لم يتجاوز التاسعة من عمره أن يجيب بكل هذه الثقة والوضوح؟ وضعت نفسي مكانه ولم أشعر أنني كنت سأختار مثله. شعرت بالإحراج يصحبه بعض الغيرة. هذا هو الشعور بالانتماء إلى الوطن، إذًا.
أنت تقرأ
من تجرأ واحتلني
Romanceفي عالم يعج بالصراعات والحروب والكراهية، تمرد قلبي على المنطق و الواقع، وأبعد عقلي ليتولى القيادة بنفسه ويحقق ما يريده. تبًا لك يا قلبي، كيف تركت كل البشر ولم تجد سواه لكي تخفق له؟ كان يجب أن أدرك منذ البداية أننا مثل الشمس والقمر، لا يمكن أن نلت...