اقتباس٤<عجيبة أحلام البسطاء>

1K 76 84
                                    


كان مستلقيًا على الكنبة، يسند رأسه على ذراعه، وعيناه تتأملان السقف بلا هدف. الجو كان هادئًا، فقط صوت أنفاسه الخفيفة يكسر السكون. جلست بجانبه على الكرسي القريب، تطلعت إليه بملامح مترددة، قبل أن تقطع الصمت بصوت ناعم:

"طيب، مش ناوي تجيب أطفال يهود صغننين؟"

أجاب بنبرة متعبة تحمل في طياتها استسلامًا هادئًا:
-"أنا هتعالج نفسيًا قريب بسبب تنمرك."

ابتسمت بحنان ثم قالت:
-"يا حاج يوهي، بنهزر، مالك متقفل كده؟"

استدار قليلًا لينظر إلى عينيها، تلك العيون التي كانت دائمًا مليئة بالتحدي، ولكن في هذه اللحظة كانت تنظر إليه بحنان لم يعتد عليه. قال بصوت خافت، وكأن الكلمات تخنق حلقه:

-"مفيش حد هيستحملني يا يوري."

نظرت إليه بعيونها التي تعكس تفهمًا ودعمًا، وردت قائلة بلطف:
-"ليه بتقول كده؟ ما انت زي العسل أهو."

ضحك ضحكة صغيرة، تلك الضحكة التي تخفي وراءها قلقه دائمًا:
-"لا، أنا شخص مودي وكئيب في العادي. دايمًا بحاول أفرفشك، بس أنا في العادة شايل هموم العالم من وأنا صغير. كل ما أحاول أفهم حاجة جديدة، فضولي بيوديني لحقيقة مش عايز أواجهها. علشان كده، مش حابب أدخل في حياة حد وأكتشف إني كنت غلطان فيه."

كانت تستمع إليه بتركيز، وكأنها تحاول أن تستوعب كل حرف قاله ثم ابتسمت ابتسامة خفيفة ولكنها مشجعة، وقالت بصوت يحمل طاقة إيجابية:
-"ده تراكمات مش سهلة، بس أنا واثقة إنك هتبقى أحسن أب في الدنيا."

نظر إليها بتعجب ممزوج بشيء من الأمل:
-"تفتكري؟ دايمًا بيقولوا إن اللي ما عندوش حاجة مش هيعرف يديها لحد تاني."

هزت رأسها نفيًا وكأنها تصر على إقناعه:
-"بالعكس، اللي فقد حاجة بيحاول بكل طاقته يعوضها في اللي حواليه. انت مش بس هتبقى أب مثالي، لكن كمان هتكون سند وزوج عظيم"

ابتسم ابتسامته نابعة من قلبه، وقال بنبرة أخف:
-"يبقى كده نحتاج اتنين."

سألت بفضول واضح: "اتنين؟"

رد بهدوء: "ولد وبنت. عشان الولد يحمي أخته ويكونوا دايمًا مع بعض."

ابتسمت بتأييد: "نفس رأيي،واضح إن في حاجات كتير مشتركة بينا."

بدا أنهما يتشاركان في حلم واحد، حلم بسيط لكنه مليء بالدفء.
ولكن فجأة، صمتت وهي تغرق في خيالها. تخيلت نفسها في يوم ما، ربما بعد سنوات، تقف في مطبخ دافئ، تشعر بالراحة وهي تسمع صوت رنين جرس الباب. تفتح الباب لتجد طفلين صغيرين يركضان نحوها بفرح، يتبعهم هو بابتسامة مليئة بالحب والاعتزاز. كان هذا الحلم بسيطًا ولكنه مليء بالمعاني العميقة، حلمًا قد يبدو بعيدًا لكنه قريب في نفس الوقت.

استيقظت من خيالها لتجد عينيه مغمضتين، قد غرق في النوم. نهضت بهدوء، جلبت غطاءً لتضعه فوقه برقة. جلست بجواره، تنظر إليه وكأنها تراه للمرة الأولى، بعيون مملوءة بالحنان. مدت يدها بلطف لتحرك خصلات شعره المبعثرة بعيدًا عن وجهه، وهي تبتسم بخفة وتهمس بصوت منخفض لنفسها:

"يخربيت جيناتك، أطفالك هيبقوا قمر زيك."

أنهت كلماتها بابتسامة صغيرة على شفتيها، وهي تشعر براحة غريبة، وكأنها ترى لمحة من المستقبل الذي لم تعش فيه بعد، ولكنها تتمنى أن يكون شبيه لذلك، فهي تتمنى أن تجد شخص مثله.

من تجرأ واحتلنيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن