ويومٍ كظل الرمح

299 18 0
                                    

(الطائف)، (شهار)
صفر، ١٤٢٧هـ

«عليك أن تستمع لي جيّدًا يا هذا، إن مسستها بسوء فلن ترى النهار مجددا!»
قال مفتول العضلات الأبيض، الخارق الوسامة بشعره الأشقر الناعم وعينيه الزرقاوين... مهددًا صديق عمره وكأنه مجرد غريب التقاه للتو.

صفعه صديقه صفعة أسقطت نظارته وأعادت تعيين إعداداته، ليعرفه قيمته الحقيقية قائلا:
«ترکت فتاةً تفرق بيننا أيها الحثالة؟! أفق يا (دوغلاس)، نحن لسنا طلابا في الثانوية لـ...»

«اللعنة ليس الآن!»
انطفأت شاشة هاتفي لنفاد بطاريته، في لحظة حماسية تحبس الأنفاس من مسلسلي المفضل. هذا ما كنتُ أخشاه، ماذا عساي أفعل الآن دون شاحني؟!
رميتُ بهاتفي بعيدا لأنهض من سرير المرافق بغرفة المستشفى مفكرا بطريقة أقتُل بها الملل للساعات القادمة... وأنا حبيس في الغرفة.

  نظرتُ لأختي أبرار التي استلقفت على سريرها بلباس المستشفيات الزهري، غارقةً في نومها تحت تأثير المخدر الذي لم يرتفع كليا... ليميل رأسها للشمال بشعره الأسود الفوضوي.

شخيرُها دل على تعبها الشديد، فلم تكن تلك عادتها أثناء النوم.... ومن يلومها وقد قضى الأطباء الكثير من الوقت في جراحة جسدها ... هل أكون أنانيا إن تمنيت أن تستيقظ لنتبادل أطراف الحديث؟

وقفت على النافذة لأرى طرقات المستشفى التي خلت من المارة والسيارات، في تلك الساعة المتأخرة من الليل... كم هي كتيبة المستشفيات بشوارعها ومرافقها وموظفيها وكل ما يخصها!

عجيب أمرنا نحن البشر، نكره المستشفيات التي تكون بعد الله سببًا في علاجنا... أتساءل إذا كان الشعور متبادلا من الأطباء والموظفين.

تخلل البرد عظامي فاستدرت عائدا لسرير المرافق، كل ما في الأمر أننا نجحد نعمة الله علينا بوجود المستشفيات هذه التي نكرهها... هناك من يتمنى زيارتها ولا يجدها في بلده... اللهم أدم علينا النعم فيها وارزقنا شكرها.

إلهي، كيف هو الحال بمن يعاني السقم ولا يجد منزلا يؤويه ويدفئه في هذا الجو البارد؟

كدتُ أستلقي على السرير لكني تذكرتُ أن بطارية هاتفي
نفدت، ولم أحضر شاحني وهاتف أبرار يختلف عن شركة
هاتفي... ولم يكن ذاك وقت نومي المعتاد بعد... عن سوء الحظ أحدثكم.

تفحصتُ وجه أبرار الذي غط في نوم عميق، ليرتفع
صدرها ويهبط جراء أنفاسها العميقة... وشخيرُها يملأ الغرفة لا أمل في استيقاظها أبدا، سأغادر المشفى بحثًا عن شاحن...

حتى لو اضطررت لإحضار شاحني من المنزل فالحياة دون هاتف لا تحتمل.

خرجت من غرفتها وأغلقت الباب بهدوء، لأمشي في الرواق الهادئ الذي خفضت إضاءته بحلول منتصف الليل... وصوتُ محادثة هامسة يجري في مكان ما تسارعت خطواتي ورائحة معقمات  المستشفى تملأ أنفي، والكنزة الصوفية السوداء تؤدي واجبها على
أكمل وجه... حامية صدري من برد الشتاء الذي امتلك القدرة على التسلل داخل الأروقة والغرف. وضعت يدي في جيوب الجينز الأزرق مخترقا الرواق على عجل، حتى مررتُ بمكتب الممرضات الذي اتضح أن المحادثة الهامة دارت عليه... بين مرضتين تحدثتا بكل شغف واهتمام بموضوعهما ذلك.

سفاح الأزقةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن