أسميه فصل الانتقام، بلياليه الطويلة الباردة المطيرة أحيانا...حابسًا الناس في منازلهم تحت الحفتهم وحول مدافئهم. تزيد قسوته على أولئك المفارقين للأخلاء والأحبة، معاقبا لهم على الفراق
وكأنهم اختاروه... لكن الشتاء لا يكترث لكل ذلك.شددت على معطفي الفرائي الأسود الذي غطى ثوبي، ورياح الشتاء الصباحية تتلاعب بشماغي الأبيض... يبدو أن الشتاء سيظل
يعذبنا بهوائه الذي لا يهدأ وغيومه الكاتمة للشمس.صافحت سراج الذي دخل معي لمبنى التحقيق، وابتسامته تكسو وجهه الأسمر الحليق. كان رعد و عامر قد سبقانا بوجودهما في.المكتب، وقفا متبادلين أطراف الحديث الذي بدا لي متعلقا بقضيتنا.
«وصلتما على وقتكما، لنسرع بطرح استنتاجاتنا من خلال دراستنا للقضية ... ثم نقسم المهام لزيارة مدارس الضحايا»
قال رعد بعد مصافحتنا، ولحيته الخفيفة التي غطاها الشيب مع شاربه الكث أعطته رونقا مهيبا ... داعيا الجميع للجلوس خلف مكاتبهم.
«نبدأ معك يا أديم»
لم أتوقع أن تبدأ الجلسة بحديثي، اعتدلت واقفا وأخرجت الورقة من جيبي ساردا:
«أبدأ حديثي بأهم استنتاج خرجت به وأعتقد أنه خطر ببالكم جميعا... مجرمنا إما أنه طبيب جراح أو له معاونا كذلك»أومأ جميعهم بتركيز وإنصات، لأكمل ناظرا للورقة.
«والدافع الذي تطرقنا له بالأمس، إما أن لديه مرض نفسي سايكوباتي أو يسعى خلف انتقام من أهالي الضحايا.... والذي سيحدد أيهما أقوى مقابلتنا لعوائل الضحايا»
أضاف رعد عاقدا ذراعيه أمام جسده البدين:
«وعلى هذا فيجب مراعاة أن خلاف أهالي الضحايا كلهم سيكون مع شخص واحد معين، لذلك أستبعد هذا الاحتمال»قال سراج معززا:
«واختياره لأنثى وذكر في كل جريمة وفي العمر المحدد بـ 7 سنوات يجعل احتمال أنه مختل أقرب من أنه يسعى للانتقام الشخصي
من أهالي الضحايا»اومات برأسي مبتسما نصف ابتسامة، بعد أن زاد اقتناعي أن اختيار القيادة العليا لنا لم يكن عبثا... لأكمل:
«ناهيك عن اختياره للأزقة وتعليقه لقلوب الضحايا فوقهم في كلتا الجريمتين، كل هذا يجعلنا أمام مختل اجتماعي شديد الخطورة....
لكن لا يجب أن نهمل الاحتمال الآخر»أخذتُ نفسًا بعد إنهاء نقطتي تلك، لأترك المجال للأسئلة أو الاعتراضات قبل أن أطرح نقطتي التالية:
«تبقى عندي ثلاثة أسئلة،لمَ يختار الأزقة بالذات؟ ألأنها تعطيه الوقت الكافي لعرض عمله الفني الشنيع ؟
لمَ ينتزع قلوب الضحايا ويعلقها؟ ليوصل رسالة ما؟ ماهي؟
وهل نظر رجال الأمن لكاميرات المراقبة؟»
وقفتُ منتظرا الأجوبة من المحققين، ليعتدل عامر في جلسته مجيباً بعينيه العسليتين اللامعتين:
«أعتقد أن اختياره للأزقة يعود لرغبته في إيصال رسالة ما، ولو كان سبب اختياره للأزقة هو إيجاد الوقت الكافي لتجهيز مسرح الجريمة... لوجد طرقًا أكثر أمانًا له من عرضها في زقاق يستعمله المارة
أنت تقرأ
سفاح الأزقة
Mystery / Thrillerفتحتُ عينيَّ على مصراعيهما بعد نزول الخبر علي كالصاعقة! دقاتُ قلبي تتسارع وصداعي يتزايد، لم تكُن صدمتي في أن تم انتدابي لتحقيقٍ خارج الرياض... بل لانتدابي في تلك القضية بالذات... القضية التي هزت الطائف بل المملكة بأسرها بقلم: عثمان عابد