طرف خيط

499 32 0
                                    

صمت مهيب، فسح مجالا لدقات عقارب الساعة أن تملأ أرجاء الغرفة... الغرفة التي عوّل عليها الشعب لتحقيق العدالة بعد الله.

أن ينتظرك الجميع لفعل ما لا يستطيع أحد فعله سواك، أن ترى الأمل المعلق عليك بعد الله في أعين أهالي الضحايا وذويهم، تنهال عليك أسئلة المراسلين والصحفيين بانتظار إجابات مقنعة وتصريحات مطمئنة...

كل تلك ضغوط هائلة : يمر بها المحققون في الجرائم المتسلسلة بالذات.

«حسنا، أن يكون المجرم شخصا يستهدف الرائد أديم
بجرائمه هو أمر علينا أن نضعه بالحسبان والاعتبار»

قال المقدم عامر، بعينيه العسليتين اللامعتين اللتين طغى عليهما النوم والتعب... في الحقيقة كان التعب قد طغى على الجميع.

فلم ينم أحدنا أو يعد لبيته بعد مباشرتنا المسرح الجريمة قبيل الفجر، كان علينا التجمع لتحديد سير عجلة القضية وهيكلها.

«نضعه بالحسبان؟! لم يعد هناك مجال للشك، المجرم هذا بريد لفت انتباهي وهو شخص أعرفه أو يعرفني!»

انفعلتُ ناظرا لـعامر بعينين فتحتا على مصراعيها، على
الرغم من أني شخص قليل الانفعال.

«وتريد أن تقنعنا بنظريتك وأنت لا تعرف حتى من هذا الذي قد يلاحقك؟! إما أن تأتي لنا باسم للنظر في أمره أو أن تلتزم بما بنيناه سابقا!»

كان انفعاله متوقعا، نظرًا لملامحه الحادة المطابقة لطباعه... ليلتفت نحو سراج و رعد حتى يحددا مواقفها.

أخذتُ نفسا عميقا وهدأتُ من انفعالي حتى لا ترتفع الأصواتُ أكثر، لأقول بعد ذلك بكل هدوء:
«كن منطقيا يا رجل، حتى الطفل ياسر في الجريمة الأخيرة لم يكن من مدرسة الحارس حمدي! فحتى سير القضية القديم لم يعد به اسم نستطيع ملاحقته والبحث في أمره، ناهيك عن أن التواصل مع أقارب حمدي لم يُجده»

تدخل الرائد سراج أخيرا قائلا:
«ربما اختار طفلا من خارج المدرسة هذه المرة حتى يبعد التهمة عن نفسه»

كدت أرد عليه لولا أن رعد سبقني
«من الصعب اعتقاد ذلك خصوصًا أنه مفقود الآن، فإما أنه هارب فلا فائدة من تمويهه باختياره لضحية من مدرسة أخرى.... أو بريء من كل هذه التهم من الأساس»

كان حالنا يُرثى له، وقفَ رعد بجانب السبورة واضعا يديه خلف ظهره، عامر جلس على مكتبه ونظره للحائط بشعره الفوضوي، سراج استند على الحائط بجوار مكتبه والإرهاق واضح على وجهه الأسمر ... بيها وقفتُ أنا على باب الغرفة المغلق مقلبا بين النردين بحرارة.

تنهد سراج بعمق، فاركا عينيه بيديه قائلا:
«أديم، أرجوك فكر أكثر ... هل من عداوات سابقة تجعل أي أحد يود لفت انتباهك وتحديك ؟ ربما مجرم حبسته منذ زمن بعيد؟»

سفاح الأزقةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن