الفصل الاول

261 8 0
                                    

طعنة الغدر

تحت ستارٍ من ظلام الليل أخذت تتلفَّت حولها بانتباه .. خوفها العنيف يهزُّها بقسوة .. أقل حركة خلفها تجعلها تنتفض بعنف، دعواتها الصامتة تتوالى باستمرار .. قلبها الضعيف يخفق كقرع الطبول، فمازال طريقها طويلًا والظلام يُلقي الرعب في قلبها المسكين .. تعثَّرت في الأحجار الكثيرة التي كانت تغطي الطريق المظلم وغير الممهد الذي سلكته رُغمًا عنها وجرحت قدمها الرقيقة بدون رحمة، لكنها نهضت وأكملت طريقها بإصرار .. "منذ متى كان لديها الخيار؟؟".                                                              وجهتها هي "غرزة حنفي" كما يُسميها مرتادوها .. اختار حنفي لغرزته بقعةً معزولةً في منطقة مسجلي الخطر، ويحيط بها الخراب والظلام من كل جانب .. المكان أشبه بالخرابة التي يسكنها شياطين الإنس وشياطين الجان  فالطريق إليها مهجورة كليًّا وعلى جانبيها أبنية مُتهدِّمة وكان لعنةً ما أصابت تلك المنطقة وتركتها حطامًا ..

تلك الغرزة المقيتة يجتمع عندها طالبي المزاج والمتعة الحرام، ومن بينهم أبوها فرج .. عم فرج السَّباك .. أشهر زبائن الغُرزة، وواحد من الوجوه الدائمة فيها، على الرغم من سنوات عمره الخمسين، وأبنائه الأربعة.

الرحلة اليومية للغرزة هي جزء من روتينه اليومي، واليوم ذهب أيضًا على الرغم من توسلاتها الحزينة ..
فهي توسلت له كثيرًا كي لا يذهب اليوم قبل الاطمئنان على والدتها المُلقاة أرضًا بعد سيل من اللكمات الغاضبة أصابت وجهها .. فكان نصيبها صفعة قوية ألقتها أرضًا هي الأخرى لتلحق بوالدتها ولتمتزج دموعهما بتراب الأرض ..
وعلى الرغم من ألمها الشديد نهضت بصعوبة وقالت:

- أبي أرجوك ابقَ فقط حتى تفيق أمي .. لا أدري ماذا أصابها، فهي لا تستطيع التحدث؟
على الرغم من رجائها الملتاع والذي كان أحرى بأن يلين قلبه .. نظر إليها بسخرية، وخرج إلى وجهته المشؤومة كعادته وكأنه لم يفعل أي شيء
 بعد مغادرته .. اتجهت مجددًا تحاول إيقاظ "عواطف" والدتها المسكينة والملقاة على الأرض والدماء تغطي وجهها وتذهب الباقي من ملامحها التي سبق وأجهز عليها زوجها من قبل ..

المشهد المعتاد يُكرَّر يوميًّا حتى بات من الطبيعي أن تراه ولكن الجديد اليوم كان إغماء والدتها .. كانت تقع أرضًا كل يوم بعد أن تنال نصيبها من غضب فرج وضربه المبرح بدون أي سبب، أو بسبب تافه لا يستحق غضبه العنيف الذي يوجهه إليها ..     

واليوم السبب في عنفه -الزائد عن الحد- كان طلبها منه أن تكمل ليلى تعليمها الثانوي ..

وترجَّته بيأس أن يلغي فكرة عملها كخادمة في أحد المنازل .. إحساس رهيب بالذنب تملَّكها .. فهي علمت أن والدتها لم تحتمل صدمتها عندما علمت ما خطط له والدها .. ونظراتها ترجت والدتها بيأس .. لكنها كانت تدرك جيِّدًا ما سينال عواطف من عقاب إذا ما تجرأت وعارضتْه.. البطش لديه أسهل من إلقاء السلام ستكون مجرمة إذا ما تركت والدتها تواجه عنفه لمجرد أنها تجرأت وعارضته .. هل إكمالها لتعليمها يستحق أن تغامر وتجعل والدتها تتلقَّى اللكمات والصفعات .. أنها لن تكون بتلك الأنانية وتترك والدتها لتتلقَّى نوبة من نوبات غضب والدها، فقط بسبب أنها تريد إكمال تعليمها .. ولكنها أيضًا كانت تعلم قلب الأم جيدًا وتعلم أنه لن يقبل, فحينما أخبرتْها أنها لا ترغب في إكمال تعليمها، وأنها لا تريد المزيد من المشاكل، وبأنها سوف تقبل بوظيفة الخادمة .. كان رد والدتها يُبكي القلوب، والتي قالت بأسى:

حارة جهنمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن