الثامن عشر

61 5 0
                                    

موت وحياة

"عندما يكون الموت بداية للحياة فاعلم أن قوانين الكون على وشك أن تتبدل".                                                                                 استيقظت مجددًا بعد الفجر بقليل على اتصال من سعد، الذى أمرها بدون أي مقدمات:

- تعالي فورًا، من لهجته علمت أن ذهابها إليه ليس اختياريًّا، فهو لم يكن يطلب منها بل كان يأمرها.. وعندما يأمر سعد فلا سبيل للرفض:

 - حسنًا.
في دقائق معدودة استعدت للخروج، تذكرت أن سيارتها مركونة في مكان ما بالقرب من السجن، ستخرج مجددًا بدون إذن كريم، اتصلت على هاتفه لتخبره لكنه كان مغلقًا، قصدت غرفة ريم لتخبرها  لكنها كانت نائمة، لذلك لم يكن أمامها خيار،عادت لغرفتها بيأس، أحضرت ورقةً وقلمًا، وكتبت بدموعها:                                                                                        " لن أقول إلى حبيبي؛ فوصفك بحبيبي لن يعبر عن مشاعري الحقيقية، فالكلمات تقف عاجزة عن التعبير عن الحب عندما يكون بمثل قوة حبي .. كريم .. خروجي من المنزل اليوم ليس اختياري، وسامحني لوصمك بالعار فأنا كنت الزوجة التي تحني رأس زوجها .. وصمة أبي حملتها أنا لسنوات، ولم يكن لي الحق أبدًا بإخفاء الأمر عنك ووصمك بذلك العار معي، لكن مبرري الوحيد كان أني أحبك .. الحب في السراء والضراء، لكن حبي كان ضررًا فقط .. مهما كان قرارك سأظل أحبك حتى آخر يوم في عمري".

دموعها الغزيرة اختلطت بحبر كلماتها على الورق .. والدموع محت كلمات رسالتها ومن شدة بكائها لم تنتبه إلى ذلك .. تبقي فقط من كلماتها الحزينة الصادقة التى كانت تحمل كل ندمها "سامحني لوصمك بالعار".
غادرت الفيلا في سيارة أجرة أخذتها إلى المشفى حيث وجدت سالمًا في انتظارها أمام باب الاستقبال الرئيسي، كم تبدل الحال منذ الأمس، فأروقة المشفى المتهالكة ذات الشقوق الضخمة ورائحة الموت النفاذة تحولت إلى مشفًى فاخرٍ يبعث على الأمل، وعنبر المرضى الجماعي أصبح جناحًا خاصًّا يقف على بابه عسكر في ملابس مدنية وليست عسكرية، يالسخرية القدر، فرج الآن يعامل كأنه ملك وللأسف هو لا يشعر بذلك، فرج سدد دينه بالكامل حتى أنه لم يستمتع للحظة واحدة بنفوذ سعد أو بأمواله.
في الداخل كان هناك فريق من الأطباء يقف بجوار فرج، سعد التفت إليها وأحاط كتفيها بذراعيه، سمعت أحد الأطباء يقول:

- وقت الوفاة السابعة وخمس وأربعون دقيقة صباحًا.
الغثيان ضربها مجددًا، تركت سعدًا وركضت نحو الحمام، مصدر ألمهم توفي أخيرًا بعدما سدد كامل ديونه.. 
خرجت من الحمام بصعوبة وهي تترنح وتستند إلى الجدران، شاهدتهم يغطون وجهه بشرشف فراش المستشفى الناصع البياض تذكرت عواطف في الحال، لكن عواطف توفيت وحيدة وفي مشفًى حكوميٍّ بدون وجودهم إلى جوارها.
الحسنة الوحيدة التي نالوها جميعًا حتى فرج نفسه كانت مكان الوفاة في شهادة الوفاة، فلم تعد سجن طرة أو مستشفى سجن طرة، بل كانت مستشفى الفتح؛ مستشفى الرؤساء وملوك المال، مكان يليق بوالد سعد السناري الذي تدخل لمنع أي شخص من معرفة أنه سجين، لا أحد علم أنه سجين، الحراسة على الباب في ملابس مدنية، نفوذ سعد تدخل مجددًا وصنع لهم درعًا واقيًا كعادته، كان يستخدم أمواله ببذخ لتغطية ماضيه المشين ليس من أجله فقط بل من أجل إخوته أيضًا.
أموال سعد الخرافية التي دفعها للمستشفى اشترت صمت جميع الأفواه، أخفت أي خبر عن دخول فرج للمستشفى الذي مات في صمت شديد، أخيرًا سمحت للدوران يتملك منها كليًّا، في لحظة واحدة هوت على الأرض أمام باب الحمام.
                                       ****
- مبارك عليكما، المدام حامل .
استيقظت على كلمات الطبيبة وهي تهنئ سعدًا بحملها.
عيناه اغروقت بالدموع:

حارة جهنمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن