الفصل الثالث

88 7 0
                                    

عودة الغائب

"لطالما كان نصيبهم وافرًا من قسوة الحياة، لكن الغائب عاد ليمنحهم النجاة، وسيحمل الهم عنهم إلى الممات .. فحبه هو درعهم الواقي من الأزمات".

في حركة واحدة مجمعة هجم سالم وحسن وليلى على سعد الذي استقبلهم بذراعين مفتوحتين احتوت ثلاثتهم .. الحمد لله، دعوات ليلى استُجيبت أخيرًا وعاد سعد الغائب منذ سنوات .. عاد كما وعد .. عاد لأجلهم .. أكبر بأربعة سنوات ولكن أقوى كثيرًا عن الماضي .. خطوط الحزن محفورة على وجهه الشاب .. شعره المطعم بشعيرات بيضاء كثيرة أعطاه عمرًا أكبر من سنوات عمره التسعة والعشرين .. الأهوال التي أحاطت به في سنوات غربته جعلت الشيب يغزو شعره ويعطيه عمرًا أكبر من عمره لكنه كان عمر الخبرة التي اكتسبها .. سعد الغائب احتفظ بمفتاح منزلهم طوال السنوات الماضية وحينما حانت اللحظة عاد إلى حياتهم بمفتاحه وبقلبه الحنون..
تكلم ثلاثتهم في نفس واحد .. تداخلت الأحرف والكلمات .. سألوه أين كان ولماذا لم يتصل بهم منذ سنوات؟ وأخبروه عن وفاة عواطف وسجن فرج
وسعد امتزجت دموعه بضحكاته:    

- برفق يا شباب كي أتمكن من فهمكم .. سأحكي لكم كل شيء لكن دعونا نحتفل بنجاح ليلى أولًا..
صاحت ليلى بدهشة:  

- هل علمتَ بنجاحي؟
أجابها بحنان ..

- نعم .. أنا في الحارة منذ ما يقرب من الساعة وتطوع الجميع لإخباري بما حدث في سنوات غيابي .. دعونا نؤجل الحزن والعتاب لِما بعد .. وأنت يا سالم افتتح الكعكة فأنت تستحق .. لقد حملت حملي أنا وأثبتَّ أنك قادرعلى حمله أنت وحسن أيضًا، لكن من اليوم أنا عدت لأتحمل مسؤوليتي.
مشاعرهم مضطربة .. فرحة عودة سعد ونجاح ليلى اختلطت بحزن تذكر الماضي الأليم وفتح الجراح من جديد .. كأنهم فقدوا عواطف اليوم مرة آخرى .. مشاعر غريبة تملَّكتهم .. شفاههم ترسم البسمة وعيونهم تبكي الدموع .. دموع اختلطت بكل قطعة كيك تدخل أفواهم .. طعم الملح من الدموع امتزجت بحلاوة عودة سعد .. فكانت النتيجة مدهشة..
أخيرًا سعد استطاع الكلام بعدما سيطر على مشاعره المتأججة ..  

- لقد علمت بما حدث .. لقد فات حتى وقت حزني وحدادي عليها .. من اليوم وصاعدًا نحن انتهينا من الماضي للأبد وسأعوضكم عن كل لحظة شقاء مرت بكم.

وكأن كلامه أزاح حملًا ثقيلًا عن أكتافهم .. حِمل إعادة أحداث اليوم المشؤوم من جديد .. أحداث محاكمة فرج وسجنه .. سعد ضحَّى بفضوله في معرفة ما حدث في مقابل إغلاق باب الألم نهائيًّا..

الأمر المثير للدهشة أنه عاد إليهم يرتدي نفس الملابس التي كان يرتديها يوم مغادرته ..

 فرحتهم بعودته لا توصف ولكن فضولهم ينهشهم .. فضول لمعرفة أين كان طوال أربع سنوات وكيف حاله .. سعد الحالي مختلف تمامًا، أكبر وأقوى وأكثر قدرة على اتخاذ القرار .. قادرعلى حمايتهم والسيطرة عليهم وفي الوقت نفسه حنون بدرجة لا توصف .. لم يتبقَّ من سعد القديم غير ملابسه البالية.. لكن قوة شخصيته كانت طاغية .. لمسوها فورًا، فهو كان محاطًا بهالة من القوة شعروا وكأنهم يرونها .. كان يبدو عليه أنه معتاد على إلقاء الأوامر وانتظار تنفيذها كما يتوقع .. أما سنوات غربته فزادته وسامةً، والشاب نضج ليتحول إلى رجل ينبض بالرجولة .. عضلاته ارتسمت لدرجة أنه كان يستطيع أن يكون أطلس حي لطلبة التشريح من بروزعضلاته المميز .. عضلات لا تُبنى من بروتين صالات الرياضة، لكن من العمل الشاق المضني الذي ينحت الجسد ويشذب العقل ويكبح جماح الشهوات.
وفورًا لتأكيد عزمه على نبذ الماضي بادرهم بحزمة من القرارات الصادمة التي تركتهم في حيرة شديدة:     

حارة جهنمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن