- لحظات كالعمر تلك التي بين الآذان وإقامة الصلاة . . فما من شيء سألته خلال تلك اللحظات إلا وأعطيته الحكمة من منعه . . أتعجب كيف يفوت الكثير هذه الدقائق التي يستجاب فيها الدعاء . . ألك حاجة !! . . ومن منا ليس له حاجة . . قف بين يدي من له ملكوت كل شيء وأسألها . . أطلبها من الغني الذي له خزائن السموات والأرض .
اعتقد - والله أعلم - أن الحكمة من وجود عقبات وتحديات يومية هو تجديد الإيمان ، لعل مصطلح تجديد الإيمان قد إعتاد الناس على سماعه دون فهمه بعمق !! فإذا سألت أحدهم هل هو مؤمناً بالله تعالى حقاً ؟؟
سيستنكر سؤالك ويتعجب كيف تسأله هذا السؤال ، فهو بالطبع مؤمن بالله تعالى ويؤدي العبادات ويحب الله عز وجل . . وإذا جاءك نفس الشخص يشتكي لك سوء حاله، أو تعثر حياته، أو مشكلة تسببت في ضيق صدره، أو دين يرهقه ونصحته أنت بأن يسأل الله تعالى مسألته، أخذ بنصيحتك وكأنها أمرا ثانوي . .
فيقول لك نعم نعم سأسئل الله عز وجل بالطبع ولكن ما رأيك أن أفعل كذا وكذا !! فهو يريد سبب مادي يحل به مشكلته، وإن نصحته ثانية بأن يسأل الله وحده، قال لك إن هذا تواكل، ألم يأمرنا الله تعالى بالأخذ بالأسباب !!
وتحت الأخذ بالأسباب تجد هذا يسأل فلان لتوظيف إبنه ، والآخر يقف عند باب مدير منتظراً أمر لتيسيير طلبه، وهذه تشتكي لصاحبتها سوء حالها، والعجيب أن أولئك الذين يسألون الخلق دون الخالق ويشتكون الخالق للخلق يتفننون بعرض مسألتهم أو شكواهم ويكون لسانهم أفصح ما يكون، ولكن عندما يسجدون بين يدي من له ملكوت كل شيء . . ومن هو على كل شيء قدير . . ومن له خزائن السموات والأرض . . يتلعثم لسانهم ولا يدرون ما يقولون . . ذهبت الكلمات والعبارات . . أتدري لماذا ؟
لأنهم إعتادوا أن يسألوا فقراء، فقير يسأل فقير لا يملك من أمره شيئاً، حتى وإن كان من يسألوه هو ملك من ملوك أو رئيس من الرؤساء أو أيا كان فهو لا يملك من أمره شيئاً، ففي لحظات يمكن أن يكون طريح قبر ضيق، لا حول له ولا قوة، يحمله من يحمله ويضعه من يضعه .
أسأنا فهم الأخذ بالأسباب حتى نسينا رب الأسباب أي تلك التي نجت يونس -عليه السلام- وهو في بطن حوت في أعماق بحر يغشيه ظلام الليل، فلو جئنا بأقوى ملوك الأرض وأكثرهم عدة فهو لن يستطيع أن يخرج يونس -عليه السلام- . . وأي أسباب تلك التي نجت إبراهيم -عليه السلام- وهو مقيد ملقى به في النار . . وأي أسباب تلك التي نجت موسى -عليه السلام- وفرعون وجيوشه من خلفه والبحر من أمامه . . وأي أسباب تلك التي جعلت يوسف -عليه السلام- عزيز مصر له خزائن الأرض بعد أن كان سجين لا ترى عينه الشمس !!
ومن ذا الذي يستطيع أن يربط على قلب أم تلقي بإبنها في البحر خشية أن يُقتل . . ومن ذا الذي يستطيع أن ينجي فتية صغار إجتمع أهل قريتهم على قتلهم، لعلك تقول هذه معجزات للأنبياء وكرامات للصالحين لا دخل لنا بها فقد ذهب زمن المعجزات . .
فأقول لك وما لك والمعجزات، أليس الإله الذي تعبده وتؤمن به هو من أحدث تلك المعجزات ، من نجى هؤلاء قادرا على أن ينجيك، ومن حقق مسألة هؤلاء قادرا على أن يحقق مسألتك، ومن ربط على قلب هؤلاء قادرا على أن يربط على قلبك . . كف عن التدبير وأنشغل بالتدبر، فالله الصمد قادرا على أن ينجيك ويحقق مسألتك ويربط على قلبك من غير معجزة، قالها موسى -عليه السلام- "كلا إن معي ربي سيهدين" عندما رأى قومه جيش فرعون خلفهم والبحر أمامهم وقالوا له إنا لمدركون، لم يفكر موسى -عليه السلام- في الأسباب ولا الحلول المنطقية بل فكر في رب الأسباب أولاً وكله يقين، فكان رده "كلا"
وهي أداة نفي تفيد الردع والزجر والاستنكار .
وبالفعل بعد هذا اليقين والإيمان المطلق الذي أبداه موسى -عليه السلام- هداه الله عز وجل الأسباب أخذ بها حتى وإن لم تغنى من الأمر شيئاً . .
أوحى إليه الله تعالى أن يضرب بعصاه البحر وهو القادر أن يفلق البحر بدون عصا، لكن أراد الله عز وجل أن يعرفنا ماهية الأسباب التي نأخذ بها ، أسباب في إطار طاقتنا، أسباب في حدود أنفسنا، ولم يأمره الله العزيز أن يرجع لفرعون أو يتفاوض معه ، فهذا ليس أخذ بالأسباب !! هذا هو معنى الإيمان الذي أقصده ، أن تأخذ بالأسباب التي في قدر طاقتك ثم تكون على يقين بأن معك رب سيهديك، ذلك اليقين هو الذي جعل نوح - عليه السلام- يصبر على أذى قومه وسخريتهم، أتدري لماذا كان يسخر قومه منه ؟؟
لأن أمر الله عز وجل جاء بأن تبنى السفينة في الصحراء فأتهموه قومه بالجنون وسخروا منه، فأي سفينة تلك التي ستبحر في الصحراء !!
لكن لم يفكر نوح -عليه السلام- في الأسباب التي ستجعل السفينة تُبحر، فالأسباب مستحيلة قياساً على التفكير المادي والمنطقي للبشر . . ولكن إتجه نوح -عليه السلام- إلى رب الأسباب "فدعا ربه إني مغلوب فانتصر" لأنه يعرف قدرة الإله الذي يعيده . . وجاءت الإستجابة :
"فقتحنا أبواب السماء بماء منهمر . . وفجرنا الأرض عيوناً فالتقى الماء على أمر قد قدر"، كان السبب الذي جعله الله الحكيم للنجاة هنا هو السفينة التي بنيت بمجهود نوح -عليه السلام- والذين آمنوا معه ، سبب في إطار طاقتهم وسعة أنفسهم إجتهدوا حتى يأخذوا به . .
وفي كل جانب من جوانب حياتك هناك أسباب تأخذ بها في إطار طاقتك وسعة نفسك ، لا تفكر في كيفية عمل تلك الأسباب فنوح -عليه السلام- لم يفكر في كيفية إبحار السفينة ، هو فقط إجتهد فيما تطيقه نفسه، خص الله تعالى ذاته بكيفية عمل تلك الأسباب حتى يتجدد الإيمان في كل يوم تعيشه حتى لا تنسى القدير الذي يسير هذه الأسباب .
أما منك فلا !!! قالها خليل الرحمن إبراهيم -عليه السلام- وهو مقيد قبل لحظات من إلقاءه في نار إستغرق قومه شهور في إعدادها ، حتى كانت تلك النار تأكل الطير في السماء ، قالها لجبريل - عليه السلام- الذي كان له ستمائة جناح، الجناح الواحد يسد الأفق، عندما سأله "ألك حاجة ؟؟ "
فكان رد خليل الرحمن الذي لم يعتاد أن يسأل "أما منك فلا"
هذا هو حال من كان قلبه مطمئناً بالله ذو القوة المتين ، يقين تام وثقة لا حدود لها جعلته يرفض سؤال أحد غير الله العزيز وهو على بعد لحظات من حرقه ، لم ينزل المطر فيطفيء النار ، ولم تهب ريح فتقتلع قومه وبيوتهم ، لم يحدث شيء ينبئه بالنجاه، ولكنه كان على علم بأن الحكيم الرحيم لن يضيعه، فألقى في النار ثم خرج منها سالماً والقوم يتعجبون فقال له أبو آزر وكان من الكافرين: "نعم الرب ربك يا إبراهيم" تعلم فن الإلتجاء إلى الله تعالى بيقين وثقة ، ما أمرنا الله عز وجل أن نسأل غيره تحت مسمى الأخذ بالأسباب، ما أمرنا الله تعالى به هو أن ننظر في أنفسنا ونعمل قدر سعتها وطاقتها وأن تأخذ بكل الأسباب التي نستطيع أن نفعلها في حدود أنفسنا دون أن نسأل غيره سبحان وتعالى، قال الله عز وجل" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة " هذا أمر يحتاج للعمل والكد الشخصي ولم يأمرنا الله تعالى بأن نستعين بالآخرين في إعداد القوة أو تطلب منهم المدد أو تسألهم أن يمنعوا عنا الشر عدونا فهذا ليس أخذ بالأسباب إنما هذا هو التواكل، فإن كنت تريد أمرا، أعد له ما تستطيع وتوكل على الله الوكيل وهو يكفيك .
لا تسأل أحد مع الله تعالى ولا تستعين بأحد غير الله مع العزيز ، أنظر في القرآن الكريم فلن تجد آية واحدة من الفاتحة إلى الناس تأمرك بأن تسأل أحد مع الله تعود أن تسأل الله عز وجل في كل أمور حياتك صغيرها وكبيرها ، وإذا سألت الناس فليكن سؤالك عن شيء تجهله أو نصيحة تطلبها وألا يبقى في قلبك مثقال ذرة أن هذا الذي تسأله يديملك من أمرك شيئاً، أيا كان منصبه أو قوته فأمرك كله بيد الله ذو القوة المتين، في كل يوم ، أنت بين حاجة تطلبها، أو أمر تريد تيسييره أو هماً ضاق به صدرك، أو هدفاً تسعى لتحقيقه، أو نعمة تشكرها، أو شئ تخاف منه أو عليه . .
إجعل صلاتك وكأنها زيارات لمن له ملك السموات والأرض، وتخيل إنك تقف بين يد من هو على كل شيء قدير، هل تعي المعنى ؟؟
هذا الله تعالى على كل شيء قدير ، كل شيء أيا كان هذا الشيء، أطلب منه ما شئت، ألقي بهمومك ومشاكلك اليومية في كل صلاة تصليها، إحرص أن تكون في المسجد بين الآذان والإقامة، صلي ركعيات إسأل فيهم مسألتك، إسأل الله الواسع السعادة، وإسأله الطمأنينة ، الأمر الذي تخاف منه إسأله أن يكفيك إياه، الأمر الذي تخاف عليه إسأله أن يحفظه، الأمر الذي تخشى نتائجه إسأله التوفيق فيه، إسأله أن يسد عنك دينك، إسأله البركة في الرزق، إسأله زيادة النعم، إسأله حبه ليحبك، رب له ملك السموات والأرض وخزائنهن، لما يمنع عنك شيئاً هو في ملكه لا شيء . . لما يرهقك . . لما يضيق عليك .
يقول الله عز وجل "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم " أنت إن فهمت الحكمة من المصائب وتحديات الحياة اليومية لإطمئن قلبك وغمرتك سكينة لا حد لها ، هذه المصائب والتحديات هي من تجعلك على صلة حقيقة بالله تعالى في كل يوم تعيشه، ستشعر بمعنى العزة الحقيقي عندما تجد حاجتك تساق إليك، ستتعرف على معنى الإيمان الحقيقي، ستتعامل مع الله تعالى بمنظور مختلف وستكون الصلاة هي وسيلتك للإتصال بالله القدير السميع البصير .
تلك الصلاة التي تبدو روتينية للبعض ليست فقط وسيلة لإصلاح أمورك وتحقيق حاجاتك وجلب الطمأنينة إلى قلبك، لا بل هناك ما هو أعظم من ذلك ، فإذا كسفت الشمس وخسف القمر وجفت الأرض وحدثت أمور لا يملك أقوى أهل الأرض حلها . . أمرنا الله تعالى أن نصلي حتى يغير - وهو القوي الخافض الرافع - أمور كونية تفوق قدرة أهل الأرض الفقراء المساكين بكل ما يملكون من معدات وتكنولوجيا . . أمرنا أن نصلي حتى تتغير موازين الكون فشرع لنا صلاة كسوف وخسوف وإستسقاء، صلاة تغير موازين الكون كيف لها ألا تغير حالك !!- هو الحكيم :
---------------
الله حكيم . . ما إن دعوته فهو يختار الخير لك، فربما حجب عنك أمرا تراه أنت خير ولكن الله الحكيم الخبير يعلم إنه شر لك، فلا يستجيب لدعوتك ويدخر أجرها لك، لذلك يدعي الكثير أن الله تعالى لا يستجيب دعائهم، مما يقودهم للظن بأن الله عز وجل لا يحبهم أو إنه لا يستجيب لهم بسبب ذنوبهم، فيدفعهم ذلك إلى اليأس وسؤال غيره .
فاعلم أن سبب عدم إستجابة الدعاء هو سؤال مع الله الله تعالى أو عدم اليقين بقدرة الله -تعالى جده- على تحقيق ما سألت، لأن الله عز وجل يقول في الحديث القدسي: " أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه "
فأحذر أن يقع في نفسك أن الله السميع لا يسمعك أو لن يستجيب لك، أنت تتعامل مع رب قدير حكيم، أطلب ما شئت وأعلم أن الحكيم يختار لك، ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم- أن الله تعالى يضحك من قنوت العبد مع قرب رفع البلاء ، فقال الصحابة -رضوان الله عليهم- أويضحك الله تعالى ؟ فقال سيدي -عليه الصلاة والسلام- نعم يضحك، فقالوا والله لن نعدم خيرا من رب يضحك .
ما أهمك في الليل وأطار نومك قم وإطرحه على باب المهيمن في صلاة الفجر . . الأمر الذي لتقضيه ولم ينقضي إرسله إلى الميسر في صلاة الظهر . . وإن واجهتك مشكلة تبدو وكأنها ليس لها حل إعرضها على العليم في صلاة العصر . . وهكذا . .
كل ما يشغلك بين الصلاة والصلاة إسأله في الصلاة ، وإن وسوس لك الشيطان بأنك مذنب أو مقصر والله لن يستجيب لك - تعالى الله عن هذا-ردد بصوت مسموع: "أمن يجيب المضطر إذا دعاه" . .
إذا أذنبت وتملك منك القنوط، إستغفر الله الغفور وردد بصوت مسموع "أن الله يحب التوابين " .
لا تسمح للشيطان بأن يتدخل في علاقتك مع الله القريب، يقول الله عز وجل "الشيطان يعدكم الفقر"
فكلما وسوس لك بأنك سوف تفتقر أو أن الله تعالى لن يغفر لك، رد هذه الوساوس بوعود ورسائل الله الودود لك ، من الآن لا حاجة لك بسؤال الناس . . كل يوم لك خمس زيارات أساسية مع من له ملك السموات والأرض . . ومن هو على كل شيء - كل شيء - قدير . . ومن له خزائن السموات والأرض . . ومن هو مهيمن على الكون . . والقاهر فوق عباده . . والذي هو على كل شيء حفيظ، هذه الزيارات هو من دعاك إليها وهو الغني وأنت الفقير إليه في هذه الزيارات لن يقاطعك إن أطلت الطلب وألمحت السؤال وهو العليم وأنت الجاهل إليه . . بعد هذه الزيارات ستنال مسألتك وسيكرمك الكريم بسكينة لا مثيل لها تنسيك ما سألت لفرحتك بمعرفة من سألت .
فلو شاهدت عيناك من حسننا
الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا
خلعت عنك ثياب العجب وجئتنا
ولو ذقت من طعم المحبة ذرة
عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنا⸰.🌸⸰.⸰.🤍⸰.⸰.🌸⸰.⸰.🤍⸰.⸰.

أنت تقرأ
فاتتني صلاة !! لـ (( إسلام جمال))
Espiritual"فاتتني صلاة" هي كتاب من تأليف الكاتب الدكتور عائض القرني. يتناول الكتاب موضوعات دينية تتعلق بالصلاة وأهمية الالتزام بها، ويشجع على تحسين العلاقة بالله وتطبيق المبادئ الإسلامية في الحياة اليومية."وهي فكرة تتعلق بفقدان أداء الصلاة في وقتها المحدد، وع...