-وأصطبر عليها . . كان هذا أمر من العليم الحكيم لحبيبه -عليه الصلاة والسلام- الذي كان يصلي صلاة النافلة بالليل حتى تتفطر قدماه وكان جزأ لا يتجزأ من صلاة الفرض، ففي عصره إرتبطت صلاة الفرض بوجوده . . المصطفى من كل الخلق ليحمل مهمة تبليغ فرض الصلاة للبشرية . . أترى لماذا يوجه مثل هذا الأمر للمفوض الأول عن الله لتبليغ أمر الصلاة ؟ هل رأي الله اللطيف من النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- شيئاً من الجزع في نفسه بشأن الصلاة فأرسل إليه هذه النصيحة في صورة أمر . . وأصطبر عليها !!
بالطبع لا . . كيف وقد كانت الصلاة له قرة عين ومبلغ الراحة، كيف وقد كان يصلي في كل وقت . . فروض وسنن ونافلة . . حضرا وسفرا . . قبل نومه صلاة وبعد استيقاظه صلاة . . كان شكره صلاة وصبره صلاة . . فرحه صلاة وحزنه صلاة رخاءه صلاة وشدته صلاة . . إذن لماذا "وأصطبر عليها" !! المقصود بالصبر هنا هو الصبر على نتائج الصلاة، الصبر على ثمارها، كانت الصلاة ولا تزال هي الفعل الأكثر تكراراً في حياة أي مسلم . . جعلها الله العليم الحكيم أداة تغيير، هي الفعل القادر على تغيير سلوك وفكر من يقوم به، لكن هذا التغيير لن يحدث بين ليلة وضحاها لذلك جاءت "وأصطبر عليها" .
وأصطبر عليها . . جاءت في سباق من الآيات تتحدث عن الصمود والمثابرة والصبر لتحقيق هدف معين (رسالة الإسلام والإيمان آنذاك) وعدم الإكتراث لنقد الناقدين ولا لظهور الأمور التي من شأنها تشتيت كل من يسعى لهذا الهدف .
"فأصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها . . ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى . . ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه. . . ورزق ربك خير وأبقى . . وأمر أهلك بالصلاة . . وأصطبر عليها . . لا نسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى "
جاءت الصلاة بتكرارها كتدريب على الصمود والمثابرة من أجل تحقيق هدف هو الأسمى في تاريخ البشرية (نشر دعوة الإسلام) كان الساعي لهذا الهدف سيد الخلق -عليه الصلاة والسلام- لا يملك شيئا من ماديات هذه الدنيا، صمد وثابر وحيداً معتمداً على الله القوي القدير في مواجهة أشرس البشر وأصلب الشخصيات، ليس ذلك فقط بل في مواجهة مغريات الحياة التي كانت تعرض له أو التي حرم منها من أجل تحقيق هدفه .
نجح النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- من تحقيق هدفه بالصمود والمثابرة حتى خضع لرسالته أصلب وأعند الشخصيات مثل الفاروق عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد -رضي الله عنهم- وظل الصمود والمثابرة صفة من صفات النبي -عليه والسلام- حتى فتح مكة .-نابليون هيل :
----------------
نابليون هيل Napoleon Hill هو كاتب أمريكي مشهور، لن تجد شخصاً ناجحاً في مجال زيادة الأعمال الآن إلا وقد قرأ كتابه الأشهر (فكر تصبح غنياً- Think & Grow Rich) الذي طبع عام 1937 ولكنه مازال يباع حتى الآن وقد صنف ضمن أكثر الكتب مبيعا على مر التاريخ .
إستفرق نابليون هيل أكثر من 25 عاماً لتأليف هذا الكتاب الذي أعتمد على البحث والملاحظة وتجميع المعلومات وتدوين الأفكار، بعد قيامه بمقابلة 40 مليونير في مجالات مختلفة ليتعرف على الرابط المشترك ونقطة التلاقي بين جميع من استطاعوا تكوين ثروات ضخمة .
ففي بدايات القرن العشرين كلف الملياردير الاسكتلندي الأصل أندرو كارنيجي Andrew Garnegie الكتاب الصحفي الشاب نابليون هيل بأن يقوم بعقد مقابلات المليونيرات في ذلك الوقت وكان على رأسهم أندرو كارنيجي لكي يتعرف على أسرارهم وينشرها في كتاب، حيث أن جميع هؤلاء المليونيرات قد بدأوا من الصفر ولم يكن للصدفة أو الحظ دور في تكوين ثرواتهم .
فأنطلق هذا الأخير ليلتقي بنخبة من الناجحين ومليونيرات ذلك الزمان، حيث التقى هنري فورد ملك صناعة السيارات، وتشارلز شواب مليونير الحديد والصلب، وجون روكفولر أغنى رجل في ذلك العصر، وثيودور روزفلت الرئيس الأمريكي السابق، ورجل الأعمال توماس أديسون الملقب بصاحب الألف اختراع وغيرهم الكثيرين؛ ليستخلص منهم آراءهم ورؤيتهم حول صناعة الثروة والمال، فهي روايات شخصية عن رحلة كفاح ونجاح وخطة تطوير الشخصية ووضع كل هذه الأسرار والمبادئ بشكل مرتب في كتاب Think & Grow Rich, ذكر نابليون هيل صفة المثابرة Persistence كمبدأ من المبادئ الأساسية للنجاح في الفصل التاسع من كتابه وكانت المثابرة بالفعل صفة مشتركة بين كل هؤلاء المليونيرات، لكن العجيب أنه عندما أراد نابليون هيل أن يعطي مثالاً عن صفة المثابرة ذكر النبي -عليه أفضل الصلاة والسلام- وخصص وخصص له فقرة خاصة سماها: "خاتم الأنبياء العظيم - The Last Great Prophet" تحدث فيها كيف أن النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- أحدث هذا التغيير في البشرية رغم أنه لم يتلقى شيئاً من التعليم الإعتيادي في عصره ولم يكن يستخدم المعجزات كأداة لنشر رسالته كما حدث الأنبياء من قبله، أيضاً لم يكن شخصاً غنياً أو صاحب نفوذ وسلطة ومع ذلك ففي سنوات قليلة خضعت الجزيرة العربية كلها لرسالة النبي الكريم سيدي -عليه أفضل الصلاة والسلام- بفضل مثابرته على تحقيق غايته ونشر رسالته .
المثابرة تلك الصفة التي أراد الله العليم الخبير أن يودعها في نفس نبيه الكريم -عليه السلام- حتى يستطيع تحقيق هدفه، جاءت الصلاة بكل ما فيها كتدريب يومي لثقل صفة المثابرة في نفس كل من يريدها . . لذلك جاءت" وأصطبر عليها" لأن ثمار الصلاة لا تُحصد بين ليلة وضحاها، وجد ثمارها النبي -عليه السلام- في كل عقبة واجهها، ففي كل محنة كانت الصلاة هي المعين له على المثابرة . . فسقطت أمامها كل المحن وزالت معها كل العقبات .-إقامة إنسان :
----------------
الغرض من إقامة الصلاة هو إقامة إنسان، ذلك التأثير البسيط اليومي المتكرر الذي تضيفه الصلاة إلى الشخص المصل يؤدي إلى إقامة إنسان جديد مع الوقت .
الصلاة بهذا المعنى، هي دورة تدريبية للنفس تستغرق عمرك بأكمله، تلتزم بحضورها خمس مرات كل يوم، إن أردت أن تستقيم لك حياتك فأستقم في حضورها وأخشىع في أدائها .
كنت أتحدث مع أحد أبطال العالم في رياضة كمال الأجسام وسألته عن التمارين التي يمارسها حتى تغير جسمه إلى هذه الدرجة حيث كان منكبه عريض وخصره نحيف، فأخبرني عن بعض التمارين التي كنت أعرف معظمها تقريباً ولكنه أضاف معلومة مهمة في آخر الحديث . .
أخبرني بأن هناك عامل يغفل عنه الكثير ممن يسعون إلى تغيير شكل أجسامهم، ذلك العامل هو الوقت، نعم أخبرني بأن هذا الجسم المثالي إستغرق سنوات من التدريب اليومي حتى يصل إلى هذه الصورة !!
كما أن تغيير الجسد يحتاج إلى الصبر والتدريب اليومي لسنوات، فإن تغيير شخصية الإنسان وسلوكه وإقامة إنسان مختلف يحتاج أيضاً إلى الصبر والتدريب اليومي، لذلك جاءت الصلاة وجاء معها " وأصطبر عليها" يحضرني هنا مشهدين للفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أولهما قبل إسلامه والآخر بعده . . المشهد الأول يصور لنا تلك الشخصية الصلبة ذو الطابع الغليظ، داخل تلك الشخصية رفض عمر حتى النقاش مع أخته التي أعلنت إسلامها وأنهال عليها ضربا حتى سال الدم وجهها . . في ذلك الوقت لم يكن عمر أميرا أو رئيساً حتى لم يكن له حق التدخل بهذه الصورة في إختيارات أخته التي كانت لها حياتها الخاصة، مع العلم أن هذا المشهد كان في بيت أخته على مرأى ومسمع من شخصين أو ثلاثة .
في المشهد الآخر يقف أمير المؤمنين عمر رئيس أقوى دولة في ذلك الزمان على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم- مخاطباً المسلمين في مسألة تتعلق بمهور النساء فتقاطعه إمرأة على مرأى ومسمع من حضور المسلمين وتعدل عليه رأيه . . فصمت الفاروق -رضي الله عنه- بالرغم من أن مقاطعة الخطيب ليست من الأدب ولا تجوز وكان يحق لعمر أن يسكت هذه المرأة إن أراد، ولكنه قال أمام حضور المسلمين "أصابت إمرأة وأخطأ عمر . . كل الناس أفقه منك يا عمر" !! بين المشهدين نرى ثمرة "وأصطبر عليها" واضحة جلية، فلولا ذلك التأثير الذي تضيفه الصلاة يوماً بعد يوم في نفس وسلوك كل مصل لما أختلف "عمر قبل" عن "عمر بعد" . . فأصطبر عليها . ينبغي لنا أن نأخذ الفاروق عمر بن الخطاب نموذجاً لما يجب أن تفعله الصلاة بنا، فقد إستطاع الفاروق أن يجعل من الصلاة وسيلة لتغيير العالم، لقد وعاها وفهمها كما يجب أن تكون، لذلك فقد كانت إقامته للصلاة مختلفة تماماً تصوراتنا للصلاة، فقد إنتقل بصلاته ليربطها بالواقع ليطابقها مع الهدف الذي عزم على تحقيقه وهو تغيير الواقع، ومن هذا التطابق، جملة قالها عمر الفاروق، نقلت لنا عنه من داخل صلاته، قال "إني لأجهز الجيوش في صلاتي" كانت صلاته تمده بتلك الطاقة حتى تجعله يرتقي، يرتقي بنفسه أولاً ومن ثم يرتقي بالواقع فيغيره، فقد كان يعرف وهو يقيم الصلاة أن مهمته تحويل القيم من صلاته إلى واقع يعيشه العالم .︵‿︵‿୨🌸୧‿︵‿︵
أنت تقرأ
فاتتني صلاة !! لـ (( إسلام جمال))
Spiritual"فاتتني صلاة" هي كتاب من تأليف الكاتب الدكتور عائض القرني. يتناول الكتاب موضوعات دينية تتعلق بالصلاة وأهمية الالتزام بها، ويشجع على تحسين العلاقة بالله وتطبيق المبادئ الإسلامية في الحياة اليومية."وهي فكرة تتعلق بفقدان أداء الصلاة في وقتها المحدد، وع...