15- خاتمة عاشق ༚✧

9 2 6
                                    


لكل من إشتاق لذلك النور في حياته المظلمة ولكل من يبحث عن سلام يداوي به هلع نفسه لكل من أسرف على نفسه منتظراً أمطار الغفران . .
تعيده إلى رشده . . فر لبوابة الصلاة . . من بوابة الصلاة تستطيع أن تخرج من كهف ذاتك إلى سماء روحك فتحلق في نسيم الأنس بالله تنهل منه نورا لحياتك المظلمة وسلاماً لنفسك الكئيبة  . . ورضوانا مضيئا نحرق به ذنوبك !
ليس لك إلا أن تفر من أغلالك قاصداً بوابة الصلاة فتنظر إلى نفسك من مرآة هادئة، لا إنفطار فيها ولا أعوجاج فتمد بصرك الحائر إلى أفق أبعد من مدار النظر فيما وراء النظر . . فتجد نفسك وتحتضن قلبك  الذي كان تائها يبحث عن حياة لم يحياها فتعلم أنك في حضرة الصلاة ! وفي حضرة الصلاة تعرج أجنحة نفسك بعيدا عن برك الهموم والأحزان، فأبواب السماء تفتح لإستقبال تلك اللحظات النورانية . . بينما يدبر إبليس مختبئاً من ذلك النور الذي يخترق الآفاق فتتحرك قلوب الكائنات كلها، وترتفع أعينها إلى السماء فترتوي أرواحها بذلك المدد الإلهي .
ها أنت إذن تدخل خلوة الإيمان مفارقاً تيه الوحشة  والضياع، مستقبلاً مقام الأنس بذكر الله الجليل فشد ثيابك إلى أعتابه وذق من كؤوس التعبد نورا وسلاما وغفرانا . . وأحذر أن ينجرف بصرك فتلتفت . . فيلتفت !! وأنى لعبد في مقام الخشوع أن ينصرف عن مشاهدة الجمال،  كل شيء يتلاشى الساعة خلفك،  حتى فكرك يتألم إذا إختلف عن الضياء المتجلي للخاشعين،. قلبك مفتوح الأبواب لا تخفي منك خفقة قلب واحدة،. فالجليل مقبل عليك ناظراً إليك .
إن عبادة فرضت في السماء، بغير واسطة الملاك، لحرية بالإرتقاء صعدا بعشاقها إلى مقامات السماء . . فإصطبري يا أبدان على إدامة التطهر، فإن غصناً ينبت في جوار الغدير لا يجف أبدا، إن لم ينل من فيضه، نال من نسيمه ونداه، وللطريق مكاره لا يطفيء لهيبها إلا أمطار الصبر، فالإصطبار ثمرة من شجرة الإفتقار إلى الله .
ولفاتحة الكتاب عجائب تذوب معها الأماني المستحيلة، تنقص عن كاحلك كل أثقالك لتضعها بين يدي الرحمن الرحيم فإياه نعبد وإياه نستعين، فتحس بنعمة اليقظة ولذة القرب ممن وسعت قدرته وعظمته سعة الكون وضخامته، فيهدأ هلعك وتطمئن نفسك .
ليس لهذه النفس المطمئنة إلا أن ترسل عبرات الفرح بالله فتمد أغصانها المورقة حمداً وثناءا وتمجيدا مستزيدة بكرم الله ونعمه فتفتح سرورا بين ضلوع العبد وهو يشعر بجواب سيدة، فتقف الذات المستجيرة بجوار الله فيجيبها بإلقاء نور السلام على غصنها المضطرب بين خوف ورجاء فإذا الطمأنينة ينفتح أمامها سهول فسيحة ينال العبد منها ما يشاء .
فيزداد شوقك إلى موضع سجودك فترمقه بعينين خاشعتين، ويتسع الإحساس بعظمة الملك في قلبك وأنت تجول في مملكته حتى يملأ عليك جميع كيانك، فأي قلب هذا الذي لا يتصدع من خشية الله ولا يذوب صخره تحت سلطان الله وعظمته، فتستبد بك رغبة قوية في الهبوط من خشية الله . . فتنحني راكعاً له !!
فتتهاوى عروش الغرور ركوعاً لعظمة الله في مقام تقويم النفس ورياضتها وهي منحنية إجلالا لسيدها وكلما طال إنحناءها إزداد إرتقاؤها إلى أفق المعرفة بالله . . فإذا بدقات القلب أهدأ ما تكون وألطف ما تكون، فتنكشف عنه ظلمات الشرود ويهب عليه نسيم الخشية فترتعش كل الجوارح داخل نسيم الرهبة  . . فإذا بتجليات الهيبة والجبال لذي القوة والجبال تنساب على الأنفاس .
فتستقيم واقفا متأدبا حمدا وثناءا إعترافا بجميل العطاء . . فترجع الأنفاس إلى إنسيابها عاجزة عن مقابلة كل عطاء بشكر وكل إنعام بحمد فتملؤك رغبة في الحمد خراً إلى الأرض ساجداً، فيتدفق نور الجليل على بساط سجودك فإذا بتراب الأرض جواهر تشع بجمال السكينة والطمأنينة بين يديه تعالى، فدق الباب فتلك درجات المقام الأقرب، فإرتق في معارج المقربين حتى تغمرك أمطار الغفران فتمسح عنك عناء السفر وتومض حولك أطياف العطاء .
أنت في أقرب خفقة من رب العالمين في مقام لا تفسده عليك أمواج الزمان والمكان بضجاتها . . فيا أيها الشارد عن قافلة السالكين، ذق سجدة واحدة لترى مقدار ما أنت فيه من حرمان، دع عنك عذل العذلين ولذع الساخرين وزجر المتكبرين وانصرف بوجهك إلى مولاك . . وافتح باب سجودك . . فإن لك فيه مقاما يكفيك بما يعجز عن شرحه البيان ووصفه اللسان .
ثم ترفع رأسك خاشعاً بين يدي مولاك . . ترفعه دون أن ترفع بصرك  . . فالجليل مازال قبلك، يرقبك من فوق عرشه العظيم . . أجلسك الكريم بين يديه وهو ذو العرش المجيد، قاصم الجبارين ومذل المتكبرين . . وكان خليقا بالعبد ألا يرى عند مولاه إلا واقفاً ممتثلاً يسمع أمره ونهيه في خشوع . . لكنه الله . . الملك الكريم . . يقبلك عنده جالساً كأنك على ظهر براق يطوي بك السماوات !! وتمضي في تأملات الغفران . . ذاكراً متفكراً  . . رب أغفر لي . . حتى يغلبك نافح الشوق فتضرب بجناحيك إلى المقام الأقرب مرة أخرى . . ساجداً لله الواحد القهار .
فيتجلى ربك بجماله وجلاله على قلبك النابض . . ويأذن لك بالتحية . . ياله من كرم وياله من إنعام . . تلك التحيات الطيبات المباركات إنما هي لرب العالمين . . ثم تدعوا مأذونا بالسلام لحبيب الرحمن . . السلام عليك أيها النبي . . سلاماً يوقد الأنوار في أجنحة القلب .
يا لجمال هذا العبد المحرم في صلاته . . راحلاً إلى الله يبتغي فضلاً منه ورضوانا  . . مضربا عن غوغاء السكارى الشاردين في جحيم الضياع . . ما أجمله وهو يمتطي راحلة النفس المطمئنة فيقطع المسافات  التي تقصر عن إستيعابها الأعمار فيختزلها بين ركوع وسجود في قافلة من السائرين !!

               ⸰.🌸⸰.⸰.🤍⸰.⸰.🌸⸰.⸰.🤍⸰.⸰.
                         تمت بحمد الله
               نلتقي في كتاب آخر بأذن الله

🎉 لقد انتهيت من قراءة فاتتني صلاة !! لـ (( إسلام جمال)) 🎉
فاتتني صلاة !! لـ (( إسلام جمال))حيث تعيش القصص. اكتشف الآن