11- وترتيبها ༚✧

6 1 0
                                    


أترى لو أن مهندساً يبني بيتاً دون تخطيط أو رسم، فهو يطلب من العمال أن يبدأوا بالبناء دون وضع أساسيات وعندما يكتشف الخطأ الفادح الذي فعله يطلب منهم هدم ما بنوه حتى يتم حفر أساسيات مناسبة . . بعد حفر الأساس يبدأ بالبناء من جديد ثم يكتشف أنه لم يتم بناء الأعمدة المناسبة فيشرح في الهدم من جديد وهكذا تخيل كمية الأخطاء التي يمكن لهذا المهندس أن يرتكبها لمجرد أنه لم يخطط ويحضر جيداً للكيفية التي يجب أن يتم بناء البيت عليها .
الغالبية العظمى منا تعيش حياتها على هذه الشاكلة، نبدأ يومنا ونحن لا ندري ما هي الطريقة المثلى التي يجب أن يسير عليها يومنا، لا ندري ما هي الأمور المهمة التي يجب أن نعطيها إهتمامنا وما هية الأمور الأقل أهمية، فنترك أنفسنا للظروف، ولا مانع في أن نستغرق ساعات في حديث لا فائدة منه أو مقابلات لا تجلب لنا إلا التعب النفسي والبدني .
ولعل من أهم الأسباب لعدم الحفاظ على الصلاة هو سوء التخطيط لها،
فكيف لك أن تؤدي صلاة الظهر إن كان وقتها هو نفس الوقت الذي حجزته لموعد الطبيب؟ أو أن وقت صلاة العصر هو نفسه وقت مقابلة الوظيفه الجديدة !! أو إنك أخترت وقت تناول الغذاء مع صديقك العائد من السفر ليكون مع وقت صلاة المغرب !!
سوء التخطيط يفتح بابا لنفسك وللشيطان وللمماطلة في أداء الصلاة، فأول أعذارك المنطقية هي أن تؤدي الصلاة بعد الإنتهاء من الأمر الذي بين أيديك الآن، وما أن تنتهي حتى تجد أن الأمر ثقيل جداً حيث فات أوان وقت الصلاة، الوقت الذي يدبر فيه الشيطان حتى لا يسمع الآذان ويكون فيه مستوى الطاقة أعلى ما يكون كمحفز للصلاة، فحاول إلا تفتح أبواباً للأعذار المنطقية بسوء تخطيطك للصلاة .

- رتب يومك :
---------------
لن تتمكن من الحفاظ على الصلاة بالطريقة المثلى لو أنك دائماً تتفاجأ بوقف الصلاة حيث يؤذن الآذان فتجد نفسك في موقف يمنعك من الصلاة على وقتها . . رتب يومك واعمالك واجعلها تدور حول الصلاة بدلاً من أن تدور الصلاة حول أعمالك فتضيع، رتب مواعيدك بحيث تكون في الأوقات بين الصلاة وليست في وقت الصلاة نفسها، كان أحد أساتذتي -واحد من هؤلاء الذين قلما فاتتهم صلاة- يرتب كل مقابلاته أو دروسه بحيث تكون بعد الصلاة، فإذا أراد أحدهم أن يقابله يخبره بأن يتقابلا بعد صلاة العصر مثلاً أو أن موعد الدرس سيكون بعد صلاة العشاء . . حتى أن أحدهم سأله مرة "أي ساعة ؟" فقال له لا ادري ان كان وقت صلاة العصر الساعه التاسعة مساءا فسأقابلك  بعدها .
هذا الترتيب الجميل يساعد للمحافظة على الصلاة، وقد أخذت هذه العادة عن أستاذي فترتبت حياتي فأصبحت أوقات الصلاة أعمدة أساسية في يومي أبني حولها أعمالي وأموري وليس العكس، فرض الله الحكيم العليم الصلاة بأوقاتها لتترتب معها حياتنا،  فلتكن لك أمور تنجزها من بعد صلاة الفجر حتى وقت الذهاب إلى العمل .
أثناء العمل رتب المهام التي عليك إنجازها قبل صلاة الظهر ومهمات أخرى تنجزها بين وقت الظهر والعصر . . ربما يكون الوقت بين العصر والمغرب هو وقت الراحة بعد العمل إجعله هكذا بحيث تكون حدودك وقت صلاة المغرب . . أيا كانت الأمور التي عليك فعلها إجعلها بين أوقات الصلاة يرزقك الله الكريم بركة الوقت .

- وصفة للسعادة :
--------------------
لخص جورج برنارد شو George Bernard Shaw وصفة للسعادة حين قال "إن سر الإحساس بالتعاسة هو أن يتوفر لديك الوقت لتتساءل أسعيد أنت أم لا" كان برنارد شو على حق، فالفراغ سم قاتل، إبق منشغلاً بحيث لا يتوفر لديك وقت للقلق أو ألهم، أن تكون منشغلاً ليس بالضرورة أن تكون في مكان عملك لكن يمكنك أن تكون منشغلاً حتى باللعب مع أطفالك أو قضاء وقت ممتع مع عائلتك .
إملأ الأوقات بين الصلوات بمهام عليك إنجازها وإستخدم أوقات الصلاة كأوقات راحة بين تلك المهام وأضمن لك -بإذن الله- أن تخلد إلى النوم في ليلتك سعيداً مطمئناً، لا تسمح بالفراغ أن ينال منك فإن أخطر حالات الذهن يوم يفرغ صاحبه من العمل، إننا لا نجد للقلق أثر عندما نعكف على الإنشغال بالعمل ولكن ساعات الفراغ التي تعقب العمل هي أخطر الساعات التي تبيد السعادة، يوم تجد في حياتك فراغاً فتهيأ حينها للهم والحزن، فستهاجمك شياطين القلق وتفتح لك ملفات الماضي والمستقبل . إستخدم الأطباء النفسيين الملحقين بجيوش الحرب هذا القانون البسيط عندما كان يأتي إليهم الجنود الذين عصفت الحرب أعصابهم، فكانوا يشغلون هؤلاء الجنود المصابون بالإنهيار العصبي بأحد أوجه النشاط كصيد السمك أو لعب الكرة أو ري الحدائق، هذا الإنشغال لم يسمع لهم حتى بالتفكير فيما مر بهم من تجارب .
وقد أصبح إسم العلاج الوظيفي Occupational Therapy يطلق الآن على ذلك الفراغ من الطب النفسي الذي يصف العمل والإنشغال كعلاج حيث أن إحساساً بالإطمئنان والسلم النفسي يطغي على أعصاب الإنسان عندما يستغرق في العمل .
وقد روي ريتشارد بيرد Richard Byrd في كتابه (حيد - Alone) كيف أن الإنشغال بالعمل أنقذ حياته عندما عاش خمس أشهر وحيداً في خيمة في ثلوج القطب الجنوبي ليس معه أحد ولا على بعد مئة ميل منه أي مخلوق من أي نوع . . قال: "في الليل قبل أن اطفيء المصباح لآوي إلى فراشي كنت أصور لنفسي عمل الغد، كنت أقسم الغد في خيالي إلى ساعات، فأخصص منها ساعتين للعمل في إنشاء نفق، وساعة لإزالة الثلوج المتراكمة، وساعة لتركيب أرفف للكتب في عربة الطعام . . وبهذا كنت أقطع الوقت، وأحسب أنه لولا هذه الطريقة أو ما يشابهها لأصبحت أيامي بلا هدف ولا غاية ولإنتهت بهلاك محقق " .
الإستغراق في العمل هو أعظم للسعادة . . لذلك تظن أن بقائك في حالة اللاشيء هو راحة لك رتب يومك مع ترتيب الصلاة . . إملأ الأوقات بين الصلاة بحيث لا يتسع لك وقت للقلق والحزم . . فلتحيا بالصلاة . . جربها !!

فاتتني صلاة !! لـ (( إسلام جمال))حيث تعيش القصص. اكتشف الآن