الجُزء الأوّل: قَاتِل.

2.3K 35 367
                                    

عام ٢٠٠٤

بِبقاع إحدى القرى النائية بمحافظة الجيزة، عين جريرة، حيث لا قانون بها، لا أحد يعلم عنها شيئًا، يكثر بها أعمال الشغب والإجرام.

لا تهتم بها الحكومة وتتركها لتتحكّم العصابات بها حتّى تفشّى بها المرض والفقر، مليئة بالقتل والنهب والسرقة بلا اهتمام لأي شيءٍ.

طرق ملئتها القمامة والرائحة الكريهة، بيوت مهجورة تعيش بها الناس، متهالكة ومتآكلة منتشر بها الوباء حتّى النخاع، عصابات إجرامية كثيرة، قاتلين مأجورين مسمّين بالبلطجية، ناهبون وسارقون يتميّزون بخفة يدهم، مخدارات وسلاح غير مرخّص منتشرة بكثرة بها.

ناهيك عن عدم وجود سجل مدني لسكانها يمنعهم من البقاء تحت الأضواء كالبشر الطبيعية، وكان جزءً كبيرًا بها كالمقبرة، من يُدفن بها لا يُسأل على حاله، ومن يبحث بها لا يجد سوى الخراب فوق رأسه.

بتلك القرية كان بها أسرة فقيرة فقدت عائل البيت وعموده الفقري، الوالد، تعيش الأم رفقة ستة أبناء، الأكبر ولد ذو عشر سنوات وبعده فتاتين توأم بعمر الثامنة ثم فتى بعمر السابعة وبعده توأم آخر فتى وفتاة بعمر الخامسة.

كان الأخير ذو الخمس ريعانٍ، فتى بريء بأعين سوداء حالكة ولكن لامعة، شعر أسود طويل يشابه عيناه باللّون ووجه دائري صغير، كان مرح ويحب اخوته وأمه، لا يهتم لعيشة الفقر والمرض التي صابتهم، كان فقط يهتم بتلك الفراشة الجميلة التي كانت تطير بأرجاء منزله المتهالك.

فراشة زرقاء بزرقة البحر تحبس المحيط بجناحيها الذي كان يسمع عنه فقط دون معرفه كيف يبدو أو كم وسعه، يجري ورائها وتملؤه بالسعادة والحرية.

رغم هذا، سعادته لم تملأ معدته، فهم لم يأكلوا منذ ثلاث أيام كاملة، كانت الأم تبحث عن عمل لكن لا فائدة، أصبحت ذات علة بجسدها الذي كان مصدر قوتها هي وأولادها، ولكنها الآن مصابة بالمرض ولم يعد يقبل الرجال المساس بها لتجد طريقها نحو الثراء الغير مسبوق.

وقد كانت ذكرى جميلة عابرة.

ذكرى أتت لعقله وكانت قبل سنتين حينما كان منزله ممتلئ بالأشخاص، قبل أن يظلّ الأخير، يجلس القرفصاء أمام ذلك الجدار.

الجدار الذي دُفن داخله ذكريات.

ولم تكن ذكريات فقط.

فقد دُفن داخله الشخص الذي تسبّب بها أيضًا.

****

عام ٢٠٢٤

بالثالث عشر من شهر أيار/مايو، أحد طرق الجيزة تحديدًا حي الدّقي، كان يقف شخصًا وبيده هاتف يجري إتصالًا بالطوارئ.

مُختَل نَفسِيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن