الفصل الاول ( الهمسات من الاعماق)

108 12 0
                                    

بسم الله الرحمن الرحيم
_____________________

كانت ليلة هادئة في المدينة القديمة، الرياح الباردة تهب عبر الأزقة الضيقة، تحرك نوافذ المنازل المهجورة وتملأ الهواء بهمسات غامضة. وقف سليم على عتبة المكتبة القديمة، وهو يحمل بين يديه كتابًا مهترئًا مغلقًا بشريط جلدي قديم. الكتاب، الذي عثر عليه مصادفة بين أكوام الغبار، يحمل عنوانًا بالكاد يستطيع قراءته: "دهليز الأرواح".

شعر بأن شيئًا غريبًا يتسلل إلى روحه منذ أن لمس الكتاب لأول مرة. تردد للحظات قبل أن يفتحه، لكنه في النهاية استسلم لفضوله. الصفحة الأولى كانت خالية من أي كتابة، فقط خربشات غير مفهومة تنتشر في زواياها. لكن مع تقليب الصفحات، بدأت الحروف تظهر ببطء، وكأن الكتاب يستجيب لوجوده.

قرأ بصوت خافت: "الدهليز ليس مكانًا... إنه بابٌ لكل من فقد وجهته، لكل من ضاع بين الماضي والمستقبل."

توقف قلبه لثوانٍ عندما شعر بحركة غريبة في الهواء من حوله. وكأن جدران المكتبة ضاقت عليه فجأة، والضوء الخافت الذي تسرب من النافذة تحول إلى ظلال طويلة تتحرك ببطء نحو الكتاب.

قبل أن يتمكن من استيعاب ما يحدث، سمع صوتًا خافتًا يهمس في أذنه: "لقد فتحت الباب... والآن، لا يوجد طريق للعودة."

كان ذلك بداية سقوطه في لغز لا مخرج منه، بداية رحلته إلى دهليز الأرواح، حيث كل خطوة تأخذ منه جزءًا من نفسه، وكل لغز يحلّه يقربه من الحقيقة المظلمة التي طالما تجنبها.

*****************

"في اللحظة التي داس فيها سليم على الأرض الباردة داخل الدهليز، شعر بأن كل صوت في العالم قد تلاشى. كانت الجدران تنبض بشكل خافت، وكأن شيئًا حيًا ينبض داخلها، رغم أنها مصنوعة من حجر قديم متآكل. لم يكن هناك ضوء سوى بصيص خافت ينبعث من أعمق نقطة في الظلام أمامه، وكأن شيئًا ما ينتظره هناك، بعيدًا عن متناول عينيه.

'لم يعد هناك طريق للعودة،' قالها لنفسه، وهو يجبر قدميه على المضي قدمًا. لكن شيئًا في قلبه أخبره أن هذا المكان لم يكن مجرد سرداب مهجور... كان شيئًا أعمق، شيئًا أكثر شرًا.

ثم جاءت الهمسات.

أصوات غير مفهومة بدأت تتردد من الجدران، كلمات مبعثرة بلغة لم يعرفها. كان من المستحيل تحديد مصدرها، لكنها كانت تغمره بالكامل، تتسلل إلى عقله. حاول أن يركز، أن يتجاهلها، لكن الأصوات كانت تزداد حدة، وبدأت تتحول إلى كلمات مفهومة.

"أنت التالي... لقد جئت متأخرًا."

تجمدت قدماه. ماذا يعني ذلك؟ من الذي يتحدث؟ ومن جاء قبله؟ استدار نحو المدخل الذي دخل منه، لكنه لم يعد هناك. الجدار، الذي كان قبل لحظات مفتوحًا، قد أغلِق بالكامل، وكأن السرداب ابتلع المدخل في لحظة صمت.

دهليز الأرواح ( بقلم نور) مكتملهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن