الفصل الثاني
وقفت على الدرجة الأخيرة غير قادرة على التقدم أكثر ، شعور بأنها السبب الأول لهدم عائلتها بالكامل لم يفارقها منذ تلك الليلة ، لم تكن تعرف بأن هروبها سيكون له هذا الأثر المدمر إلا بعد فوات الأوان .
رفعت كفيها تقرأ الفاتحة لهما ثم عادت للسيارة التي تنتظرها و ركبت بجانب السائق بوجه غير مقروء
نظر لها غير قادر على مواساتها ، كم يود أن يدخل يده لقلبها و يسحب كل الحزن الذي يملؤه ، يريدها أن تنفض الحزن من على كتفيها و تعيش حياتها كفتاة طبيعية أخيرا أشياء كثيرة يود عملها لكنه مقيد للأسف فهو من وجهة نظرها السبب الرئيسي في اتخاذها القرار الذي هدم أسرتها!
أبعد عينه عنها و انطلق بالسيارة وهو يقول :
- يمكنني أخذ موعد للزيارة، أعني غير الأوقات المخصصة لزيارة العائلات كي تتحدثان على انفراد أخبرتك بأنه يعلم بقصتنا و كونك ...
قاطعته بتنهيدة ألم مجيبة :
- بأي وجه سأقابله ؟
بل ماذا أقول له؟
هل سأعاتبه وأنا السبب في هوسه الذي أوصله للسجن؟
أم أواسيه وأنا أمقت ما فعله بتلك المسكينة ؟!
عصته يده لتمتد و تمسك بكفها المتكور فوق حجرها ورغم أنها زادت من ضمها لكنها لم تبعد خاصتها الأمر الذي بث فيه ذرة أمل أخيرا ، ربما يوما ما توراب له الباب ليدخل بصيص يدفئ قلبه بعد سنوات من الجفاء و تحمل اللوم وإن كان يستحق أكثر من ذلك فهو المذنب الحقيقي في الحكاية وليس هي.
❈-❈-❈
كان عليها التأكد من شكلها قبل الخروج من منزلها مسرعة لأنها تأخرت في النوم، اليوم الوحيد الذي تخرج دون استعداد مسبق بل إنها ارتدت ملابس اليوم السابق تجده في انتظارها!
ما هذا الحظ؟
أنزلت رأسها تحاول شم وشاحها وهي تدعو ألا تكون علقت به رائحة الثوم فقد أصرت والدتها أن تساعد خالتها في تقشير الثوم لصنع أكلة لا تذكر اسمها الآن وبالطبع تورطت هي في ذلك و لسوء الحظ كان ترتدي هذه الطرحة بالذات!
فكرت للحظة أن تتجاهله مدعية عدم رؤيته لتحيد قدميها تلقائيا وتقف أمامه بمسافة آمنة بالنسبة لها كي لا يلتقط رائحتها المنفردة .
لم يقل حرفا بل أشار للمقاهي الشهيرة فأسرعت تجلس على الطاولات الخارجية و تركته يختار هو الطلبات عكس عادتها في مناكفته وفرض رأيها عليه احيانا، تعجبت من هدوئه في البداية حتى بدأ في الحديث عما جرى في السويعات الماضية ليختم حديثة بقوله:
- لا أعرف كيف أتماسك لو حدث له شيء في العملية، سنان أخبرتني بأن وضعه ليس على ما يرام .
أخذت نفسا عميقا و ردت:
- تفاءلوا خيرا، لا أصدق أنك ضيق الأفق حتى في التفاؤل.
نظر لها باستنكار لتكمل حديثها غير آبهة بتلك النظرات:
- أولا عليك إخبار والدتك وسفيان إخفاء الأمر لن ينفع أحد بل قد يعقد الأمور .
هز رأسه بالنفي و قال:
- الكوابيس عادت لأمي منذ مدة أسمعها تصلي كل يوم قبل الفجر و تبكي ، تدعو الله أن يحفظنا من أي مكروه لو علمت بأمر رؤوف سيزداد وضعها سوءا أنت لا تعرفين ماذا يعني رؤوف لها.
أخذت رشفة من قهوتها التي بردت و أجابته:
- هذا يؤكد صحة رأيي فهي تشعر به ربما يخفف عليها معرفتها بأنكم وجدتموه أخيرا، حتى لو لا قدر الله حدث له شيء ،سيكون وقع الأمر أخف بكثير ولن تلومك وقتها.
قلب كلامها في راسه وقد وجد أنها منطقية نوعا ما لكنه بالطبع لن يعترف بذلك أبدا ليضع ساق فوق الأخرى و ينظر للجهة المقابلة قائلا:
- لن أجازف بذلك و سفيان لا ينقصه هم هو الآخر بالكاد أقنعته بقصة موت والدته لازلت أخشى أن يعرف الحقيقة حتى الآن .
نظرت لساعتها و ردت:
- عليك التوقف عن معاملة الآخرين كأنهم أطفال ، سفيان تخطى أمر وفاة والدته رحمها الله و إلا كانت تِيما أخبرتني ، كما أن عمتي مبروكة يجب أن تعرف كي ترتاح قليلا هذا رأيي و أنت حر في النهاية.
التفت لها بحدة و قال:
- طبعا حر أنا لا آخذ رأيك لعلمك.
وقفت تعدل ملابسها و وضعت حقيبتها على كتفها وردت:
- ما دمت لا تريد رأيي دعني أذهب لفتح الصيدلية فقد تأخرت كثيرا.
أخذت كوب القهوة البارد و اتجهت لصيدليتها ليرمي كوبه في سلة المهملات و يلحقها بسرعة قائلا في غضب من نفسه لا منها:
- أردت دواء السفر لا غير أنت من جرجرتني لأتحدث معك عن الأمر .
أخرجت المفاتيح من حقيبتها وهي تحاول لملمة ابتسامة كادت تخرج منها لتدخل الصيدلية فدخل وراءها وقالت:
- ما هو دواء السفر هذا يا بشمهندس؟
ادعى أنه ينظر لأرفف للصيدلية في محاولة لكسب الوقت ليقول فجأة:
- من تيما تلك؟
مطت شفتيها وقد عرفت أنه يماطل و لتدخل خلف الحاجز الزجاجي و ردت:
- أقصد أفطيم أحب أن أدللها بهذا الاسم؛ خذ هذه الحبوب ستساعد لوقف الدوار والغثيان وقت السفر هذا ما كنت تعنيه صح؟
سمعت صرير أسنانه لتطبق على شفتيها كي لا تستفزه أكثر فاقترب يأخذ منها علبة الدواء و هو يقول:
- إياكِ أن تحاولي تغيير اسمي في يوم من الأيام ، لا عبدو و لا خالق اسمي عبدالخالق مفهوم.
هزت رأسها بنعم كطفلة مطيعة وهي لازلت تطبق على شفتيها ليقرن حاجبيها و بدأ يشتم بطريقة واضحة ثم قال:
- توجد رائحة كريهة بالمكان.
بلعت ريقها و وعادت برأسها للخلف وهي تجيبه:
- حقا؟
لم أشم شيء ربما لأني لم أفتح النوافذ بعد؟
رفع حاجبه لكذبتها الواضحة فالصيدلية لا تحتوي على أي نوافذ بل جدران زجاجية فقط ليقترب منها و يضيق بين عينيه قائلا:
- بل الرائحة آتية من هذه الجهة ، ربما يوجد فأر ميت بالداخل عليك التنظيف جيدا بهذا إهمال قد يكلفك إقفال المكان لعدة أشهر .
أسبلت رموشها وقد أيقنت بأنه عرف بالتأكيد لتقول بصوت منخفض:
- بم أنك أخذت الدواء يمكنك الذهاب كي أبدأ في عملي لقد تأخرت كثيرا و أفطيم لن تأتي إلا بعد العصر.
بابتسامة متشفية أومأ لها و رد:
- أهم شيء التنظيف لن يشتري منك أحد قطعة حلوى بهذه الرائحة ، اوووف كيف يمكن لشخص واحد أن يأكل كل كمية الثوم هذه لا أفهم .
خرج من الصيدلية وقد قرر أن يستشير شخص آخر ليحسم أمره فقد زعزعت نهى كل قراراته وجعلته يعيد التفكير من جديد.
أما هي فقد خرجت خلفه لتدخل أول محل بقربها وتشتري طرحة جديدة ذات ألوان لا تمت بصلة لملابسها بل هي مناقضة لها تماما لتغيرها فورا وترمي الأولى في صندوق المهملات وهي تشتم بغضب لماذا يحدث شيء محرج كلما تقابلا ؟
هذا إن لم ينتهي اللقاء بشجار بينهما بالطبع!
زفرت و لبست البالطو لتبدأ نهار عملها محاولة إبعاده عن فكرها هو و عينيه الغاضبة المستبدة المتكبرة الساحرة !
❈-❈-❈
- الله يعطي و الله يأخذ علينا أن نكون ممتنين لعطايا الله بدلا من الحزن على الفقدان وقد حفظ لك زوجتك و أهداك فتاة مثل القمر ماذا تريد أيضا ؟
بتلك الكلمات هونت مبروكة عليهم وقع الفاجعة ،
فاجعة خسران جديد كانت بطلتها هذه المرة ملاك بريء لم ير النور بعد.
انهيار حارث غير المتوقع جعل جمان تتماسك من أجله فقط، تحاملت على نفسها لتقف من السرير بصعوبة وتتقدم ناحية الكرسي الذي يجلس عليه منحني الرأس يغطي وجهه بكفه المفرودة في محاولة لإخفاء دموعه
أبعدت يده و التصقت به تضم رأسه لحضنها بقوة فلف يديه حول جذعها و ترك دموعه تنزل دون خجل ، يحتاج لحضن يحتويه ليرمي عليه القليل من همومه
يحتاج لأمه الآن
أمه التي لم تتوقف عن تدليله أبدا حتى في قسوتها عليه
يحتاج لوالده كي يخبره بأنه قوي يستطيع تجاوز الصعاب، بأنه معه ولن يتركه وحده أبدا
يحتاج لجده الشيخ عثمان الذي يعرف كيف يهون عليه أصعب الأمور ويجبر قلبه بكلماته الرصينة وحكمته التي لا مثيل لها
يحتاج لدقيقة واحدة فقط وبعدها يعود ليحمل الجميع فوق كتفيه كالسابق مهمة صعبة يدعو الله في كل صلاة أن يستطيع إنجازها على أكمل وجه دون التقصير في حق أحدهم .
طبعت قبلة على رأسه و قالت:
- علينا اختيار اسم جديد، لازلت أؤيد اسم أمي ما به الزاخرة أم تريد جفالة ؟.
دفن وجهه في حضنها أكثر لتربت عليه بحنان، دق الباب ليبتعد عنها فقالت بحنان:
- ادخل للحمام كي تعدل ملابسك لابد أنها عمتي مبروكة .
أطاعها لتعيد ربط الإيشارب فوق رأسها وسمحت للطارق بالدخول
صوت زغاريدها العالي سبق دخولها فبث السعادة رغم الحزن المنتشر في الأجواء ؛ بفرح شديد احتضنتها تفاحة قائلة :
- ألف مبروك حبيبتي، حمدا لله رأيتك واقفة على قدميك مبروكه هولت الأمر كعادتها.
ابتسمت لها مجامله ليخرج حارث بوجه جامد فعقدت حاجبيها و قالت لائمة :
- ما هذا الوجه وكأنك حدثت لك مصيبة لا قدر الله؟
وضعت جمان كفها على ساعد الأخيرة كي لا تقول ما يضايقه فقلبت عينها و ساعدتها لتعود لسريرها و تابعت:
- مبروكة تبكي و هذا بوجه مقلوب وأنت تقفين ولا كأنك ولدت منذ ساعات ماذا حدث لكل هذا، الي بيجي في الكرمة ياخذ ورقها * ( مثل ليبي يعني ما يضر شجرة التين يأخذ ورقها كي لا يصبها شي)
المهم سلامة زوجتك و لديك ابنة حفظها الله لك لماذا الطمع؟
أغمض عينه ورد:
- صدقتِ يا عمتي المهم جمان لا تعرفين ما هو شعوري وهي في غرفة العمليات دعوت الله بأن يغيثني وقد أغاثني بنجاتها.
ذلك الرابط الذي يربطها به بات أقوى ... أمتن.... أجمل
مع كل موقف يثبت لها القدر أنه عوضها سندها بل قبيلتها كلها حارث القلب حرث مكانه ليزهر حتى في أحلك الأوقات وأكثرها بؤسا.
دثرتها تفاحة جيدا و قالت لائمة :
- أين الشكولاتة و العصير و أشياء الاستقبال؟
لم أر باقة ورد واحدة هذه غرفة امرأة والدة ؟
بسرعة اذهب الآن لأشماس قبل العصر أريد كل شيء هنا وإلا لن أرحمك .
حك أذنه و رد بحرج:
- سأخبر أيوب أن يتولى الأمر أو عبدالخالق.
عقدت يديها و أجابته:
- أنت من سيذهب فهذه زوجتك أنت وعليك أيضا إخراج صدقة لسلامتها، لا تحاول استغلال كونها وحيدة أخبرتك بأني في مكان عائلتها ولن أسمح بأن تقصر معها.
تدخلت جمان رغم تعبها :
- أريده بقربي عمتي تفاحة ، أصلا لن يأتي أحد لزيارتنا لأن عمتي مبروكة لم تخبرهم بعد ربما غدا.
مطت شفتيها وجلست على الكرسي دون أن تزيد في الحديث، صحيح أنها أرادت لحارث أن يلتهي بعد ما عرفته خصوصا و أن وجهه يخبرها بالكثير لكن جمان أيضا تحتاجه الآن بقربها، فمسألة انهيارها حتمية حتى و إن ادعت القوة الآن .
أنت تقرأ
حصاد السيل
Romantikفي هذه الجزء تكتمل سلسة الحب و الحرب لنعرف مصير باقي الأبطال، من عاش منهم و من اكمل حياته مع من كما سنعرف إذا كان الجعفري سيعودون للوطن ام كُتبت عليهم الغربه للابد