الفصل السادس
لا تكسر لي غُصناً ولا تجعلني أتهشم امام عيني ولا تجعلني مثل التائهين الذين يجوبون الصحاري لكن الصحراء الحقيقة هي روحي الخاوية والتي نُزع منها كُل مشاعرالحُب والود والاهتمام لك،لا تجعلني اتكسر مثل الزجاج ف أصبح شظايا لامعة صعب عليك جمعي،يا أنسي الذي اعول عليه بكل هذه المشاعر لا تفلت يداك مني ولا تجعلني اعيش شعور السقوط بعد أن وقفت على القمة أنا بحاجة لك مثلما أنت بحاجة لي أنت تُقوُم أعوجاجي وأنا أسِند ظهرك تمسك بي بكُل حُب ولين ولا تكسر لي غُصن
لا تفلتِ يداكِ مني فأنا جبل الجليد بدأت أذوب لكن لا تجلعني أعود لحالة الأنجماد،لا تجعلني أنكسر بالعلانية بعد أن خبئت خياباتي وانا اعود أسحب رذائل الخيبة،لا تكسر لي غُصناً موجود بقلبي فأنا على شفا حُفرة من الهاوية
خاطره بقلم {مريم احمد}بلد الجعفري
من خلف نافذة كبيرة تقف هي تنظر له وفي عقلها ألف سؤال بل ألف خطة لو كان ما تخشاه على وشك الحدوث!
لمعت عينها الزرقاء بأتون قادر على حرق الأخضر واليابس، لن تسمح له بفعلها أبدا ليس بعد كل ما تحملت و ما ضحت به من أجله ؛ أسبلت رموشها الكثيفة وهي تسخر من نفسها قائلة:
- لا تكذبي على نفسك آلاء أنت لم تضحي من أجل أحد بل ضحيتِ بالآخرين في سبيل سعادتك الموهومة.
استغفر ربه وأخذ يحرك كرات مسبحته دون أن يمحو الابتسامة عن وجهه البشوش كعادته ثم قال:
- لك ما تريد أختي ستظل عندي أما نفقتها فهي حقها الذي أمر به الله لا أستطيع ان أتنازل عنه كما هو المؤخر رغم أني كنت ضده منذ البداية كما تعلم لأنه مبالغ به، عموما خذ وقتك وعندما تنتهي أمورك نتقابل في منزل أبي ليتم الطلاق.
مسح غيث حبات عرق صغيرة من جبهته وقال بأسف حقيقي:
- سبق وتحدثت مع عمي عوض وقد طردني تقريبا بعد أن رفض سماعي بل قال إنه بطلاقي من آلاء ستقام قطيعة كبيرة بين القبيلتين وربما حرب، أنا لا أريد مشاكل كما دخلنا بالمعروف نخرج به.
بنفس الابتسامة أجابه:
- أعرف بانك لم تخطيء قدر الله و ما شاء فعل أنا متكفل بأبي أختي ليست أول ولا آخر امرأة تطلق لا تخشى لن تحدث قطيعة و لا غيره.
وقف غيث يملؤه شعور بالراحة أخيرا .
قست نظراتها وقد خمنت فحوى الحديث، خصوصا مع انشراح ملامح زوجها ليزداد اشتعال اللهيب في داخلها مع صوت أمها الغاضب:
- لو كنت أنجبت لربطه للأبد لكنك غبية شمتي الناس بي ابنتي تعود مطلقة لأنها عاقر، يا فرحة عماتك الآن .
لم تتوقف عن ولولاتها حتى دخل الزبير عليهم لتستقبله آلاء بحدة :
- لا تقل بأنه طلقني لن أقبل بل سأفضحه في كل مكان.
تخطاها ليجلس على الكرسي و يستغفر وهو ينظر للغضب الذي جعل ملامحها تبدو بغيضة ليغلق عينيه ثم يقول:
- من حقه أن يطلقك دون الرجوع لأحد لكنه رجل محترم لذلك تحدث معي أولا ،عندما يعود أبي من سفره سننهي الأمر .
بصوت عالٍ ردت:
- ألا يكفي اني تحملت طلبه بعدم الانجاب كل هذه السنوات؟
أجابها بسخرية:
- وأنت سمعت كلامه كزوجة مطيعة صح؟
لمعت عينها بحقد و قالت:
- لا طبعا لكنه عاجز لا ينجب ويريد الآن رمي عجزه علي سوف أفضحه وسط القبائل وليثبت العكس لو استطاع.
هز رأسه بيأس و قال:
- استغفري ربك وعودي لرشدك الرجل عاملك بما يرضي الله بل هو من أصر أن تكملي تعليمك حتى أصبحت طبيبة والآن تتهميه بالعجز، اتعظي مما حدث لعياد ولا تكوني أسيرة لحقدك.
صرخت والدته وهي تضرب على صدرها:
- يا حرقة قلبي في أولادي أحدهم مات قهرا في السجن والأخرى عادت مطلقة هذا كله من الحسد والعين لابد أنها عمتك الحقودة ، طبعا ألم تسمعي ابنتها تزوجت من سفيان بل إنه شارك عبدالخالق في مصنع كامل وأنت يا معلولة ...
قاطعتها بحدة بنبرة يملؤها الحقد:
- لست عاقرا كم مرة أخبرتك بأنه رفض الانجاب وعندما حاولت..
توقفت عن إكمال جملتها واقتربت من والدتها قائلة :
-عبدالخالق فتح مصنع؟
استمرت نعيمة في ندب حظها لدرجة أنها لم ترد على ابنتها أو ربما لم تسمعها من الأساس أما آلاء فقد أخذ عقلها يحيك الخطط لصيد جديد بل هو قديم تركته يخرج من القفص برغبتها وقد حان أوان استعادته .
❈-❈-❈
قبل بزوغ الشمس كانوا جميعا في المطار علي كان أكثرهم حماسا وهو يقول:
- لن آكل شيء في الطائرة ،أيوب و سفيان جهزوا لنا مأدبة وقد أشرفت عليها جمان .
ردت سنان و رأسها مغروس في هاتفها:
- يخفون الأمر عن أمي حتى أفطيم تعارض الأمر كي لا تنهار.
ليجيبها عبدالخالق:
- لحقت بعلي في اللحظة الاخيرة
فقالت درصاف:
- أفطيم ومثاليتها الزائدة لن يحدث لها شيء لابد أنها جهزت إبرة مهدئة لو تفاقم الأمر عليها.
تابعت سنان وقد اتسعت ابتسامتها:
- المعلم صالح سيأتي لزيارتنا آخر الأسبوع لم أر أميرة منذ فترة طويلة.
تلقائيا نظرت درصاف لحارث وقد امتعص وجهها لتنكزها سنان بضحكة شقية فقالت بهمس:
- لا أطيق تلك الفتاة مجرد سيرتها ترفع ضغطي.
لترد عليها:
- دعك منها وركزي في البسبوسة لماذا لم يأتِ لتوديعي ألم يكن بيننا عصير وكريب .
ضحكت بصوت عالٍ لينظر لها رؤوف بحدة فأغلقت فمها بيدها؛ بينما التفت هو لحارث و قال:
- جيد أنك أخذت يزيد معك بقائه هنا لم يعجبني.
أجابه :
- درصاف من اقترحت ذلك، بصراحة استغربت عندما وجدتها تطلب مني ذلك، لابد أن أشماس هي من طلبت منها ذلك.
مد لهم إبراهيم تذاكر السفر و قال:
- كل شيء جاهز حتى تذكرة يزيد صحيح الأمر تطلب معجزة لكي أستطيع ايجاد مكانه المشكلة الوحيدة أن كرسيه بعيد عنكم في الخلف عليكم إعادة ترتيب جلوسكم.
أخذ منه حارث التذاكر ورد:
- شكرا خالي كنت أريدك أن تأتي لحضور سبوع ابنتي كما أننا بصدد الخطبة لعبدالخالق وربما نقيم فرحه مع رؤوف وسنان.
بتحذير نظر عبدالخالق لرؤوف كي لا يفتح فمه بينما قال إبراهيم:
- سأحاول جهدي لقد أخذت إجازة من عملي لكن هناك أمور أخرى عليِ ترتيبها قبل أن أسافر .
هز حارث رأسه في تفهم ليقول عبدالخالق:
- بارك لهادي سوف اتصل به بعد وصولي.
بفضول سأل علي:
- لماذا تبارك له كنت أعتقد بأنه أنهى دراسته.
ليجيبه بصوت خفيض نوعا ما:
- رزق البارحة بتوأم .
رفع رؤوف حاجبه باستهزاء و قال:
- ضرة أشماس أنجبت ؟
بارك لها عمي ولا تنس الهدية طبعا.
شحب وجه إبراهيم فقام حارث بسحب رؤوف عنوة وقال باعتذار:
- تأخرنا علينا الذهاب مع السلامة خالي.
لحقه الباقون وبقي هو مكانه لبرهة حتى قالت درصاف:
- لقد نسى زيزو لعبته المفضلة لن يتوقف عن البكاء دونها.
التفت لها ليجد عينها مغرقة بالدموع، من الواضح أنها تعاني بل تعاني بشدة لذلك لم يعاندها بل أخذ اللعبة و أسرع ناحيتهم كانوا قد دخلوا بوابة وضع الشنط ، كونه لم يعد دبلوماسي منعه من الدخول فتنامى بداخله الغضب وكاد أن يرمي اللعبة في أقرب مكب نفايات لولا أنه وجد علي أمامه وقد تأخر عنهم لأنه دخل الحمام
بمرح أخذ منه اللعبة وقال:
- كي تعرفوا بأنكم لا تستطيعون النجاة بدوني.
ابتسم له وانتظره كي يدخل من البوابة و عندما التفت علي بعدها ليلوح له يده تجمدت واتسعت عيناه برعب وهو ينظر لنقطة خلف إبراهيم ليلتفت الأخير يرى ما الذي صدم ابن شقيقه بهذه الدرجة لتنتقل الصدمة له بل كانت أشد ألف مرة من تلك التي أصابت علي، لدرجة أنه سمع طنينا عاليا في أذنه وشعر باهتزاز أسفل قدميه دون صوت تحركت شفتيه لينطق باسمها الذي حرمه على نفسه لسنوات طويلة
سليمة !!!!
❈-❈-❈
بلد أيوب
وضعت مبروكة بعض البخور لتقول تفاحة بحنق:
- هذا وقته يا امرأة دعينا ننهي القلي أولا .
نادت للخادمة كي تأخذ المبخرة للصالة وردت:
- لا أريد لهالة أن تشم رائحة القلي يكفي أن المسكينة ساعدتنا في تقشير البطاطا.
رصّت البطاطا المبطنة ( صنف مقبلات ) في الطاجن و ردت:
- أخبرتها أن تستريح هي من شعرت بالحرج منك أعرف وحامها صعب .
جلست مبروكة بقربها تساعدها وهي تقول:
- أنت السبب أصبحت الفتاة لا تريد القدوم لدينا، صدقيني بطاطا جمان أفضل مني لكن كلامك لها جعلها تخشى حتى طلب أكلة وقد اشتهتها وهي حامل، اتقي الله فيها .
شهقت تفاحة واضعة يدها على صدرها وردت بغضب:
- أنا أتقى الله هذه اخرتها يا مبروكة ؟
حوقلت ثم اقتربت منها و ردت:
- يا امرأة زوجة ابنك حامل وهي مثل النسمة لا أعرف لماذا تناكفيها دائما يكفي أنها يتيمة ثم أليست ابنة أخيك في النهاية ؟
أشاحت تفاحة بوجهها في غضب مصطنع لتأخذ مبروكة قطعة بطاطا ومدتها لها قائلة :
- هذه تحتاج لمزيد من القلي لابد أنك أخرجتها بسرعة .
نظرت لها بطرف عينها وردت:
-أخبرتك بأن طريقة الفرن أفضل أنت من تظن نفسها طباخة ماهرة، سأضعها في الفرن اذهبي أنت لمنزلك تأخر الوقت.
قضمت قطعة أخرى م باستمتاع لتقف تفاحة و تأخذ الطاجن ثم تضعه في الفرن كما تريد فابتسمت الأولى و نفضت يدها ثم استقامت وقالت:
- المهم لا تضعي عليها الكثير من المرق لابد أن كنتك تعاني من الحموضة ، بالمناسبة أيوب قال بأنه سيذبح اليوم المعلم صالح قادم نهاية الأسبوع لا تنسي أن تأتي وتخبرني حامد أيضا .
درت دون ان تهتم بالالتفات لها:
- سفيان أخبره بنفسه أما بالنسبة لهالة أعرف كيف أهتم بها جيدا لا داعي لوصاياك ورقة قلبك الآن .
ضربت كف بالأخرى وعدلت وشاحها ثم قالت:
- حسنا دعينا من هالة ماذا بشأن ذهابك معي لمنزل نهى
بسرعة التفتت لها تفاحة قائلة في حدة :
- ماذا تريد تلك المرأة ألا يكفي ما فعلته معنا لو رأيتها مرة أخرى لن ينجيها مني أحد .
ردت بصبر :
- أعرف أنها لم تقابلنا جيدا أول مرة لكنها اعتذرت ودعتنا بنفسها لزيارتها إذا رفضت الذهاب لن أذهب بدوري أنت حرة .
قربت حاجبيها وقالت:
- تريدين الهروب من الخطبة و تتحججين بي أنا صح؟
تنهدت لتجبرها تفاحة على الجلوس من جديد ثم صبت لها شاهي لتقول :
- رغم سعادتي لأن عقدة عبدالخالق أخيرا حلتّ لكن أهل نهى عاشوا في بلدنا طوال عمرهم وبالطبع يعرفون تقاليدنا كم أخشى أن يكسر قلب ابني من تلك التعقيدات.
بحذر قالت تفاحة :
- لماذا يكسر قلبه ؟
تنهيدة خرجت من وسط قلبها عبرت عن الكثير وهي تجيبها:
- لأنه يتوقع بأن يحضر أحد من كبار القبيلة لإتمام الخطبة وعقد القران حارث و الشباب لن يكونوا كافيين طبعا.
بحذر ردت تفاحة :
- وما المشكلة عمه موجود لماذا لا يأتي .
أغمضت عينها وردت في يأس :
- أعرف إبراهيم جيدا لا يهتم، هل نسيت أنه لم يحضر فرح سفيان ولا حتى حارث ، أخشى أن أطلب منه فيخذلني.
بغير اقتناع ردت عليها:
- أنت تكبرين الأمور كعادتك، الرجل كان مشغولا وأتى بعدها متأكدة لو طلبت منه سيأتي أليس ابن عمك و زوج أختك المرحومة.
هزت رأسها بنفي وردت:
- أنت من لا تعرفين إبراهيم كان ابن عمي بل أقرب من ذلك بسبب قربي لأختي لكنه باعنا كلنا بل تنصل من كل شيء يخصنا فقط كي يرضي زوجته وطبعا لن أطلب من أخي بعد ما فعله عياد بأولادي منذ أن اتصلت بي وأنا أقلب الأمر في رأسي دون أن أجد حلا له.
تألم قلبها لصديقتها خصوصا أن ما قالته صحيحا جدا بهذه الحال لن يرضى أهل نهى بتزويجها أبدا والأصعب أنها لا تعرف كيف تساعدها.
دخلت هالة المطبخ تقول :
- خالتي مبروكة أيوب أتى ينتظرك في الخارج.
وقفت و اقتربت منها تقبل خدها وردت:
البطاطا جاهزة ، إذا اردت أي شيء آخر اطلبي مني مباشرة لا تهتمي لعمتك تلك. مطت تفاحه شفيتها قائلة:
- اذهبي واتركي عمتها لحالها ستذلنا من أجل حبات بطاطا.
كتمت هالة ضحكتها وهي تراهمها يتراشقان بالكلمات مثل طفلتين تغيظ كلا منهما الأخرى خصوصا عندما قامت بحضنها وقالت :
- سأجعل جمان تجهز لك مثرودة بالمكسرات تعالي باكر لتأكلي وحدك.
بغيظ ردت تفاحة :
- من قال أننا سنأتي لمنزلك غدا أو بعده حتى.
بابتسامة واثقة ردت عليها:
- لا تنسي إحضار نعناع من حديقتك لم يعد أحد يستسيغ الشاي بدونه .
مطت شفتيها و ردت بتعالي:
- طبعا أي شيء أضع فيه يدي يكون أفضل أصلا لا يحبون الشاي إلا مني هم فقط يجاملونك.
لوحت لها مدعية الغضب وخرجت لتعود منزلها تشعر بأنهم تعمدوا إبقائها خارج المنزل لسبب ما.
❈-❈-❈
اختارت أن تجلس في الكرسي المنفرد بالخلف عارض عبدالخالق بشدة لكنها أصرت ليتركوها في النهاية بعد موافقة حارث الذي شعر بأنها تحتاج لمساحة بعيدا عنهم لو يعرف السبب فقط انغلاقها على نفسها أكثر ما يحيره ويخيفه في نفس الوقت
تنظر من نافذتها الصغيرة للأفق وفي رأسها تترتب أفكارها بعد يومين كاملين من التفكير المتواصل دون نوم، لا يهم موافقة أحد بل لا يهم إذا حاربها الجميع ونعتوها بالغبية لما قررت فعله، ألم يفعلوا سابقا ؟
بل كانوا متأكدين أنها مجنونة وأن إصرارها ما هو إلا هذي من آثار القصف؛ حسنا آن الأوان أن تختار نفسها عليها حرق قلبها بيدها ونفخ رماده بعيدا ؛ شعرت بخافقها يعتصر بشدة لتربت على صدرها و تغلق النافذة ثم أغلقت عينها عليها شحن طاقتها فهناك الكثير أمامها وعليها التروي قليلا قبل تنفيذ خطتها.
سفيان كان أول المستقبلين ، عندما رآه أول ما فعله هو السجود شكرا لله ثم أسرع يأخذ شقيقه في أحضانه وقد نزلت دموعه ثم قبل رأسه لينهره عبدالخالق:
- أحذر لايزال مصابا .
ابتعد عنه وقد لاحظ الضماد على نصف وجهه تقريبا عندما احتضنه علي بمرح كاذب:
- عندما يحضر الماء يبطل التيمم صح، نسيتنا الآن سفيان بعد أن تزوجت أختي و عاد رؤوف هذه أخرتها انتظر حتى أخبر أمي .
أخرج عبدالخالق دواء من حقيبته و أعطى حبة منه لرؤوف ليبلعها دون ماء فقال له بقلق:
- ما زلت تشعر بالدوار؟
ما رأيك أن نعرج على مستشفى قبل المنزل.
هز رأسه بالنفي فهو غير قادر على الرد بسبب الألم الذي أصابه منذ أن أقلعت الطائرة في البداية ظن بأنه بسبب اختلاف الضغط فقام بمضغ علكة رغم صعوبة الأمر بسبب جرح فكه ليزداد ألمه حتى أخذ حبة مسكن جعلته ينام معظم الرحلة ليعود له الألم من جديد عندما هبطت الطائرة .
أسرعت أشماس تخطف يزيد من حارث ليقوم هو باحتضانها فنزلت دموعها وهي تقول:
- حبيبي يزيد أخيرا ارتاح قلبي بعودتك لا تصدق كم اشتقت لك.
قبلها بقوة على خدها وأخذ يردد اسمها لتضحك وتقول:
- عيون ماش لقد نقص وزنك كثير لكنك ازددت وسامة بالطبع.
لتقول سنان:
- أين نوري اشتقت له كثيرا لا تقولي مع أمي .
اجابها أيوب بعد أن سلم على حارث و علي:
- بل مع جمان عمتي مبروكة تشعر بقدومك منذ الأمس لذلك قررنا أن نلهيها بالطبخ، هيا بنا لا نريد أن نتأخر .
ركبت سنان مع أيوب و أشماس وقام علي بحشر نفسه معهم أما الباقين ركبوا في سيارة سفيان.
مالت أشماس على أيوب قائلة :
- لماذا لم تسلم على رؤوف؟
رد ببساطة :
- أخبرني حارث أنه متعب الآن لا تقلقي في المنزل سأسلم عليه.
لسبب ما لم تعجبها إجابته صحيح هي شخصيا لم تقترب من رؤوف لكن أسبابها مختلفة فقد التهت مع يزيد وعندما بحثت عنه أخبرها عبدالخالق أنه ذهب لسيارة سفيان، تعرف جيدا بأنه لا يطيقها وربما رؤيته لزوجة خالها إبراهيم جعله ينفر أكثر ، عليها أن تبذل مجهود وتطوي غيرتها السابقة منه كي تتواصل بطريقة أفضل ، في النهاية لقد عانوا بما فيه الكفاية هو بالذات خسر الكثير على الأقل من أجل سنان و معاناة تلك المسكينة ؛ تنهدت ومالت تقبل يزيد عندما قالت سنان بحنق:
- لا تقولي بأن جمان رضعت نوري .
عقد أيوب حاجبيه لتجيبها أشماس:
- لماذا أنت غاضبة ماهي المشكلة لو فعلت لا أفهم .
مدت رأسها في الفراغ الفاصل بين الكرسيين وقالت:
- كيف ما مشكلة هذا يعني بأن نوري أخ أولادها ولن يتزوج منهم فعلتها عمدا صح
أطلق أيوب ضحكة عالية بينما كتمت أشماس خاصتها و ردت:
- ألم تقولي بأنك تريدين بنات جمان لأولادك؟ لماذا الغضب الآن.
عادت لكرسيها تنفخ في حنق وقالت:
- مهما يكن لا أريد لأحد أن يحرم من الآخر بسبب رضعة ثم قطر الندى كبيرة على أولادي حسنا لا بأس سوف آخذه لابنتي ابتليت به .
انطلقت ضحكات من أشماس و أيوب وهي لاتزال في غضبها الطفولي، أيوب فقط سكت قبل أشماس وقد استشعر بأن غضب سنان ليس طبيعيا خصوصا وقد رأي عبر المرآة أن عينها تميل للحمرة كأنها تريد أن تبكي، من الواضح أنها تخفي أمرا كبيرا يجب أن ينبه زوجته لتعرف ما بها قبل أن يتفاقم الأمر
❈-❈-❈
في الدولة الأجنبية
دخلت جيهان غرفة فتنة تحمل أكياس الطعام، وضعت الأكياس على طاولة ذات الدواليب المخصصة للأكل ثم اقتربت من سرير فتنة التي قالت بسعادة جعلتها تبدو أجمل بل أصغر و النجوم تتلألأ في عينها:
- جئت في وقتك أنا جائعة جدا و رائحة الطعام تسيل اللعاب.
جرت الطاولة وفتحت لها الأكياس وهي تجيبها:
- أحضرت لك شوربة ساخنة و دجاجة عليك أن تأكليها كلها .
بدأت في الأكل ليقول هادي:
- لم أفهم أبدا لماذا تحضرون دجاج بالذات للمرأة بعد الولادة لماذا ليس سمك أو لحم أو حتى خضار؟
جلست على الكرسي و ردت:
- حتى تأخذ مكان الطفل في بطن أمه ، عليها أن تأكل الدجاجة كلها.
بابتسامة واسعة هز رأسه وقال:
- سمعت كثير من تخاريف النساء لكن وضع دجاجة بدل الطفل أكثرها إمتاعا.
شعر بأنه قال سبة بسبب نظرات فتنة و جيهان الخطرة له فتنحنح وتابع:
- الممرضة ستحضر الأطفال بعد قليل.
مطت جيهان شفتيها و التفتت لفتنة قائلة :
- كلي يا حبيبتي بذلتِ مجهود كبير ولايزال أمامك الكثير.
عادت للأكل و قالت:
- أين عمي إبراهيم لم يأتِ معك؟
أجابها هادي:
- لابد أنه في المطار.
أومأت جيهان دون تعليق، لتقول فتنة :
- هادي تأكد من إحضارهم للأطفال لقد تأخروا.
أراد أن يعترض لكن نظرتها جعلته يتراجع من الواضح أنها تريد الحديث مع عمتها على انفراد ليخرج فورا فقالت موجهة حديثها لعمتها:
- لماذا تبدين متضايقة أليس سفرهم ماكنت تريدينه ؟
ردت مدافعة :
- من قال ذلك؟
ليس لدي أي علاقة بهم ، كل ما في الأمر سفر رؤوف دون سهام يضايقني أشعر بأن عائلته ستقوم باستغلال وضعه ودفعه للزواج رغما عنه.
ارتفع حاجبا فتنة و قالت:
- لا أصدق أنك لازلت تتحدثين في هذه القصة ، التدخل فيها سيجلب لك الكثير من المشاكل، ثم أنك لا تعرفين حقيقة القصة أنت تحكمين من تجربتك الخاصة فقط.
احتدت نظراتها وهي تجيب:
- تجربتي تجعلني اتخذ موقف قبل أن يكسر قلبين ويعيشان بعيدا عن بعض في تعاسة بسبب التقاليد البالية .
الحسرة والحقد في صوت عمتها جعل قلبها يرتجف خوفا عليها ومنها ؛ أخذت نفسا عميقا و قالت بتروي:
- مهما كان السبب ومهما كانت نيتك خير، عليك الابتعاد عن الموضوع تماما، يكفي أن عمي إبراهيم سامحك ولم يفتح موضوع زواجك من قريبه مرة أخرى، لقد تحسنت حياتكما أخيرا .
بشراسة غريبة عليها ردت:
- لو وجد من يقف معه قبل إجباره على الزواج منذ البداية لما تزوج غيري؛ الكل وقف ينظر لنا نذبل بعيدا عن بعض بل إن أهله قاطعوه بعد زواجه مني رأيت ظلم أكثر من هذا؟!
لن أدع سهام تخوض ما عشته من معارك وكسرات لتصل لحبيبها .
أبعدت طاولة الأكل قليلا لتعدل من جلستها و قالت:
- أولا هو لم يذبل بعيدا عنك ولا أنت فعلت ِ،كلا منكما عاش حياته التي اختارها رغم ادعائكم بأنه تم جبركم عليها.
اتسعت عينا جيهان لتشير فتنة بأصابعها كي لا تقاطع حديثها و أردفت:
- هو لم يطلق زوجته الراحلة رغم أنها لم تنجب بل لم يتصل بك أبدا طول فترة زواجه منها وأنت اخترت بأن تتزوجي غيره بإرادتك الحرة بل أكثر من مرة والآن تعيشان معا لماذا تصرين على نبش الماضي؟
جزت على أسنانها بغضب وردت:
- بل أجبر على العيش معها وأنا أجبرت أيضا على الزواج بسبب كلام الناس ألا تعرفين مجتمعنا؟
بنفس النبرة أجابتها :
- عندما قررتِ العيش بمفردك بعد وفاة زوجك الأخير لم يوقفك أحد ، وعندما قررتِ الزواج من قريب عمي إبراهيم أيضا لم يوقفك أحد ؛ ثم منذ متى تهتمين بمن يحب من؟
- لم تفعلي شيئا لي عندما أردت الزواج من نادر و لا حتى هادي ، لم تتدخلي في موضوع محمود رغم معرفتك أنه كان يريد الزواج من زوجته الحالية من قبل وفاة أبي رحمه الله.
وقفت بحدة صارخة :
- ماذا تعنين بكلامك هذا؟
أصبحت الآن العمة الشريرة .
أسبلت ورموشها غير قادرة على الرد الآن، تعرف عمتها جيدا عندما تصل لهذه الحالة ، سمعت أصوات بقرب الباب لتقول جيهان محذرة :
- اغلقي على الموضوع لقد أتى هادي لابد أن لمار معه.
عدلت الوشاح فوق رأسها وقالت بهدوء:
- أكررها مرة أخرى راجعي نفسك كي لا تخسري كل شيء .
في الممر المؤدي لغرفة فتنة وقفت لينا أمام لمار تنطر لها بغير تصديق وقالت:
- متأكدة أنه تامر زوج منار من كان مع المرأة امام الحضانه ؟!
أنا شخصيا لا أذكر شكله جيدا.
كانت تبحث في هاتفها وهي تجيب:
- جمعت عنه معلومات سابقا عندما كنت أتحرى عن قضية منار و التعنيف أعترف بأن شكله تغير قليلا لكني واثقة أنه هو أريد منك فقط معرفة ماذا كان يفعل هنا بالضبط.
كتفت لينا ذراعيها و ردت:
- وكيف سأعرف؟
لا توجد لي صلاحية كافية هنا هذا قسم الأطفال و الولادة وليس الجراحة .
رفعت رأسها لها و قالت:
- أنت طبيبة هنا يمكنك معرفة معلومات عن أي مريض كان بغض النظر عن القسم، أستطيع فعلها بدونك كل ما في الأمر سيأخذ مني وقت طويل.
زمت شفتيها في محاولة للتحكم في أعصابها وقالت:
- نسيتِ أني هنا لاستكمال دراستي فقط.
عادت لتبحث في هاتفها و ردت:
- تبقين طبيبة هذا وحده امتياز مؤكد لديك الكثير من الأصدقاء أو حتى سلطة على الممرضات لتصلي للمعلومات المطلوبة .
فكت يديها قائلة:
- رغم الاحترافية لديهم إلا أن كوني لست مواطنة يضع عائق كبير أمامي خصوصا بلوني هذا.
فكرت قليلا ثم ردت:
- بالعكس يمكنك الاستفادة من هذه النفطة كثيرا قولي أنه قريبك و تريدين الاطمئنان عليه ، هيا بنا لفتنة لقد تأخرنا و غدا اجلبي المعلومات كاملة .
لم تعطها الفرصة لتفكر أو تبدي أي اعتراض بل جرتها ناحية غرفة فتنة .
❈-❈-❈
في بلد أيوب
في مطبخ منزل الجعفري
جلست جمان على كرسي المطبخ تتبادل الرسائل مع أشماس ؛في نفس الوقت فتحت مبروكة الصنبور وقالت :
جمان اعطني ماء الورد من الخزانة بجانبك.
فتحت الخزانة لتجد قنينتين بدون ملصق يبين المحتوى كلاهما شفاف يحتوى على ماء بداخله ، لم تعرف الفرق بينهما أعطت واحدة منهما لمبروكة التي فتحتها لتصب منها على حبات الرمان لتضيق بين حاجبيها و تقرب فوهة القنينة لأنفها ثم التفتت لجمان وقالت:
-رهذا عطر قلت أريد ماء زهر.
أعطتها القنينة الأخرى لا أعرف كيف فتحتِ بيت وأنت لا تفرقي بين ماء الورد و العطر!
ناولتها القنينة الأخرى مبتسمة فهي تعرف بأن مبروكة متوترة جدا رغم عدم معرفتها بقدوم رؤوف إلا أن قلبها يشعر بذلك حتما وقالت:
- لم أرك قبلا تفصصين الرمان ، أعتقد بأن الجميع يكرهه لأنكم لا تشترونه أبدا .
تشنجت أصابع يدها لثوانٍ و أغمضت عينها ثم عادت لفتحهما و حركت الرمان في الصحن العميق وهي تجيبها:
- رؤوف أكثر من يحبه سليمة أختي كانت من تفصصه له و تضع فيه سكر و ماء زهر كانت تقول بأنه مفيد له.
ظنت جمان بأنها أنهت كلامها فاتجهت للباب كي تعود لفيلتها عندما سمعتها تقول مكملة :
- كنت أكره تحضيره للصغار لأنهم يوسخون ملابسهم ومن الصعب غسله منها بل أغلب الوقت تفسد الثياب بعد تلطيخها بقطرات الرمان لكنها تفعلها من ورائي في منزل عمي عثمان تجمع الصغار كلهم وتقوم بتحضير إناء كبير جدا لهم وبعدها تغسلهم كي لا ينتبه أحد لهم.
هزت رأسها مع ابتسامة جانبية وأخذت صحنها لتضعه في الثلاجة ثم التفتت لجمان قائلة :
- كانت محتالة كبيرة إذا توسخ قميص أحد الأولاد تجعله يقضي ليلته معها كي تغير ملابسه في الصباح حتى لا يشك أحد بالأمر .
مطت أفطيم شفتيها و قالت مشيرة لجمان :
- فتحية كانت تكتشف الأمر دائما لكن خالتي رحمها الله لا تهتم لها.
حضنت فكها بأصبعيها السبابة و الإبهام وردت بتفكير:
- ربما يبرر ذلك عدم حب حارث للرمان لكن ماذا عن الباقين ؟
هزت أفطيم كتفيها بمعني لا أعرف.
لتجيبها مبروكة وهي تمسح يديها بمنشفة المطبخ:
- حارث يحبه في الواقع لكن الجميع تجنبه بعد وفاة سليمة، رؤوف فقط هو من استمر في أكله كأنه يريد إحياء ذكراها وبعد ما حدث منعتهم من إحضاره إلى اليوم عندما بعث لنا المعلم صالح صناديق الفاكهة من مزرعته كعادته وجدت بينها رمان كأنه علامة من الله.
حضنتها أفطيم من ظهرها وقبلتها قائلة:
- بل لأنه عاد سالما، هذه تفرقة عنصرية أمي .
أبعدتها عنها بحنق مفتعل لتضحك الأولى في نفس الوقت لوحت جمان بيدها فعدلت أفطيم وقفتها وقالت:
- تعالوا لنرى قطر الندى حرارتها كانت مرتفعة قليلا في الصباح.
بجزع ردت مبروكة وهي تتجه للخارج :
- قطر الندي محمومة ؟
قلت لك لا يصح الخروج بالأطفال في أي وقت ، أمهات آخر زمن.
أمسكت جمان أفطيم من ذراعها قبل أن تخرج خلف أمها وعندما ابتعدت مبروكة همست جمان:
- اقل من نصف ساعة ويكونوا هنا.
لم تكن نبرتها مريحة كأنها تحمل بين طياتها خبر ليس جيد وقد ظهر ما تفكر به على ملامحها لتقول جمان:
- لقد أخبرتني أيضا أن رؤوف متوعك، أخشى أن تحزن عمتي مبروكة لو رأته وهو بتلك الحالة .
بحثت أفطيم عن هاتفها و أجابتها:
- ماذا تعنين متوعك لقد أكدت لي درصاف بأنه بخير والأطباء سمحوا له بالسفر يا الله هل انتكس خلال الرحلة ؟
- اششش اخفضي صوتك لا أريدها أن تسمع شيء قلت لك أنا خائفة عليها هي أكثر ، لقد أخطأت عندما أخبرتك ظننت بأنك ستجدي طريقة لنخبرها بالتدريج أو على الأقل نخفف عنها لأجدك تهولين الأمر .
كان عقلها يفكر في كل الاحتمالات الأسوأ سيطر عليها بالطبع.
لسبب ما لم تدخل فيلا حارث بل وقفت وسط الحديقة وقد زاد إحساسها بأن هناك شيء قادم، تلك الحالة التي تتملكها عند حدوث شيء سواء خير أو شر باتت تتعبها كثيرا لا تعرف إذا كانت نعمة أم نقمة كما قال لها يوما الشيخ عثمان محادثة قديمة جدا حدثت بينها وبينه بعد وفاة سليمة بفترة عندما علمت بقرار إبراهيم الزواج مرة أخرى حيث لزمت الصمت لعدة أيام متتالية تجاوزت الأسبوعين
عادت بذاكرتها لتلك الفترة كأنها تعيشها من جديد لدرجة أنها سمعت صوت سعد زوجها يطلب منها الحضور لأن والده يريد رويتها دون رد توجهت للصالة حيث يجالس الشيخ عثمان ، رغم كل ما يثقل روحها من حزن و ألم جعلها مكتئبة طوال الوقت رؤيته تبعث الراحة و الطمأنينة لقلبها ربما ليست بالدرجة الكافية لتنسى مصابها .
بصوته الرخيم قال الشيخ عثمان:
- ألم يحن الوقت كي تتوقفي عن لوم نفسك؟
ظهرت الصدمة جليا على وجهها لتغمض عينها بقوة محاولة تجنب النظر له ثم قالت بصوت متحشرج :
- لقد رأيت حلما لا لم يكن حلم بل هاتف يخبرني بحالتها، قبضة قلبي لم تكن طبيعية هذا إن لم أضيف صحتها المتدهورة منذ مدة طويلة لكني تجاهلت كل ذلك ...
هاجمتها الدموع لتمنعها من الاسترسال ليقول بنبرة حانية:
- كلنا مكتوب لنا الموت متي وكيف لا نعلم مهما أوتينا من معرفة أو رسائل كما تظنين، الله وحده يعرف فلا تحملي نفسك أكثر مما تحتمل.
بصوت مملوء بالعبرة ردت:
- شعرت بذلك أيضا ؟
كان الأمر واضحا على ملامحك لكني أنكرت كعادتي
تعالت شهقاتها ليقوم سعد بمسح دموعها ثم قرب كوب الماء من فمها لترتشف في نفس الوقت أغمض الشيخ عثمان عينه لثوان. قبل أن يحولق ويقول:
- كنت أشعر بخوف دائما على فرج وكثيرا ما خشيت عليه من السفر من هنا للعاصمة ليأتي موته مؤلماً رغم توقعي ، شعرت بقرب منية كنز زوجتي و أخي بل لازلت أخشى من فقدان أحفادي كل يوم لدرجة كدت أن أصبح مهووسا من كثرة الأحلام التي راودتني بشأن ذلك.
توقفت عن النحيب تنصت له وقد طرأ سؤال مهم في ذهنها لينطق بها لسانها دون حذر:
- كنت تعلم بموتها لذلك رفضت أن نحتفل وطلبت من عبدالخالق العودة للعاصمة ؟
توقفت أصابعه عن تقليب حبات السبحة وظهر الألم على محياه بطريقة واضحة ليقول بعد برهة :
- عندما دعوت الله تعالى في بيته الحرام أن تتوقف الرؤى أكرمني بالاستجابة وقد انزاح حمل ثقيل من على كاهلي بتلك الأحلام لكني مثل سائر خلقه عقلي يربط الأحداث ليقوم بالتحليل واستشعار قرب الحزن والفرح بناء عليها.
أجلى حلقه وأخذ نفسا عميقا ثم تابع:
- كلنا شعرنا بمرض سليمة رحمة الله عليها، و تغاضينا لأننا تعودنا على قوتها ولكلنا نلام على إهمالنا لها؛ أما الآن عليك أن تكوني قوية و تحاولي ضم أولادك لحضنك لتخففي فقدانهم لها لا تكوني مثلي .
استقام لتفعل مثله وقالت بهمس:
- إبراهيم اختار طريقه لا يمكنك لوم نفسك على أخطائه .
أجابها بنبرة آلمتها من شدة حزنها:
- بل أنا الملام ليس على حاله فقط ،بل على ما حدث لفاطمة أختك أيضا عندما لم أساندها في الزواج ممن تحب و عليِ التعويض في أشماس ربما غفرت لي سليمة وقتها بعضا من ذنبي.
لم تربط يوما بين قصة أشماس و فاطمة شقيقتها إلا الآن ، كيف وقد أخبرها سابقا عن حلمه و الخليل ؟
- أمي لماذا تقفين هنا؟
صوت أفطيم أخرجها من تلك الذكريات البعيدة لترمش بعينها وثم اتجهت لفيلا حارث لتطمئن على الأطفال .
❈-❈-❈
العودة للأهل ... لماذا لا يشعر بالسعادة والحماس منذ تم تحديد الموعد؟
ما هو الذي يخشاه؟
منذ بدأ إجراءات الاستعداد للعودة من أخذه للمال وغيره من امور ظنو انها مهم لتامين سلامته، بدأت الأحلام تهاجمه في صحوة ومنامه، لا ليست أحلام بل هي مقتطفات من الحرب حاول تجاهلها ليصدق أنها ضاعت مع الجزء المفقود من ذاكرته لتتصدر له من جديد فتؤلمه أكثر من الألم الجسدي الذي لا يفارقه تقريبا؛
المشهد الذي تجنب ذكره لأحد حتى وقت خروجه من وطنه كان آخر يوم له في منزل جده، عندما كان يقف مع سنان على السطح لتمطر السماء عليهم بالصواريخ ، بعد أن أمن مكان الأخيرة و أعطاها سلساله قرر الدخول للمنزل ليخرج الباقي، انفجار الصواريخ أدى لسقوط الدور الثاني مما أعاق دخوله للمنزل ، وجد فتحه في سور المنزل ليخرج منها مسرعا وقد درس الوضع في عقله ليقرر أن يدخل من إحدى نوافذ المنزل ليحاول إخراج جبريل و فتحية والباقين لكن صاروخ آخر أو ربما عدة صواريخ نزلت على المنزل المجاور أحدثت ما يشبه الزلزال ليقع في حفرة ويردم بجزء من سور الجيران أو ربما منزل جده لا يعلم بالضبط ليفقد الوعي بعدها لسبب ليس متأكد منه إذا كان وقوع شيء على رأسه أو هو فقط نقص الأكسجين وضيق المكان ؛
الخروج من تلك الحفرة قصة أخرى تلتها سلسلة كوارث لم تنتهي حتى الآن !
حاول إزاحة تلك الذكريات المؤلمة خصوصا بعد رؤيته لشقيقه وتلك الفرحة العارمة التي لم يستطع مجاراتها للأسف ، لابد أن عمته مبروكة تنتظر على أحر من الجمر وهو لا يريد إحزانها يكفي علاقته مع سنان التي لا يعرف لها مسمى ولا حتى طريقة لاستمرارها بالطريقة الصحيحة.
أيوب أول من وصل لتنزل سنان قبل أن يطفئ السيارة تماما و تسرع للداخل تصرخ بأعلى صوتها:
- كوكة أين أنت كيف تسمحين لأشماس بترك ابنها وهو لايزال رضيع؟
وضعت مبروكة قطر الندى في السرير و أسرعت تخرج بعد أن سمعت صوت سنان دون أن تميز كلماتها وقد ظنت لثوانٍ أنها تتخيل فقط، لتجدها تقف في الحديقة تضع يديها وسط خصرها من خلفها أشماس وعلي ؛ لم تمهلها سنان بل أسرعت تحتضنها قبل أن تستوعب الصدمة وهي تقول بمرح كاذب:
- أعرف أنك اشتقت لي جدا فقررت أن أخفف عنك و آتي بنفسي .
عينها مثبتة على الباب الرئيسي وقد نشبت حرب بين قلبها الذي أكد حضوره و عقلها الذي رفضه بحجة عدم دخوله ولم تشعر بابنها ولا بأشماس التي أسرعت للداخل تنادي أفطيم لتستعد فمنظر عمتها لا يوحي بالخير؛ دقائق مرت كسنوات عليها حتى فُتح الباب من جديد ليدخل سفيان أولا ممسكا شقيقه كأنه يخشي فقدانه؛ لم تشعر بنفسها بل لم تهتم بمنظرها أمام أبنائها و أبناء إخوتها وهي تجري لتأخذه بين يديها لدرجة أن غطاء شعرها وقع ولم تهتم به لتقول بفرح عارم:
- أخيرا رأيتك يا قرة عيني، ظننت أن الله سيأخذ أمانته قبل أن أكحل عيني برؤيتك.
بدأت في بكاء حار قطع باقي كلامها ليقوم رؤوف بضمها بقوة بدوره و يقبل رأسها وقد أغرقت عينه بالدموع مثلها؛ من خلفهما ضرب حارث يده بالأخرى وقال بصوت عالٍ :
- عندما فقدناه واعتقدنا أنه مات بكيت بل أقمت مناحة حتى قامت أفطيم بإعطائك مهدئ و بعد أن عاد سالما لم يتغير الوضع.
وقف سفيان مدعيا المسكنة :
- حسرتي علي لم يرحب بي أحد .
ليؤكد على كلامه حارث:
- وأنت الصادق عمتي حزنت لعودتك وأخذت تندب.
شهقت مبروكة وحاولت الرد ليسبقها عبدالخالق قائلا :
- وأنا أشهد حتى يومها لم يطعمونا شيء لولا أننا أكلنا في الطائرة لمتنا من الجوع.
ضحك أيوب وقال :
- الطعام في الطائرة الخاصة أم من كان معك فيها؟
غمز بعينه ليتشارك عبدالخالق وحارث ضحكة عالية بدت عابثة في أذن رؤوف خصوصا مع نظرة شقيقه الغاضبة لأيوب من الواضح أن الكثير من القصص فاتته كما أن علاقة أيوب بسفيان قوية كما هي بحارث كما أخبرته درصاف سابقا.
لم ينتبه لأشماس إلا عندما سمع صوت طفل صغير ليبتعد عن مبروكة فمدت له ابنها قائلة في سعادة :
- هذا نوري ابني الذي تكون أنت خاله بالمناسبة .
مال يقبله قائلا:
- لم تجدوا اسم أقدم من نوري؟
هزت كتفها رادة :
- والده سماه.
شهقت عندما وجدت ذراعين قويتين تسحبان نوري من يديها، بالتزامن مع صوت عبدالخالق الهازئ يقول:
- ونحن صدقناك بدليل منزلك الذي حولتيه لصالة جدي صح؟
تكتفت تهز قدمها وقالت من بين أسنانها :
- عبدالخالق لا تتدخل في مالا يعنيك، ،نعم هو من اختاره أنا فقط رفضت أن يطلق اسم جدي عليه.
وضع يديه في جيب بنطاله وهز رأسه ببطء قائلا :
- لازلت غير مستوعب أنها تزوجت أما كونها أنجبت فهي ضرب من الخيال بالنسبة لي ،جيد أني لم أرها حامل.
توقف عبدالخالق عن تقبيل الطفل ورد بضحكة :
- كان عليك رؤية حارث عندما عرف ظننا أنه سيجن والمشكلة أنه من أخذها للمستشفى مع أيوب وقت ولادتها فاتك نصف عمرك.
دخل علي بينهم وقال :
- تعالوا للصالة حارث هناك أمر أريد ...
قاطعته مبروكة وهي تجذب رؤوف:
- لن يذهب أحد لأي مكان تعالوا كلكم لتأكلوا أولا .
لفت رأسها لأشماس وتابعت:
- نادي على حارث رأيته يدخل لجمان لتجلب ابنتها وتغطيها جيدا.
ذهبت لتنفذ كلامها لتنظر هي جهة أيوب و تقول بلوم:
- الآن فهمت سر الذبح وطلبك من البنات تجهيز الطعام، ثم إصرارك على ذهابي لتفاحة حتى صناديق الفواكه أنت من أحضرها مدعيا بأن المعلم صالح أرسلها صح؟
لماذا لم تخبرني لا أحب استقلالكم بي.
حك أيوب رأسه ورد في حرج:
- أعتذر عمتي كل ماهناك أننا خشينا عليك من القلق لو حدث شيء مثل المرة السابقة عند عودة سفيان .
- هذه المرة فقط سأمرر الأمر عليكم التوقف عن استغفالي مفهوم.
- تسحب عبدالخالق من بينهم للركن الحديقة وأرسل رسالة لأول مرة
- وصلت ولازلت أشعر بأني بعيد
- فعيني لم تتكحل برؤية من يشتاق لها قلبي.
❈-❈-❈
في الدولة الأجنبية
رغم أنها لا تحب الأطفال، المواليد منهم بالذات وجدت نفسها تذوب عشقا في أبناء فتنة لدرجة رفضت ترك الفتاة من يدها حتى بعد استغراقها في النوم بفترة ؛ كانت فتنة تتأملها بسعادة بالغة بعد عودة علاقتها مع منار لمسارها السابق نوعا ما ربما آن الأوان لتعود المياه لمجاريها مع لينا أيضا .
عدل هادي السرير لها ووضع حجابها فوق شعرها لتبتسم له وتهمس:
-لا يوجد رجال هنا.
رد وهو يشد حجابها مغطيا كل شعرها:
- أمي كانت تقول دائما النافس لا يظهر شعرها ؛ بالمناسبة تافريت اتصلت وأنت نائمة .
مدت يدها لتأخذ هاتفها ليمنعها قائلا:
- لا داعي للاتصال بها الآن ارتاحي حبيبتي غدا تتصل هي.
من ركن الغرفة أسبلت جيهان رموشها بعد أن كانت تراقب فتنة وزوجها، شعور خبيث تسلل لها وخشيت أن يستمر معها ، هل تحسدها؟
اهتمام هادي تدرج منذ زواجه بها حتى أصبح واضحا وضوح الشمس، أما علاقة أهله بها فهي قصة أخرى أخواته هن من يتصلن بفتنة وليس العكس وعند حملها بدأ الجميع يرسل هدايا للأطفال ؛ تفهم و تقبل أهل هادي لها رغم ما تعرفه عن رفضهم لها كونها ليست امازيغية بالإضافة لحب و اهتمام هادي يجعلها تقارنه بإبراهيم ؛
منذ فترة تشعر بتباعده ،تعلم أن عودة ابن شقيقه هي السبب لكنه يصر على إقصائها من كل ما يخصهم يؤلمها جدا قاطع أفكارها
دخول سهام تحمل باقة ورد كبيرة لتلمع عينها وقد صممت على تنفيذ مخططها هذه المرة بأي طريقة
❈-❈-❈
في بلد أيوب
أنت تقرأ
حصاد السيل
Romanceفي هذه الجزء تكتمل سلسة الحب و الحرب لنعرف مصير باقي الأبطال، من عاش منهم و من اكمل حياته مع من كما سنعرف إذا كان الجعفري سيعودون للوطن ام كُتبت عليهم الغربه للابد