الفصل الحادي عشر
شعورها الوليد بالمسؤولية تجاه شقيقها منعها من النوم جيدا، مما جعلها تجهز نفسها وابنها و تحضر إفطار سريع؛ تسلل يزيد من الصالة مستغلا انشغال والدته في تحضير الإفطار ليدخل غرفة نوم إبراهيم ويتسلق السرير اقترب من إبراهيم النائم يتأمل ملامحه قبل أن يضغط على أنفه ثم بدأ يلعب بشعره ففتح إبراهيم عينيه ببطء ليراه ليعود لغلقهما و يقول بنعاس:
- سليمة تعالي ابعدي رؤوف من الغرفة أخبرتك ألف مرة لا تتركيه يلعب في غرفتي.
قهقه يزيد وقد ظن أن إبراهيم يلعب معه بعد أن غطى وجهه بمخدة وحاول شدها منه ليزعق إبراهيم:
- سليـــــمة
وقف مطيحا بيزيد على ظهره متفاجئا مما نطق به ليجد درصاف تنظر له بصدمة فتأكد أنه نطق باسمها وليس مجرد وهم في رأسه ؛صوت قهقهة يزيد جعل درصاف تتحرك لتمسك به و تقول :
- صباح الخير عمي الإفطار جاهز.
خرجت من الغرفة بسرعة دون انتظار رده ؛ أما هو فقد جلس على السرير يدفن رأسه بين كفيه محاولا التقاط أنفاسه المبعثرة جراء ما حدث للتو.
بعد فترة أدى فرضه و غير ملابسه ليخرج من الغرفة للصالة حيث تجلس درصاف تطعم ابنها فجلس على رأس الطاولة وأخذ يتأمل فيه ثم قال:
- ابنك يشبه رؤوف كثيرا خصوصا في طريقة إيقاظه لي.
صبت له شاي و حليب وردت:
- أقول ذلك طوال الوقت لكنهم مصرون أنه يشبه أشماس.
مدت له كوبه وتابعت بصوت منخفض كأنها لا تريده أن يسمع :
- هل كانت خالتي سليمة تسمح له بإيقاظك و اللهو في المنزل؟
تغيرت نظرة عينه كأنه ذهب لزمن آخر قبل أن يقول :
- رؤوف ابن سليمة بحق ربما أكثر من أشماس كانت تدافع عنه كلما صرخت عليه لأنه أيقظني أو مزق أوراق مهمة لي وهو طبعا لم يترك شيء يخصني إلا وعبث به ؛ علي العكس من أشماس التي كانت تميل لي كثيرا لذلك أحببت أشماس كثيرا ولم أمانع مرافقتها لنا بل إني لن أكذب لو قلت أن قرار خيرية بأخذها منا آلمني جدا أكثر من ادعاء هناء الكاذب على سليمة ومطالبتها بأخذ رؤوف.
توقفت عن إطعام ابنها وقالت :
- أمي ادعت عليها ؟
هز رأسه بنعم لتعود للسؤال:
- ماذا فعلت لا أذكر الكثير عن تلك الفترة.
- رد بانزعاج : لا يهم ما فعلته فهو كان متوقعا لكن شرط سليمة لي هو ما لم أتوقعه أبدا .
بفضول قالت : -ما هو شرطها يجب أن أعرف .
أخفض عينه كأنه يستحي من نفسه وقد تسللت ابتسامة لشفتيه رغما عنه ورد :
- اشترطت سليمة علي أن تأخذ رؤوف معها أو لن تسافر؛ لطالما كانت تأمر و الجميع ينفذ عن طيب خاطر.
رفع عينه لينظر ليزيد و قد اتسعت ابتسامته مد له يزيد قطعة خبز فأخذها منه وقال ضاحكا:
- هذه الحركة تخص أشماس رؤوف لا يعطي إلا سليمة فقط أنا كنت دائما عدوه لم أعرف يوما سبب ذلك .
ردت درصاف :
ربما هي غيرة فقط ، يزيد يضايق أيوب أيضا ، لا يكرهه لكنه لا يسمح له بالجلوس بقرب أشماس أو حتى مسك يدها .
عقدت حاجبيها في تفكير و تابعت :
- لابد أنه سيكره نوري أيضا رغم أني أرى أن أشماس تعطيه اهتمام ووقت أكثر من ابنها .
لا يعرف إذا كان حديث الذكريات هذا يسعده أم يضايقه ، هو حتما يشعر بسعادة من نوع آخر فقدها منذ سنوات لا يعلم عددها لكن الحزن موجود وليس حزنا عاديا بل هو ألم دفين بدأ يخرج للسطح رويدا رويدا .
أبعد الكرسي ليقف ويقول:
- علينا الذهاب الآن لبيت العائلة هناك حديث مطول مع رؤوف .
❈-❈-❈
فتشت حقيبة يدها فلم تجد المفاتيح لتقول باعتذار:
-عليك العودة للمنزل لقد نسيت مفاتيح الصيدلية .
لف بالسيارة عائدا للمنزل وهو يجيب :
- جيد أننا لم نبتعد ، لنأخذ معنا رؤوف بالمرة لست مرتاحا لفكرة بقائه في المنزل مع سنان في هذا الوضع.
تنهدت وقالت:
- معك حق الوضع مهدد بالاشتعال في أي لحظة و أنا التي لم أصدق مرور زواج حارث و جمان بعد عودة درصاف .
وقف أمام باب المنزل و رد:
- حارث لم يؤذِ درصاف بل أعطاها أكثر من فرصة وهي التي قررت البعد كما أن جمان لم تتواقح على أختي أو تحاول إظهار أنها الأحق به كما تفعل تلك المرأة ؛ القصتان مختلفتان تماما لعلمك أنا من يشعر بالإحراج من حارث بسبب ما يفعله أخي .
ربتت على يده وقالت:
- لا تشغل بالك حبيبي سنحل المسألة معا بإذن الله.
رفع يدها لفمه وقبلها ثم قال:
- علينا البدء في عملية التلقيح من جديد لقد تأخرنا كثيرا .
أومأت له رادة :
- معك حق لو انتظرنا حل كل مشاكل العائلة لن ننجب أبدا.
ابتسم وغمز بعينه قائلا:
- ما رأيك في تدريب سريع قبل البدء في الإجراءات الفعلية .
ضحكت و سحبت يدها لتنزل من السيارة فقام بإيقاف المحرك و قد أخذ ضحكتها كموافقة ضمنية .
لم تصدق مبروكة ما سمعت لتشعر بانخفاض في نبضات قلبها لتضع يدها على قلبها وقد تعرق جبينها لتقول تفاحة في خوف:
- مبروكة ابتعدوا عنها ، اسنديها يا جمان.
أبعدت رؤوف لتدخل و تسند هي صديقتها التي أضحت في مكانة أختها لتمسك بيدها وتجبرها على الجلوس قائلة بصوت عالٍ :
- طبيب أحدكم يطلب طبيب بسرعة.
سمعت أفطيم صوت تفاحة العالي لتسرع لفيلا حارث لتجد الأجواء غير طبيعية بالمرة
تلك المرأة الوقحة تقف متحامية برؤوف وهيئتها تدل أنها خرجت للتو من تحت يد أشماس
أشماس تقف أمام رؤوف متحفزة وقد خمنت السبب
رؤوف نفسه ملامحه متجمدة
تجاهلت كل ذلك لتدخل الصالة تبحث عن أمها بعد أن زاد نداء الخالة تفاحة مطالبة الاتصال بطبيب حالا ، جلست على ركبتيها أسفل كرسي أمها محاولة قياس نبضات قلبها بإمساك يدها و قلبها لتضع سبابتها على العرق لتجد أنه منخفض قليلا فوقفت و قالت:
- تعالي لترتاحي في غرفتك أمي .
أسندتها لتقوم تفاحة بمساعدتها هي الأخرى وقبل أن تبتعد نظرت لسهام بازدراء فقالت جمان:
-بعد إذنك عمتي.
والتفت لسهام قائلة:
- وجودك غير مرحب به يكفي ما سببته من مصائب اليوم اخرجي من المنزل الآن .
اتسعت عينا سهام و أمسكت بكم رؤوف الذي كان لايزال في حالة تجمد طالبة العون لتقول تفاحة في صرامة :
- سمعت ماذا قالت صاحبة المنزل أم تريدين أن نجرك من شعرك للخارج؟
قبل أن تفتح فمها قال سفيان الذي لحق زوجته بعد أن لمحها تدخل منزل العائلة بسرعة :
- أعتقد بأن السيدة لا تريد إحداث فضيحة لنفسها أكثر من ذلك تفضلي للخارج لو سمحت .
نبرة سفيان الحازمة جعلتها تلملم أعصابها و تحاول تعديل هيئتها لتبتعد عن رؤوف بقلب منكسر وكرامة سحقت تحت الأقدام لتخرج من المنزل حابسة دموعها بشق الأنفس ؛ مشت حتى أول الشارع لتجد شجرة صغيرة فجلست تحتها وتركت الحرية لدموعها بالانهمار بل إنها بدأت في إخراج صوت بكاء عالٍ كأنها طفلة صغيرة، لا تصدق ما حدث لها للتو بل لا تصدق أنها وضعت نفسها طوعا في ذلك الموقف بحجة الحب !
اللعنة على الحب
اللعنة على قلبها الذي ذلها
و ألف لعنة على رؤوف الذي يتلاعب بها يقربها مرة ويقف عاجزا أمام أهله آلاف المرات
❈-❈-❈
أخذ وقتا بعد ما حدث في حفل سبوع نوري كي يتجاوز ما فعلته رنا من إهانة علنية لزوجته وأهلها ، لكنه لم يقدر على جفائها تماما فهي الشيء الوحيد المتبقي له من رائحة أمه ؛ المشكلة أنها هي من ترفض وصاله ، حاول كثيرا الاتصال بها دون فائدة الشيء الوحيد الذي أعطاه أمل هو أن زوجها بقى على تواصل معه مما أعطاه الأمل في عودة المياه لمجاريها، علم أنها عادت في زيارة للوطن ليتفق مع زوجها أن يقابلها ليذيب الجليد حتى لو رفضت رنا قبول أشماس عليها أن تتعرف على نوري وتتقبله فهو ابن شقيقها وهي يجب أن تكون في حياته رغم كل شيء .
بعد خروجه من فيلا حارث لم يفكر في حقيقة كون أشماس رأت الرسالة من زوج رنا والتي يخبره بها بموعد تواجد رنا في الشقة قبل أن يسافروا جميعا للساحل ، وضع هاتفه على خاصية الصامت وركن سيارته أسفل عمارة رنا ليصعد لشقتها محملا بأكياس الهدايا لأطفالها كما اشترى لها حلق ذهبي كنوع من الاعتذار، بعد طلب أشماس لشبكتها واتهامها بأنه مقصر في حقها تذكر أنه لم يشتري هدية قيمة لرنا أبدا حتى بعد تحسن حالته المادية.
صعد شقتها ليقف أمام الباب داعيا ربه أن تقبل اعتذاره دون الخوض في الماضي، رن الجرس ليفتح زوجها وقد ظهر عليه الاضطراب ليدخل أيوب متجاهلا الإشارات الواضحة ، وضع الأكياس وبحث بعينه عن رنا فلم يجدها ليجلس ظن أنها ربما في المطبخ خصوصا بعد أن أتى أطفالها ليسلموا عليه ، جلس زوجها أمامه وقد ظهر عليه الحرج وقال:
- أهلا وسهلا اشتقنا لك كثيرا
رد مبتسما:
- و أنا أيضا اشتقت لكم كثيرا، ألن تقرروا العودة والاستقرار هنا ؟
البلد في مرحلة تطور و هناك مشاريع كثيرة فتحت صدقني هناك فرص كثيرة هنا فكر فقط في الأمر .
سمع صوت رنا وهي تقترب منه قائلة :
- اللاجئين من الدول المجاورة لم يتركوا لنا مكان ، بعد أن فتحنا لهم بلادنا و آويناهم سرقوا أشغالنا و سكنوا منازلنا بل إنهم لم يكتفوا بذلك ليأخذوا رجالنا من نسائهم بكل وقاحة ، طبعا فالزواج من عربية رخيص لا يكلف قرشا واحدا لأنهم رخ..
وقف أيوب و جذبها لحضنه قائلا:
- اشتقت لك كثيرا رنا تعالي لنتحدث معا لقد جلبت لك هدية أرجو أن تعجبك.
جلست مجبرة ليقف زوجها ويقول :
- سأحضر لكم شاي تحدثوا براحتكم.
أعطاها كيس صغير لتأخذه منه و تفتحه ، أخرجت العلبة و فتحتها تتأمل الحلق ثم أغلقتها وقالت:
- جميل شكرا.
رد وقد نمى بداخله شعور بأنها قاب قوسين للين :
- اخترت حلق لأنه أول شيء اشتريته لأمي رحمها الله ، كم كنت أتمنى أن تكون معنا الآن ربما أعوضها قليلا عما رأته في حياتها.
رفعت حاجبيها وردت في استهزاء:
- هل تسمع ما قلته للتو؟
تصدق نفسك أم تضحك عليّ بتلك الكلمات الرنانة ؟
فتح فمه لكنه لم يستطع النطق لتكمل هي:
- لا تجد ما تجيبه لأنك مذنب صح، كيف تريد تعويض أمي وأنت فعلت مثل أبي بل أسوأ منه ألف مرة .
أغمض عينه ورد:
- رنا من فضلك لا داعي للخوض في نفس الموضوع أريد أن نعود إخوة مثل السابق إذا كانت رؤيتك لزوجتي تضايقك لن أجبرك عليها ، أريد لنوري أن يعرف عمته و أبنائها ألا ترغبين في ذلك ؟
حركت فمها لليسار ثم قالت:
- أي من زوجاتك تقصد ؟
تلك التي طلقتها وهي حامل حتى فقدت ابنها ورميتها وحدها في الغربة أم التي خطفتك منها وتصر على امتلاكك بتشغيلك عامل عند أهلها .
ضغط بأصابعه على يد الكرسي محاولا ضبط أعصابه ، فهو يدرب نفسه على هذه المقابلة منذ مدة وعليه تحملها حتى يمتص غضب أخته .
رد بعد برهة :
- زوجتي الحالية والوحيدة هي أشماس أم نوري أما عن عملي مع حارث فنحن شركاء منذ كنت أعمل في بلدهم وهم يتعاملون معي كأني منهم ولم أكن يوما عاملا عندهم.
بسخرية ردت:
- اشتروك بمالهم لابنتهم، ترى ما هو السبب لذلك ألم تسأل نفسك يوما هذا السؤال؟
عاد زوجها و أحضر الشاي ليضعه على الطاولة و هو يقول:
- عليك أن تتغدى معنا اليوم رنا طبخت بامية باللحمة أعرف كم تحبها.
أخذت رنا كوب الشاي وقالت:
- لا مصالحة ولا حديث أخوي ولا حتى أريد أن تجلب لي ابنك إلا بعد أن تنفذ شروطي
❈-❈-❈
في الدولة الأجنبية
أغلقت باب غرفتها بحذر لتجد فتنة و هادي قادمان من أول الممر يدفعان عربة الأطفال أمامهما لتذهب باتجاههم فقالت فتنة بقلق :
- هل هي بخير ماذا حدث لها.
أشارت لمكان جلوس أهل المرضى وقالت وهي تمشي معهم :
- لا أعرف بالضبط كل ما حدث لكن التشخيص الأولي يظهر أنها عانت من صدمة عاطفية قوية ، قمنا بإعطائها مهدئ للأعصاب وهي نائمة حاليا.
جلست فتنة وقد بدأت دموعها في النزول ليمسحها لها هادي فقالت هي:
- كنت متأكدة من حدوث هذا لابد أن عمي إبراهيم تشاجر معها بسبب ما فعلته.
ليقول هادي:
- سأذهب لأنهي أوراقها في الاستقبال .
انتظرت لينا حتى ابتعد وقالت:
- أريد أن أعرف ماذا تقصدين كي أحدد حالتها.
أومأت لها وقصت عليها ما حدث منذ علمت جيهان عن سليمة وكون إبراهيم حزن عليها فعلا وصولا لسهام ومحاولتها التقريب بينها وبين رؤوف .
سمعتها دون مقاطعة لتجيب بعدها:
- أعتقد أن عمتك بين مرحلة الغضب وفقدان الثقة بالنفس.
رمشت فتنة في غير فهم وقالت:
- مرحلة ماذا لم أفهم .
لتجيبها لينا:
- هناك خمس مراحل للصدمة العاطفية
الصدمة : أول شيء يحدث عند تلقي الخبر وهذا يكون في الأيام الأولى من الانفصال أو الحدث
الإنكار : وهي الأصعب بصراحة فالكثير من المصابين بها يعلقون هناك لفترة طويلة قد تصل أعوام لأن الدماغ في هذه المرحلة يقوم بالبحث عن مبررات لعودة العلاقة ؛ ينكر فيها الانفصال ويبحث عن حلول أخرى أو يبقى على أمل ، في عودة المياه إلى مجاريها، وهي مرحلة طبيعية تعيشين فيها لفترة، حتى تجاوز المرحلة .
قاطعتها فتنة :
- أعتقد هذه حالة عمتي بالضبط هي تنكر أن زوجها أحب في يوم من الأيام زوجته الراحلة بل إنها تقريبا توقفت عن الحديث عنها وركزت على قصة سهام .
حضرت الممرضة تعطي لينا أوراق طبية ، شكرتها و بدأت في قراءتها لتقول فتنة:
- ماهي باقي المراحل، لقد قلت أن عمتي بين الغضب وشيء آخر .
وضعت الورقة وردت:
- المرحلة الثالثة والتي أظن أن عمتي بها بناء على حديثها قبل أن تأخذ الحقنة تسمى (الغضب): وهي عندما تبدأ أو بالأحرى يبدأ المريض في رؤية أمور لم تكن واضحة له في أثناء العلاقة ؛ البعض يتحول لانتقاد الطرف الآخر بل إنه قد يحاول الانتقام منه ؛ بصراحة بعد ما سمعته عن قصة سهام و ربيب عم ابراهيم كما سميته بدأت أشك أنها ربما تريد الانتقام منه فعلا عن طريق قطع علاقته بالعائلة خصوصا لو كانت تراه مكانه ، ما لم تستطع فعله هي مع حبيبها وقت الصغر ستفعله الآن مع ربيبه بعد أن كبر .
تغيرت ملامح فتنة وقد بدأت تلك الفكرة أكثر منطقية لها من رغبة بريئة في مساعدة قلبين ليبقيا معا.
عادت لينا للحديث ساهية عن صديقتها:
- باقي مرحلتين، فقدان الثقة بالنفس وهنا تلوم نفسها لأنها ليست جميلة كفاية ليبقى معها ، أذكر أنها كانت تبحث عن طبيب تجميل من أجل عملية شد لوجهها الأسبوع الماضي ؛ والمر حلة الأخيرة وهي لا تأتي في العادة دون علاج هي تقبل الواقع .
عادت دموعها للانهمار و ردت:
- لقد عانت طوال حياتها بسبب هذا الحب لن أتركها الآن تكمل الباقي منها في ألم بسببه، ماذا أفعل لمساعدتها.
بدأ الأطفال في البكاء واحدا تلو الآخر لتقوم لينا بهز العربة الخاصة بهم وقالت:
- حاليا لا شيء يجب أن تقتنع هي بالعلاج أو على الأقل تتحدث في الأمر مع شخص تثق به.
مسحت دموعها ووقفت لتمسك بابنها بين ذراعيها ثم قالت:
- سأذهب لرؤيتها الآن وبعدها نرى ما يمكننا فعله.
دفعت لينا العربة إلى غرفة جيهان بينما فتنة ممسكة بابنها لتجلس على الكرسي بقرب سريرها وقد صممت أن تساعدها بكل الطرق الممكنة الصحيحة
❈-❈-❈
جزت لمار على أسنانها وقالت عبر الهاتف:
- ما تقوله غير منطقي ماذا تعني أن الأسماء وهمية ؟
لقد تم الكشف عنهم وتصويرهم بل وأخذ عينات دم للفحص كيف يختفون فجأة هل تبخروا مثلا ؟
أغلقت الخط غير مكترثة بسماع باقي رده لتتصل بهادي الذي أجابها فورا قائلا بنبرته المميزة:
- لامي الجميلة اشتقت لي طبعا كلها يوم واحد دون رؤيتي ماذا ستفعلين عندما آخذ إجازتي السنوية
ردت بحنق وهي تصرخ به:
- توقف عن غزلك السوقي و اسمعني جيدا ، اتصل بي المحامي ليخبرني بأن الأطفال اختفوا لم يجدوا لهم أي أثر حتى الأسماء غير حقيقية .
تغيرت نبرته في ثوانٍ ليقول بصرامة بدت لها مخيفة :
- ارسلي لي رقم المحامي وعنوانه الآن .
أغلق معها ليتصل بسهام التي لم تجب على هاتفها فأغلق واتصل بألبيرتو رد بعد رنتين ليقول بنبرة بدت للأخير غريبة :
- لا تخبر جوليا أني المتصل ، قابلني أسفل المكتب.
أنهى بعض الاتصالات و صعد لغرفة جيهان محاولا عدم إظهار شيء ، وجد لينا معها ليقول :
- لدي عمل مستعجل هل يمكنك البقاء مع لينا اليوم.
نظرت له في استغراب فاقترب من عربة الأطفال ومال يقبل كل منهما لتقول لينا:
- سأنهي عملي بعد ساعة تقريبا تعالي نعيد الأيام الخوالي .
هزت فتنة رأسها دون رد ليقترب منها هامسا بأذنها :
- لا تنامي سأعود لخطفك من منزل لينا أعلم أنك أنهيت النفاس فتنتي.
ابتسمت مع احمرار خديها لتقول لينا بمزاح:
- نحن هنا.
استقام ورد:
- لينا أجمل طبيبة رأتها عيني تعرفين .
ضحكت وقالت:
- كم أنت مخادع لا أعرف كيف تتحملك فتنة .
فتح الباب و رد:
- تغارين من علاقتنا فقط لا تزرعي الأفكار الشريرة في عقل زوجتي مفهوم.
لوح وخرج من الغرفة لتقف لينا تفكر في جملته تلك الجملة التي تشك في سماعها تقال لها يوما علنا
زوجتي!
❈-❈-❈
في بلد أيوب
لم يفق من جموده إلا بعد هز سفيان له قائلا:
- رؤوف هل أنت بخير أجبني.
كأنه أفاق للتو من جاثوم انتفض للخلف وأخذ نفسا عميقا لينظر حوله يبحث عنها وهو يسمع سفيان يقول:
- ماذا حدث أشماس هل عمتي بخير.
عدلت حجابها قدر الإمكان وردت:
- لا تقلق ستكون بخير، اسمع علينا إبعاد عبدالخالق عن المنزل حتى يعود من شهر العسل يكفي أن فرحه لم يسر كما يجب بسبب..
هجم عليها رؤوف وهو يصرخ:
- كله بسببك أنت ، لقد أفسدت كل شيء كعادتك من طلب منك التدخل منذ جئت لهذا العالم وكل ما تفعلينه إفساد حياتي ، سنان تركتني بسببك لن أتركك تفلتين مني هذه المرة.
استطاعت تفادي هجومه المباغت بالدخول للصالة لكنه لم يتوقف بل دخل خلفها ليقوم سفيان بإيقافه لكنه دفعه قائلا:
- ابتعد عني لن أتركها تفلت هذه المرة سأريها كيف يكون الضرب بحق.
دفعه سفيان مرة أخرى دون جدوى ليصرخ به:
- رؤوف تعقل من تلك التي تضربها هل جننت.
ضربه بقبضته في بطنه صارخا:
- سأجعلها تدفع الثمن سنان تركتني تفهم.
عاد يحاول ضربه وسفيان يتفادى قدر الإمكان لكن رؤوف استطاع جعله يبعد بضربه بركبته بين قدميه ليتركه و ينحني على نفسه في ألم ويوجه ضربه لأشماس التي كانت تقف مذهولة من منظر الأخير
شعرة هي ما جعلت ضربته تحيد ليسقط على الأريكة صارخا في ألم بسبب قبضة سفيان التي وجهها بدقة لفكه المصاب ؛ تركه يتألم ومد يده لأشماس وقال :
- هل أنت بخير؟
كانت عينها مملوءة بالدموع ووجها شاحب بشدة فاقترب منها يهز كتفها مرددا:
- أشماس أنت بخير أم تحتاجين مساعدة أنادي أفطيم ؟
هزت رأسها ثم ردت بصوت متحشرج :
- لم تتركه بسببي لقد قال أنه يريد الزواج من..
-اشششش
أسكتها بصوت خفيض:
- لا تهتمي له سآخذه للمستشفى .
سمع حركة خلفه ليجد رؤوف يحاول تعديل نفسه فقال :
- اخرج أمامي للسيارة صبرت عليك كثيرا .
تزامن حديثه مع دخول إبراهيم و درصاف التي قالت بفزع:
- ماذا هناك ؟
أسرع يزيد يحتضن قدم أشماس لتميل وتحمله فيما قال سفيان:
- عمي هلا ساعدتني رؤوف مريض ويحتاج طبيب حالا.
لم يستفسر أو يسأل عما جرى بل توجه لرؤوف الذي بدأ جرحه في النزيف وأخرجه معه ليلحق به سفيان بعد أن احتضن درصاف في بادرة بدت لها غريبة خصوصا عندما همس بأذنها :
- لا تلومي نفسك على أفعاله كوني بجانب سنان وعمتي الكل يحتاجك .
❈-❈-❈
خرج من منزل رنا بنفسية مختلفة تماما عما دخل بها ، لم يكن يريد الذهاب للعمل أو رؤية أي شخص من الجعفري حاليا ؛ أرسل لهاشم و علاء يريد لقاءهما في منزل الأول .
أخرج علاء الطعام من الأكياس و قال باستغراب:
- أريد أن أعرف كيف تعرف هذه المطعام الغريبة ، ما بها كبدة عم فهمي أليست ألذ و أرخص من هذا الشيء الغريب.
فتح هاشم الباب لأيوب الذي دخل وجلس على أول كرسي راميا هاتفه و ميدالية مفاتيحه على الطاولة ليتبادل علاء و هاشم النظرات قبل أن يقول الأخير :
- لا تقل أن رنا رفضت استقبالك؟
ليجيبه علاء:
- لا طبعا مهما كانت غاضبة منه لا تنسَ أنها شقيقته ربما زوجته منعته من الذهاب فتشاجر معها.
نظر له هاشم في لوم ليجلس هو الآخر ويقول:
- تعلم جيدا أنها مستبدة مهما كان أيوب قوي لا يستطيع الوقوف أمامها ، يا رجل جعلني أنهى فقرة زيزي مبكرا لأنه خائف منها لا تعلم كم كلفتني.
أجابه هاشم و هو لا يزال ينظر له بنفس الطريقة:
- كل هذا من أجل زيزي؟
جعلت المرأة مستبدة وأيوب غير قادر على التحكم بها بسبب راقصة كم أنت منصف.
رد أيوب بصوت مملوء هما :
- علاء محق؛ لا أستطيع تغيير رأي أشماس و جعلها تنفذ طلبات رنا أبدا من الأسهل علي قطع علاقتي بشقيقتي .
ليقول هاشم بحذر:
- ماهي طلبات رنا بالضبط ربما ليست صعبة كما تظن.
نظر له لبرهة ثم رد:
- أبسطها الاعتذار العلني من أشماس لها أمام أهل زوجها لأنها تركت حفل سبوع نوري
قاطعه علاء:
- لحد الآن لم أعرف لماذا تركتم الحفل رنا قالت بسبب زوجتك و أنت تلتزم الصمت افهمني القصة كلها كي أحكم ، إذا كان الغلط من زوجتك عليها الاعتذار طبعا.
أراح أيوب رأسه على ظهر الكرسي ورد:
- رنا مثل كل لقاء جلبت سيرة فتنة وكون أشماس خاطفة رجال وأنها السبب في موت ابنها ، الأمر لم يخص أشماس فقط بل يمتد لعائلتها كلها لقد نعتتهم بالقتلة علنا.
حك علاء رأسه وقال:
- هذا مشين بل هو إهانة غير مقبولة حتى في قاموس رنا، أعني أتفق معها كون أشماس السبب الوحيد في الطلاق و ربما يكون ذلك أدى لموت الجنين، لكن الأمر انتهي و طليقتك تزوجت كما عرفت لماذا تعيد الماضي من جديد ؟
اسمع ربما جلسة صلح بينهما تنهي الأمر ، زوجتك تعترف بخطئها و رنا تعتذر يا دار لم يدخلك شر.
استقام هاشم قائلا:
- سأحضر شاي لنا.
أغمض أيوب عينه ورد على علاء:
- من سابع المستحيلات أشماس لم تغفر بعد زواجي من فتنة رغم علمها بحقيقته.
قرب علاء حاجبيه وردد :
- حقيقته ؟!!
ليجيبه :
- لم تحمل ابني و الزواج أصلا كان باطلا.
- ماذاااااااا؟
بغير تصديق نطقها علاء ليقص عليه أيوب ما حدث باختصار شديد ثم أعطاه فرصة ليستوعب قبل أن يردف :
- لم أقم بإلغاء الزواج حفاظا على سمعتها، رنا لا تعلم ولا أرغب بأن يتغير الوضع لا أضمن لسانها كما أن الشيخ في مكة المكرمة طلب ألا نفضحها ؛ لقد مر على الأمر سنوات لماذا تصر رنا على فتحه لا أعرف يكفيني أشماس التي لا تدع فرصة إلا وجددته .
بنبرة جادة قال علاء:
- من تقصد بنفضحها ؟
رد عليه بنفس النبرة كأنه يريد إخراج كل ما يثقل كاهله:
- حارث كان معي وقت العمرة كذلك الشيخ عثمان رحمه الله.
ليقول علاء:
- إذن حارث يعلم ، أخبرته هو الذي عرفته البارحة و أخفيت عني أنا من عشت معك طوال عمري من أخبرت أيضا سيد أيوب
وضع هاشم صينية الشاي وقال :
- اهدأ علاء أخبرك أنه كان معه في العمرة ثم كيف سيوافق على زواجه من أشماس بعد أن تزوج فتنة إذا لم يعرف الحقيقة؟
التفت وقال :
- أنت أيضا كنت تعرف صح ؟
مد له كوب الشاي و رد:
- سمعت القصة صدفة عندما جاءت تطلب منه العون أيوب لم يخبرني بنفسه بل إني لم أسأل بعدها ماذا حدث حتي..
وقف علاء بحدة مما جعل الكوب يهتز في يد هاشم وقال:
- واضح أنه اختار أصدقائه الذين يأتمنهم على أسراره من أكون أنا سوى فتى مشرد كان يلعب معه في الشارع ليعطف عليه بعد أن كبر، شكرا لكرمك لكني لا أحتاج لعطفكم بعد الآن استمتعوا بعائلة الجعفري فهي من تليق بكم الآن .
خرج بعدها فورا غير مبالٍ بنداء هاشم وراءه ليزفر أيوب ويقول هذا ما كان ينقصني خسرت شخص آخر من أهلي .
❈-❈-❈
بعد عدة رنات أجابتها نهى لتقول أفطيم بخجل:
- أعتذر نهى أعرف أن اتصالي غير مناسب الآن .
ردت نهى :
- لا يهمك عزيزتي تريدين عبدالخالق ؟
- بعد إذنك لن أطيل المكالمة .
بمرح أجابتها:
- خذي راحتك سنخرج بعد قليل .
أخذ منها عبدالخالق الهاتف وهو يشدها له مانعا إياها من مغادرة السرير وقال :
- نعم ماذا هناك.
بلعت ريقها محاولة السيطرة على صوتها وردت:
- لم أقصد التطفل أردت إخبارك بأن أمي ألغت الثالث تعرف الأمور ليست جيدة الآن من الأفضل أن تسافر مع نهى وبعد عودتك سنقيم حفلة كبيرة تليق بكما.
كانت نهى تحاول الإفلات من يديه ليقلبها على ظهرها ويضغط عليها بجسده وهو يرد:
- أفضل قرار أحتاج لضبط أمور رؤوف بالمرة ، اليوم سأغادر لا تخبري أحد لا أريد سلامات وغيره ولا تتصلوا بي أنا من سيفعل ، سلامي للجميع.
أغلق الخط لتتغير نبرته وهو يقول بنبرة عابثة :
- والآن ماذا كنا نقول ؟
رفعت أصابعها تلامس خده وردت:
- كنت أسأل كيف تجيد التقبيل بهذه البراعة
جاوبها بقبلة طويلة عميقة ثم فصلها وقال:
- أنت أول فتاة أقبلها ، لم ألمس امرأة في حياتي قبلك
عقدت حاجبيها وردت:
- لا داعي للمجاملة واضح أني لست الأولى عبادي.
رد بأنفاس ساخنة :
- أقسم أنك الأولى لم أفعلها في حياتي حتى عندما كنت مراهقا والجميع يتفاخر بعلاقاته لم أهتم وعندما سافرنا للخارج لم أفكر في التجربة أبدا رغم الإغراءات حولي أنت فقط من أردت تقبيلها وضمها أردت أن تكون زوجتي حلالي لذلك صممت على إسراع زواجنا فكل الذي فاتني وقت المراهقة أريد تجربته معك ، بداية من شبك الأصابع معا.
لمعت عيناها بدموع سعادة وقالت:
- لا أصدق كم أنا محظوظة أنا أيضا أريد تجربة كل شيء معك عبادي
لعب حواجبه ومال يقبلها قائلا :
- لنبدأ من الأهم إذن .
❈-❈-❈
لم يستطع البقاء مع هاشم بعد خروج علاء أشعل سيارته و نظر في هاتفه ليجد رسائل كثيرة من سفيان وأغلبها صوتي، الأمر الذي استغربه سفيان لا يرسل كثيرا خصوصا تسجيلات صوتية شغل التسجيل ليسمعه:
- أيوب عد للمنزل عند عمتي بسرعة
التسجيل الثاني :
- أخذت رؤوف للمستشفى ابقَ مع عمتي و أشماس لا أريد لحارث أن يعلم قبل وصولي أو وصولك
التسجيل الثالث:
- واضح أنك لن تجيب الآن ، حسنا سأخبرك إذن حدثت مشادة بين صديقة رؤوف و أشماس ورؤوف ثار قليلا لا تخف كل شيء بخير فقط عد للمنزل من فضلك.
ازداد غضبه ليسرع عائدا للمنزل وهو يتخيل شكل سوء التفاهم الذي حدث ؛ عندما وصل دخل يبحث عنها لتقابله تفاحة بوجه حزين فقال:
- ماذا حدث أشماس ماذا فعلت لتلك المرأة بالضبط ؟
ردت تفاحة وهي تحاول مداراة دموعها :
- لم تفعل شيء تلك الوقحة هي التي
قاطعها بحدة غير مسبوقة منه :
- لم غضب رؤوف إذا لم تفعل لها شيء ؟
أريد معرفة الحقيقة كاملة الآن من فضلك خالة تفاحة .
ردت وهي تلوح بيدها:
- هو من جن ماذا كان يتوقع بعد ما قالته عديمة الأخلاق تلك ؟
أشماس عرفتها مكانتها والله لو كان لدي جهد لكنت ضربتها معها.
ردد ببطء:
- قلت ضربتها؟ هذا ما سمعته صح ؟
كتفت يديها و ردت بحدة :
- نعم ضربتها ليتها كسرت رقبتها بدل من شد شعرها ليجد الشملول سبب حقيقي لتهجمه على ابنة عمه قال يريد ضربها قال.
لمحها تقف على مسافة منها فترك تفاحة تتحدث و أسرع ناحيتها ممسكا بذراعها وقال غاضبا:
- ألم أحذرك قبل خروجي من التدخل في الأمر ؟
متى تفهمين وتطيعين كلامي إلى متي أتحمل رعونتك و قراراتك الطائشة؛ أريد أن أعرف الآن ماذا جنيت من فعلتك تلك سوى جعل رؤوف يتهجم عليك هل تظنين العالم يجري على مزاجك .
حاولت تفاحة التدخل قائلة :
- لم يتهجم عليها أحد فهمت خطأ ، سفيان منعه يا ابني اهدأ وافهم ما حدث .
صرخ بها:
- أفهم ماذا هذه ليست أول مرة تفتعل مشكلة، حذرتها هذا الصباح أخبرتها حرفيا بأنه لن يتحمل أحد أخطائها وطيشها مثلي ، ماذا كنت سأفعل لو تجرأ عليها رؤوف وأنا غير موجود كيف سأحل الأمر عندها ؟
فكت ذراعها من أصابعه و ردت بهدوء: لا داعي لثورتك إذا كنت متضايقا من أجل تلك العلقة فهي ليست من بلدك كي تحامي لها و لا تعرف أمها كي تحترمها أما بشأن الدفاع عني و أخذ ثأري فالجميع يعلم جيدا بأنك لم ولن تحرك شعرة من أجلي. زاد غضبه لدرجة جعلت عروق رقبته تظهر وهو يصرخ بها:
- خطأ واحد سببه الأول خالك تذليني به كلما سنحت لك فرصة مدعية أني خنتك ولم تفكري لثانية واحدة بكل ما خسرته من أجلك ، خطأ واحد لم تغفريه لي متجاهلة كل شيء فعلته من أجلك بل متجاهلة أخطائك تجاهي أقول لك خسرت أختي وأنت لازلت تعايريني بنفس القصة والآن أصبحت أدافع عن بنات بلدي فقط بعد كل ما فعلته مللت وتعبت لم أعد قادرا على التحمل أكثر.
بنفس النبرة ردت مقاطعة :
- لا داعي لتحميل نفسك أكثر من طاقتها إذا كنت مللت الطريق أمامك لن أوقفك أو أعايرك مرة أخرى.
تدخلت تفاحة تحاول دفعها للوراء وهي تقول :
- استعذ بالله يا بني هذا شيطان دخل بينكما اذهب أيوب الحديث الآن قد يجعلك تتفوه بما تندم عليه لاحقا.
استمرت في دفع أشماس لتدخل برغبتها للمنزل وسحبت أيوب ليجلس في الحديقة ثم قالت بلين:
يبدو أن أعصابك متعبة ابتعد عنها اليوم كي لا تخسرها.
مسح وجهه راد:
- أنا مجهد جدا أحتاج لمن يقف معي وليس يقف لي على غلطة .
لم تعرف ماذا تقول له عقلها مع مبروكة و ما حدث وقلبها مع الصغيرة التي لم تبدِ أي رد فعل حتى الآن .
وقف أيوب و قال:
- ربما يجب أن نبتعد قليلا عن بعض .
❈-❈-❈
أنهى إبراهيم إجراءات دخول رؤوف المستشفى ووضع مبلغ تحت حسابه ليصعد حيث ينتظر سفيان وجلس قربه قائلا:
- خرج من العمليات ؟
رد سفيان وهو يكتب شيء على هاتفه:
- لا ، الطبيب قال الأمر قد يأخذ ساعة أو أكثر الفك يحتاج لتعديل كما أنهم سيقومون بإصلاح الضرر كله مرة واحدة قال إبراهيم :
- أعتقد بأنه من الأفضل أن يخرج لشقتي من هنا العودة لمنزل العائلة سيكون غير مريح للجميع على الأقل حتى نعرف ماذا سيفعل مع سنان.
وضع سفيان هاتفه جانبا ونظر له رادا :
- لا طبعا ما يحتاجه رؤوف هو حضن عائلته ، سواء استمر مع سنان أم لا هذا لن يفرق بيننا المهم الآن أن نبعده عن تلك المرأة فهي لا تناسب عائلتنا أبدا .
نظر له مطولا ثم قال:
- معك حق أهم شيء هو العائلة من يبعدك عنها يريد هلاكك ، القبيلة هي سندك الأول كما كانت سليمة تقول.
لم يتيقن سفيان إذا كان عمه جادا أم يستهزئ به ؛ لم يلتفت كثيرا للأمر و ووقف قائلا:
مضطر أن أمر على المصنع لن أتأخر هناك طلبية سأتأكد من إنهائها و أعود فورا. رد بثقة:
- لا تهتم اذهب أنت أنا معه لن أتحرك من هنا ليس ورائي شيء اليوم .
لم يثق به تماما منذ متى و عمه يهتم بأمرهم بل يعرض البقاء مع رؤوف بالذات؟
حسم أمره وذهب لعمله سينتهي منه بسرعة ليعود له قبل أن يفيق من البنج.
في فيلا العائلة
بقلق قالت درصاف :
- سنان أنت بخير؟
يمكنك التحدث معي افرغي ما بداخلك.
لتقول أفطيم التي تجلس بقربها:
- أعتقد أنها مصابة بالصدمة العاطفية لازالت في المرحلة الأولى دعيها تستوعب أولا .
رفعت كفها و بدأت في إنزال أصابعها على التوالي وهي تقول:
- صدمة/ إنكار / غضب/ فقدان الثقة بالنفس/قبول الأمر الواقع.
أعرفها كلها دكتورة أفطيم وقد تجاوزتها بصمت حتى وصلت لأن علاقتي برؤوف انتهت لا داعي لما تفعلانه الآن .
زاد قلق درصاف و قد ظهر جليا في نبرة صوتها وهي تقول:
- ماذا تعني تجاوزتها ، منذ متى وأنت مهتمة بعلم النفس سنان، صدقيني نحن معك و ما حدث ما هو إلا رد فعل غبي منه كلنا نعرف كيف يكون عندما يثور لكنه يحبك جدا.
أسندت فكها لراحة يدها و ردت:
- منذ متى أهتم بعلم النفس منذ خروجنا من الحرب، شقيقك المبجل أخبرني عما رآه وقت المعارك وأنا أردت أن أساعده لتخطي كل ذلك لذلك قرأت فيه كثيرا كيف تظنين تحملت ما فعله من إهانات علنية مقصودة لي بهدوء تام ؟
ردت أفطيم :
- لم أحضر كل شيء لكننا نعلم جيدا أنه لايزال يعاني من..
وقفت مستندة على ذراع الكرسي وقالت مقاطعة :
- عليكم السعي لعلاجه ، بالنسبة لي رؤوف ابن عمي لا شيء سيغير ذلك قرار الزواج من سهام لن يفرق العائلة هذا أمر مؤكد.
تركتهما وخرجت من الغرفة لتتبادل درصاف و أفطيم النظرات قبل أن تقول الأولى :
- لا أستطيع التفكير بشكل جيد ، كيف سنتصرف الآن ؟
تنهدت أفطيم وردت:
- أشعر بالحيرة أيضا ؛ اسمعي لنركز في الأهم أمي و رؤوف وبعدها نرى مسألة سنان تلك .
هزت درصاف رأسها وقالت:
- ماذا عن سهام هل تظنين أنه يريد الزواج منها فعلا ؟
أمسكت هاتفها وردت:
- لا أعرف وليس مهما الآن اسمعي يجب أن يبدأ اليوم في العلاج، أنت حاولي معرفة ما حدث من أشماس أو الخالة تفاحة .
وقفت تمسك بحقيبتها لتقول درصاف باستغراب:
- إلى أين ؟
ردت وهي تخرج من الغرفة :
- سأذهب للصيدلية وأجري حجز لرؤوف عند الطبيب النفسي، سأتصل إذا عرفت شيء من سفيان. لتقول درصاف:
- جيد وأنا سأتصل بعمي لقد ذهب معه.
❈-❈-❈
راقبتها وهي تقطع الأعشاب الخاصة بالعصبان مع الطماطم و البصل الأخضر بصمت ثم غسلتها لتضعها في المصفاة قبل أن تعود لتقطيع الكبدة و القليل من اللحم فقالت:
- لا زال الوقت مبكرا لماذا الاستعجال على تحضير الغداء؟
وضعت كل ما قطعته في إناء كبير عميق و ردت أشماس بجمود:
- عمتي نائمة وقد أخبرتني أنها وعدت علي بطبخ العصبان قبل أن يعود لدراسته ، يجب أن أحضر كل شيء قبل أن يؤذن الظهر و إلا لن يأكل معنا .
لتقول تفاحة :
- أين هو لا تقولي لايزال نائما بعد كل ما حدث؟
بدأت في وضع البهارات و الأرز و ردت:
- لا أعرف ربما خرج باكرا لم أره عندما أتيت صباحا.
أشارت لها لتجلس بقربها وقالت:
- اغسلي يديك و تعالي بقربي أنا سأنهي الباقي.
أطاعتها و جلست مقابلة لها و هي تمسح يديها ببطء بدا متعمدا لتقول تفاحة :
- اسمعيني جيدا تعلمين كم أحبك ، و أتفق معك أن زوجك ربما يكون كلامه صعبا و جارحا قليلا لكن عليك وضع نفسك مكانه.
بجمود ردت:
- ما هو مكانه بالضبط؟
موقفها صعب فهي تريد حل المشكلة قبل أن تفيق مبروكة وتعلم عنها لا ينقصها مشاكل فوق رأسها ، حتى هذه اللحظة لم تعرف ماذا حدث لرؤوف الذي أخرجه شقيقه ينزف و لا حتي رد فعل حارث بعد أن يعلم بالكارثة !
زفرت محاولة إيجاد كلمات تهدئ بها أشماس:
- رجل سمع بأن زوجته تعرضت لمحاولة ضرب ماذا تتوقعين منه أن يفعل ، خصوصا أن الطرف الآخر يكون ابن عمك بالطبع هو لا يريد الدخول في مشاكل مع أسرتك خصوصا أنه يعتبر نفسه واحدا منهم.
استمرت في مسح يدها إصبعا إصبع وردت:
- تعتقدين أن هذا سبب ثورته حقا ؟
لتجيبها فورا:
- طبعا لقد خشي أن تصابين بأذى وأنت اتهمته بأنه يقف مع بنات بلده فقط هذا خطأ في حقه لم أحبها منك أبدا أشماس منذ متى هذه التفرقة بنات بلدك وبلده أنت أم ابنه في المستقبل قد يرزقك الله بفتاة هل تعتبرينها غريبة لأنها من جنسية أخرى ؟
وضعت المنشفة جانبا وقالت:
- لا تقلقي بشأن أذيتي أعرف كيف أجلب حقي بنفسي، منذ زمن طويل لم أعد أعتمد على أيوب في ذلك أما بخصوص ابنتي فلن أنجب مرة أخرى لا ولد ولا بنت .
- أشمــــاس
سمعت حارث ينادي بصوت مرتفع قبل أن يدخل المطبخ ويقول بغضب غير واعٍ لوجود تفاحة :
- ألن تتوقفي عن تعاليك و فرض رأيك أبدا ، مرة تقومين بإذلاله من أجل ذهب لا تحتاجيه فقط لأني جلبت لجمان و أردت أن تظهريه أقل منك ومرة أخرى سودتِ يومه لدرجة أنه قرر ترك العمل معي لأنه أراد زيارة شقيقته الوحيدة .
نظرت له بطرف عينها وردت:
- اشتكاني لك حقا ؟
غريبة مع أني لست من أسرتك حسب ما أتذكر سنان آخر فرد من أسرتك إذن لا يحق لك أبدا محاسبتي .
كور يده و ضرب بها الباب قائلا :
- لديك قدرة رهيبة على جعل الكل ضدك ، هل تظنين بأنك دون أخطاء كي تمسكي علينا هفواتنا ؟
اسمعي جيدا أيوب أخي شئت أم أبيت وله الحق أن يزور شقيقته أي وقت بل يحضرها لمنزله لقد أخبرني سابقا بأمر زيارته وأنا رحبت.
كتفت ذراعيها و ردت:
- ممتاز و الآن ماذا تريد مني ، لن أعود للمنزل وإذا كنت لا تريدني في منزلك سأخرج حالا.
عاد يصرخ بها:
- أنا من سيخرج و يذهب للبقاء معه حتى تعرفين أن الله حق و تعلمين قيمة زوجك جيدا.
من الممر وقفت سنان و جمان التي تلطم على وجهها قائلة :
- يا إلهي انظري ما فعله بأشماس وهي أقرب واحدة له ماذا سيفعل بي بعد أن يعلم ما فعلته .
جاءها الجواب عن طريق صراخ عالٍ باسمها لتقول سنان:
- كنت أحبك كثيرا زوجة أخي لا تخافي ابنتك في حمايتي.
في المطبخ مدت تفاحة كوب ماء بارد لأشماس فشربته كله مرة واحدة لتقول الأولى :
- تشاجرتم من أجل زيارته لأخته لهذا كان ثائرا عليك ؟
هزت رأسها بالنفي و ردت:
- لا لم نتحدث في الموضوع أصلا ، رأيت الرسالة بينهم لكني لم أعلق هو يظن أني لا أعرف بشأن تواصلهم لكني أعرف بالطبع .
بلعت ريقها وقالت:
- لا أعرف ماذا أقول معك حق تغضبي منها لكنها أخته ، الوضع هنا مختلف تماما عنكم أعني أخت الزوج لديها الكلمة الأولى حتى و إن كانت مخطئة .
أغمضت عينها و ردت بنبرة غلبها الحزن:
- أيوب ينفذ جميع عادات وتقاليد بلده بل أكثر من ذلك ثم يتهمني بأني عنصرية ، مفارقة رائعة .
تنهدت مخرجة نتفة من آلامها وقالت:
- أعلم بأنه يرسل لها صور نوري وبينهم تواصل منذ مدة أعتقد ما منعه من إحضارها للبيت ليس أنا بل لأنها تعيش في الخارج فقط لابد أنها ترفض الدعوة كي لا ترى خاطفة الرجال التي قتلت ابن شقيقها في بطن أمه
ردت باستغراب:
- خاطفة رجال فهمناها لكن ابن شقيقها هي التي لم أفهمها.
بسخرية أجابتها:
- تعني أني فعلا خطفت أيوب من زوجته ؟
عقدت حاجبيها وقالت:
- لا تستعملي معي هذا الأسلوب اسمعي عمتك أخبرتني بما حدث ، أيوب تعرض للضرب الشديد من قبل اتباع ابن عمك وخالك هو من استغل وضعه وقتها ليعقد القران على قريبة زوجته إذن هو ليس ملاما .
عادت للتفكير برهة ثم تابعت:
- لكن ما دام الزواج باطلا لأن العريس لم يكن واعيا وقت العقد كيف تحمل الفتاة و تجهض بعدها منه ؟
أيوب أكد أن زواجه باطل كذلك مبروكة و أنا أصدقهم، لماذا لا يخبر أخته لتكف عن كذبتها بشأن الطفل المزعوم وننتهي من القصة ؟
وقفت مسندة كفيها للطاولة وردت:
- أيوب طلقها ولم يبطل الزواج كما رنا لم تكذب زوجته كانت حامل فعلا.
خرجت تاركة تفاحة في صدمتها لتدخل الغرفة التي كانت تنام فيها وقت نفاسها فلحقت بها سنان و تمددت بجانبها على السرير و احتضنت رأسها قائلة :
- يمكنك البكاء أعرف بأنك حزينة عليّ .
أغمضت أشماس عينها بقوة وردت بصوت مرتعش:
- لست حزينة ، أما بالنسبة لرؤوف كلنا نعرف بأنه يحب..
لم تكمل باقي كلمتها لتنفجر في بكاء حار بشهقات عالية حاولت كتمها بدفنها عن طريق دفن رأسها في حضن سنان التي لم تصدر صوت بل حاولت كتم أنفاسها قدر الإمكان ، أشماس ليست عمتها فقط بل هي مصدر من مصادر قوتها يعز عليها رؤيتها مكسورة من الداخل بهذه الطريقة خصوصا والجميع يلومها دون مراعاة جراحها
❈-❈-❈
في الدولة الأجنبية
قررت أن تتمشى قليلا في المدينة لتنفس عن نفسها ، قصة قضية الأطفال و منار والكثير غيرها قاربت على إدخالها في حالة اكتئاب ؛ أخرجت هاتفها لتتصل بعماد الذي قال:
- أخيرا تنازلت وقررت الاتصال بي ؟
تعرفين لو انتظرت الغد لما وجدتني.
ردت باستفسار:
- ماذا تعني لن أجدك لا تقل بأنك قررت السفر فعلا. اجابها بهدوء:
- نعم غدا سأنطلق في الصباح الباكر .
اشتعلت نار في جوفها وقالت :
- عماد لا تكن متهورا السفر لبلد تعاني من ويلات الحرب ليس أمرا سهلا أبدا لا تقل لي الصحافيين الأجانب يقومون بذلك هؤلاء لا يذهبون إلا و معهم حماية من دولهم و تأمين كل خطوة كما أن وجود العصابات الإرهابية يجعلك تحذر ألف مرة .
رد بهدوء:
-كل ما قلته لا يفرق معي الشيء الوحيد الذي يجعلني أغير رأيي هو موافقتك على الزواج مني.
من دون مقدمات رمي الكرة في ملعبها لم تكن عادية كي تردها له لتتأرجح بينهما فتعطيها الفرصة لتستوعب ما يريده أو حتى شرح سبب رفضها له !
لا ليس رفضا فهي لا ترفضه هو بل هي تحبه جدا و تتمنى قضاء كل ثانية من حياتها معه لكنها ترفض الزواج لن تضع نفسها في ذلك الموقف مرة أخرى مهما حدث.
أغلقت الخط عليه بيد مرتعشة مع عودة ذكرى اليوم الأسود كان من المفترض أن يكون يوم زفافها أفضل يوم في حياتها اليوم المنتظر تحملت الكثير من حماتها وضعف خطيبها أمام والدته الواضح بحجة أنه بار بها ليأتي اليوم المنشود
قبل خمس سنوات
نظرت لفستانها في المرآة بسعادة بالغة وقالت:
- ما رأيك أبي هل أبدو جميلة ؟
شعرت بسعادته الظاهرة في عينه وهو يجيبها :
- أجمل عروس رأتها عيني كم كنت أتمنى لو كانت والدتك معنا .
قبلته رادة :
- أشعر بروحها حولنا لابد أنها سعيدة مثلي.
ثنى يديه لتتأبطها وتخرج معه ، ركبت السيارة مع والدها بعدها متجهة للكنيسة وبعده وصولها لم تجد عريسها في انتظارها ، قررت لمار الدخول للكنيسة لتتأكد من الديكور عكس المعتاد عليه دون الاهتمام لاستنكارات حولها من بعض الضيوف ، كل ما تراه عينها سعادة وجمال ورود بيضاء تزين المكان لتضيف لمسة ملائكية على المكان وقد حرصت على وجود عدد من الأطفال مرتدين نفس الملابس البيضاء أسرعت إحدى اشبيناتها تقول في لهفة :
- لمار تعالي بسرعة العريس جاء يجب أن تخرجي حالا.
حاولت تعديل خمارها وأسرعت لتخرج له كي يدخلوا معا لأداء مراسم الزواج لتتفاجأ به يدخل بنفسه ووالدها يلحق به وقد شحب وجهه بشدة ؛ وقف أمامها وقال دون أسف :
- لقد حاولت كثيرا المحاربة لأجلك لكني وجدت نفسي لا أستطيع الاستمرار معك وخسارة أمي أعتذر لمار لا يمكنني الزواج منك.
قصة بائسة قرأت عنها مئات المرات بل رأتها في أفلام رومانسية كثيرة على غير الواقع تظهر تلك الروايات و الأفلام الفارس المغوار الذي يأتي لينقذ العروس ويتزوجها لتتحول حياتها لسعادة أبدية أو على أسوأ الأحوال يعود العريس بعد أن يتأكد من غلطته لترحب به بسعادة بالغة بعد أن تنتقم منه ربما تجعله يغار قليلا أو يقيم فرح أكبر !
لكن قصتها كانت مختلفة تماما لأنها ببساطة واقعية فلم يظهر فارس مغوار لإنقاذها ولا عاد هو زاحفا على ركبتيه طالبا العفو بل هي من خسرت والدها في ذلك اليوم المشؤوم لأن قلبه لم يتحمل فأصيب بذبحة صدرية مميتة ليتحول فرحها لعزاء والدها.
نسمات حارة لفحت وجهها لا تعرف إذا كانت من الجو أو من الحرب المشتعلة داخلها
- اه يا عماد لماذا لم تأت مبكرا بل لماذا عرفتك كنت راضية مستمتعة بحياتي حتى ظهرت أنت لماذا لماذا .
هناك أسئلة لا نجد إجابتها بسهولة حتى و إن كانت أمام أعيننا ربما لأننا لا نريد رؤيتها مكتفين بالجهل الذي نعيشه حتى ننصدم بالواقع وقتها لن نبحث عن الإجابة بل سنكون نحن المحرك لها.
❈-❈-❈
أصر عليه أن يبقى في مقر الجريدة بل يطلب وجبات لزملائه كي يثبت مكان تواجده رغم رفض هادي لكنه تراجع عندما ذكره أنه أصبح أب ؛ بعد أكثر من ساعتين عاد ألبرتو يحمل حقيبة كبيرة و دخل المكتب من الباب الخلفي دون أن يراه أحد ولا ترصده كاميرات المراقبة
بلهفة قلقة قال هادي :
- هل تحصلت منه على معلومات تفيدنا لإيجاد مكان الأطفال أو أهلهم .
وضع الحقيبة الكبيرة فوق الطاولة ورد :
- بل أفضل جلبت كل ما لديه من ملفات.
بغير اقتناع قال هادي:
- أعطاك الملفات هكذا بكل سهولة ؟
فتح الحقيبة ورد:
- بل بعد تكسير أصابعه وأسنانه أظن أن ركبته أيضا لم تعد صالحة .
هز كتفه بغير اكتراث و تابع:
- عمليات تغير الركبة لم تعد خطيرة هذا إذا نجى طبعا .
أجلى حلقه وعاد للسؤال :
- مم ينجو بالضبط.
غمز بعينه ورد:
- الأفضل ألا تعرف والآن ما فهمته منه بعد أن فقد أسنانه
أنهم قاموا ببيع الأطفال أقل من سنة لعائلات غنية تريد وريث ، طبعا كون الأطفال ذوي بشرة بيضاء وعيون ملونة جعل سعرهم غاليا.
بسط كفيه وقلب عينه وهو يقول بلهجة سوقية :
- الأوغاد عنصريين حتى في أسعار الأطفال .
شعر بأنه غير قادر على الوقوف ليجر نفسه ليجلس وقد شعر بأن أعصابه قاربت على الانهيار، ما يقول ألبيرتو من معلومات عن مصير الأطفال وطريقة إخفائهم بل بيعهم و شرائهم كأنهم سلعة يجعله يبذل المستحيل ليتم القبض على تلك العصابة عن بكرة أبيها ؛ الأسوأ لو علمت فتنة لن يستغرب لو قامت بوضع أبنائهما في مغارة بعيدة عن الجميع.
مسح وجهه وقال :
- علينا البدء في نشر سلسلة تحقيقات عن الأمر فورا.
رد ألبرتو:
- لن نترك المكتب إلا بعد نشر أول مقال لنسجل هدفين بضربة واحدة.
لم يهتم بتفسير معنى حديثه بل بدأ في الكتابة فعلا هذه المرة المقال بجميع اللغات ليصل لأكبر قدر ممكن من الناس .
❈-❈-❈
في بلد أيوب
دخلت غرفة النوم بقلب يرتعش كريشة أمام تيار هواء قوي ، وجدته يقف أمام غرفة الملابس مشيرا قائلا :
- جهزي لي ملابسي سأذهب لأبقى في منزل أيوب .
ضمت أصابعها معا محركة يدها لأعلى و الأسفل في حركة تعني اهدأ و قالت :
- قبل أن تغضب اسمعني أولا ، لم أكن أريد ضربها أقسم بالله هي من استفزتنا لا أعرف كيف فعلتها لكنها وقحة جدا.
قرب حاجبيه و اقترب منها لتتراجع للخلف محاولة الهرب منه فأغلق الباب وسحبها رادا :
- أعيدي من جديد من تلك التي ضربتها ؟
بلعت ريقها و بللت شفتيها غير قادرة على النظر له ثم قالت :
-نسيت اسمها تلك المرأة صديقة رؤوف.
رد بحذر :
- سهام ؟
هزت رأسها :
- نعم هي العلقة كما تصفها أشماس، في البداية لم أفعل شيء لكن عندما هجمت عليها أشماس كانت تريد ضربها هي الأخرى فوجدت نفسي أتدخل و أقوم بضربها ، بصراحة شعرت براحة كبيرة بعد أن فعلتها.
أغلق الباب بالقفل و قال:
- لحظة واحدة سهام أتت للمنزل و أنت ضربتها هذا ما تريدين قوله ؟
زاد خوفها وهي تجيب :
- أشماس ضربتها أولا أنا فقط ساندتها .
لم تتلقى منه ردا بل ظل ينظر لها بنظرات غريبة لتتابع بعصيبة :
- ماذا كانت تتوقع وهي تطلب يد رؤوف علنا ، وقاحتها زادت .
حاول كتم ضحكته وعاد يقول :
- أنت ضربتها فعلا أم تكذبين لحماية أشماس؟
رمشت عدة مرات وردت :
- الحق يقال ضربتها و قمت بعضها في ذراعها أيضا ، ربما وجهت لها بعض اللكمات لست متأكدة حدث الأمر بسرعة ، أشماس لم تكن وحدها أنا مذنبة أيضا .
قهقه عاليا مما جعلها تنظر له في استغراب ليقترب منها واضعا يده حول خصرها وضمها له قائلا:
- حسنا يا شرسة كيف ضربتها إذن ، عضضتها في كتفها.
مال يعض كتفها برقة دون ترك أثر وتابع قائلا:
- أم رقبتها ؟
فعل نفس الشيء لرقبتها لتعود برأسها للخلف وقالت بهمس:
- لست متأكدة ربما الجهة الأخرى .
عض عظمة الترقوة ليصعد بقبلاته حتى شفتيها فأهداها قبلها عميقة لم تفق منها إلا وهي مستلقية فوق السرير وهو يخيم عليها ليبتعد قليلا وقال بأنفاس ملتهبة :
- أريد رؤية الجانب الشرير منك جماني لا تدعي البراءة بعد الآن .
بللت شفتيها و ردت :
- لست شرسة هي استفزتني .
عاد يقبلها وقال بين قبلاته:
-ربما عليّ استفزازك أنا أيضا أم أجد من تطلب يدي ما رأيك ؟
ردت بحدة وهي تجذبه لها بقوة :
- لا تمزح معي في هذه النقطة حارث ، إلا هذه لن أسمح لامرأة أن.....
ذابت كلماتها بين شفتيه
❈-❈-❈
استغرقت عمليته وقتا أطول من المتوقع رغم أنها لم تكن خطيرة ليتم وضعه في غرفة العناية الفائقة قبل نقله لغرفة عادية ؛ عندما عاد سفيان للمستشفى وجده في غرفة عادية وإبراهيم بجلس بقربه ليقول :
- إنه نائم الآن الطبيب أخبرني بأن كل شيء سار على ما يرام ، لكنه كان مستغربا قليلا من عمق الجرح و قِدمه أظنه حدث عندما وقع بيت أبي ربما أصيب بشظية أو شيء من هذا القبيل.
رد سفيان:
- لا أعرف شككت في الأمر مثلك ، المهم أنه الآن بخير؛ تعال نعود للمنزل ينتظروننا لنأكل معا .
وقف يأخذ هاتفه النقال ثم قال:
· - ستتركه وحده أعني ماذا لو استفاق ، درصاف اتصلت بي و أخبرتني ما حدث ربما لايزال غاضبا بعد ما حدث.
رد وهو ينظر لرؤوف النائم:
- سأعود لأقضي الليلة معه تركته يتخذ قراراته وحده أكثر من اللازم .
أومأ له ليذهب معه لمنزل العائلة وهو لايزال يفكر في سؤال واحد لماذا فعلتها ؟
جلست جمان بقرب سنان بعد أن ذهب حارث للمبيت مع أيوب لتقول الأولى :
- حارث يريد الحديث معك .
أجابتها بابتسامة متسلية :
- سأذهب له بعد الأكل لا تقلقي
لتقول بقلق حقيقي:
- سنان اصدقيني القول هل أنت بخير؟
أعرف بأنك قوية لكن برودك هذا يوترني جدا.
نظرت للسماء و أجابتها:
- درصاف اتبعت مقولة البقاء للأعند وكانت النتيجة خسارتها لحارث ، المشكلة ليست هنا بل إنها لازالت مستمرة في عنادها مما قد يخسرها المانجا
باستغراب رددت جمان:
- مانجا؟!!
تابعت غير مبالية بالتفسير لها :
- أما أفطيم فاتبعت نظرية البقاء للكرامة لتخسر سنوات من عمرها وكرامتها أمام حبيبها كذلك فعل سفيان تعرفين لو تنازل أحدهما لكان أطفالهما الآن في المرحلة الإبتدائية.
عقدت حاجبيها و ردت :
- كيف خسرت كرامتها أمام حبيبها لا أفهم ؟
للمرة الثانية تتجاهل الرد و تقول:
- أشماس قصتها قصة اتبعت مبدأ البقاء للأقوى لدرجة أنها تحملت اشتعال النار في جسدها دون أن تصرخ فقط كي تثبت للجميع أنها تحب أيوب ، بل تحملت كونه تزوج غيرها و حملت منه أيضا متأكدة أنها قادرة على تحمل المزيد كي تثبت أنه الأحق بها فهي الأقوى.
أسندت جمان كوعها ليد الكرسي وقالت:
-ما دخل كل هذا بسؤالي لم أفهم .
أعادت خصلات شعرها المتناثرة للخلف وردت:
- دخله أني أيقنت بأن البقاء للأبرد ، أنا ابنة فتحية و جدتي خيرية لن أجعل أحد يهينني أو يتعامل مع وجودي كتحصيل حاصل و يفلت من العقاب.
حكت جمان خدها و قالت:
-يعني ذلك أنك لازلت متمسكة برؤوف ؟
شبكت أصابعها بطريقة عكسية لتطرقعها وردت:
-أنا لا أنظر للماضي من لا يريدني لا أركض خلفه .
ثم وقفت محاولة ألا تستند لشيء وتابعت:
- سأذهب لحارث لآخذ لهم الطعام بالمرة هلا جلبته لي من فضلك.
بأعين متسعة ردت جمان:
- أنتم عائلة غريبة جدا لا يمكن فهمكم كل ثانية بحال ، أعني يا الله عليكم .
❈-❈-❈
منذ أن حضر حارث و أيوب معتكف في غرفته مدعيا الرغبة في النوم ؛ ضجيج عال جعله يترك سريره و ينزل ليجد حارث يحاول فتح المشغل الذي تعمل به أشماس عادةً بمفك يدوي ، ليقول له :
- ماذا تفعل هذه الغرفة تخص عمتك .
التفت رافعا حاجبيه ورد:
- عمتك لابد أنها زادت الجرعة كي تكره قول اسمها ؟
شعر أيوب بنغزة في قلبه مع إكمال حارث حديثه :
- أعلم أنها تخصها ولأني أسأت تفسير الوضع بل ربما جعلته أسوأ بينكما فكرت في حيلة تجعلها تعود فورا لتفرغ غضبها بي وننتهي من القصة .
جلس على الأريكة الواسعة وقال:
- لا شيء يمكنه جعل الأمور أسوأ صدقني ، عموما ماذا فعلت ؟
جلس على الكرسي المقابل له يحرك المفك بين أصابعه ورد:
- أخبرتها أنك ذهبت لزيارة رنا.
لم تتغير ملامح أيوب ليقول حارث:
- ربما كنت قاسيا معها أعني الطريقة كانت غير لطيفة لو كنت أعلم ما فعلته في سهام لما فتحت فمي.
رد بنفس النبرة :
- يعجبك تصرفها كهمجية رغم أنها أصبحت أم ؟
تعلم بأن رؤوف تهجم عليها و أراد ضربها؟
حرك حارث كتفيه بلا معني وقال :
- ليست همجية هي لم تذهب لها وتعتدي دون سبب بل كانت متماسكة في الفرح بعد ما فعلته سهام من إهانة ابنة شقيقها علنا ، لكن سهام من فعلت ،رد فعل أشماس و إن كان مستنكرا نوعا ما لكنه متوقع؛ ثم جمان أيضا ضربتها بل وطردتها أيضا . رد بتحدي:
-أفهم من كلامك أنها محقة و أني المخطئ في القصة ؟
هز رأسه بالنفي ورد:
- لا لست مخطئ أتفهم تماما خوفك عليها ، كما أني متصور نوعا ما ردها الذي أشعل النار بينكما ، المهم ما لا تستطيع انت فهمه و الاقتناع به أن أشماس لم تتركك يوما حقا .
بحدة رد:
- أنا زوجها يجلب حقها إن كان لديها واحد الكارثة أني أخبرتها ألا تتدخل في هذا الأمر بالذات بل حذرتها منه لترمي بكلامي عرض الحائط و تتصرف من رأسها هي لا تحترمني ولا تعتبرني رجلا و إلا ما فعلت ذلك.
عاد حارث يحرك المفك بين يديه لبرهة ثم قال:
- رنا رفضت لقائك أم خيرتك بينها وبين أشماس؟
أشاح بوجهه دون أن يجيب ليقول حارث:
- أيوب أنت أخي ولا أعني بذلك مجازيا بل فعليا جعلتك أخي قبل قصة أشماس بسنوات على الأقل أنا لم أكن أعلم بها وقتها وستظل أخي لآخر يوم في حياتي لم أتدخل في علاقتك بها ليس لأنك على حق دائما بل لأني لا أريد خسارتك، قصة فض الشركة والانفصال عني أمر غير مقبول خصوصا أن السبب تافه جدا.
رغبة قوية في ضرب نفسه هي ما شعر به أيوب كيف فكر أن يبتعد عن حارث لمجرد كلمات مستفزة من رنا ؟
نكس رأسه وقال:
-لا تعرف ما طلبته رنا.
قاطعه حاسما:
- ولا أريد أن أعرف هذا أمر بينكما سواء قررت تنفيذه أم لا ؛ أما بشأن أشماس سأتدخل لأني فضحت زيارتك لرنا عندها دع اليوم يمر وغدا لي حديث معها.
رد أيوب:
- لا ، دعها تختار لقد تعبت من الاعتذار على نفس القصة إذا لم تقتنع و تأتِ بنفسها لن أترجاها لتفعل ما تشاء.
رن حرس الباب مرتين ثم فتح فشعر أيوب بالأمل ليتبخر عند رؤية سنان وهي تقول:
- أحدكم يدخل أكياس الطعام يكفي أني حملتها معي.
وقف حارث و أيوب أسرعا يدخلا الأكياس و الأول يقول:
- أتيت وحدك؟
كيف حملت كل هذه الأكياس ؟
كانت تحاول السير دون عكاز الأمر الذي أبطأ من خطواتها لترد بنفس البطء:
- سفيان أوصلني و وضع الأكياس أمام الباب أنا فقط جررتها و عاد للمنزل كان مستعجل لذلك لم يدخل .
رتب أيوب طاولة الأكل فقد أغرته الرائحة للأكل وقال:
- لماذا الاستعجال ليته بقى ليأكل معنا .
وصلت أخيرا لطاولة الطعام لتجلس وتقول وهي تلهث :
- سيبيت مع رؤوف في المستشفى وعليه إحضار أفطيم أيضا .
بدأوا في الأكل ليقول حارث:
- كيف حال عمتي لم أرها باكرا:
ردت وهي تضع الطعام في فمها:
- تقصد عندما وبخت أشماس كأنها طفلة صغيرة ونعتها بأنها تغار من هداياك لزوجتك وتقريبا طردتها من المنزل؟
نظر لها أيوب بصدم ليجيب مدافعا عن نفسه :
- لم أطردها كفي عن الكذب يا إلهي بقيت في منزلها يومين لتصبحين مثلها.
هزت كتفيها وقالت:
- لم أكذب أنتم مجتمع ذكوري مستميت للدفاع عن بعضكم البعض بغض النظر إذا كنتم مخطئين أم لا.
ليقول أيوب:
- دعك من ذلك الآن ، ماذا حدث اليوم بالضبط سمعت أنك فسخت الخطبة هل أنت متأكدة ؟
ليقول حارث بحدة :
- حتى و إن كانت غير متأكدة لن تعود له لقد سكت سابقا لأنها منعتني من التدخل لكن بعد ما حدث لا رجوع له أبدا مفهوم.
رد أيوب:
- استهدى بالله قليلا ألم تقل بأنه مصاب؟
ربما ليس في وعيه كما أن ما فهمته أن سهام من تجري خلفه وليس العكس لنعطه فرصة أخرى .
جز حارث على أسنانه وقال بغضب:
- أي فرصة أخرى أنت ألم تكن معنا في فرح عبدالخالق؟
هذا غير ما فعله في الخارج أقسم بالله كنت أريد كسر رقبته وهو يتصور مع تلك المرأة أمامنا جميعا.
التفت موجها حديثه لسنان التي كانت تأكل في هدوء تام:
- لازلت غير متأكد من أنه لم يدفعك على السلم لكن نفذت رغبتك وصمتت وهذه المرة لن أتكلم من أجل عمتي لأنك أنهيت الموضع لكن العودة له أمر مرفوض تماما إلا كرامتها .
زفر أيوب وقال:
- دعها تفكر على الأقل الأمور لا تؤخذ بهذه الطريقة، أعود و أكرر هو ليس في وضعه الطبيعي رغم أني شخصيا حذرته من أذية سنان لكن
صفقت سنان لينظر لها الاثنان فقالت:
- انتهيتم من مناقشة مستقبلي هناك المزيد ؟
لم يجب أحد لتتابع:
- ممتاز؛ لنبدأ بأخي العزيز منذ ساعات قمت باتهام أشماس والتي هي عمتك بأنها تغار من زوجتك ولا تعرف قيمة زوجها وطردتها تقريبا من منزلك كي تخضع وتعود لأيوب معتذرة ذليلة و الآن تحرص على كرامتي!
ثم التفت لأيوب الذي كانت عينه متسعة وقد ظهر بها بعض الندم :
- و أنت صهري العزيز؛ تعرف بأني أعنيها فأنت غالٍ عندي جدا، قمت بالزواج من فتاة أخرى وليست أي فتاة بل من قامت بأذية أشماس عدة مرات و أقمت لها فرح وإشهار وجعلتها حامل ثم تزوجت عمتي دون إخبارها بأنك متزوج بالفعل ، كيف سامحتك أشماس لا أعرف ولا أستطيع لومها هي تحبك وقررت العيش معك لكنك كونها فعلت وتحملت بأن تكون الزوجة الثانية لا يعني بأن جميع النساء مثلها، في النهاية لازالت تدفع الثمن وحجتك أنك لم تكن واعيا .
وضعت سبابتها على فكها وتابعت:
- كي أكون محقة لديك رصيد كبير عندها أما رؤوف فليس لديه شيء بل إن رصيده بالسالب.
أخذ حارث رشفة ماء و قال:
- حسنا كلانا منافق هذا ما تريدين إيصاله لنا؟
هزت رأسها في نفي وردت:
- حاش لله أنتما أقرب اثنين لي، شقيقي و أخ شقيقي زوج عمتي كل ما في الأمر بأن كلا منكما لا يستطيع الرؤية جيدا عندما يتعلق الأمر بأحد يخصه، لذلك دعونا لا نتحدث عن رؤوف خطبة وفسخت ليست نهاية الكون.
أغمض أيوب عينه وقال:
- ماذا قالت لك عن زواجي الأول .
نظرت له بطرف عينها:
- لم تقل شيء لكن احذر إذا قررت الذهاب هذه المرة لن تعود فهي لم تعد أشماس التي لا تعرف كيف تدفع فاتورة الغاز.
نظر لها مطولا محاولا معرفة إذا كانت تعرف الحقيقة أم اشماس أرسلتها لتجعل ضميره يؤنبه ليقول بعد برهة :
- و أنا لم أعد أيوب الذي يتذلل كي تسامح.
لفت وجهها له بابتسامة باردة وردت:
- ممتاز والآن متى يمكنني توقيع عقد الترجمة هناك رواية أعجبتني كثيرا سأبدأ بها اليوم.
❈-❈-❈
في حديقة فيلا حارث جلس سفيان مقابلا لها وقال:
- أشماس اصدقيني القول هل أصبت أو حدث لك شيء ؟
خللت شعر يزيد و هي تجيب:
- لا تقلق علي اهتم فقط بعلاج شقيقك.
مال للأمام قائلا بنبرات متأسفة :
- لم يكن في وعيه صدقيني رؤوف الذي نعرفه لم يكن ليفعل ذلك أبدا .
أومأت له ليقف ويتابع:
- أشماس أنت أغلى عندي من رؤوف لا يجب أن أذكرك بذلك أي أحد يحاول إيذائك سأكون له بالمرصاد فقط اخبريني .
اغتصبت ابتسامة لترطب الأجواء و لا تثقل كاهله أكثر وقد شعرت بتأثيرها الفوري عليه ليلوح ليزيد و يخرج عائدا لشقيقه ، احتضنت يزيد و استقامت لتذهب للفيلا الأخرى وجدت خالها إبراهيم يجلس مع مبروكة و أفطيم و تفاحة لتقول مبروكة:
- تعالي واجلسي معنا لم تأكلي شيئا منذ الصباح.
ردت وهي تتجه للغرفة الداخلية:
- لست جائعة ، أشعر بالنعاس تصبحون على خير.
تنهدت مبروكة و قالت:
- كان ينقصني هم أشماس هي الأخرى لو تلين رأسها وتعود لزوجها بدلا من تكبير المشكلة بينهم .
لتجيبها تفاحة في لوم:
- الفتاة لم تفتح فمها بحرف لقد كنت شاهدة على الأمر كله، بصراحة هذه المرة أيوب هو المخطئ بدلا من أن يخفف عليها فزعها من تهجم رؤوف يصرخ بوجهها بهذه الطريقة!
لم أحبها منه أبدا رغم أني دافعت عنه أمامها لكني لست راضية خصوصا عندما عرفت بأن السبب أخته .
تجعد جبين إبراهيم وهو يقول باستغراب :
-أخته ؟!
ما دخل أخته في الأمر ؟
بصوت خفيض أجابته درصاف:
- سأخبرك بالأمر لاحقا عمي.
لتقول أفطيم:
- أشماس تغضب ثم تعود له في النهاية لن تكون المرة الأولى ، ما يشغل بالي سنان لا أصدق هدوءها الظاهري واحدة في مكانها لا تتوقف عن البكاء بعد ضياع خطيبها من بين يديها.
جاءها الرد من خلفها بصوت سنان:
- يذهب واحد يأتي عشرة أفضل منه لماذا البكاء إذن .
التفت إليها الجميع يراقبها تقترب منهم ببطء لتقف جمان و تحاول مساعداتها لتقول مبروكة:
-عدت وحدك أم أعادك سفيان؟
أجابتها بمرح:
- بل أعادني أيوب مدعيا أنه يريد إحضار أشياء لنوري.
تنهيدة راحة خرجت من مبروكة وتفاحة ليقول إبراهيم:
- تأخر الوقت سنذهب الآن غدا أمر صباحا لآخذك معي للمستشفى مبروكة.
بجمود ردت:
- لا داعي لتتعب نفسك سأذهب مع أفطيم أو حارث.
وقف لتقف درصاف أيضا وقال بتصميم:
- حارث لن يزوره وعنده حق و أفطيم لديها عمل أنا من سيأخذك لدينا حديث طويل لم ينتهي بعد.
ألقى سلامه و خرج لتلحق به درصاف فقال لها:
- يمكنك البقاء إذا أردتِ أعتقد بأن أشماس تحتاجك.
هزت رأسها بنفي وردت:
- لا يزيد معها ، اليوم بالذات لا أستطيع البقاء هنا.
صعد سيارته و انتظرها تصعد ثم سألها :
- لماذا حارث لن يعود كما فهمت ليس لديك حجة .
أنزلت عينها و أجابته:
- بعد ما فعله رؤوف لا أستطيع التطفل عليهم أكثر أشعر بأني مذنبة ، و أنتظر لومه لي في أي ثانية .
انطلق بسيارته وهو يقول:
- أولا أنت لست مذنبة هذه غلطة رؤوف هو وحده يتحملها مع أني أعرف من عزز تلك الفكرة في رأس سهام ، لكن حتى هو عندما يعود لرشده لن يقوم أحد بلومه ألا تعرفين قبيلتنا أو على الأقل الجزء الخاص بأبي ؟
مهما أخطأت في حقهم لن يلومك أحد أبدا بل تجدين يديهم مفتوحة لك دائما.
توقف عن الحديث وقد شعر بأن شخصا آخر يتحدث وليس هو، منذ متى وهو يشكر أو يقول عنهم كلمة جيدة ؟
هذه كلماتها هي لطالما كررتها على مسامعه وأحدثت بينهما الكثير من المشكال بل إنه كان يطالبها بأن تتوقف عن قولها لأنها مجرد ترهات و الآن أصبح يكررها هو ؟
صوت مزمار سيارة أخرى جعله ينتبه لتقول درصاف:
- الضوء أخضر عمي انطلق قبل أن يعود للأحمر .
انطلق وهو يردد الجملة في رأسه :
- انطلق قبل أن يعود لحالة التجمد من جديد .
❈-❈-❈
تقلب في السرير الواسع محاولا إيجاد وضعية تساعده للنوم دون فائدة ، رمى المخدة الخاصة بها أرضا ربما تكون السبب فرائحتها عالقة بها كما هي عالقة بكل شيء في الغرفة بل في البيت كله رفع جذعه عن السرير لينظر حوله فزاد شعوره بافتقادها ليترك السرير بل الغرفة كلها و يقرر النزول ربما يجد حارث لايزال مستيقظا ليقصر عليه الوقت ، لكنه كان نائما ليدخل غرفة المكتب ويبدأ في محاولة رسم مجموعة أشكال جديدة لصنع مجموعة خزفية محاولا إبعاد تفكيره عنها.
بعد منتصف الليل طرقت بخفة جمان باب الغرفة التي تقبع بها أشماس منظرة ردها لتبعدها سنان و تفتحها قائلة :
- أخبرتك أنها لم تنم بعد لماذا الحذر الزائد.
دخلت تتبعها جمان و أفطيم ليجدوا أشماس ترسم في ورقة أشكال غريبة غير متناسقة فقالت سنان التي جلست بقربها :
- جفاك النوم وأنت لم تتمي ليلة واحدة بعيدا عنه ، وأنا التي كنت أقول عمتي قوية لن تهتم لغيابه.
استمرت في شخبطتها وهي تجيب :
- لدي عمل أريد إنهاء تشكلية الصيف الفترة الماضية انشغلت كثيرا؛ تعلمين جيدا بأني لا أهتم بأحد إذا قررت أنا البعد برغبتي.
مالت برأسها تنظر لرسوماتها وردت:
- أصدقك جدا والدليل الرسومات .
تتبعت بأصبعها شخبطاتها لتكون اسم أيوب فوقه علامة x لتقلب أشماس الورقة فقالت جمان:
- أعانك الله بصراحة كدت أموت خوفا من ردة فعل حارث، بل إني لازلت أرتعش داخليا ماذا سأفعل لو تشاجر معي أين سأذهب على الأقل لديك بيت عائلة ؟
بجمود ردت أشماس:
- أولا أيوب لم يطردني أنا من قررت البقاء هنا ثانيا لو حدث بينك و بين حارث مشكلة هو من سيترك البيت ثالثا وهو الأهم أنت لديك مال لا تدعي الفقر يمكنك شراء شقة أو حتى فيلا .
لتقول جمان:
- الأمر ليس المكان الفعلي أعني الجدران عشت وحدي حتى و أنا معدمة أنا أقصد بأني أحب البقاء هنا وسط العائلة بقدر حبي لحارث تماما، أحب الصباح مع عمتي مبروكة و شاهي العصرية مع سنان و أفطيم أعشق تجمع العائلة وقت الغداء والعشاء حتى جلسات الشباب في منزلي و صراخهم عند حضورهم لمبارة كرة قدم أو شوط في لعبة الكترونية متعبة لي تفهمين قصدي؟
ردت سنان:
- أدامها الله عليك والآن دعيني من تمجيدك للعائلة واخبريني بردة فعل حارث بعد أن عرف ؟
أنزلت حجابها و هربت بعينها قائلة :
- غضب قليلا لكنه تفهم في النهاية .
رفعت أشماس حاجبيها و أنزلتهما بالتدريج دون رد لتقول أفطيم :
- في أسوأ الأحول لن تحرمي من ابنتك أو تعانين كثيرا فأنتما من نفس الجنسية على العكس من أشماس .
نظرت لها وتابعت بتأنيب كأنها أم تؤنب ابنها الذي ارتكب ذنبا حذرتها منه :
- أخبرتك سابقا أن الزواج من جنسية أخرى له عواقب وخيمة بل حتى طلبت منك أن تنجبي في الدول الأجنبية ليتحصل ابنك على الجنسية فلا تخسري حضانته لكنك لم تستمعي لي .
ردت بنفس البرود:
- هل حذرتِ نهى أيضا أم أن شقيقك ملاك لن يخطئ أبدا في حقها ؟
أجابت مدافعة :
- وضع نهى مختلف لأنها تستطيع إعطاء أولادها الجنسية بكل سهولك عكسك كما أن عبدالخالق نفذ كل شروطها و عززها أمام أهلها .
لتقول سنان بمرح محاولة ترطيب الأجواء :
- من يشهد للعروسة ؛ اهدي تيما من يسمعك يظن بأنهما على باب المأذون أخبرتك بأن أيوب من أوصلنا و جلب حاجيات نوري لا داعي لكل هذا.
لتجيبها أشماس:
- تعرفين أفطيم يجب أن تظهر كم هي كاملة ولم تخطئ يوما ، يكفي أنها تزوجت ابن عمها المتيم بها ولم تخرج عن طوع العائلة مثلي .
شحب وجه أفطيم وقالت :
- لا لم أقصد ذلك أنا فقط غاضبة من أجلك ماذا ستفعلين لو انفصلتِ عنه خصوصا و أن حارث يقف في صفه بالطبع لن يكون الأمر سهلا.
وضعت الورقة جانبا و ردت:
- أنا من اخترت و أتحمل وحدي نتيجة اختياري عندما آتي لكم طلبا للعون اطرديني أو اسمعيني ذلك الكلام ؛ أما بشأن أيوب لن أسمح لك بالتطاول عليه أو التقليل منه هو من وقف مع حارث عندما كان وحده بل وقف مع الجميع وكان في ظهرهم ، لا تتفاخري بشقيقك لأنه أقام فرح لعروسه و تنسين كل ما فعله أيوب قلت سابقا وسأظل أرددها إلا أيوب لن أسمح لأحد مهما كان بالتقليل منه أنا فقط من تشكوه.
بصوت عالٍ قالت مبروكة التي تقف أمام الباب بجانب تفاحة :
- هذا ما يقال عنه ادعي على ابني و أكره من يقول آمين.
لتجيبها تفاحة :
- لا المثل كان ( أقول أخيه و أنا روحي فيه )
أشارت بيدها لهن وهي تقول بحزم:
- هيا أنت وهي كل واحدة لغرفتها بدلا من هذا الكلام الماسخ.
مطت تفاحة شفتيها بصوت وقالت:
- البنات في العالم كله عندما تتجمع ترقص و تفرح لا تلوم بعضها البعض.
لتقول سنان:
- هذا يحدث عندما لا تكون معهم بومة .
بحنق ردت أفطيم:
- أنا بومة لا أسمح لك.
رفعت كتفها مدعية البراءة:
- لم أقل أنت ربما أعني جمان أو نفسي أو حتى أشماس لماذا تصورتِ أقصدك بكلامي.
توقع الجميع أن تشاركها أشماس في الحديث لكنها لم تفعل بل جهزت سريرها للنوم كأن الحديث لا يخصها لتنظر مبروكة لتفاحة تطلب مشورتها لتدخل الأخيرة وتجلس على السرير قاطعة على أشماس محاولتها النوم وقالت:
- لأني أتيت سنبدأ الغناء المنزل لا يوجد به إلا نحن وسننام مبكرا اجلبي لي شيء أطبل عليه بدل لوية الوجه هذه.
أيدتها مبروكة وهي تجلس بالقرب من أفطيم :
-معك حق على الأقل نرفه عن أنفسنا قليلا لم أفرح بابني أبدا حتى الثالث تأجل من حظي العاثر.
لتقول سنان:
- للأسف لن أستطيع المشاركة فأنا خارج الخدمة حاليا ، على وقت عودة عبدالخالق ربما أفك الجبس وقتها سأجعل عروسه ترقص و أصورها ليجن أكثر .
ضحكن ماعدا أشماس التى التزمت الصمت حتى بعد أن بدأن الغناء و محاولة جمان شدها لترقص معها التي باءت بالفشل الذريع، لكن تفاحة لم تترك غرفتها حتى الفجر بعد انسحاب جمان و أفطيم حتى مبروكة
وقفت سنان تقول بنعاس:
- غدا لدي موعد مع الطبيب أيقظوني قبل الظهر كي ألحق به.
لتجيبها أشماس:
- أنا أيضا لدي موعد اذهبي للنوم واعتمدي علي.
التفتت لتقول :
- رأيت أمي أسرعت تأخذ ندى من جمان و تركتني، منذ أن حضرت ملونة العيون وأنا على الرف .
وقفت تفاحة تسندها وردت:
- مبروكة هذه جنت على كبر تظن أن قطر الندى ابنتها تعالي معي كي أريها كيف تتركنا من أجل تلك الطفلة .
قوست فمها للأسفل وقالت:
- باعتني وأنا متعبة بدلا من الاهتمام كل ذلك لأن عيني ليست ملونة و لا جميلة كفاية .
شهقت تفاحة وردت بحنق:
- تعالي معي لأريها.
ليلة عصيبة مرت على الكل
ذلك الحانق بشدة قضى ليلته بين الرسم و تقطيع الأوراق حتى طلع عليه النهار فهو رغم غضبه و إصراره أنها المخطئة في القصة لم يطعه عقله ولا قلبه للنوم بعيدا عنها... أيوب
وهي لم تتوقف عن التنهد مخففة بعض من لهيب قلبها فقد خذلها أكثر من شخص في يوم واحد والكارثة أن الكل يراها مخطئة ، كتمت شهقاتها إلا أن دموعها غلبتها محدثة سيل لا ينتهي و إن كان أكبر خيباتها ذلك الذي أقسم بألا تنام إلا في حضنه كل ليلة حتى لو كانت غاضبة أو مريضة
..أشماس
أما هو لم يستوعب بعد حجم الكارثة التي تسبب بها دون أن يهتم ، منذ أخبرته درصاف بقصة أخت أيوب و الاتهامات الموجهة لأشماس بسبب عملته وهو يتقلب على جمر ضميره؛ كيف سمح بإيذاء ابنتها الروحية بل شارك في الإيذاء عامدا متعمدا دون أن يرف له جفن!
هل هو بتلك الوضاعة دائما ؟
أم رغبة في الخروج من عباءة سليمة و الانتقام من موتها جعله يؤذي أحبتها ؟
اتسعت عيناه وانتفض قلبه بين ضلوعه بقوة فقد اعترف للتو بأنه كان ينتقم منها وربما لايزال يفعل دون وعي...إبراهيم
ذلك الذي قضى نصف عمره في بلد الأجانب بات يخشي الآن على أطفاله منهم ، لكن هل العودة للوطن ستكون الأمان لهم ؟
سؤال لم يجد له إجابة واضحة ليعود لكتابة المقالات بعد أن تأكد من أمن زوجته وطفليه مؤقتا.... هادي
اتبع أسلوب البعد عن المشاكل طوال حياته كي لا يوضع في مواجهة مع أحد من عائلته حتى عندما خسر حبيبته فضل الهرب و الآن عليه تغيير طريقته و إلا خسر شقيقه للأبد ... سفيان
تنظر لصديقتها و أبنائها تنام في راحة بعد اتصال من زوجها ، ليس حسدا بل هي سعيدة جدا لأنها وجدت الراحة أخيرا ؛
ابتعدت لتنظر للنافذة الكبيرة وقد بدأت الأفكار تتوارد عليها تباعا؛ الاختيارات الخطأ تؤدي لخسارة حتمية سواء كانت قريبة أم بعيدة ، تعرف ذلك جيدا منذ نعومة أظافرها بل هي نفسها جاءت نتيجة اختيار خطأ لتوصم به طوال حياتها، قريبا ستنهي دراستها وقد أخبرها بأنه لن يستطيع الحضور بسبب الأعمال المتراكمة عليه لكنها لا تعلم بأنه يكذب انشغاله بسبب أخرى لا تستطيع منعه هي عنها وتبقى المعضلة هل سيعترف بزواجه منها علنا ..
لينا
❈-❈-❈
اليوم التالي ذهبت أشماس و سنان للمستشفى ، نظرت أشماس لساعة يدها وقالت:
- لا يمكن الانتظار أكثر طبيبك تأخر مضطرة أن أذهب للبنك قبل أن يغلق و أعود لك فورا .
لتجيبها سنان :
- اتركي نوري معي قد يعطلك.
حملت كرسي الأطفال المتنقل و ردت:
- ماذا لو طلبوا منك صورة أين ستضعيه لا تقلقي لدي موعد لن أقف في طابور الانتظار.
أخرجت رواية أجنبية من حقيبتها وقالت :
- صدق من قال العند يورث الكفر كان من الأفضل تركه عند أمي .
لوحت بيدها وردت:
- لا تتحركي حتى أعود لك مفهوم.
بدأت في القراءة وقالت:
حاضريا عمتي.
لم تشعر بالوقت وقد انسجمت مع أحداث الرواية حتى شعرت بأحدهم يقف أمامها لترفع عينها له، لم تميز ملامحه جيدا ، بدا لها مألوفا خصوصا عندما قال بابتسامة سمجة:
- كم أنا محظوظ كنت أبحث عنك في الحي لأجدك أمامي هنا.
نظرت لليمين و اليسار وقالت بسخرية :
- لا أرى الكاميرات لكني أنبهك من الآن تمثيلك فاشل جدا، التزم بالطب هذا إذا كنت حقا طبيب.
قرب حاجبيه ورد باستغراب:
- كاميرات !
أي كاميرات؟
أغلقت الرواية وقالت:
- أليس هذا مشهد هزلي من فيلم هابط ؟
أذكر أني رأيته آلاف المرات سابقا ودائما يراودني نفس السؤال
وضع يده في بنطال بدلة الطبيب و رد :
- اسألي و أنا مستعد للإجابة ثقافتي واسعة ليس في مجال الطب فقط ، بالمناسبة لقد تحصلت على ماجيستير رغم صغر سني تصدقين؟
هزت رأسها بيأس و قالت:
- أولا كي تتخصص في الطب يجب أن تأخذ ماجيستير لا أصدق بأن هناك من لايزال يصدق العكس.
صفر ورد:
- وذكية أيضا متشوق لمعرفة باقي مميزاتك ؛ ما هو ثانيا.
عادت لفتح الرواية و قالت:
- كيف تقع البطلة في نفس الفخ رغم وضوحه.
أخرج يده ومدها لها قائلا:
- لنبدأ من جديد دكتور فؤاد سأكون طبيبك المتابع في المستشفى.
ثم غمز بعينه وتابع بنبرة شقية :
- خارج المستشفى يمكنني الشرح كيف تقع الفتيات في الفخ عمدا.
بتقزز ردت:
- واثق من نفسك جدا، ماذا كنت لتفعل إذا كنت وسيم.
زفرت و رفعت عينها للأعلى مرددة :
- أحرم من البكلاوة و المانجا و أبتلى بقعمول .
قرب رأسه محاولا استيعاب ما قالت و ردد:
- قع ماذا؟
لم أرافق فتاة من بلدك سابقا يجب أن تعلميني لغتك على الأقل .
عقدت يدها بقدر ما تستطيع ليبتسم و يردف:
- يدي مازالت ممدودة على الأقل دعيني اكشف عليك وبعدها قرري.
بتذمر أعادت الرواية لحقيبتها و ووقفت ليقول بمرح:
- قلت لك لا توجد من تستطيع مقاومتي.
هزت رأسها وقالت بصوت خفيض:
- هذا آخر البطر قعمول.
❈-❈-❈
أنهى حارث فنجان قهوته وقال:
- لا أستطيع التأخر أكثر من ذلك لدي تسليم طلبية مهمة وقد تركت أيوب نائما.
ردت مبروكة:
- لن يأتِ للغداء معنا و يأخذ زوجته.
وقف و قال:
- لن أتدخل بينهما أشماس في بيتنها تبقى كما تريد ، بل إني أحذركم لا تضغطوا عليها أكثر نعلم ما حدث المرة الماضية ،أرجو كم لا ينقصني مصائب يكفيني قصة رؤوف الآن .
شعرت بالخزي لتقول :
- هل ما قالته سنان صحيح، أعني أنه لم يعقد عليها كما كنا نظن.
أجابها بصدق:
- نعم وهذا من حسن الحظ لقد رفض الشيخ في المسجد كتابة العقد بتاريخ قديم مثل عقد السفارة و بالطبع نحن نعلم أن عقد السفارة استخرجه عمي إبراهيم بتاريخ قديم لحماية رؤوف فقط حتى نستطيع السفر ، و منذ كنا في الخارج لاحظت تقاربه مع تلك المرأة ولم أتدخل لأن سنان طلبت مني أما الآن وقد حسمتها هي لا داعي أن نفتح الأمر من جديد.
التفت ليخرج لكنها أوقفته قائلة :
- لا تنسى أنه مريض علينا معالجته لا طرده من وسطنا.
نظر لها ورد:
- من تحدث عن الطرد ؟
سيظل ابن عمي للأبد كل ما في القصة نصيبه انتهى مع أختي كما انتهى نصيبي مع أخته .
أسرع بخطواته منهيا للحديث حرصا منه على مشاعرها أولا و أخيرا .
صعد سيارته واتصل بعلاء فلم يجبه فبحث عن رقم هاشم ليجده أخيرا ثم اتصل به
ارتعشت يد هاشم عندما رأي اسم حارث ثم أجلى حلقه ورد ليسمع حارث يقول:
-السلام عليكم أنا حارث الجعفري كيف حالك.
رد وقد بدأت نبضات قلبه تهدأ قليلا :
-وعليكم السلام، الحمد لله طبعا الرقم مسجل لدي هل هناك شيء ؟
قبل أن يتراجع أو يبرر قصده قال حارث:
- أيوب ليس بخير لم ينم إلا عند الصباح، الموضوع حساس ولا أعتقد بأني الشخص المناسب للتحدث معه بشأنه ، إذا كنت متفرغا أرجو أن تمر عليه ، حاولت الاتصال بعلاء لكنه لا يجيب ربما مشغول، احضره معك لو سمحت.
اتفق معه على موعد معين كي لا يعود حارث ويدعهم براحتهم قبل أن يقفل فالتفت لعلاء الذي يجلس بجواره مدعيا اللامبالاة ليقول له :
-وأيوب تشاجر مع زوجته يجب أن نصالحهما .
رد وهو يشرب من كوب الشاي الزجاجي:
- صالح مات و دفن، اذهب وحدك لا علاقة لي بالأمر .
أخذ منه كوبه وقال:
- أخبرتك بقصتي مع درصاف ولم أخبره هو هل يعني ذلك أني أقلل منه ، كما أعلم عن صديقة زوجته التي ترفض الزواج بسببها .
لوح بغضب:
- لا أرفض الزواج بسببها بل لأني لا أستطيع ماديا كما أنها متزوجة بل أنجبت أيضا ولم تعد تهمني .
ابتسامة واسعة رد هاشم :
- تتابع أخبارها و لا تهتم بها حقا ؟
أشاح بوجهه وقال:
- لا تغير الموضوع أيوب تعمد إقصائي عن القصة لأنه يقلل مني ، دع حارث ينفعه.
وضع كوب الشاي ورد:
- حارث فعلا نفعه فهو يبحث عن طريقة ليريح صديقه رغم أن التي أصابها الضرر تكون عمته ، أي أنه فضل أيوب عن لحمه ودمه بل إنه اتصل بي و بك كي نخفف عنه ،عرفت الآن لماذا أيوب متمسك به.
بعناد قال :
- لا يهمني كل هذا أنت وهو اخترتم عائلة الجعفري الغرب فضلتوهم عليّ أنا ابن بلدكم نقطة انتهى .
وقف و رد:
- لم أفضل أحد حتى الآن لا أعرف إلى أين ستصل قصتي مع درصاف ، أما أيوب فهو على وشك خسارة زوجته كما فهمت من نبرة حارث لأنه لا يريد فضح ابنة بلده من الظالم برأيك ؟
لم يجبه فأردف:
- أنا ذاهب له وأنت تعرف الطريق إذا أردت الحضور ، لن أخبر أحد عن حديثنا الغبي هذا متأكد أنك لا تعنيه.
❈-❈-❈
في الدولة الأجنبية
جلس هادي و فتنة أمام شاشة الحاسوب يستمعون لإبراهيم من خلف الشاشة حتى أنهى حديثه عاد إبراهيم للحديث قائلا :
- أعلم بأني المذنب الأول في القصة وذنبي قد لا تغفره لي أشماس أبدا ، لكن على الأقل يمكننا تصليح مفهوم خاطئ كي لا يهدم بيتها بسببه .
نظر هادي لزوجته بطرف عينه ليجد أن شحوب وجهها ازداد منذ بداية الجلسة لدرجة أن شفتيها ابيضت ، أمسك بيدها من أسفل الطاولة وقال:
- أعتذر سيد إبراهيم فتنة لن تتحدث مع أحد لتفضح نفسها .
بصدمة أجابه إبراهيم :
- ليست فضيحة أريدها أن تخبر أخت أيوب بالحقيقة فقط لأنها تظن أن أشماس هي السبب في طلاقها بل هي مصرة أنها قاتلة لابن أيوب من فتنة و ترفض تقبل ابنه الحقيقي.
امتلأت عينا فتنة بالدموع و فتحت فمها لتجيب ليقاطعها هادي :
- كان من الأولى أن يخبرها شقيقها ، لا علاقة لفتنة بها لا من قريب ولا من بعيد ، مع كل احترامي لك لن أسمح بإهانة زوجتي أبدا فكرامتها من كرامتي، ليحل زوج أشماس مشكلته بنفسه هذا إذا كان يريد حلها .
نبرته الحاسمة جعلت إبراهيم ينهي الحديث قائلا:
- مفهوم إلى اللقاء .
أغلق الحاسوب وقام بضمها له بقوة مقبلا رأسها وقال :
- لن أسمح لأحد أيا كان أن يذِلك بتلك الغلطة أو يهين كرامتك أبدا ، لقد دفعت ثمنها و تبت إلى الله لست مسؤولة عن أخطاء غيرك.
تساقطت دموعها و بدأ جسدها في الاهتزاز جراء بكائها ثم قالت وسط دموعها:
- لكن ذلك قد يتسبب في طلاقها كما فهمت ، لقد آذيتها كثيرا دعني أتدخل ربما..
وضع يده على شفتيها ورد:
- هذه المرة ليس خطأك ، سأقول لك كما قلت لزوج عمتك ، إذا كان أيوب يريد الحفاظ على بيته سيفعل غير ذلك حجج واهية .
صمتت ليس اقتناعا بل لأنها تعرفه جيدا عندما يتخذ قرارا ليس من السهل عليه الرجوع .
مسحت دموعها وابتعدت عنها قائلة :
- لم نخبره بعودتنا مع عمتي و لا حتى بما أصابها .
طوقها بيده ليعيدها لحضنه من جديد و رد:
- سأخبره عندما نؤكد موعد سفرنا ؛ ما رأيك في حمام مريح للأعصاب لم نفعلها منذ حملك .
أتاه الجواب من ابنته على شكل صريخ متواصل لتبتسم وقالت:
- مارن أجابتك أعتقد علينا تأجيل الفكرة لخمس أو ست سنوات مقبلة .
وقفت لتذهب لابنتها ليحتضنها من الخلف و يرفعها كما يفعل كثيرا فضحكت أخيرا ليهمس بقرب أذنها :
- اصبري عدة أسابيع فقط بعد سفرنا سأجلب مساعدة لك أريدك لي لوحدي فتونة هذا الإهمال لم يعد مقبولا لي .
❈-❈-❈
في بلد أيوب
البحر الأحمر
لف عبدالخالق حول نهى محركا عينه على جسدها ثم قال بامتعاص :
- ما هذا الذي ترتدينه بالضبط ؟
لمت شعرها أعلى رأسها وردت :
- مايوه إسلامي ألم تقل سنذهب للبحر !
حرك سبابته يشير لملابسها من أعلى لأسفل ورد :
- هذا ما يرتديه المسلمون إذن ماذا تركتم للكفار ؟
هزت رأسها عدة مرات وهي تحاول إيجاد الرد المناسب عليه دون جدوى لتقول في النهاية :
- ماذا ترتدي أخواتك في البحر إذن ؟
لا تقل لا تذهبون له أنا شاهدة على رحلاتكم الكثيرة .
حضنت فكها بسبابتها و إبهامها وأخذت تقول بتفكير :
- لم أفهم أبدا لماذا تسافرون للعوم مع أن البحر على بعد خطوات منا أعني المدينة على البحر حرفيا أذكر جيدا كنا نذهب في الصباح الباكر للعوم ثم نعود للعمل بطريقة عادية .
مسح وجهه بكفيه وقال :
- كنت تسبحين أين أعيدي مرة أخرى ؟
فكت شعرها واقتربت منه رادة :
- أجبني أنت أولا إلى أين تذهبون للسباحة وماذا كانت أخواتك ترتدي.
أخرج صوت يدل على الحنين وهو يجيبها :
- كانت أيام و لا أروع آخذ معي المكبر و نذهب لأبعد مكان في الشط حيث لا يوجد إنس أو جن لنبقى على راحتنا، تعلمين أنا الذي كنت أختار المكان دائما ، لو كان الوضع كالسابق لأخذتك هناك وحدنا.
لفت ذراعيها حول جذعه وردت:
- هل كنت ستدعني أرتدي هذا أم الآخر ذو القطعتين.
أنزل رأسه ينظر لها وقال:
-لدي فكرة أفضل لنسبح بدون ملابس.
رفعت رأسها له مصدومة ليضحك ثم مال يأخذ شفتيها في قبلة ساحرة قبل أن تبتعد عنه قائلة في صدمة :
- تتكلم بجدية أم تمزح تريد السباحة دون.. .
ضحك أكثر فابتعدت غاضبة ليمسك يدها ويردها له مجيبا:
- كنت أريدك أن ترفعي رأسك لأقبلك أنت قصيرة جدا سأصاب بالتواء في الظهر من كثرة الانحناء .
ضربته بقبضتيها على صدره ليعاود الضحك وقال بنبرة عابثة :
- حوض الاستحمام كبير يكفينا معا ، تعالي نجربه.
زمت شفتيها وردت:
- ماذا عن السباحة لا تقل ممنوع أحبها كثيرا.
أمسك بطرف التنورة الشيفون وفكها وهو يقول :
- أعدك أن نذهب معا لملديف هناك يمكنك السباحة براحتك سنأخذ شط خاص بنا .
بدلال قالت وهو يخلع عنها باقي الملابس بتروي:
- بعد كم سنة ؟ سأنسى السباحة وقتها .
لفها ليصبح ظهرها له فمال يقبل رقبتها و كتفيها وهو يجيب :
-بل أقل من ستة أشهر أعدك بذلك حبيبتي أريد أن يكون لدي المال الكافي فقط .
عادت لتواجهه وهي تقول :
-قلها مرة أخرى ، قل حبيبتي.
قبل شفتيها وقال:
- أحبك
قبلة أخرى على فكها يا
- حبيبة قلبي
وضع يديه أسفل ظهرها ليرفعها له وعاد يقبل شفتيها لتنسى ما حولها لتغرق في بحور عشق جرفها معه لعالم لم تكن تعلم بوجوده.
❈-❈-❈
مر أسبوع ولايزال الخصام جاريا بينهما ؛ وهي تتجنب الحديث مع الجميع ، خرجت من غرفتها فقالت مبروكة:
-سنان نائمة لم تخبرني أن لديها موعد اليوم.
ردت وهي تثبت ابنها على حمالة البطن:
- لست ذاهبة مع سنان لدي مشاوير أخرى ، تريدين شيئا من الخارج.
لتقول درصاف:
- اتركي نوري إذن لا داعي أن يخرج في هذا الجو.
هزت رأسها بنفي وردت:
- سيتعبك كثيرا أعلم أنك لا تتحملين صراخ الأطفال .
مدت يدها تسحبه منها وقالت:
- ابنك ملاك لا يصرخ إلا نادرا ثم دعيني أعيش بعضا من أمومتي المفقودة يكفيني يزيد الذي هرب مني ليذهب مع بلقاسم.
لم تكن لديها طاقة للمجادلة فأعطته لها وقالت:
- حقيبته يوجد بها رضعة من صدري شفطها هذا الصباح كما يوجد حليب أطفال إذا تأخرت أعطيه ولا تكتفي بحليب صدري .
أخذته بين يديها لتقبله بحنان وردت:
- لا تقلقي سأنفذ تعليماتك بحذافيرها اذهبي أنت فقط .
توجهت للباب ثم عادت مرة أخرى وقالت :
- درصاف هذه ليست لعبة لو كنت لا تستطيعين أو تعبت منه اعطه لجمان أو عمتي.
شعرت بأنها تلقت صفعة قوية كادت أن تبكي منها لتجيب بصوت متحشرج :
- تأمنين جمان على ابنك وأنا لا.
تأكدت من حاجيات ابنها وردت:
- تعرفين أن هذا ليس قصدي جمان معتادة على الأطفال و ابنتها مع عمتي ليس وراءها شيء أما أنت لا.
نظرت لها تشعر بأن وجهها غير طبيعي فاقتربت وقبلت رأسها قائلة :
- هذا اعتذار مني لم أقصد إحزانك.
وضعت نوري في كرسيه وردت:
-لست غاضبة اذهبي الآن ولا تتأخري.
همست :
- هاشم سيخبر أيوب اليوم لقد عزمه على مطعم جديد وقرر جس نبضه ليعرف رأيه عن الموضوع.
وردت بغير فهم :
- أي موضوع در لا تقولي!!
لمعت عينها و أجابت لتقول أشماس:
- تعرفين في أي وقت سيذهب أحتاج أوراق مهمة من البيت ولا أريد الذهاب وهو موجود به .
لأول مرة تشعر بأن أشماس تخطط لشيء خطير بل هو مؤلم لها شخصيا ومرهق جدا فالهالات السوداء بدأت تزحف تحت عينها ، لتجيبها:
- سأعرف الموعد و أرسل لك فورا.
أومأت لها و خرجت من المنزل لتعود مرة أخرى
قالت بابتسامة معتذرة :
- أرجو أن يمر موعدهم بسلام متأكدة بأن أيوب سيقف معه لا تقلقي .
مالت تقبل ابنها لتقول مبروكة :
- إذا عدتِ مرة أخرى لن أجعلك تخرجين.
خرجت هذه المرة لتبدأ رحلة اليوم الشاقة .
بعد صلاة الظهر أخرجه الممرض ليجلس في الحديقة وقال له :
- لديك زائر، هذه المرة أنثى .
توترت أعصابه وهو يحاول تخمين هوية الزائرة حتى رآها ليزفر في راحة و انتظر اقترابها منه ليقول :
-آخر شخص توقعت أن يزورني .
جلست و ردت:
- لم آتِ لأني اشتقت لك بالطبع .
هيئتها كانت تخبره بأنها تعاني رغم شموخها الذي ورثته من عمتها سليمة لكن الحزن المطل من عينها لا يمكن إغفاله أبدا .
تلمس الضمادات بوجهه وقال :
- إذا كنت تريدين أخذ ثأرك مني فأنا لا أستطيع القتال الآن انتظري حتى أشفى أولا .
لم تجبه ليلاحظ حقيبة أدوية تتبع المستشفى فقال باستغراب:
- أنت مريضة ؟
كنت عند طبيب ؟
أخذت الحقيبة وردت :
- ضرب صديقتك لم يمر بسهولة ، عاد لي ألم الذراعين فلم أعد قادرة على حمل يزيد و لا حتى نوري بل أضعه في حمالة البطن حتى لا بيعد عن حضني كثيرا تعرف مازال صغير ويحتاج للحضن ؛ آخذ إبرة لتخفيف الألم كما أنها تساعدني لأعيد التحكم في يدي بشكل أفضل .
رغم الصدمة و الألم اللذان أصابته معا استطاع أن يقول بنبرة عادية :
- لماذا أنت بمفردك، لا تقولي لم تخبري أحد عن ذراعك.
أغمضت عينها تداري وجعها وردت:
- لم آتِ إلى هنا لمناقشة أمر ذراعي الذي بالمناسبة لا أريد لأحد أن يعرفه ؛ بل أتيت من أجل شيء آخر تماما.
حك جبهته في توتر و قال:
- لو كان على موضوع سهام أقسم لم أعزمها على الحفل أو أطلب يدها للزواج هي فهمتني
قاطعته بصرامة :
- لا يهمني أمر عديمة الأخلاق تلك إذا اقتربت من سنان سأنتف شعرها.
لم يعرف بم يفكر ليقول مازحا:
- من الأفضل أن يبقى الأمر سرا حتى لا يعرف أيوب لقد هددني لو أحزنت سنان تخيلي ماذا سيفعل لو عرف.
شعرت بعصرة قوية في قلبها لتجيب في استهزاء :
- لا تقلق من هذه الناحية .
عادت للصمت ليقول بعد برهـة :
- لماذا تخططين أعرف هذه النظرة جيدا.
التفتت له وردت:
- اكتشفت بأن كل من أحبهم بشدة يتركونني ، عمتي سليمة ، سالم ، جدي، حتى منزلنا في الوطن هدم ولم يعد لي فيه مكان.
عقد حاجبيه وقد بدأ يتخلله شعور غير مطمئن وقال:
- وجدتِ حل لهذه المعضلة ؟
أعتقد بأني أشاركك نفس اللعنة .
أشارت له بإصبعها :
- أنت من تركت سنان تضيع من يديك.
أكملت قبل أن يقاطعها:
- الحل الوحيد أن أجهز نفسي للبعد ، وقد بدأت في ذلك فعلا.
بنفس القلق رد:
- ماذا تعنين أشماس لا أحب ما أسمعه .
أخذت نفسا عميقا ثم عدلت كرسيها وجالت بعينها في الحديقة قائلة :
- أعجبتني هذه المستشفى لكن أسبوع كامل كثير على عملية صغيرة في الفك .
أشماس لا تهربي من الإجابة كعادتك .
تنهدت وردت :
- لا يوجد هروب أتيت لك لأني أريد الحديث عن أمي ، أحتاج أحد يعرفها مثلي و يتذكر مواقفها وقصصها أم أنك نسيتها هي أيضا ؟
انجلى كل شعوره السابق من قلق و خوف و تحذير ليملأ مكانه شيء واحد فقط
سليمة
❈-❈-❈
بمجرد أن عرفت ساعة خروجه أسرعت و ذهبت لمنزلها قبل العودة لبيت العائلة ، فهي تحتاج لأوراق مهمة ولا تريده هو أو غيره بأن يعلم أنها أخذتها.
حنين جارف لفحها بمجرد الدخول للبيت ، بيتها الذي جهزته قطعة بقطعة ليكون عش لحبها الأبدي مع أيوب ، وقفت في وسط الصالة لأكثر من عشر دقائق غير قادرة على الصعود لغرفة نومها و أخذ أوراقها المهمة ، شيء بداخلها يطالبها ألا تفعل فهي حتما ستعود له بعد أن يهدأ و يعتذر
يعتذر !!!
كم مرة اعتذر و عاد كما كان لإهانتها وسكب حقها أرضا كأنه يسكب ماء ملوث !
حتى لو عاد لم تعد تثق به أسبوع كامل أثبت بالدليل القاطع أنه قادر على التخلي عنها .
ضغطت على عينها و أجبرت نفسها على الصعود قبل أن تضع قدمها على أول درجة رن الهاتف الأرضي والذي يوجد في مكتب أيوب ، تجاهلته و أسرعت تصعد لغرفتها لتأخذ الأوراق المهمة ، لم تجدها لتتذكر بأنه وضعها في درج المكتب بعد أن استخرج شهادة ميلاد نوري ، نزلت للمكتب و دخلته ليعود الرنين من جديد حاولت تجاهله لكنها ردت أخيرا لتجلس من هول الصدمة قبل أن يغلق الخط .
فتحت الخزانة لتخرج جواز سفرها و سفره ثم بحثت عن هاتفها وطلبت رقم لم تتصل به منذ مدة طويلة جدا ، أجابها فورا لتقول :
-أحتاج مساعدتك أريد السفر اليوم للخارج... والد أيوب توفي
انتهي الفصل ولم تنتهى الحكاية
أنت تقرأ
حصاد السيل
Romanceفي هذه الجزء تكتمل سلسة الحب و الحرب لنعرف مصير باقي الأبطال، من عاش منهم و من اكمل حياته مع من كما سنعرف إذا كان الجعفري سيعودون للوطن ام كُتبت عليهم الغربه للابد