الفصل الرابع

57 4 0
                                    

الفصل الرابع


الهجرة أو بالأصح التهجير فاجعة يتم إدراكها على مراحل، ولا يستكمل الوعي بها إلا بانغلاق ذلك التّابوت على أسئلتك التي بقيت في خانة التجاهل عمدا، الهجرة قاسية جدا على النفوس مهما كانت الحياة فيها أسهل من الوطن ، الهجرة لا تتيح لك أن تعرف أحداً كما يجب؛ في الهجرة لا تَستطيع أن تدّعي امتلاكك لشيء ما، في الهجرة أنت لا تملك سوى حُلمك بأن تتأقلم على وضع جديد أجبرت عليه ؛الهجرة عن الوطن نار لا يعلم مدى حرارتها، إلا من ذاق ألمها واكتوى بنارها، فالوطن يبقى كحضن الأم الحنون.


هجرة أم لجوء أم هو وضع مؤقت حتى تتعدل الأوضاع في وطنها؟
بين هذا وذلك لم تستطع التأقلم رغم محاولاتها الكثيرة لكتم الأمر بداخلها فهي بداخلها ليست سوى مهجرة قسرا !
أجبرتها الحرب على الفرار من وطنها دون توديعه حتى، هذه الفاجعة التي أدركتها على مراحل بنت بداخلها عقد نقص، فبات أي أمر بسيط عابر يتحول عندها لمعركة توقظ تلك النار التي لم تخمد بعد لتصبح وحشا لا يمكن إيقافه ورفض عبدالخالق من ضمن هذه الأمور طبعا؛
لم يخفى عليه بالطبع شعورها و إن ادعى الجهل به فهو لا يعرف كيف يواسيها أو يخفف عنها، من جهة يجدها تبالغ كثيرا في هذا الشعور الذي لا داعي له فهي في بلدها الثاني و بلد ابنها و زوجها وبقائها فيه أمر مسلم به بالنسبة له، صحيح وعدها بشراء منزل في وطنها لكن الإقامة  الدائمه ،هنا و من جهة أخرى يعلم بعشقها لتراب وطنها وخروجها منه بتلك الطريقة جرح لم تشفى منه بعد
استغل توتر الجو و عاد بها لمنزلهم علها تهدأ بدلا من إصرارها الغريب على الذهاب لمنزل عائلة نهى !
وقف يشاهد ارتعاش أصابعها المنقبضة على حافة الكرسي لينحني أمامها واضعا كفه عليها وقال :
-  كل شيء سيحل لا داعي لغضبك ألم تخبرك عمتي مبروكة ب...
قاطعته بصوت مملوء بالحسرة :
-  لن يحل شيء أصبحنا لاجئين لا يقبل بنا أحد بعد أن كنا مكرمين معززين في وطننا الكل يعرف قيمتنا.
تجعد جبينه و حاول التماسك بقدر المستطاع فقد بات يدرك مؤخرا مكانة عبدالخالق عندها دون أن تتحدث مجرد سعيها لزواجه من نهى يخبره بالكثير جدا وهو الذي ظن سفيان وحارث فقط المقربين منها !
أغمض عينه لبرهة ليقف و يجيبها:
-  بعيدا عن رفض أهل نهى وهو أمر من حقهم لعلمك لكن من قال أنكم لاجئين ؟
أنتم في بلدكم الثاني بل أنت بالذات هذا بلد زوجك وابنك أي بلدك عليك وضع هذا في رأسك .
أجابته وهي تجاهد لتحبس دموعها:
-  وعدتني بأن نعود عندما يصبح الوضع أفضل .
رفع سبابته و رد مصححا:
-  وعدت بشراء منزل هناك أما الإقامة فهي هنا أخبرتك أكثر من مرة، ثم لو أخذت بكلامك فأنت تريدين مني و من ابني أن نبقى لاجئين طول عمرنا.
وقفت تلوح بيدها و أجابته معاندة :
-  الوضع مختلف أنت ذهبت بإرادتك لم يجبرك أحد وضعنا مختلف خرجنا هربنا من الحرب دون ملابسنا حتى.
وضعت يدها على قلبها وقد غلبتها دموعها ليهتز جسدها كله فقام بضمها لتعاند قليلا قبل أن تنهار ببكاء حار ليزيد من ضمه لها وقال بهمس:
-  هذا وطنك بل وطنكم كلكم لو شك جدي عثمان في ذلك لحظة واحدة لما طلب أن تكون الشركة هنا بل اشترى شقة خالك إبراهيم و طلب مني استثمار المال هنا وليس في أي دولة أخرى ، وجود بعض ضعاف النفوس أو المتنمرين الذين يحاولون التغطية عن نقصهم لايجعلك تقولين بأنك لاجئة .
رفعت وجهها الغارق في الدموع وردت بعبرة :
-  لماذا رفضتنا أم نهى؟
إذا كانت ابنتها تحب عبدالخالق وهي تعرف من نحن و ماهي أخلاق عبدالخالق؟
أبعد إحدى يديه ليمسح دموعها بإبهامه و هو يقول بنفس الهمس:
-  لماذا رفضتني والدتك رحمها الله؟
هل هو عيب في أخلاقي أم لم تعرف من أنا ؟
اتسعت عيناها و فغرت فمها لتتكلم لكنها لم تجد ما تقوله فأمها رفضته لسبب واحد لا غيره جنسيته.
لم يدعها لاضطرابها كثيرا بل عاد لضمها و قال بحسم:
-  سأحل الموضوع وعد مني إلا حزنك يا نبض القلب.
لم تكن جملة عابرة لتهدئتها بل قرار اتخذه منذ أن علم برفض والدة نهى، كأخ لحارث وابن روحي للشيخ عثمان عليه أن يتدخل لحل هذه المعضلة أو على الأقل المحاولة
❈-❈-❈

في الدولة الأجنبية

في شرفة شقة جيهان وإبراهيم
مدت له القهوة وقالت بحنان:
-  لا تحمل نفسك ذنب مالم تفعله،  لينا أخبرتني بأن تفكيره مشتت ربما لا يعني لومك على ما وصل له.
أخذ قهوته و أجابها بنبرة حاول أن يجعلها عادية خالية من الحزن:
-  أعرف رؤوف من قبل أن هذا  الحادث وكل ما جرى لذلك التمس له العذر كما أعلم حالته الصحية و النفسية لكن ما قاله نوعا ما صحيحا لقد شاركت في الفوضى الحاصلة الآن في وطني.
وضعت يدها على صدره و ردت :
-  إياك وقول ذلك أنت بالذات منذ البداية أردت الإصلاح و ليس الخراب بل كنت من المعارضين للتدخل الخارجي رغم تأييدك للثورة حتى بعدها لم تفعل مثل الباقين وتدعي بالباطل على النظام السابق لتمجيد الجديد وقمت برفض كل الفساد ولازلت تفعل ذلك في كل مقالاتك الصحفية بالإضافة لمحاولاتك الدائمة في مساعدة مؤيدي النظام السابق و مطالبتك بإخراج رموزه من السجن أو محاكمتهم في محكمة في محكمة العدل  دولية دون تحيز.
كانت تتحدث بنبرة يملؤها الفخر و الحب وعينها لم تحيدا عن عينه مما جعل كلماتها كبلسم منعش يبعد جلد الذات الذي يظهر من حين لآخر داخله
رفع يدها يقبلها ثم ابتسم وقال بغمزة عين:
- كيف عرفت ماذا كنت أفعل وقت الثورة ؟
حسب علمي لم تكوني مهتمة بي بل طلبت مني أن أبتعد عنك صح.
ضمت شفتيها وردت بمرح:
- قلت فقط أرجو ألا تتلاقى دروبنا ،لأن تأثيرك قوي علي وأنا لم أكن أريد الدخول في قصة جديدة خاسرة .
سحبها ليقرب وجهها له فانتشرت الحمرة فيه وقال بمناغشة :
- لم تريدي الدخول في علاقة جديد وقمت بمتابعة كل ما أكتبه صح؟
أسبلت أهدابها في دلال وردت بهمس:
- هادي توقف نحن لسنا في بيتنا.
ضحك لترفع عينها له تتأمل ملامحه الوسيمة بغير تصديق بأن هذا الرجل بكل ما يحمله من وسامة و رجولة وصدق أصبح لها وحدها بل حارب الجميع وتحدى قبيلته من أجلها !
مال يقبل رأسها وقال بمرح:
- هيا ندخل لهم لنعتذر ونعود لمنزلنا لدينا حديث مطول عن محاولاتك الهروب مني فتنتي.

في داخل شقة جيهان

أغلقت لمار هاتفها ووضعته بجانبها و هي تقول:
- لا أعرف إذا كان خوفهم حقيقي أم لا، لم أجد أي شخص تم القبض عليه لأنه يتبع الجيش النظامي ثم إن قريبكم لا يحمل رتبة عسكرية عالية ليتم محاكمته أو تسلميه لدولته.
هزت جيهان رأسها و ردت مؤيدة :
- أتفق معك أعتقد بأنهم يستغلوا الأمر ليجبروه على الزواج من ابنة عمه لا غير هذا حال قبيلتهم طبعا.
أخذت سهام فنجان القهوة و وضعت ساقا فوق الأخرى و قالت:
- الوضع لا يحتمل المجازفة ربما يستخدمون رؤوف كبش فداء في الانتخابات كما قال عمه أو يكون هو الأول كي يخففوا الهجرة غير الشرعية ، هذا لا ينفي طبعا  بأن أهله يضغطوا عليه فعلا لإتمام الزواج مستغلين حالته طبعا.
وضع هادي الذي انضم لهم للتو مع فتنة فنجان القهوة على الطاولة الجانبية وقال:
- الأوضاع الاقتصادية والسياسية في تغير مستمر لذلك لا يوجد شيء مستبعد أتفق مع لمار بأنه لم يحدث سابقا لكن عدد المهاجرين غير الشرعيين تضاعف منذ الثورات
قاطعته سهام:
- الحروب قصدك.
لم يهتم بالتعليق على ملاحظتها وأكمل :
- وهذا ليس في صالح الدولة على عكس الهجرة الشرعية أو اللجوء لا تأخذ الدولة تمويل لقبولها بهم لذلك هم يبحثون عن طريقة لوقفها أو الاستفادة منها وقد يكون رؤوف كبش الفداء.
التفتت لمار ناحية سهام وقالت بحدة :
- لا أسمح لأحد بأن يقلل من مجهودنا و ما فعلناه لتغيير أوضاع بلدنا ما حدث عندنا ثورة وقد دفع الكثيرون دمهم ثمنا لذلك من كل الأطياف والأديان ليصبح وطني أفضل و لائقا بالأجيال القادمة.
ببرود أجابتها:
-  وإذا كانت ثورة شعبية ناجحة لماذا زاد عدد المهاجرين عندكم هذا غير الحرب الأهلية التي قسمت البلاد في بلد هادي ورؤوف والدول الأخرى ؟
ظهر العرق النابض في جبهة لمار معلنا عن حرب حقيقية ستحدث في التو لتتدخل فتنة محاولة تدارك الأمر وتقول:
-  لا يمكن قياس نجاح ثورة من مدة قصيرة خصوصا بعد كل ما حدث وتدخل جهات أجنبية في كل الدول بطريقة أو أخرى، أما عن الحرب الأهلية فلا تنسي بأن كل الدول العظمى الآن مرت بسنوات كثيرة من تلك الحروب والتقسيمات حتى استطاعت أخيرا الوقوف على قدميها لتصبح ماهي عليه الآن، لا شيء يأتي بسهولة أبدا .
رفعت جيهان حاجبيها في غير تصديق لما سمعته، منذ متى وابنة شقيقها تهتم بهذه الأمور وتفهم بها؟
كيف تغيرت أمام عينها وهي لا تدري ؟
حتى طريقة حديثها الهادئة الواثقة وهي تناقش سهام بشهادتها التي لا تعرف عددها و لمار بثقافتها التي تعلمها جيدا الأمر الذي جعلها لا تتدخل كثيرا في مناقشتهم وتكتفي بالمشاهدة رغم شهادتها و كونها محاضرة في الجامعة؛ أما طريقة فتنة فهي جديدة عليها لا تذكر بأنها ناقشتها يوما بها.
تجعد جبينها وهي تحاول تذكر مناقشتهما لتجد أنها محصورة في نفس الأمور منذ الأزل
إبراهيم
حبها لإبراهيم
خوفها من فقدانه
وأخيرا غيرتها من زوجته الراحلة !
عند هذه النقطة قالت بصوت مرتفع:
- لماذا لا يتزوجك أنت إذا كان لا يحب ابنة عمه؟
التفت لها الجميع بين مستنكر و مستغرب لتشعر بالخجل و تردف:
-  أعني بم أن قصة الزواج فقط كي تنقذوه لا داعي أن يتزوج فتاة لا يحبها ويعيش معها في تعاسة .
نظرت لها فتنة بلوم وقد فهمت جيدا ماذا تعني عمتها بل بالأحرى من تقصد أما هادي فقد قال:
-  الأمر معقد فسوف يتم استخدام أوراق و أختام معينة ليثبت بأن رؤوف تزوج منذ أكثر من سنتين ثم من قال أنه لا يحبها ؟
هي خطيبته وكان من المفترض أن يتم الزواج قبل حدوث كل هذا.
أجابته سهام بنبرة لم تعجبه:
- غير صحيح هو لم يخبرني عنها أبدا رغم أنه أخبرني عن جميع أصدقائه و إخوته عبدالخالق وعلي وسفيان لو كانت حبيبته لقال لماذا يخفي؟
عاد بظهره للكرسي مكتفيا يديه وقال ببرود:
- عبدالخالق وعلي ليسا إخوته بل أولاد عمومته سفيان وراضي هما إخوته وهذا أكبر دليل أنه لم يخبرك بكل شيء حسب ما أتذكر هو لم يخبرك باسمه صح فقط أخبرك من أي دولة عندما ركبتم القارب
احتقن وجهها لثوانٍ ليعود لوضعه وهي تقول:
-  هذا لأنه كان خائفا ولا يثق بأحد لا ألومه ربما خشى علي من التورط بحكم أنه ضابط في الجيش.
باستهزاء أجابها:
- صدقي ذلك إذا كان  يرضيك لكن هناك معلومة مهمة نسيتها، نحن و أعني أبناء وطني لا نتحدث عمن نحب لشخص غريب رجلا كان أم امرأة ، الأمر يعتبر مشين فالحبيبة هي شرفنا لا يجوز الخوض فيه ولا تنسي بأنها ابنة عمه أيضا ، رؤوف ليس غر ولا حارث عديم رجولة كي يجعل من شقيقته كبش فداء لأحد هل تظنين بأنه سيوافق على هذا الزواج لو كان يشك بأن رؤوف مرغم عليها؟
ابتسمت بسخرية وردت:
- وأين هو هذا الشقيق الذي يحافظ على كرامة شقيقته الآن؟
لقد أرسلها وحدها يعني مستغني عنها حسب تقاليدكم لا يجوز أن تسافر الفتاة وحدها صح؟
أجابها بنفس أسلوبها :
- سافرت مع عمها وليس وحدها، إياك والمساس بإحدى بناتنا ،سهام تعرفين بأني أحترمك وأحبك لكن نسائنا خط أحمر مفهوم.
تدخلت لمار قائلة :
- بعيدا عن هذه القصة لقد زادت أعداد الهجرة فعلا عماد أرسل أرقام مهولة تسللت لبلدكم هادي للذهاب لأوروبا ولم يعثروا عليها بعد علينا التحقيق في الأمر فالأمر كارثي خصوصا مع وجود أطفال من ضمنهم.
لتقول سهام وقد تذكرت شيء مهم:
- بمناسبة الأطفال لقد حدث شيء مهم قبل وقوع الحادثة لرؤوف متعلق بالأطفال لم أفهمه بالضبط وقتها وقد ألهاني مصاب رؤوف وقتها لكني عندما راجعت الأوراق انتبهت لشيء مهم جدا كنت غافلة عنه في تنقل تلك القوارب.
تغير مجرى الحديث مع انجذاب الجميع لقصة سهام رغم قلة التفاصيل متناسين مؤقتا موضوع رؤوف و زواجه ،إلا جيهان فقد بقيت تكرر ما سمعته في رأسها مرارا وتكرار لأن هذا القصة تعيد قصتها مع إبراهيم بحذافيرها لكنها لن تقف مكتوفة الأيدي تشاهد سهام تذبل في انتظار موت سنان هذه المرة بل سوف تتدخل لتنقذ الجميع حتى سنان تلك تستحق أن تعيش مع رجل تحبه لا ظل رجل لا يراها من الأساس

❈-❈-❈

منذ إفاقته وهي تتجنب المواجهة المباشرة معه لم تتجرأ على البقاء معه بمفردها، رغم اشتياقها له، أقصى ما فعلته هو إحضار يزيد له كي يتعرف عليه وقد أظهر شقيقها حب فطري للصغير كما يفعل الجميع
أخذت نفسا عميقا و قررت أن تقاوم مخاوفها و تتحدث معه على انفراد هذه المرة ، بحذر طرقت باب غرفته وهي تدعو أن يكون نائما و لا يجيبها إلا أن الحظ خذلها و سمعته يأذن لها بالدخول زفرت بقوة و فتحت الباب بيد ترتعش لتجده يجلس على الكرسي المقابل للنافذة معطيا ظهره لها مما أراحها كثيرا؛ اقتربت تجلس على حافة السرير وقالت :
- لم تخرج من غرفتك منذ البارحة هل أنت بخير؟
منذ سماعه باعتراف سنان وهو تائه في دوامة لا مخرج منها ، يحاول تذكر تفاصيل حتى لو صغيرة تدل على صحة ادعائها دون جدوى وفي نفس الوقت يذكر جيدا كيف أن مشاعره كانت مشتعلة ناحيتها بل إنه أجبر نفسه على الابتعاد عنها كي لا يفضح أو يقع في المحظور إذن هناك احتمال كبير بأنها صادقة .
- رؤوف أنت بخير هيا بنا نذهب للطبيب.
بجزع قالتها درصاف وهي تقف أمامه وقد طل القلق من عينها بطريقة واضحة جعلت قلبه يلين لها أخيرا ليرسم ابتسامة مجاملة و يجيبها:
- كيف حالك درصاف الآن خسرت الكثير من الوزن منذ آخر مرة رأيتك فيها.
أطلقت ضحكة تدل على سعادتها و مالت تحتضنه لتبدأ في البكاء، اشتياق و خوف و فرح وحزن وربما أكثر من تلك المشاعر جعلت بكائها مريرا
بعد أن هدأت جلست مقابلة له ليقول هو:
- منذ متى هذه المشاعر الجياشة در لطالما كنت قوية صلبة من الصعب بل المستحيل معرفة ما تشعرين به.
ارتفع حاجباها في دهشة و ردت:
- أنا ؟!!!
هز رأسه بمعني نعم لتُميل برأسها قليلا كأنها تفكر ثم قالت:
- اعترف بأني تغيرت قليلا لا الظروف هي التي غيرتني كما أن يزيد أثر بي كثيرا جدا أصبحت مشاعري رقيقة فيما يخصه.
عدلت جلستها وقالت بعينين تلمعان سعادة :
- تصدق بأني أفيق في الليل عدة مرات لتفحصه حتى عندما يقيم مع والده أجد نفسي أفيق في نفس المواعيد كأنه معي؟
بل تعلمت طبخ أكلات من أجله هو يا الله ذلك الصغير يعشق المكرونة مثل عينه أحيانا يطلبها عند استيقاظه
تركها تحكي دون مقاطعة لقد اشتاق لها رغم غضبه الظاهر ومقاطعته السابقة لها كما أن منظرها وهي تتحدث عن يزيد بكل هذا الحب والشغف جعله يلين فهي والدته في النهاية ربما مرضها حقيقي كما أخبرته سنان سابقا!
أغمض عينه بقوة عند هذه الخاطرة ليحاول تذكر متى أخبرته سنان بذلك بالضبط.
فزعت درصاف وهي ترى الألم على وجه شقيقها لتقول بقلق:
- رؤوف هيا بنا لن أسكت هذه المرة واضح أنك تتألم .
مسد جبينه و أجابها:
- لا أنا بخير تذكرت شيء فقط؛ دعكِ مني واخبريني بقصة طلاقك من حارث و زواجه من أخرى فقد سمعت أكثر من نسخة لها وأريد الحقيقة منك.
هزت كتفها بلا مبالاة وردت ظاهريا:
- لا توجد قصة تعرف بأني أجبرت على الزواج منه وطلاقنا كان أمرا محتما أما زواجه فهو أيضا أمر محتم لا أهتم له أبدا زوجته الجديدة تليق به تماما و بالقبيلة كلها.
نظر بغضب و قال بحدة :
-  لم يجبرك أحد على حارث أنت فقط مثل أمك لا تعرفين قدر الناس المحترمة كان علينا تركك تتزوجين من ذلك الكائن الحقير ربما عرفت وقتها قيمة حارث جيدا.
رغم أن كلماته جلدتها حتى كادت تبكي لكنها حافظت على برودها الخارجي و أخرجت علبة مخملية من جيبها قائلة :
- دعك من تلك التفاهات وقل رأيك في هذا الخاتم اخترته كي تعطيه لسنان يوم عقد قرانكما
أشاح بوجهه عنها ورد :
- سوف أشتري لها واحدا أما هذا اعطيه انت لها وقولي لأشماس أن تكف عن حركاتها أعرف الأصول جيدا.
ابتسمت و أجابته:
- أنتما مثل المولودين فوق رؤوس بعض تماما ، دعك منها وخذ الخاتم سنان تسحق التقدير لقد عانت كثيرا منذ اختفائك بل هي الوحيدة التي آمنت أنك حي ترزق رغم تأكيد الكل عكس ذلك حتى ظننا أن إصابة رأسها أثرت بها أو بها مس، تعرف أنها اعتزلت الذهاب لأحد كي لا يتم خطبتها ؟
مجرد التلميح للأمر يجعلها تشتاط غضبا صارخة رؤوف حي سيعود ونعلن زواجنا، بسببها قام عبدالخالق بالبحث عنك و كاد أن ....
تابعت حديثها الحماسي بينهما هو غرق في كلماتها عن سنان:
- سيعود و نعلن زواجنا!!!
هل يعني ذلك أنه فعلها حقا؟
استغل صغر سنها وسذاجتها وغرر بها؟
هل خان الأمانة !
كيف وهو تربية سليمة الجعفري و الشيخ عثمان من جهة ومبروكة وسعد من جهة أخرى ؟
أم هي جينات أمه هناء تغللت به ليفعل أسوأ مما فعلته هي عندما ادعت على والده بالباطل لتجبره على الزواج منها ؟
نعم لابد أنه فعل ذلك ليجبرها على القبول به ما يذكره أن سنان لم تكن راضية تماما على زواجها منه كيف انقلب حالها وأصبحت تحبه كل هذا الحب؟

❈-❈-❈



في بلد أيوب

غرفت الكثير من البامية و وضعتها في طبقه وهي تقول ببشاشة :
- طبختها مخصوصا من أجلك الكل يحبها من يدي.
بابتسامة ممتنة أجابها:
- سلمت يداك لا تعرفين كم اشتقت لأكل البيت
قربت له طبق الرز و أجابته بحنان:
- تعال لتأكل معنا كل يوم أليس هذا منزلك أيضا .
ليقول عماد ممازحا:
- أكبر صاحب مطاعم سمك يشتاق لأكل المنزل !
ردت والدته عليه :
- يشتهي الونس و لمة الأسرة وليس الأكل في حد ذاته وطبعا لن يجده إلا بعد أن يتزوج من فتاة تصونه وتنير بيته بدلا من اللف في الشوارع ومكالمات آخر الليل.
ببراءة مصطنعة رد :
- لا أريد ركوب قطار محطته الوحيدة الموت مستمعا جدا و بعزوبيتي .
عقدت حاجبيها و قالت بحدة لا تلائمها:
- لا يجوز أن تعلق فتاة معك إذا كنت لا تريد الزواج منها هذه ليست أخلاقنا.
ادعى الغباء ولم يجبها ليكمل طعامه أما هي فلم تزيد في الحديث و إن كان وجهها يخبر بالكثير.
عقد حسن حاجبيه وقد استشعر بأن هناك مغزى لحديث السيدة لطيفة ففضل عدم التدخل على الأقل حتى يسمع من عماد.
بصدق قالت وهي تحاول حثه أن يطيل البقاء عندهم:
- لازال الوقت مبكرا لماذا الاستعجال؟
رد بابتسامته المعهودة :
- لا أستطيع ترك المطعم أكثر من ذلك فهو لايزال حديث كما أني لا أثق بأحد خصوصا بعدما حدث المرة الماضية.
ظهر عليها الامتعاص دون رد ليجذبه عماد للخارج وهو يقول:
- لا تصدقيه أم عماد هو فقط يخشي من الحسد
انتظر حسن حتى ركبوا السيارة وانطلق بها عماد ليقول :
- هل ستخبرني ماذا تعني والدتك أم ستدعي الغباء معي أيضا ؟
مرت فترة زمنية حتى ظن حسن بأنه لن يخبره بشيء خصوصا و أن علاقتهما ليست قديمة ليبوح له بسره، فهي لم تتوطد إلا بعد زواج فتنة بهادي و ما تبعه من تواصل حسن بلمار من أجل شقيقته لتأتي قصة استيلاء محمود على ورث فتنة ليلجأ حسن له بعد أن طلب منه هادي ألا يخبر فتنة بشيء !
- هي تعني لمار .
نظر له حسن باستغراب عند سماعه هذه ينطق بجملة والتي خرجت منه بيأس لم يعرف مصدره ليقول بحذر:
- لم أفهم ماذا تعني بالضبط؟
بنفس النبرة أجابه:
- أمي لا تعجبها علاقتي بلمار من دون رابط رسمي على الأقل خطبة في الحقيقة هي كانت تعول عليها كي أغير رأيي في الزواج أخيرا .
نظر للإشعار في هاتفه دون أن يفتحه وقال:
- لا أحب الأحاجي اخبرني بالقصة كلها كي أستطيع الحكم وحدي.
كسد متهالك ينتظر تحرك حجر صغير فيه لينهار عن بكرة أبيه أخرج عماد ما يثقل كاهله ولم يستطع البوح به لأحد حتى أقرب أصدقائه
عندما وصلوا لمطعم حسن ركن سيارته وقد ظهر عليه بأنه لا يريد الذهاب لمكان آخر ليقول حسن وهو يفتح عتلة الباب بجانبه:
- تعال نكمل حديثنا بالدخل فقصتك أصعب من قصتي بكثير.
طاوعه عماد عله يجد حلا ولو كان مؤقتا



❈-❈-❈

وقفت أمام غرفة ابنتها لثوانٍ قبل أن تعطيها ظهرها و تذهب للصالة مدعية أنه لم يحدث شيء ، منذ ذهاب الخطاب وهي تغلق على نفسها غرفتها رافضة الحديث أو الأكل
رن جرس الباب ليفتح زوجها فوجد أمامه أيوب و رجل و امرأة لا يعرفهما، رحب بالجميع ودعاهم للدخول لتعقد منال حاجبيها وقد استشعرت سبب الزيارة و إن لم تعرف كل الحضور.
ببشاشة قال ناصر والد نهى:
- أهلا وسهلا اشتقت لك أيوب لم نعد نراك إلا في المناسبات والأعياد
أجابه معتذرا:
- ضغط العمل و السفر تعرف الوضع.
أومأ له وقد لاحظ توتر زوجته ليتابع حديثه مع أيوب:
- عليك أن تعرف بأن هذا بيت عمك مثلما كان سابقا أنت و ضيوفك مرحب بك في أي وقت كما أن عليك جلب الصغير معك لقد أحببته كثيرا.
نظر أيوب للسيدة فائزه و قال :
- للأسف هذا الأمر أصبح غير ممكن بعد أن قامت زوجتك بطرد عمتي من منزلكم.
ظهر الاستنكار على وجه ناصر و نظر لزوجته فوجد أن وجهها تغير لونه مما يؤكد حديث أيوب لتقول بنبرة خرجت رغما عنها متوترة :
- لم أطرد أحد كل ما حدث أني رفضت دعوتهم لحفل سبوع قريبتهم و أن نوقف الزيارات حتى..
نظرات زوجها جعلتها تبلع باقي كلامها وتطرق برأسها
ليقول حامد الذي التزم الصمت منذ بداية الجلسة :
- اسمي حامد بلقاسم أمي مواطنة من هنا وهذه زوجتي هالة هي أيضا مواطنة ونحن منذ زواجنا نعيش هنا رغم أن عملي في بلدي وقد حضرت مع أيوب لأن أمي
حضرت مع عمتي مبروكة .
شهقت فائزه وقالت:
- تفاحة مواطنة !!!!
نظر لها زوجها بحدة لتشعر بالخجل وتطرق برأسها بينما قال هو:
- لا يوجد فرق بينكم وبيننا نحن إخوة قبيلة الجعفري أكثر من يعرف ذلك.
أمسك أيوب بطرف الخيط ليقول:
- و أنت أيضا تعرفهم جيدا وتعرف أخلاقهم ما هو سبب رفضكم لعبدالخالق إذا ؟
لتجيبه فائزه:
- لا أريد لابنتي أن تتغرب وتبتعد عني كما أني أعرف تقاليدهم جيدا ولا أحبها .

تدخلت هالة هذه المرة قائلة :
- اسمحي لي أن أتحدث بصفتي متزوجة من نفس جنسية الجعفري، أولا إذا كتب الله عليها الاغتراب أو البعد عنها لن تفرق الجنسية في ذلك وحضرتك أكبر دليل على ذلك أما العادات فهي التي توحدهم وتجعلهم متماسكين أقوياء رغم كل ما أصابهم.
ظهر عدم الاقتناع على وجهها ليقول أيوب:
- نحن لم نعرف سبب منطقي للرفض كل ما قالته السيدة فائزه على رأسنا لكنه ليس منطقي خصوصا أنكم تعرفون عبدالخالق وأهله جيدا كما أنه يعيش ويعمل هنا فأمر الاغتراب مستبعد جدا
أجابه ناصر:
- حتى لو حدث كما قالت السيدة لقد تغربت أنا وزوجتي طوال عمرنا وابتعدت هي عن أهلها رغم أننا من نفس البلد.
ارتاحت ملامح حامد و هالة بينما بقى أيوب على حاله فرغم كل شيء السيد ناصر لم يوافق على الخطبة هو فقط طلب مهلة يناقش الأمر مع زوجته وابنته مع الوعد بعدم التأخر في الرد.
❈-❈-❈

قلبت نظرها بين العبايات محاولة اختيار واحدة لتقول بيأس:
- اختر واحدة لست متأكدة من ذوق سنان في العبايات.
أجابها بغير اهتمام وهو يطالع شاشة حاسوبه الشخصي:
- لا داعي لذلك هي لا ترتدي هذه الأشياء .
عقدت يديها أسفل صدرها وقالت :
- لماذا أشعر أنك غير متحمس؟
لا تقل غيرت رأيك ولا تريد السفر الآن .
أغلق حاسبه و تنهد رادا:
- كيف أترك ابنتي في الحضانة و أنت لازلت متعبة من كل ما حدث .
حنت عينها و جلست بقربه تضم نفسها له قائلة :
- أشعر بكل ما يختلج في صدرك من خوف يا حبيب الروح، أشعر بك تراقبني وقت نومي و أرى خوفك على ابنتنا تعرف بأن هذا غير صحي خصوصا بعودة يزيد القريبه لا نريده أن يغار من شقيقته بل يكون سندا لها كما أنت سند لشقيقتك الوحيدة.
أغمض عينه محاولا منع إظهار حزنه لتقف جمان وتجلس أمامه في الأرض وتحضن وجهه بكفيها وهي تقول بحنان:
- سنان ليس لديها أحد غيرك ، لا تقل أشماس و عمتي مبروكة، أنا أعني والدتها و والدها رحمهما الله صدقني مهما كان حولها من بشر، عدم وجود الأبوين في هذا اليوم بالذات يبعث في النفس حزن شديد لدرجة لن تشعر بأي فرح حتى لو ادعت العكس؛ لا تزيد من حزنها بعدم ذهابك لقد خافت من رفضك لذلك طلبت من أيوب أن يكون وكيلها يكفي أنه لن يقام لها حفلا يليق بها.
كم هي عظيمة ملكة قلبه حبيبته ثم توأم روحه وطنه بل هي حياة لقلبه ليحيا من جديد له بعد أن ظن نفسه مات
نطق بها لنفسه غير قادر على البوح لها بعد بكل الحب الذي يكنه لها حتى الآن ،صحيح أنه لم يعد يمنع نفسه من إظهاره في أفعاله اما قولها علانية والتغزل بها أمر ليس سهلا عليه بعد كل ما فعله مال يهديها قبلة تحمل الكثير من المشاعر فصلتها طلبها للهواء و قالت ببعض الخجل:
- توقف حارث لازال الوقت مبكرا علينا إنهاء أمر السفر أولا .
ابتسم بشقاوة و أجابها:
- مبكرا على ماذا بالضبط جماني؟
كل ما فعلته قبلة بريئة أم أنك ترغبين في التمادي؟
قلبت عينها تكتم ابتسامة كادت تفلت منها و ردت:
- بدأنا في تلك الحركات، قلت ستذهب وتكون وكيل شقيقتك الوحيدة يعني ستذهب ، أيوب بإمكانه تولي العمل وحده لقد تحدثت معه في الأمر و سفيان أيضا معنا كما أن علي يأتي في نهاية الأسبوع لن نبقى وحدنا أما قطر الندى ستخرج قريبا من الحضانة .
رفع حاجبيه ورد :
- لقد خططت لكل شيء أبلة جمان.
وقفت واتجهت لغرفة ملابسه لتعد له الحقيبة وردت بزهو :
- أنت قلتها أبلة يجب أن أحضر الدرس قبل موعده.
ارجع يديه للخلف ليستند عليها و قال:
- لم أسافر لأوروبا منذ مدة طويلة علي تمتيع نفسي بالمناظر الجميلة من جديد.
قبل أن يكمل جملته كانت تخرج من غرفة الملابس تحمل بيدها قميصه ورددت ببطء ونبرة متحفزة :
- تمتع نفسك بالمناظر الجميلة !!!!
أجابها مدعيا الغباء:
- أقصد الطبيعة طبعا وهناك أجمل المناظر.
رمت ما بيدها واقتربت منها تنظر له بغيرة قائلة :
- قلت مناظر جميلة ها، اسمعني جيدا من المطار لشقة سنان ثم المسجد وتعود فورا حتى ملابس لن أضع لك سوى طقم واحد لو علمت أنك خرجت هنا وهناك .....
استمرت في تهديدها الفارغ والذي إن أثبت شيئا فهو يثبت غيرتها الشديدة عليه
الغيرة !
كم هو لذيذ الشعور بأنه مهم لدرجة الغيرة من نساء لم ولن يمثلن شيئا في حياته أبدا
استقام ولوح لها مودعا:
- غير مهم أحتاج لملابس جديدة أجد ذوقي دائما عندهم.
سمع تكسير شماعة الملابس البلاستيكية ليخرج بسرعة قبل أن تفضحه ضحكة شقية تعلن بداية عودة  ثقته لنفسه من جديد


❈-❈-❈
في الدولة الأجنبية

دخلت المكتب تحمل حقيبة متوسطة الحجم على كتفها، كعادتها تجذب الأنظار في أي مكان تطأه ، خصوصا بطلتها المميزة لفت شعرها كعكة كبيرة فوق رأسها مع ترك خصل قصيرة تنزل على وجهها الذي صبغته بزينة بسيطة وارتدت جاكيت كحلي بأزرار ذهبية أسفله قميص أبيض قطني و بنطال من نفس قماش الجاكت وكعب متوسط العلو يصدر صوتا معلنا عن وصولها دون أن يتعب ظهرها، هذه هي سهام تعرف كيف تظهر جمالها وأناقتها دون أن تصيب نفسها بالتعب الجسدي.
لم تهتم لنظرات بعض الجالسين فقد اعتادت عليها كثيرا
بدأ الاجتماع ليقول الجالس على رأس الطاولة :
- العدد هذه المرة كبير سهام كما أنهم جميعا دون أوراق تعرفين كم يكلفنا الاعتناء بهم ؟
ليقول آخر يجلس بقربه :
- الأمر أصبح فوق طاقتها فقد تضاعفت الأعداد في السنتين الأخيرتين لدرجة لم يعد لدينا مكان نضعهم به.
أخرجت حاسبها الشخصي من حقيبتها ونقرت عليه وهي تجيب بعملية :
- جنسية أكثر من خمسة وسبعين في المئة من المهاجرين إفريقية طبعا نعلم جميعا أن تكاليف إقامتهم و غيرها يتم أخذها من دولهم بطريقة أو أخرى هذا غير المساعدات من البنك الدولي .
ليقول الرجل الأول :
- ماذا تعنين بالضبط ؟
نحن نتكلف بشر ووقت كثير بدلا من مساعدة الرعاع كان يمكن بذلها في تطوير بلدنا و إخراج أموال أكثر من السياحة مثلا.
ابتسمت له ببرود و أجابته:
- سنيور انطونيو كل من في هذه الغرفة يعلم علم اليقين بأن السياحة لا تجلب ربع ما تجلبه الهجرة غير الشرعية بالذات، هذا غير تحسين صورتكم أمام العالم وطبعا كلما زاد عدد المهاجرين يعني زيادة في خراب الدول الأخرى و زيادة في ...
مررت عينها على الحضور وتابعت:
- الدخل القومي لجميع الدول العظمى طبعا.
لتقول امرأة تجلس مقابلا لها تبدو في ضعف عمرها:
- لا تنسي بأننا من بنينا تلك الدول وفتحنا لهم مجال التعليم بعد أن كانوا يعيشون في جهل إلى الآن يشتاقون للأيام مساعدتنا لهم بل معظمهم لايزال يتحدث لغتنا بدلا من لغتهم الأم .
شبح ابتسامه مر على شفتيها دون أن يستقر لترمش بأهدابها الطويلة و تغلق حاسوبها رادة:
- عزيزتي واضح من يشتاق لمن، لا تشغلوا بالكم سوف أتحدث مع المنظمة لأخبرهم برأيكم من السهل جدا إيجاد بلد آخر مرحب بهم.
وقفت برشاقة واضعة حاسبها في حقيبتها دون أن يظهر أي تعبير على وجهها ليقول انطونيو:
- سهام كفي عن هذه الحركات من الواضح أن كعكة شعرك جعلت عقلك لا يفكر بشكل جيد.
ليردف الرجل الآخر :
- لا تنكر أنها تبرز رقبتها الطويلة أكاد أقسم بأني لم أرَ رقبة بهذا الجمال
ضحك بعض الحضور وهم يتبادلون التعليقات الوقحة دون أن يهز ذلك بها شعرة ، لقد اعتادت على هذه الحقارة منذ زمن فهو يتكرر مع اختلاف الجنسيات بل الديانات أيضا ربما المضحك بالأمر هو إلصاق تهمة التحرش بالعرب وحدهم في الوقت الذي فيه الأجانب الأكثر انحلالا يمارسون التحرش أكثر منهم بل بطرق أكثر فظاظة و ووقاحة معتمدين على أنها فتاة عربية لن تتجرأ و تعترض أو تبلغ عنهم!
تعلمت كيف توقفهم عند حدهم دون افتعال فضيحة ستكون هي بطلتها بلا منازع.
وضعت حقيبتها على كتفها لتقول المرأة العجوز:
- التحدث مع المنظمة يعني إهدار المزيد من الوضع وحالة المهاجرين قد لا تسمح بذلك لا تنسي أن بينهم أطفال و نساء.
ارتفع حاجبها قليلا قبل أن يعود للوضع الطبيعي وهي تجيبها:
- قلبك الطيب هو ما أعول عليه دائما.
ضحك أنطونيو ووقف يضع يده على كتفها وقال بنبرة بدت لها سمجة :
- عزيزتي سهام النارية أكاد أقسم بأن لديك جذور صقلية خصوصا بجمالك الأخاذ
عادت لمقعدها متجاهلة تعليقه المهم أنها استطاعت تنفيذ مهمتها وضمان إقامة شرعية للمهاجرين
❈-❈-❈

العرق دساس
مثل معروف يمثل فعلته الدنيئة ، نعم هو ورث عرق والدته التي أوقعت فرج الجعفري بحيلة قذر لتكون فعلته هو أكثر قذارة و دنائة مئة مرة
"رؤوف ابن هناء " لم يكذب عندما قالها عوض سابقا أثبت أنه يحمل جيناتها ليستغل ابنة عمه أسوأ استغلال، و الأسوأ أنه كاد أن يموت ليتركها تواجه مصيرا مجهولا وحدها!
أغلق المصحف غير قادر على قراءة حرف منه كما هو حاله مؤخرا، يشعر بأنه ملوث بذنب لا يغفر .
لم يشعر بيزيد الذي أخذ المصحف من يده ليقبله ويرفعه لجبهته ثم يعيده مكانه ليرتج قلبه من تلك الحركة ليمسك به عبدالخالق و هو يقول بمرح:
- الشيخ يزيد الجعفري يقلد أمي لابد أنه أخذ منك سبحتك أيضا .
جلس بقربه و تابع:
- هل أنت مستعد لقد جهز عمي الأوراق بعد عقد القران و الاطمئنان على صحتك نسافر فورا أمي قلقة عليك جدا.
هز رأسه دون رد ليعقد عبدالخالق حاجبيه مع دخول درصاف التي أغلقت الباب و قالت بهمس:
- رؤوف لم تحضر خاتم سنان بعد تعلم بأنه لم يعد لدينا وقت خذ ال.
تنهد و قال مقاطعا:
- غدا أذهب للبنك لسحب المال ثم أشتري ما تريدين .
ظهر عليها نظرة بلاهة و رددت:
- كيف تسحب من البنك هل أرسل لك سفيان مال؟
أبعد المصحف من يزيد و رد:
- لا... لدي حساب خاص.
نظر عبدالخالق لها كأنه يتأكد مما سمعه ليجدها مذهولة مثله فتابع الأول :
- عمتي سليمة تدبرت أمري قبل وفاتها وطلبت من عمي إبراهيم فتح حساب باسمي هنا، كما إني أملك منزل في العاصمة باسمي .
عاطفة طفت في عيني عبدالخالق جعلت درصاف تشرد فيه ثوان ،ليس فيه هو شخصيا بل في سيل المشاعر الذي فاض من عينه منذ متى وهو يمتلك مشاعر بل مشاعر قوية وليس لأي شخص بل لسليمة الجعفري ؟
عادت الذكريات للظهور من جديد لتقارن بين كلام والدتها و الحقائق التي أمامها كل يوم لتحرك عينها لشقيقها و قالت بصوت متحشرج :
- تستطيع السحب بطريقة عادية أعني لن يعقدوا الأمور بسبب طول الفترة ؟
وقف وأخذ هاتفه يبحث عن شيء فيه و رد:
- سأعرف عندما أذهب ؛ أين هاشم قال بأنه سيأتي معي سهام أيضا لم تأتي بعد.
وضع هاتفه بعصبية في جيب بنطاله و تابع :
- أريد هاتف بأزرار لا أجيد استخدام هذا الشيء الغريب
وقف عبد الخالق بدوره واضعا يزيد أرضا وأجابه مبتسما:
- نصف ساعة مع سنان ستجعل منك خبيرا فيه أصبحت تفوقني بمراحل.
أطلقت درصاف ضحكة متوترة وقالت:
- تصدق أنها أعادت صفحتي القديمة في موقع التواصل بعد إغلاقها كما أنها فتحت العديد من الصفحات باسمك عندما كانت تبحث عنك و...
لوح بيده بعصبية غير منطقية وقال:
- فهمنا كانت تقضي وقتها على الانترنت بينما أنا أجاهد للعودة لكم.
تغيرت ملامح درصاف للصدمة بينما قال عبدالخالق بحذر:
- من الواضح أنك متعب قليلا لنؤجل مشوار البنك
رن جرس الباب فخرج من الغرفة دون أن يجيبه فقالت درصاف بصوت خفيض:
- تظن أنها إحدى النوبات التي أخبرونا عنها؟
أومأ برأسه ولحق به ليجد هاشم يقف أمام باب المنزل و رؤوف يقف أمامه ليقول:
- تفضل هاشم لماذا تقف هناك؟
أجابه رؤوف :
- هيا بنا تأخرنا كثيرا سآتي للغداء فيما بعد.
خطف هاشم نظرة سريعة على درصاف قبل أن يذهب مع رؤوف.
التزمت غرفتها منذ ألقت عليها بالقنبلة التي مزقتها قبل أن تلقي بشظاياها عليه؛ ما زاد من ألمها أنه لم يحاول الحديث معها أو حتى السؤال عنها
دخلت درصاف عليها يلحق بها يزيد لتقول بحماس:
- علينا تحضير الغداء أنا الحلو و أنت الحادق.
ردت ببرود:
- أشعر بالتعب سأطبخ مكرونة .
تسلق يزيد ليجلس بقربها ومال يقبل وجنتيها عندما قالت أمه :
- أي مكرونة هاشم سيأتي للغداء عندنا يجب أن يأكل شيء جيد اطبخي " رشده" ما رأيك ؟
بنفس النبرة قالت:
- ليس لدي مزاج اطبخي أنت وأنا سأطلب من المحل أي شيء حلو
تمدد يزيد بقربها يلعب بشعرها فمدت يدها تلعب معه دون رد لتقول درصاف بتوسل:
- أرجوك سنان تعرفين أن طبخك أفضل مني.
رفعت حاجبيها ونظرت لها قائلة :
- تطور كبير جدا السيد هاشم جعلك تعترفين بأن طبخي أفضل !
حمرة خفيفة انتشرت في وجهها لتجيب مدافعة عن نفسها:
- لا طبعا كل ما في الأمر بأن رؤوف ذهب ليشتري خاتم الخطبة أي أنها مناسبة مهمة .
تجاهلت الألم المتسلل لصدرها ومالت تقبل يزيد بقوة محدثة صوتا ليضحك الأخير لتقفز من السرير وتقول بمرح كاذب:
- لا أعرف لماذا أعجب بك قطعة المانجا المشكلة إني كنت أمامه .
التفتت لها وتابعت في تساؤل :
- بالمناسبة هل سبق له الزواج؟
عدلت درصاف نظارتها وقالت مدعية الغباء :
- قصدك هاشم .
مطت شفتها و هي تدخل المطبخ و ردت:
- توجد مانجا غيره؟
حسنا يمكنني تسميته بسبوسة إذا أردت رغم أني أجد مانجا يليق به أكثر
بسبوسة بسبوسة
كررها يزيد عدة مرات لتضحك أمه وتضعه في كرسيه قائلة :
- سأحضر بسبوسة حالا
انتهين من التحضير الطعام لتجد سنان عدة مكالمات فائتة من أفطيم و جمان و أشماس فقامت بالاتصال بالأخيرة عندما لم تجبها اتصلت بأشماس التي بادرتها قائلة :
- أين كنت كل ذلك أردنا سؤالك عما تريدينه من هنا ليوم عقد القران.
جلست في الصالة و أشعلت خاصية المكبر وهي تجيب:
- كيف حالك اشتقت لك أيضا ، كنت أعد الطعام و در و يزيد.
تحولت نبرتها للحنان وهي تقول:
- زيزو حبيبي اشعلي الكاميرا أريد رؤيته لقد طلبت من حارث ان يحضره معه.
أسرعت تفتح الكاميرا وقد ظهرت السعادة عليها وهي تقول:
- حارث سيأتي حقا ؟
خطف منها يزيد الهاتف ليجري به وجلس في ركن الغرفة يقبل الشاشة تارة ويحضنها تارة أخرى بينما أشماس تمطره بالقبل و كلام الشوق والدلع حتى أخذت منه سنان الهاتف وجلست قربه تقول:
- أشماس لا تمزحي معي كيف سيترك جمان و ابنته ويأتي الآن .
لتقول مبروكة من خلفها:
- لأنك شقيقته الوحيدة والأهم عنده من أي شخص آخر .
تكثفت الدموع في عينها لتسحب درصاف منها الهاتف و تأخذ وتقول:
- كيف حالكم جميعا، عقد القران نهايه الاسبوع متى سيأتي وأين سيقيم؟
قلبت مبروكة عينها وردت:
- ذهب مع جمان و أيوب للمطار سيكون عندكم آخر النهار أعتقد أما عن المكان بالطبع ليس معك لا تخافي.
زمت شفتيها لتتدخل سنان بفرح واضح:
- أمي اقسمي بأنه سيأتي ومن أجلي وهذا ليس مقلب منك.
ابتهج وجهها وهي تجيبها بحنان:
- لو كنت أستطيع لأتيت معه يا حبيبة أمك وليس حارث فقط.
نزلت دموع الفرح تزين وجهها لتقول أشماس:
- توقفي عن البكاء عليك الاهتمام ببشرتك لا يعجبني الشحوب الملازم لها.
نكزتها درصاف و قالت بمزاح رغم ما يعتريها من قلق بسبب قدوم حارث المفاجئ:
- بعض الحلو وتنير من جديد.
مسحت دموعها بطرف يدها وردت:
- بكلاوة أم مانجا أيا منهما تعنين
لتقول أفطيم بصرامة حادة :
- اسمعي سنان أعرف بأنك سعيدة الآن لكن احذري هذا ليس زواج إياك والتمادي معه رؤوف ليس في حالته الطبيعية قد يضعف أمامك .
اتسعت عينا المعنية لتشهق مبروكة من خلف البنات و تأخذ الهاتف من يد أشماس لتقول بحدة مماثلة لابنتها:
- أنا متأكدة بأن رؤوف الذي ربيته بين أولادي لن يتجاوز معك قبل الفرح و أنت أيضا لست من ذلك النوع لكن الشيطان قد يدخل بينكما اسمعي سنان لن أقول حلال وحرام أنت تعرفين دينك جيدا بل سأقول ضعي حارث بين عينيك هل ترضين بذله بعد كل ما عاناه إياك أن تضعي رأسه في الوحل؟
لوت فمها و ردت:
-  و أنت أشماس ليس لديك تحذير أيضا لي؟!!
نظرت أشماس للسقف محاولة كتم ضحكتها وهي تذكر أيام خطبتها وعقد قرانها مع أيوب دون أن تعلق بحرف لترد درصاف:
- طبعا لن تتكلم أصلا سبب خوفي على أخي أنك مثل عمتك.
- درصااااف
دعك من عمتها وركزي أنت على رؤوف مفهوم.
بتحذير مبطن ألقت أشماس جملتها، لترد درصاف بحدة:
- أعرف أخي جيدا ثم إني لن أسمح لهما بالاختلاء هذا أقصى ما يمكنني فعله ثم عبدالخالق يكاد لا يسمح لي شخصيا ببقاء معه وحدنا.
بصوت عال قالت سنان:
- توقفوا قليلا أشعر بأنكم تتحدثون عن ...
أغلقت فمها قبل أن تنطق باللفظ احتراما لمبروكة التي ألقت عليها نظرة حازمة ثم لوت فمها وتابعت:
- أنا أصلا لم أعد أراه منذ انتقاله لنا ، كفوا عن تفكيركم السيء بي.
لتقول أشماس:
- لا تجمعي لا أظن بك شيء لو حدث شيء يكون من طرفه هو لا أعرف لماذا يتعامل معه الجميع على أنه ملاك؟
ثم ان عبدالخالق معكم فيما يشكون كما ان حارث سوف يأخذك للإقامة في فندق حتى تعودون اخبرني بذلك تعرفين أفطيم وتهويلها للأمور أقسم لو حضرت عقد قراني لفضحتني .
ضيقت مبروكة عينها و قالت :
- ماذا حدث في عقد قرانك لتفضحك؟
ردت دون النظر لها:
- لم يحدث شيء كما أن أيوب زوجي الآن والذي على حجرك ابني منه أم نسيت.
رفعت مبروكه حاجبها وقالت بصرامه:
- انتهي من قصة رؤوف وسنان وأعود لك.
لتقول أفطيم:
- لحظة هل ستعود سنان وتترك رؤوف هناك أم ينتظروا حتى يعود معهم؟
لم أفهم شيء من جمان كانت متوترة للغاية وحارث دائما مستعجل.
عاد وجه سنان للشحوب بينما قالت درصاف:
- سيعود بمجرد إثبات هويته الأمر لن يأخذ وقتا طويلا أعتقد خصوصا بوجود حساب بنكي باسمه.
- ظهر الاستغراب على الجميع لتخبرهم بالقصة فبدأت مبروكة في البكاء أما أشماس فقد أخفت حزنها بالقول:
- كنت أعلم منذ البداية أنه سبب المشكلة بين عمتي و خالي دائما يجلب الحزن لها.
هزت أفطيم رأسها و قالت:
- لن تتوقفي أبدا ، المهم هذا متوقع نوعا ما منذ علمت بأمر وصية الذهب توقعت بأنها تركت شيء لرؤوف أيضا ، المهم أن تعود سنان بسرعة حارث ترك ابنته في الحضانة لا يمكنه التأخر كثيرا كما أن أيوب يقسم عمله بين مصنع الخزف والأثاث ليساعد سفيان
لتقاطعها درصاف:
- وجود سنان مع رؤوف مهم جدا الآن لعدة أسباب ، أهمها إبعاد تلك العلقة عنه، يمكن لحارث العودة بعد عقد القران فورا صدقوني عبدالخالق يقوم بالواجب وزيادة .
كتفت سنان ذراعيها و وقلبت عينها في نفس الوقت نزعت أشماس الهاتف من يد أفطيم لتقول بغضب متأجج:
- أي علقة تلك؟
لماذا لم أسمع بقصتها من قبل؟
إنها تلك السمجة التي تجيب على هاتفه صح سألتك مباشرة درصاف و أنت كذبتِ علي وقتها؟
شحب وجه در ونظرت لسنان التي ردت بدلا منها:
- لا يوجد قصة رؤوف يرفض أن يتحدث أحد عنها كما أنها تعمل مع هادي أي أنها لن تطيل البقاء معنا كما أظن .
لوهلة شعرت بأن نار خرجت من عيني أشماس وهي تنظر لها بغضب كأنها الملامة وتقول بحدة :
- ماذا تعنين تطيل البقاء هل تقيم معكم؟
ثم ما دخلي إذا كانت تعمل مع هادي أو الجن الأزرق طبعا ابن هناء من وصال لتلك العلقة يا قلبي لا تحزن
- أشمااااااس
صرخت بها أفطيم في الوقت الذي شحب وجه درصاف لتقول مبروكة :
- هذا كله غيرة رؤوف ليس زير نساء لينظر لأحد سوف أستفسر منه عن القصة .
لوحت أشماس بيدها و استقامت تأخذ ابنها من حجر مبروكة وتخرج من الصالة دون أن تزيد حرفا بينما قالت أفطيم في محاولة لترطيب الأجواء:
- تعرفين أشماس هي و رؤوف مثل ناقر ونقير كانا ولازالا يتنافسان على حب خالتي سليمة رحمها الله لذلك هي تتصيد له الأخطاء .
هزت رأسها دون معني و ردت:
- لا بأس هي لم تقل شيء خطأ فهو ابن هناء فعلا.
لم يخفي عليها الامتعاض المرتسم على وجوههم عند نطق اسم أمها حتى سنان أغلقت عينها بطريقة توضح ذلك، لا تصدق مقدار كرههم لها حتى بعد موتها؟
زفرت لتغلق الهاتف محاولة التغلب على هذا الشعور ولم يتوقف عقلها عن التفكير في قصة رؤوف وأشماس؛ كيف لم تنتبه سابقا للتنافس بينهما على سليمة زوجة عمها؟
باتت تشعر مؤخرا بأن هناك قسم كبير من حياة شقيقها لا تعلم عنه شيئا بل حتى حياة أشماس نفسها كيف لم تنتبه لتلك العلاقة الأخوية مع رؤوف؟
لطالما ظنت أنهما لا يطيقان بعضهما البعض بل وصل بها الحد للظن أنهما يكرهان بعضهما والآن تكتشف بأن الأمر مجرد غيرة أخوية ؟!!!
تنهدت وأخذت هاتفها ترسل لطبيبتها النفسية ربما عليها التفكير جيدا بالعودة و استكمال العلاج معها قبل أن تستقر هنا للأبد كما تخطط منذ البداية


❈-❈-❈
لم يكن في مزاج جيد منذ الصباح، في الواقع هو ليس بمزاج جيد منذ فترة لا يعلمها و لا يعلم السبب الحقيقي وراء تعكر مزاجه
وضعت يدها على كتفه وقالت بابتسامة واسعة :
- لم تنتهي بعد من ارتداء ملابسك أم أنك تريد مساعدة سعادة السفير؟
رفع عينه يبحث عن شيء في دولاب الملابس ورد:
- لم أجد ربطة عنق مناسبة ربما من الأفضل ألا أرتدي واحدة  هي مجرد زيارة ودية .
ابتسمت له مجيبة :
- لا يهم فأنت أنيق في كل الأحوال حبيبي.
ذكرى من الماضي اقتحمت حاضره لتظهر أمامه كفيلم مجسم يراه ويسمعه بل يعيشه بكل أحاسيسه
" في شقة أخرى موقف مختلف كليا مع امرأة لا تمت لهذه التي أمامه بأي صلة يقف أمام باب المطبخ حاملا ربطة عنق في يده ويد أخرى رقيقة ترتاح على صدره
رفع حاجبه ورد:
- تغارين وأنت من اخترتِ رابطة عنقي!
ابتسامة شريرة ظهرت على شفتيها لتجيبه:
- تبدو أقل وسامة بها."

هز رأسه بقوة محاولا إبعاد تلك الذكرى بسرعة بل لو استطاع أن يمحيها تماما لفعل ، لسنوات استطاع إبعاد عقله عن كل ما يخصها لماذا أصبحت تعود له الآن بل تقتحم حتى أحلامه بتلك العينين البراقتين كأنها تتحداه أن ينكر مشاعره أمامها كما يفعل أمام الغير!
- إبراهيم
هزته جيهان لينتفض من مكانه بطريقة أجفلتها لتقول معتذرة :
- لا تهتم سوف انتظرك هنا كنت فقط أريد المساعدة .
قام بجمع شتات نفسه قبل أن يجيبها:
- لم أسمعك عن ماذا تتحدثين بالضبط؟
برقتها المعهودة ردت:
- لا تهتم حبيبي أردت اذهب لموعدك وأنا سأذهب لسهام
وضع محفظته في جيبه وأخذ مفتاحه قائلا:
- أصبحت صديقة مقربة من سهام مؤخرا.
مالت برأسها قليلا وهي تجيب:
- لن أجزم بأنها أصبحت صديقتي كل ما في الأمر أني أتفهم وضعها وأرغب في تقصير مدة شقائها قدر الإمكان .
لم يبدو على إبراهيم أنه سمعها أو ربما سمع و لم يهتم فقد لوح لها قائلا:
- بعد الانتهاء من موعدي سأذهب للمطار لأقل حارث لا تنتظريني.
❈-❈-❈

في بلد أيوب


أوقف سيارته أمام فيلا حارث يستمع لتذمرها المستمر منذ عودتهم من المطار:
- لازلت لا أفهم لماذا لم تذهب أنت معه؟
نقر بأصابعه على المقود و رد:
- ومن يهتم بالعمل عندها؟
قربت حاجبيها وقالت:
- ليس عذر يمكن لأي أحد أن يهتم بالعمل حتى أشماس لكن ترك حارث وحده هو الذي لا يجوز .
رسم ابتسامة باردة على وجهه و أجابها:
- أولا هو ليس وحده ثانيا والأهم أشماس بالذات لن تمرر ذهابي على خير.
ظهر عليها عدم الفهم لتقول:
- كيف وهي صاحبة الفكرة من الأساس ؟
زفر و أجاب بعد أن أعاد تشغيل السيارة:
- أعلم بل حاولت إقناعي بالذهاب بدل حارث لكني تعلمت الدرس لن أقترب من أي شيء قد يؤذيها ولو من بعيد.
بدت الحيرة عليها لكنها شعرت بأنه لن يبوح بالمزيد لذلك نزلت من سيارته ودخلت للفيلا لتجد أشماس أمامها لحسن الحظ فقالت:
- أشماس تعالي هنا لماذا يعتقد أيوب أن سفره للخارج قد يضايقك
تغيرت ملامح أشماس بطريقة لم تعهدها منها قبلا حتى نظرة عينها بدت لها غريبة لتقول بعد ثوانٍ :
- زوجته الأولى تعيش هناك.
عصرات متفاوتة القوة أصابت قلب الأولى فهي أيضا تخشى من وجود الزوجة الأولى ولا تستطيع البوح بذلك إلا أن وضعها مختلف تماما ، أجلت حلقها محاولة التماسك وقالت:
- لا أعرف القصة بالتفاصيل لكن الجميع يعلم بحب أيوب وإخلاصه لك كما أنه لا يوجد رابط بينه وبين زوجته الأولى لا داعي ل...
حدجتها بنظرة بدت لها مخيفة لتغلق فمها
أما أشماس فقد أغمضت عينها لثوان قبل أن تعود لفتحهما وتعود أدراجها للداخل قائلة
- تعالي نتحدث بالداخل الجو بارد على نوري هنا.
تبعتها للداخل لتبدأ أشماس بإخبارها بالقصة دون إخفاء شي ،  انفعالاتها نبرة صوتها تلك الدموع التي تظهر لثوان لتعود للاختفاء دون أن تهطل شرحت حالتها بل إنها جعلت جمان تتعاطف معها و تعتبر أيوب خائن
وضعت ابنها على السرير والتفتت لها قائلة بنبرة لم تخلو من الحسرة والألم :
- وهكذا أصبحت أنا خاطفة الرجال التي تسببت في إجهاض زوجته الأولى ابنة بلده وهي الزوجة المظلومة، طبعا أيوب لم يصلح الفكرة لأحد أبدا.
مسحت جمان وجهها و ردت:
- لا أعرف ماذا أقول لأخفف عنك، لكني متأكدة بأن أيوب يحبك جدا كما أنها تزوجت الآن يعني لن يحدث بينهما شيء أبدا .
هزت كتفيها مجيبة :
- كان يحبني عندما تزوجها و دفع ثمن دراستها بل جعلها تختار ديكور شقته التي أخبرني بأنه لم ينتهي من تشطيبها بعد؛ كان يحبني عندما أهانتني أخته مرة بعد مرة ولم يحاول تصليح الصورة لها
حبه لي شيء و خيانته شيئا آخر تماما صدقيني الرجال لا ينظرون للأمور مثلنا خصوصا أيوب المهم عنده أن يكون شهم و لا يفضح امرأة مهما كلفه الأمر .
انقبض قلب جمان لدرجة أوجعتها مع عودة مخاوفها للسطح و قالت بتعثر:
- تعتقدين حارث يفعلها؟
نظرت لها أشماس بتساؤل لتتابع:
- أعني لو طلبت منه درصاف أن يعيدها لعصمته سبق و أعلن بأنه سيفعلها .
هزت رأسها ببطء و ردت:
- من رابع المستحيلات أن تفعل درصاف ذلك لا تقلقي من هذا.
لم تهدأ هواجسها إلا أن قصة زواج أيوب و حالة أشماس بدت أكبر و أهم من التعبير الآن عنها فالأخيرة منذ رفض أم نهى لعبدالخالق وهي في مزاج سيء
أصدر نوري أصوات لتميل عليه تقبله فقالت أشماس متسائلة :
- متى ستخرج قطر الندى علينا البدء في تحضير حفلة السبوع ليس لدينا وقت كثير.
ردت وهي مستمرة في مداعبة الصغير:
- الأسبوع القادم بإذن الله، أما حفلة السبوع سنان طلبت أن أنتظر حضورها عموما أعجبني ديكور غرفة المستشفى ما رأيك أن نعتمد نفس الألوان ؟
أخذت هاتفها لتبحث عن بعض الصور وهي تجيب:
-لا علينا اختيار شيء آخر معظم الذين زاروك في المستشفى سيأتون للحفل وبالطبع أخذوا صور له تعالي لنختار من هذه الصور.
لتقول جمان بحماس:
-ما رأيك أن نقيم سبوع مشترك، قطر الندى ونوري، أنت لم تقيمي واحد كبير سيكون أفضل .
راقت لها الفكرة رغم أنها مبتذلة نوعا ما لتبدأ في التخطيط لها فهي بحاجة لإلهاء نفسها بأي شيء كي لا تقع في بئر الاكتئاب و ربما الأسوأ

❈-❈-❈

في الدولة الأجنبية

مد إبراهيم جوزات السفر للجالس خلف المكتب وقال:
- أهم شيء التاريخ خذ هذه الورقة بها التفاصيل كلها.
رد فخري وهو يطالع الجوازات:
- تعرف بأن ما تطلبه يقع تحت بند التزوير سيد إبراهيم هذا غير أن الأختام لم تعد لدي.
ابتسامة هازئة ظهرت لثوان على شفتي إبراهيم قبل أن تختفي وهو يجيب:
- و أنت تعلم بأني أعلم أنك تملك كل الأختام والأوراق التي تحمل شعار الدولة القديمة تحب أن أخبرك في ماذا استخدمتها بالضبط ؟
تظاهر فخري بالغباء و رد:
- هل تم الزواج فعلا لا أريد الوقوع في الحرام.
وضع ساقا فوق الأخرى وقال بسخرية واضحة :
- كله إلا الحرام أعلم كم تكرهه، أنهِ عملك فخري لا تنسَ أن غداء العرسان وصل لبيتك منذ قليل.
بابتسامة رد وقد لمعت عيناه :
- سلمت يديك أخبرتني زوجتي لم يكن له داعي تعرف أخدمك دون شيء ، المهم أن تكون راضي سيد ابراهيم.
بسرعة فتح الدرج ليخرج منه ملف كبير ومنه أخرج عقود زواج تحمل اسم الدولة القديمة ليقوم بكتابة اسم العريس والعروس بالتواريخ التي طلبها إبراهيم ثم قام بختمها و أعطاها له قائلا:
- لا ينقصها سوى توقيع مأذون شرعي وهذه مهمتك طبعا.
قرأ إبراهيم النسختين و استقام رادا :
نهاية الأسبوع أنت مدعو بالطبع سنقيم حفلا صغيرا
رافقه للباب و هو يجيب بسعادة :
- طبعا سآتي تعرف مكانتك لدي أنت أستاذي كم أتمنى أن تعود للعمل معنا لم أتوقع أبدا أن تترك العمل أعني أذكر فترة حزنك و بقائك في العمل المكتبي عند وفاة زوجتك لكنك عدت بعدها بنشاط أكثر أما أن تقدم على التقاعد بل تعمل في التدريس هو مالا أستطيع تقبله أبدا .
ما به هذا اليوم لا ينفك يذكره بها؟
رن هاتفه ليعفيه من الرد على فخري فأخرج هاتفه ملوحا دون وداع سلام ليخرج وهو يجيب على عبدالخالق الذي طلب حضوره للبنك فورا، أغلقه ليستقل سيارته متجها لهم وقد قرر إغلاق باب الذكريات للأبد .... ربما يستطيع

❈-❈-❈

في بلد أيوب

منذ رفض والدتها لعبد الخالق وهي مستمرة في إضرابها لا تتحدث معهم ولا تأكل ولا تعاتب أيضا والأخيرة هي ما جعلت والدتها تتألم أكثر ، لو تفتح معها الحوار فقط سوف تقنعها بكافة الطرق والإثباتات أيضا لكنها لم تفعل حتى عندما حاولت استفزازها بدعوة عمتها وخالتها منذ عدة أيام لتتفاجأ و تجبرها على مواجهتا اكتفت بالجلوس صامتة طول الوقت فيما عدا إجابات مختصرة إذا تم سؤالها مباشرة وعندما قامت هي بالتلقيح حول الموضوع استأذنت نهى مدعية التعب دون أن تظهر شيء .
لم تعد تتحمل لذلك رفعت رأسها من الطبق وقالت بحسرة :
- ناصر عليك إيجاد حل مع ابنتك لا استطيع التحمل أكثر من ذلك.
بلع طعامه ورد:
- ما هو الذي لا تستطيعين تحمله؟
الفتاة لا تتكلم ولم تلمك أو تطلب منك شيء .
كورت يدها و أجابت في حزن:
- ألا يكفي جفائها لي؟
ابنتي الوحيدة لا تتحدث معي تصدق أنها تلقي السلام بدون نفس ولا تسأل عن حالي إذا كنت بخير أو لا؟
وضع ابنها ملعقة رز في فمه و قال:
- لماذا تسأل عنك صحتك حديد أمي .
نظرت له بطرف عينها وقالت بحنق:
-لا تتكلم وفمك به طعام كم مرة أخبرتك بذلك لم تعد طفلا صغيرا كي أذكرك
لعب حواجبه ورد:
- كبرت و سأتزوج فزفز ربما أنتقي عروس من إحدى الدول المجاورة أيضا .
أمسكت بالشوكة بطريقة مخيفة ليقف و يقول بخوف حقيقي:
- شبعت الحمد الله.
تابعه ناصر بعينه حتى ابتعد وعاد ينظر لزوجته قائلا:
- كنت تشتكين أنها لا تريد الزواج وتقوم بتطفيش العرسان وعندما أتى من تحبه رفضت بل قمت بإهانة أهله رغم معرفتك بأن ابنتك متعلقة بهم جدا حتى دون خطبة .
تغير لون وجهها و أرادت الحديث ليرفع إصبعه أمامها فعادت للسكوت ليقول متابعا:
- حتى لو كنت تريدين الرفض وهو حقك طبعا كان عليك أولا التحدث معها و إقناعها بالحكمة اما إحراجها و التعامل معها أنها طفلة بالخامسة وليست آنسة كبيرة تملك عملها الخاص محترمة في مكانها فهو شيء لا أقبله و لولا معرفتي بحبك لها لكنت خاصمتك مثلها.
تندت عيناها فقال بلين:
- عليك التقليل من تعنتك قليلا وفهم لماذا وافقت عليه ربما تقنعك أو تقنعيها بدلا من خسارتك لابنتك أو كسر قلبها.
رفعت رموشها المبللة بالدموع و ردت :
- يبدو أنك لا تعارض الخطبة .
وضع بعض الطعام في صحنها وقربه لها قائلا:
- مبدئيا لا أجد سببا للرفض بعد الحديث معه سأعلن رفضي أو قبولي.

❈-❈-❈

الدولة الأجنبية

لم يكن من السهل تركها خصوصا مع نظرتها التي قطعت قلبه شقف صغيرة ، أبلة جمان دربت قلبه ليكون طوعا لنظرتها بل كل همسة منها فهي لا تتواري عن
إعلان أنها تحبه تتحدث معه الحديث مهم أم تافه اهتمامها بتفاصيل يومه الصغيرة مشاركته أي شيء يفعله ابدا رأيها على أي شيء يفعله إشعاره دائما أن يومها لا يكمل دونه
جمان نجحت في إشعاره بأنه شخص مُهم مُختلف عن البقية مميز على الأقل لها هي؛ و ها هو الآن يتركها مجبرا طلبا منها كي يكون بقرب شقيقته في واحد من أهم أيامها
هبطت الطائرة لينزل منها وفي المطار لم يجد سوى سنان ويزيد الذي أسرع يفلت يد عمته ليتعلق في رقبة والده الذي انحنى كي يستطيع رفعه أما سنان فقد شهقت قائلة بسعادة :
- علي أنت أيضا أتيت من أجلي ؟
قلب شفتيه و رد بنزق:
- من أجلك انت؟!!!
تحلمين أتيت من أجل أخي أين رؤوف لماذا لم يأتي لاستقبالنا؟
وقف حارث يحمل ابنه و فتح ذراعه الأخرى يحضن به شقيقته التي جفلت من حركته لثوان قبل أن تبدأ في البكاء، انقبض قلبه لبكائها أما علي فقد دفع عربة الحقائب وقال بملل:
- كفي عن حركات البنات تلك لم يمضي وقت طويل لا تقولي اشتقت لنا.
أبعدت نفسها عن حضن حارث ومسحت دموعها رداة :
- بالطبع لم أشتق لك
أخرجت له لسانها ليقلب فمه من جديد فقال حارث:
- كفوا عن حركات الأطفال هيا بنا لنذهب للفندق وبعدها نذهب لنرى رؤوف.
تأبطت ذراعه الأمر الذي اعتبره هو شوق وقد سعد لأنه لبي طلب جمان فأخته تبدو سعيدة لرؤيته أكثر مما ظن، لكنها كانت تحاول إخفاء اضطرابها وخوفها من القادم ماذا لو أخبره رؤوف عن ما سرها معه ؟


في البنك

حرك إصبعه على جبهته محاولا التذكر دون جدوى ليرمي القلم فقال عبدالخالق:
- لا داعي للعصبية من الطبيعي أن يتغير توقيعك لو اضطررنا سنجلب تقرير من المستشفى بحالتك عندها لن يصروا على تطابق التوقيع.
أغمض عينه بقوة ليسمع صوت عمه يقول بقلق:
- ماذا هناك لماذا يرفضون إعطائك مالك؟
أجابه هاشم:
- هناك اختلاف في التوقيع وطول المدة جعلهم يدققون في الأمر أكثر كما أنهم طلبوا إجابة السؤال السري لكن رؤوف نسي ما هو .
ظهر عليه تعبير غريب لم يفهمه الحضور ليقول محاولا التظاهر بالقوة :
- عيد مولدها.
التفتت له الأنظار ليتابع وقد أصبح صوته متحشرجا :
- سليمة.... عيد مولد سليمة .
ضرب رؤوف رأسه بكف يده وقال:
- كيف نسيتها طبعا عمتي سليمة هي اسم السري .
أسرع يدخل للمكتب لينهي الإجراءات ليتبعه إبراهيم يجر اضطرابه معه، أما هاشم وعبدالخالق فلم يتحركا حتى رن هاتف الأخير برقم سنان، تجاهله في البداية ليعود للرن من جديد فرد هذه المرة ليسمع صوت حارث يقول بمزاح:
- بارد حتى في الرد على الهاتف لم يكفي أنك لم تستقبلنا في المطار بنفسك.
رد باقتضاب وقد شعر بقلق من صيغة الجمع في حديثه:
- استقبلكم!!!
من أحضرت معك أيضا ؟
بنبرة مستمتعة أجابه:
- ستعرف عندما نراك، أخبرني كم أمامك للعودة سنان قالت أنها لا تعرف.
نظر لساعة يده ورد:
- ساعة على أبعد تقدير سأتصل بك عندما ننهي عملنا لنلتقي في المنزل، في اي فندق انت؟
يعرف عبدالخالق و تفكيره لذلك لم يهتم بنبرته لذلك اعطاه اسم الفنق ثم قال:
- جيد سنان و يزيد معي لا تقلق أعرف العنوان

أغلق الخط ليقول هاشم بنبرة مضطربة :
- من الذي أتى من السفر سمعت اسم سنان بالصدفة .
رد دون أن تلتقط أذناه الخوف الواضح والاضطراب:
- حارث وصل لكنه يتحدث بصيغة الجمع أرجو ألا يكون فعلها وأحضرها معه الوقت غير ملائم أبدا .
لم يفهم عمن يتحدث ولم يهتم للسؤال فقد كان يخوض معركته الخاصة
لم يتأخروا كثيرا في البنك بعدها وقرر عبدالخالق تغيير خطته بدلا من الذهاب لشراء الدبل ذهب لفندق حارث
بداخله خوف لا بل رعب كيف سينظر في عينه وهو خائن!
استغل ثقة الجميع به وخان الأمانة ليلوث عرضهم دون أن يرف له جفن
كم تمنى أن يهرب من تلك المواجهة كما يهرب من عيني سنان منذ عرف بالحقيقة
للأسف عبدالخالق لم يعطه فرصة بل جره عنوة للفندق واتصل بحارث لينزل لهم فورا
بمجرد أن رآه حارث في ردهة الفندق أسرع بضمه له وهو يضحك بنبرة باكية في مزيج غريب عجيب ينبئ عن بعض مشاعره ثم أبعده وهو يمسك بكتفه يعاود النظر له قائلا:
- لازلت لا أصدق تحقق كلام سنان ولم تكن تهذي.
شعر بلطمة على وجهه ليتغير لونه للشحوب بطريقة واضحة لم يهتم بها أحد لحسن حظه فقد سحبه علي ليسلم عليه بدوره وقد هربت الكلمات فأبعده عنه لثوانٍ يتأكد من حقيقة كونه معهم ثم يعود لضمه من جديد ، كررها عدة مرات حتى قال عبدالخالق بتأفف:
- لن تكبر أبدا كف عن حركات الأطفال ماذا تركت لأمك ، ثم تعال هنا كيف أتيت لماذا لم يخبرني أحد بقدومك؟
أجابه حارث بعد أن جلس على كرسي وثير في ركن بعيد عن المارة :
- فوجئت به مثلك في المطار كنت أظن بأنه أتى لتوديعي لأكتشف أنه اتفق مع أشماس ليحجز في نفس طائرتي حتى عمتي مبروكة لم تعرف بعد.
ربت رؤوف على ظهره وقد غمرته مشاعر جياشة ليقول بعد أن أجلى حلقه:
- خسرت الكثير من الوزن لم أعرفك في البداية .
مسح دموعه و أجابه ضاحكا:
- مجبر أخاك لا بطل، حدثت أشياء كثيرة في غيابك سأخبرك بها بالتفصيل الممل.
تنهد عبدالخالق و همس بقرب حارث:
- ظننت لوهلة أنك أحضرت جمان معك؟
نظر له في ضيق ولم يجبه ليردف بصوت عال عبدالخالق:
- لا تنظر لي هكذا منذ ولادتها أنت لا تفارقها كأنك تخشي أن تلحق ب
قاطعه رؤوف:
- جعلها الله ذخرا لك في الجنة وبارك في ما رزقك.
انشرحت ملامحه وقال بعاطفة جياشة :
- رزقنا بقطر الندى نفس اليوم الذي وجدناك كأن الله أراد أن تكون فرحتنا مضاعفة .
ليته أفرغ مسدس في صدره أو حتي غرس سكنيا في جوفه عله يقلل من الشعور الذي انتابه
لماذا فقط لماذا عليه أن يكون بهذا الود المحبة الظاهرة
ولماذا عليه هو أن يكون بتلك النذالة تجاه حارث بالذات؟
كأنه لم ينل كفايته من الأذية بسبب والدته و شقيقته لتكون الضربة القاضية بيده هو
هزه علي وهو يقول بخوف :
- رؤوف أنت بخير أخبرتني سنان بأن وضعك لم يستقر بعد هل تعاني من ألم ، تحتاج أن نذهب للطبيب؟
أبعد يده وهو يقول بابتسامة كاذبة :
- ما كل هذا كل ما حدث أني سرحت قليلا.
رفع عينه ليجد عبدالخالق و حارث ينظران له بنفس القلق بل الخوف ليغمض عينه بقوة محاولا ابتلاع مرارة ما يشعر وقال بصوت خفيض:
- كنت أفكر في ابنة حارث فقط.
أطلق حارث تنهيدة عالية و استقام من كرسيه ليقترب منه ثم وضع يده على كتفه وقال:
- صدقني فرحتي بعودتك لنا مسحت أي وجع لفقدانها.
آآآه كم عليه أن يتحمل بعد؟
أثقل الذنب كاحله حتى كاد يصرخ بحقيقة ما فعله ليأتيه صوت سليمة من بعيد وهي تقول:
- كن صامتا إذا كانت كلماتك ستدمر علاقة مهمة أو تسئ لشخص يهمك
كن صامتا وقت حرارة غضبا و الأهم كن صامتا إذا كنت لا تعلم كل الحقيقة!
تقبضت يده ليحاول ترتيب أفكاره فسمع علي يقول:
- أنا جائع ألن نأكل ؟
ضحكة مرحة خرجت منه دون أن يدري ليجيبه بعفوية :
- لم تتغير أبدا همك على بطنك لنعد للشقة الغداء جاهز عمي ينتظرنا هناك.
حاول حارث التهرب منهم لكن عبدالخالق لم يدع له فرصة خصوصا بعد أن أخبره بأن عليه أخذ ملابس سنان لتبقى معه.

راقبتها تغلق حقيبة ملابسها وتستعد للخروج لتقول بحزن:
- لا أفهم سبب ذهابك الآن عقد القران بعد الغد ستعودين مرة أخرى لماذا الذهاب من الأساس ؟
اتجهت ناحية التسريحة لتتأكد من أخذها لمستحضرات التجميل الخاصة بها وردت:
- لن أعود هنا بل سأسافر مع حارث.
باستنكار قاطعتها:
- ماذا؟!!
ماذا تعني تذهبين معه كما أن رؤوف لن يوافق لعلمك.
ابتسمت بسخرية وردت:
- لا تقلقي لن يحرقه الشوق، عموما عبدالخالق وعلي سيذهبان معا و يزيد أيضا إذا كنت موافقة طبعا أنا من طلبت من حارث ذلك.
عندما لم تجيبها رفعت عينها لها لتجد تعابير وجهها تدل على التفكير لتقترب و تجلس قربها ثم تقول بنبرة حانية:
- لابأس لن آخذ يزيد الآن كما أن البسبوسة لن يجد حجة يراك بها بعد سفره .
قلبت درصاف عينها وردت ببرود ظاهر رغم أن قلبها رفرف لذكر اسمه بطريقة لم تعهدها سابقا، ربما لأنه لم يحضر للأكل عندهم كما كانت تأمل أو فكرة ابتعاده عنها الآن تخيفها ؟
لا يهم دفعت كل تلك المشاعر في ركن بعيد و قالت:
- بالطبع لن أتركك تأخذين يزيد الآن المنزل عندكم ممتلئ بالأطفال ليستقر الوضع أولا ، و سوف آتي عندما تحددون موعد الفرح.
رفعت سنان حاجبيها وقالت بابتسامة واسعة:
- ماذا عن البسبوسة ستتركينه وحده هنا؟
تأففت و وقفت لتقول سنان:
- رغم أني لا أعرف كيف استطعت جذبه لك فهو يبدو غارقا بك لكن حذار فبسبوستك ناشفة إذا لم تسقيها بالعسل بسرعة ستجف و لا تعد صالحة للأكل .
هزت رأسها وردت:
- لا توجد فائدة منك أنت والحلويات ظننت أنك ستعقلين بعد عودة رؤوف .
عاد الألم يغرز مخالبه بداخلها لتنزف دون دم
الألم يخنقها بشدة حتى لمعت بدموع رفضت صاحبتها أن تحررها
لم تفطن درصاف لها لتقول وهي تفتح باب الغرفة :
- تعالي معي كي نجهز الشاي لهم لا أصدق أن علي أيضا جاء لم أره منذ فترة طويلة.
استمرت في ثرثرتها وسنان تتبعها حتى لمحته يخرج للحديقة ويضع هاتفه على أذنه لتخمن مع من يتحدث خصوصا مع لمعه عينه الواضحة رغم بعد المسافة
❈-❈-❈
كيف ومتى وأين
سألت نفسها كثيرا ولم تجد الجواب الشافي، ليست مبتدئة في مضمار الحب كي تقع فيه بسهولة ولا هو أوسم رجل قابلته في حياتها بل إنها لم ترَ ملامح وجهه إلا بعد فترة طويلة جدا من تغلغل حبه في قلبها
الملثم ذو العيون بلون التمر تتفاوت بين الأصفر الغامق و البني
ابتسمت وهي تتذكر أول مرة ربطت بين عينه والتمر
نادرا ما كان يزيل اللثام عن وجهه خمنت في البداية ربما هو شخصية معروفة ويخشى أن يتعرف عليه أحد لتعرف بعد فترة أن السبب هو الإصابة في وجهه والتي ربما كانت السبب في امتداد فترة صمته لساعات طويلة و تمنعه عن الأكل إلا التمر !
في البداية كان يدفعها فضولها لتعرف المزيد عنه فضول إنسان قضى أكثر من ربع عمره في قضية يؤمن بها ويريد مساعدة الآخرين لتخطي المآسي التي عاشوها ليتحول ذلك الفضول لشيء آخر لم تحسب حسابه بل لم تسعى له أبدا .
تنهدت وقالت عبر الهاتف:
- مبارك عزيزي الآن تم تأكيد اسمك رسميا حساب البنك لن يدع لأحد مجالا في التشكيك بك.
أجابها وهو يبتسم ابتسامة لم ترها:
- تقصدين أن تحليل إثبات النسب لا ينفع و حساب البنك هو الذي يثبت هويتي؟
ضحكة مضطربة خرجت منها تعبر عما يجول بداخلها وقالت:
- تعرف ماذا أعني الحساب هنا يعني لن يجرؤ أحد على اتهامك بأي شيء.
ثم أردفت بعصبية :
- كما أن عمك أنهى أوراق زواجك بتاريخ قديم كما عرفت من هادي.
جلس على كرسي الحديقة وأسند يده لكفه دون أن يجيبها بات شبه متأكد بأنها تكن له مشاعر أكثر من كونه حالة تريد مساعدتها أو صديق قضت معه وقتا طويلا ، كأن وضعه ينقصه المزيد من التعقيدات الآن بالذات، أجفل على صوتها تناديه فأجلى صوته ورد:
- نعم سهام ماذا هناك؟
كان صوتها حانق وهي تقول بحدة :
- إذا كانت تملك الإثبات وعقد الجواز المزور موثق لماذا إذن تعقد عليها على يد مأذون شرعي؟
أنت تورط نفسك .
رفع رأسه ناحية غرفتها ليلاحظ ظلها من خلف النافذة فقال:
- بل هي من تورطت معي دون ذنب.

في غرفتها التي تشاركتها مع درصاف و يزيد وضعت سماعة الأذن وجلست على السرير وهي تستمع لجمان التي لم تكف عن الاتصال بها منذ عرفت أنهم في نفس المنزل مع درصاف ، تأففت وقالت:
- ماذا حدث لك جمان كانت أمامه طول الوقت لماذا الخوف الآن ؟
عضت جمان شفتها وردت:
- من قال أني أخاف منها أنا فقط أسأل عن حارث لا غير.
قلبت عينها و قالت:
- أخبرتك بأنه بخير لا تقلقي اهتمي بنفسك وبقطر الندى نحن لن نتأخر .
شعرت جمان بالذنب لأنها لم تلاحظ نبرة الحزن في صوت سنان لتقول بعدها:
- ما الذي يشغلك أشعر بحزنك رغم أن عقد قرانك قريب و رؤوف يتعافى بطريقة جيدة .
وضعت رأسها على المخدة وأغلقت عينها سامحة لدموعها بالنزول هذه المرة لتقول بصوت ملأه العبرة :
- رؤوف تغير جدا لا أعرف كيف أصف الأمر عاد باردا يتعامل معي كأني غير موجودة في أغلب الأحيان لا أشعر بحبه و لا حتى لهفته مثل السابق.
أجابتها بثقة :
- أعتقد هذه سمة في أبناء الجعفري نسيتِ حارث معي، و سفيان أنت من أخبرني أن بروده كلفه زواج أفطيم من غيره إذن لا تلومي على رؤوف وهو بهذه الحالة ، حاولي أن تجذبيه لك كما أخبرتك سابقا.
ضمت ركبتيها لصدرها وهي تذكر كيف نبذها بعد أن أخبرته بأنه زوجها أمام الله!
شهقت خرجت منها لتضع يدها فمها ثم رفعها لعينها وقالت:
- منذ الليلة التي قضيتها معه في غرفته و ...
انتفضت على صوت فتح باب الغرفة بقوة لتجد رؤوف ينظر لها بعينين غامضتين وقعت السماعة من أذنها ليضيع صوت جمان وهي تنادي عليها في نفس الوقت اقترب منها وقد علا وجهه تعبير غريب لم تستطع أو بالأحرى لم ترد تفسيره ؟
استقامت لتصبح مقابلة له دون أن ترفع رأسها له حتى سمعته يقول بنبرة غريبة :
- اقسمي على ما قلته الآن .
تجمدت نظراتها لتشعر بأن الألم ينسحب من قلبها ليحل بدلا منه عدة مشاعر مختلطه على رأسها الغضب
غضب من نفسها أكثر منه هي من سمحت له بأن يتعامل معها بتلك الطريقة المهينة لتعود خطوة للخلف حتى التصقت بالسرير و رفعت رأسها فقابلته وقالت ببطء وهي تضغط على كل حرف :
- أعد ما قلته مرة أخرى .
أمسك بذراعها يهزها و رد:
- من هذا الذي كنت تخبريه عن ليلتك معي دون خوف ؟
كيف أصبحت بتلك الجرأة كي تفضحين نفسك دون خوف أو مراعاة لشقيقك أم أنك تكذبين ولم يحدث أن قضيت تلك الليلة معي ؟
دفعت بعيدا عنها بقوة وحررت ذراعها منه ليهتز في وقفته من حركتها المفاجئة لتفتح أحد أدراج الطاولة الجانبية وتخرج منها مصحف وهي تقول:
- أقسم ويدي على هذا المصحف بأني قضيت ليلة كاملة في غرفتك معك أما مع من كنت أتحدث فهذه جمان زوجة أخي وبالنسبة لتوريطك لم أعد أريد الزواج منك ابتعد عني يكفي ما أصابني بسببك.
تجاوزته لتخرج من الغرفة قبل أن تنهار أمامه .
أما هو فقد تجمد مكانه من هول الصدمة ، ليس صدمة فقط كونها أقسمت له على المصحف بل لأنه أجبرها على فعل ذلك ألا يكفي استباحته لبرائتها !
منذ متى أصبح بهذه الدناءة أم أنه كان دائما هكذا ولم يجد فرصة إلا معها؟
عاد له الصداع بشدة ليجلس فوق السرير في نفس المكان الذي كانت تبكي فيه قبل أن يقتحم خلوتها ويتهمها بأبشع التهم، لم يعد يعرف نفسه أو ما يريده كل شيء أصبح ضبابي كأنه لايزال تحت الماء يجاهد ليلتقط أنفاسه أو حتى يرى السطح
صوت اهتزاز الهاتف النقال أسفله أوقظه ليتنبه أنه غفى لمدة لا يعلمها ليمد يده ويبحث عن الهاتف ليجيب بصوت ناعس وقبل أن يفعل أتاه صوت أشماس الغاضب:
- لما لا تجيبين على هاتفك جمان قلقة عليك جدا بعد أن أغلقت ال...
- سنان تركت هاتفها في غرفتها سأخبرها بأنك اتصلت عندما أراها .
توقع ثورة عارمة منها لذلك تابع مبررا :
- أشعر بأني مشوش هذه الأيام لذلك لم انتبه أنها لم تأخذ هاتفها معها.
حمل صوتها نبرة غريبة لا ليست غريبة بل هي مزيج لا يفهم لا هو بين الحنين و الحزن والتظاهر بالقوة عندما أجابته :
- تشتاق لها صح؟
ارتعش فكه ليؤلمه متزامنا مع ألم الذكرى الذي لم يتوقف منذ أن ارتقت لربها حتى و إن أخفاه
أكملت وقد زاد الحزن في نبرتها:
- رغم سعادتك بنيلك أكثر أحلامك ووجود من تحبهم بجانبك لكنك دائما تشعر بأن هناك شيء ناقص ، بل جزء من عقلك وقلبك لا يستطيع أن يسعد بطريقة كاملة لأنها لا تشاركك هذه السعادة .
أجابها وقد حرقت الدموع مقلتيه :
- والأسوأ عدم مقدرتي على قولها علانية حتى لا يحزن الآخرون أو يظنون بأن وجودهم لا يفرق معي
تنهدت و قالت:
- تصدق بأني لم أخبر أيوب عنها؟
أشعر بأنه لن يفهم أبدا من هي لي مهما حكيت حتى عندما يتحدث عن والدته ويخبرني كم كانت سيدة رائعة كثيرا ما أردت أن أخبره ان أمي أروع و بأنه لا يوجد مثلها أبدا ثم أتراجع في آخر لحظة .
تملكه الغضب ليقول بصوت عال:
- لا تناديها أمي بعد أن خنتها و حضرت زفافه على الأخرى لن أسامحك على هذا أبدا .
للمرة الثانية تفاجئه وترد بهدوء:
- وهو رد دينها كما خانها طعنني في ظهري وكنت ضحيته الثانية في الخيانة بعد أمي ؛ ربما أستحقها لأنني وثقت به وربما لأنني لم أعاتبه على فعلته بها المهم أنه فعلها دون أن يرف له جفن ولو توفرت له الظروف سيفعلها مرة أخرى من أجل تلك المرأة .
عقد حاجبيه وقال بنبرة أقل حدة :
- لا أذكر كل شيء حدث هلا اخبرتني ماذا تعني.
بمرح كاذب ردت:
- قصة فيلم هندية لن تستوعبها عبر الهاتف سأخبرك بكل شيء بعد أن تعود، المهم دع سنان تتصل بجمان فهي قلقة عليها، إلى اللقاء الآن أراك قريبا .
أغلقت الخط وقد شعر لأول مرة في حياته بأن أشماس أقرب شخص له
الأقرب من ناحية معرفتها لما يعانيه منذ فقدان سليمة ( أمهما الروحية ) هما فقط تشاركا الحزن ويعرفان ماذا يعني العيش من دونها
هما فقط من عانا في صمت كي لا يجرحا الباقين
أشماس خافت من غضب خيرية
وهو خاف على حزن مبروكة
والنتيجة حزن مكبوت لم يظهراه و إن كان هو أفضل حالا بغضبه من الجميع على العكس منها فهي لم تستطع الحزن براحتها والسبب طبعا والدتها خيرية !
مسح وجهه وقد اعترف لنفسه بأنها المرة الأولى التي يجد فيها عذر لها بعد أن كان يتعامل معها على أنها مذنبة طول الوقت، وقف وعدل ملابسه محاولا التركيز في الأهم عليه حل مشكلته مع سنان أولا ثم معرفة قصة علاقتها بهذه الجمان ثم الأهم ماذا تقصد أشماس بأن عمه إبراهيم غدر بها من أجل زوجته الجديدة ؟
❈-❈-❈

في بلد أيوب

عقدت تفاحة حاجبيها وقالت:
- لا أعرف سر هوسك بسفر حارث الرجل سيعود بعد أيام و أنت تتصرفين كأنه هاجر وتركك.
زمت جمان شفتيها في غير رضا لتجيبها مبروكة :
- سعد كان يسافر طول الأسبوع ولا أراه إلا في الإجازة بل أحيانا تمر عشرة أيام دون رؤيته ولم اشتكي يوما من ذلك بنات هذه الأيام لا يتحملن ليلة دون زوجها.
قلبت أشماس عينها وقالت:
- أنت من رفضت الذهاب معه عمتي لا تقولي الآن انه يذهب ويترك الكذب على الميت حرام.
جزت على أسنانها مجيبة :
- أنا أكذب !!!
لولا وجود ابنك بحجرك كنت علمتك كيف تتحدثين مع عمتك.
رفعت حاجبيها دون رد لتردف مبروكة موجهة حديثها لجمان :
- ألست أنت من اقترحت عليه الذهاب منذ البداية لماذا هذا النكد الآن لا أفهمك بصراحة .
لتقول هاله:
- هي لا تشتاق لزوجها هي فقط تخاف عليه من أم ولده لاغير.
التفتت إليها كلا من مبروكة وتفاحة بنظرات مستنكرة لتقول مدافعة :
- لا تنظران لي بتلك الطريقة تعرفان أني محقة خصوصا لو طلب شقيقها العائد أن يردها حارث كي يتزوج سنان بالطبع سيفعل.
انسحب الدم من وجه جمان حتى كاد يحاكي الموتى بينما تفاجأت تفاحة بكلامها فلم ترد أما مبروكة فالتزمت الصمت دون أن يظهر أي شيء على ملامحها لتقول أشماس بحدة :
- لا حارث نذل كي يفعلها دون إخبار أحد ويخون زوجته التي لم تلد إلا منذ مدة قليلة و طفلتها لاتزال في المستشفى ولا درصاف دون كرامة كي تقبل بذلك حتى لو كانت تحبه وهي بالمناسبة لا تفعل ولا حتى رؤوف بدون نخوة ليطلب عريس لأخته ولا حتى سنان بيعة وشروة ليقايض عليها.
ظهرت حبات عرق على جبينها لتتدخل أفطيم محاولة ترطيب الموقف:
- لم تجدي إلا أشماس كي تمزحي أمامها ، تعرفين أنها تأخذ الأمور دائما بحدة خصوصا في هذه الفترة كأن روح خالتي سليمة تلبستها مع عودة رؤوف.
لوت فمها و لم تهتم بالرد عليها لتقول مبروكة بدورها:
- احضروا لي بعض من الكعك لأشرب الشاي يالله أنا من وافقت سنان في سفرتها هذه الكل يهملني وتلك الخادمة لا تفهمني أشماس احضري لي ما طلبت .
جمان كانت في عالم آخر فهي لم تفكر في احتمال أن يطلب منه إعادة درصاف مقابل زواج سنان حتى و إن كان بطريقة غير مباشرة بالطبع حارث لن يخذل شقيقته أبدا و يبقى السؤال ماذا ستفعل الآن لو فعلها هل ستنفذ تهديدها السابق بالرحيل ؟
أم سترضى بالأمر الواقع؟

❈-❈-❈
في الدولة الأجنبية

منذ ذلك اليوم لم يراها حتى عندما ذهب للفندق الذي تقيم فيه مع حارث رفضت رؤيته متحججة بجميع الأعذار ولم يقم هو بالضغط ليفعل خصوصا بوجود حارث و عبدالخالق جزء منه لا يريد المواجهة ليس الآن وهو لايزال مشوش غير قادر على معرفة حقيقة ما جرى وجعله بهذا البرود تجاهها و جزء آخر يشتاق بشدة فأكثر سبب لتمسكه بالحياة والعودة لهم كان هي وحدها لا غير
آه لو عمته سليمة معه لاستطاعت حل معضلته و إراحة قلبه المتعب.

نظر عبدالخالق لساعته متأففا ثم قال:
- لماذا تأخروا كل هذا الوقت قلنا منذ البداية يجب أن نمر عليهم أجابه علي :
- درصاف السبب أصرت أن تذهب وتزين سنان كآنها عروس فعلا.
ضربه رؤوف بأصابعه على رأسه وقال:
- ليس لك دخل بسنان أخبرتك بذلك..
قطع كلامه لينظر الجميع للسبب متوقعين أن سنان أخيرا حضرت لتطل عليهم أخرى بهالة مميزة جعلت كل الأعين تتجه لها حتى المار الذي لا يعمل لهم في المجمع الإسلامي
كانت سهام ترتدي قفطان مغربي ذهبي اللون انعكس على بياض بشرتها لجعلها لامعة مع حزام مطرز باللون نفسه أظهر رشاقة قدها وطولها الرائع وقد تركت شعرها حرا مع وضع شال شفاف أعطاها مظهر أميرات ألف ليلة وليلة مع زينة تظهر جمال وجهها ولون عينيها الفيروزيتين فكانت آية من الجمال؛ تقدمت من رؤوف بوجه بشوش ببراعة شعورها الحقيقي ناحية كونه سيكون لغيرها بعد قليل حتى لو كان زواج مصالح !
لتقف أمامه مباشرة بعيون لامعة وقالت :
- عليك إزالة الضمادة كي أرى وجهك كله أخبرتك مرارا ستظل ملثمي الوسيم مهما كان عمق الجرح.
رفعت يدها قاصدة لمس خده ليتراجع للخلف في حركة عفوية ليستقر كفها أعلى ذراعه الأمر الذي لم يرق لعبدالخالق وقد ظهر الأمر جليا على وجهه أما علي فقد أطلق صفارة من بين شفتيه ثم قال مشيرا لاتجاه الدخول:
- وصلوا مع عمي إبراهيم تشهد قبل أن تلقى حتفك بيد
سنان.
التفت حيث يشير علي وقد بدأ قلبه يدق بقوة لا يعرف إذا كان السبب خوفه مما هو مقدم عليه أو اشتياقه لرؤيتها.
تقدم حارث و إبراهيم أولا ليحجباها خلفهما ولم يحاول هو النظر ناحيتها خصوصا عندما اندفع يزيد يتعلق به فانحنى ليصبح على مستواه وابتسم قائلا :
- اشتقت لك كثيرا يومين لا أراك .
تعلق برقبته ليرفعه وهو يعدل من وقفته فقال عبدالخالق:
- هيا بنا ندخل لا داعي للتأخير أكثر من ذلك.
لم يراها و إن شعر بحضورها وقبل أن يلف رقبته ليراها جره علي للداخل فتبعته سهام ، لم تخلع حذائها مثل الباقين بل وقفت أمام الباب الكبير ليقول إبراهيم ببرود:
- شكرا على حضورك وتقديم التهاني يمكنك العودة لن نقيم احتفال كبير فقط العائلة.
أسبلت رموشها والتفتت ناحية رؤوف قائلة في رقة :
- سأنتظرك حتى تنتهي من هذه ال... المهمة أعطته ابتسامة رائعة و عادت حيث كانوا يقفون في البداية
احتقن وجه رؤوف خصصوا مع نظرات حارث له التي حملت الكثير من الاتهامات والأسئلة ، دون تضييع ثانية أخرى أسرع يدخل للمسجد مكان عقد القران مع المأذون الشرعي.
انتهوا من عقد القران وقد تطلب منهم وقتا طويلا في محاولة يقنعوا المأذون بأن يضع تاريخ قديم على ورقة الزواج حتى مع الشرح المطول ليكون رده هذا غش ولن يفعله في بيت الله مهما كانت الأسباب
أخذ حارث العقد وقال :
- لا بأس المهم لدينا عقد من السفارة يمكن أن نقول بأن عقد المأذون ضاع في الوطن بعد أن وقع منزل جدي.
وافقه الجميع ليهنئوا رؤوف ماعدا حارث كان باردا نوعا ما الأمر الذي لاحظه الجميع ، أمسك يد يزيد و قال:
- سأذهب لأحضر سنان انتظرونا في الخارج.
أومأ له عبد الخالق وانتظر خروجه ليقول :
- لم أفهم ما عنيته عندما أخبرتني بأن سنان ترفض الحضور هل حدث شيء معين؟
رد عليه إبراهيم بحيرة :
- سبق وانهارت بعد خروجهم من الوطن أكثر من مرة و أصرت على العودة لمنزلهم لكن وقتها كانت تريد العودة من أجل رؤوف ما هو السبب هذه المرة .
ليقول علي:
- ربما تريد أمي لا تنسوا أنها أصبحت متعلقة بها جدا بالطبع تحتاجها في هذه المواقف ، لا تهتموا أعرف سنان ترضى بسهولة .
التقت نظرات عبدالخالق المتهمة برؤوف الهاربة ليقف الأول ويقول:
- هيا بنا حارث ينتظر مع عروس رؤوف.

في الخارج شدت درصاف ذراع سنان وهي تهمس بحنق:
- رأيت ماذا ترتدي؟
كأنها هي العروس و أنت ترتدين ملابس فتاة في المدرسة الإعدادية خصوصا هذا الحجاب الأبيض ألم يصلك العلم؟
لقد منعوا ارتداء هذه الأنواع من الحجاب قبل وفاة جدتي.
كانت تعرف بأنها لن تؤثر بها لذلك اتصلت بأشماس قبل حضورها و أخبرتها بكل شيء هي الوحيدة التي تملك التأثير الكبير على سنان كما تأمل بالطبع ،الآن بعد رؤية سهام شعرت بأن الأمر لن يمر بسهولة بل إنه ربما لن يمر أبدا .
استقبلته سهام عند خروجه لتتأبط ذراعه وترفع يدها الأخرى بهاتفها تأخذ صورة لهما معا تلقائيا ابتسم خصوصا مع نظراتها الحزينة والتي لم تستطع إخفائها هذه المرة ، سهام تشعر بالحزن وهو السبب دون أدنى شك ياللهول!
أنزلت الهاتف ونظرت له قائلة وقد التمعت الدموع في عينيها :
- عليك أن تعرف بأن أهم شيء لدي في الوجود هو سلامتك مستعدة لتحمل أي ألم كي تكون بخير بعيدا عن أي تهديد حتى لو كان ذلك حضور عقد قرانك على امرأة أخرى.
هل تفاجأ ؟
سيكون كاذب لو قال أنه تفاجأ بالطبع شعر بأنها تميل إليه بل تحمل له مشاعر خاصة جدا من الذي يضحي بنفسه وسلامته ويقرر السفر عبر مركب مطاطي!
شعر بأحدهم يسحبه وهو يقول بمرح:
- بعد إذنك سيدتي الجميلة يجب أن يسلم العريس على عروسه.
ظلت عينه معلقة بها وعلي يسحبه حتى كاد يقع من الدرج ليضحك علي قائلا:
- انتبه لو سنان عرفت بأنك سارح في غيرها لن أضمن ما قد تفعله بك يا الله حتى حارث لم يفعلها و در هي من أعلنت أمام الكل نفورها منه.
تغيرت ملامحه وعقد حاجبيه وتوقف قائلا:
- ماذا تعني إعلانها أمام الكل.
رد بصوت خفيض وقد اقتربوا منهم:
- كانت فضيحة كبرى يوم عقد قران سفيان أمام الجميع حتى أيوب و الخالة تفاحة يا الله لا أعرف كيف مر الأمر دون أن يعاتبها أحد وقتها المهم هذا ما أدى لزواج حارث فورا ، اسمع القصة طويلة سأحكي لك وقتا آخر .
عندما اقتربوا من الجميع كانت مشاعره مختلطة بين الحزن والغضب وربما حب!
قبل أن يمد يده ليسلم على سنان سبقته سهام قائلة :
- مبروك.
أجابتها سنان ببرود:
- شكرا.
لم تسلم عليها لتمد درصاف يدها وتضغط عليها قائلة :
- لم يكن هناك داعٍ لحضورك هذا أمر عائلي.
أعطتها ابتسامة واثقة وردت:
- أنا عائلة رؤوف.
لتقول سنان:
- لم أكن أعرف أنك لقيطة لتلتصقي في رؤوف وتدعي أنك من عائلته.
همس عبدالخالق في أذن رؤوف:
- اياك ان نتدخل في حديث النساء ، حارث ينظر لك فلا تفعل شيء تندم عليه.
طحن ضروسه وأمسك بيد سهام لتنظر له وقد هاله نظراتها له فتنهد قائلا:
- اذهبي الآن سأتصل بك لنلتقي لاحقا أعدك .
أوصلها لسيارة الأجرة وعندما عاد وجد حارث يضع ذراعه على كتف سنان و يمسك يزيد بيده الأخرى قائلا:
- كما تشائين آخذ سنان ورؤوف و أترك لك يزيد ليعود معك لاحقا المهم لا تتأخري كثير أريده أن يرى شقيقته.
هزت درصاف رأسها موافقة ليقول إبراهيم:
- لا تقلق أنا سأحضره بنفسي حتى لو قررت در البقاء يجب أن أحضر فرح رؤوف لديه أمانة عندي.
تدخل عبدالخالق وهو يبحث في هاتفه:
- لم أجد أماكن للغد على نفس الطائرة.
ليقاطعه رؤوف :
- لن أسافر غدا دون سهام.
انتهى الفصل ولم تنتهي الحكاية













حصاد السيلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن