الفصل الثالث

105 3 0
                                    

الفصل الثالث


تأكد من ترتيب شعره قبل أن يفتح باب المنزل الخارجي راسما على وجهه الجدية كعادته؛ دخلت لتقف أمامه ترفع عينيها تحتضن وجهه ليهرب من حصار عينيها ويقول ببرود:
-أمي في المطبخ يمكنك الدخول لها أو البقاء في الحديقة إذا أردتِ .
بصوت متهدج أجابته:
-لم آتي من أجلها.
أنزل عينه لها غير قادر على تفسير كلماتها أو ربما لا يريد تفسيرها حتى لا يخونه قلبه ويتمرد عليه مرة أخرى بالكاد يتحكم بِه  سجين لا حول له ولا قوة حكم عليه قسرا ليقبع خلف قضبان قفصه غير قادر على التعبير و إلا كان عقابه الحرمان من رؤيتها وربما للأبد .
اقتربت منه بدرجة خطيرة قائلة بعاطفة جياشة :
- يحق لك أن تظهر حزنك لا تكتمه داخلك فيزيد من ألمك توقف عن المكابرة فهي لن تفيدك .
شعر بقرب انفلات مقاومته فأشاح بوجهه وقال بحدة :
- الرجال لا يحزنون مثلكن لا داعي لقلقك عليِ.
تجرأت ومدت يدها لتلمس أطراف فكه وتحركه لينظر لها من جديد و ردت:
- الرسول صلى الله عليه وسلم حزن على زوجته عاما كاملا واسماه عام الحزن هل أنت أفضل منه كي تستكثر الحزن على شقيقتك ؟
شعر بقلبه يضرب أضلعه متمردا عليه والدموع تحرق عينيه ليرفع يده ويمسح وجهه مع تنهيدة بدت لها كاستنجاد فهمست له:
-  أنا هنا عندما تريد الكلام لن ابتعد أبدا ولن أحكم عليك ببساطة لأني لم أفقد أختين وأب و باقي أهلي دون توديعهم ولا أستطيع تخيل ما تعانيه، كل ما أستطيع فعله هو الدعاء لله أن يريح قلبك ليرتاح قلبي من القلق عليك.
لمحت دمعة تنساب على خده فأسرعت تخرج من المنزل رغم أنها تمنت أن تأخذه في حضنها تربت عليه بحنان ليرمي بعض حزنه عليها ، عندما عرفت اسم ابنة جمان كان هو أول من طرأ في بالها فمنذ لقائهما في الصباح ليخبرها عن رؤوف وهي تشعر بالقلق أقرب للشفقة تعلم أنه يكتم مشاعره رافضا السماح لها بالخروج على السطح.
تنهدت محاولة التخفيف من رغبة ملحة في العودة له لتجبر نفسها و تتحرك من أمام فيلا العائلة تاركة قلبها معه.

❈-❈-❈

في الدولة الأجنبية

"سهام نعيم "
اسم معروف جدا في منظمات اللاجئين بل إن معظم قضايا اللجوء في أروبا كان لها يد فيها، فقد وهبت حياتها لمساعدة اللاجئين طوال حياتها متخلية عن جميع متع الحياة لامرأة بجمالها و مكانتها الإجتماعية بل إنها لن تكذب إذا أقسمت بأنها منحت قلبها للقضية متخلية عن مشاعرها كأنثى لسنوات طويلة حتى قابلته (( الملثم))
بثقة لم تهتز يوما توجهت لغرفته وهي عازمة على دخولها لا محالة فلا يحق لأحد منعها من رؤيته و البقاء بقربه، توقفت عندما وجدت من يدعون أنهم عائلته أمام غرفته المكتظة بالأطباء فانقبض قلبها وأسرعت تريد الدخول لمعرفة ما حصل له لتمنعها ممرضة من الدخول وسمعت صوت أحدهم يقول:
-  رؤوف استيقظ من الغيبوبة والأطباء يمنعون دخول أحد حتى ينتهوا من فحصه.
لفت وجهها ناحية المتحدث الذي لم يكن سوى إبراهيم بجانبه سنان ترتدي نفس ملابس البارحة مما يعني أحد الأمرين إما قدومها بسرعة فلم تنتبه لما ترتدي  أو بقائها بقربه طول الليل ، الاختيار الأخير أضرم النار في أحشائها، تلك الصغيرة لن تأخذ منها رجلها بحجة القرابة و وعد مر عليه زمن.
بصوت متحشرج رددت سنان وهي ترفع هاتفها أمام درصاف:
-  اسمعي ماذا يقول إنه هو صدقيني لا نحتاج لأي تحليل لنثبت شخصيته.
تقدمت ناحيتها و مدت رأسها تشاهد المقطع الذي تتحدث عنه سنان ثم رسمت ابتسامة هازئة على شفتيها وقالت:
-  ما هو الذي يؤكد شخصيته في هذا التسجيل بالضبط ؟
رفعت سنان رأسها بحدة و أجابت:
- واضح لديك مشكلة في السمع.
لم تتأثر ملامحها بل زادت سخرية وهي تجيب:
- بلى سمعت قال حروف متقطعة لا يمكن استنباط جملة مفيدة منها .
قاطعتها ملوحة بهاتفها أمامها كدليل قاطع:
- قال أمي سلمية الآن تأكدت بأن لديك مشكلة في السمع.
حركت إصبعها ترسم دائرة في الهواء و ردت بسخرية :
- اووه يا صغيرة هذا ما فهمته حقا؟
لم تكن كلماته واضحة ولا حتى كاملة أنت أردت سماعها هكذا هناك ألف تفسير و تفسير غيرها، ساعدوني، ساعدي يؤلمني.
ثم لمعت عينها ومالت تقول بثقة جعلت الأخرى ترتعش مكانها:
- أو مثلا سهام.
كطائر مذعور يحاول الهروب من قفصه تخبط قلبها بين ضلوعها رعبا من كلماتها ماذا لو كانت محقة ؟
هل استبدلها رؤوف!
أصابع قبضت على يدها وصوت درصاف يقول بهدوء:
-  يزيد جائع هلا أخذته للمطعم.
رفعت عينها المهتزة لها فأهدتها ابتسامة مشجعة لتطيعها سنان وتأخذ يزيد لمطعم المستشفى التفتت درصاف لعمها بنفس الابتسامة :
- عمي هلا أقنعتها بأن تغير ملابسها على الأقل ؟
لا يجوز أن يراها خطيبها بنفس الملابس يومين متتالين.
لم يستطع أن يمنع ابتسامته من الظهور ورد:
- لا تقلقي لن نتأخر عليه.
تابعتهم بعينيها حتى ابتعد و عادت تنظر لسهام عدلت نظارتها وقالت بنبرة المحامية المتمرسة:
- سيدة سهام متفهمة قلقك عليه و رغبتك في التأكد من سلامته وهو أمر يدل على اهتمامك الشديد بعملك والقضية التي تمثلينها، وبالطبع أشكرك على اهتمامك به لكن ذلك لا يعطيك الحق في تجاوز الحد مع خطيبته بالذات وادعاء أنك أقرب إليه منها.
لم تتغير ملامح سهام وهي تجيب ببرود:
-  آنسة ، ويمكنك مناداتي دكتورة لدي دكتوراه في علم ال...
لوحت درصاف بيدها في ازدراء واضح وقالت:
-  لا يهم
آنسة .. سيدة ...دكتورة أم جاهلة هذه مسميات تخصك وحدك عليك التزام حدودك معنا ربما تعاملك مع راغبي الهجرة غير المشروعة أنساك كيف تتعاملين مع الناس المحترمة .
وقبل أن تعطيها الفرصة للرد جاء صوت لينا تقول :
-تفضلي معي لقد أفاق شقيقك.
لمعت عينها بالنصر لتتجاوز سهام و تذهب مع لينا التي قالت :
- ملامحه ليست واضحة تماما وقد لا يتعرف عليك فورا لا تفزعي من فضلك حاولي إخباره بأي شيء ينشط ذاكرته نحن نريد معرفة مدى الضرر الذي أصابه .
كورت يديها و أغمضت عينها ثم قالت بألم :
-لا أعتقد بأني الشخص المناسب لهذه المهمة .

❈-❈-❈
في بلد أيوب

- توقفي عن البكاء أخبرتك أنه هو.
حسنا لا بأس اذهبي لتغسلي وجهك و اتصلي بي من عنده عندما يسمحون له بالحديث.
أغلقت مبروكة هاتفها لتقول لابنتها:
- ابني مرمي في سريره وحده في الغربة وأنا لا أستطيع حتى مكالمته.
أجابتها أشماس التي دخلت للتو:
-انتبهي لابنك الآخر فقد وقع في الفخ أخيرا .
جرت كرسي لتجلس عليه لتقول أفطيم باستفهام:
-عمن تتحدثين لا تقولي ذلك الأحمق علي لم يتحدث معي منذ أسبوعين ؟
وضعت جهاز مراقبة الأطفال في الشحن وردت:
- لماذا لا تتصلين به أنت ؟
ليس لديه وقت هذه سنة تخرجه لولا أني أبتزه بصور نوري لما أجاب على اتصالاتي، ثم لا ليس علي أنا أقصد عبدالخالق.
عقدت مبروكة حاجبيها وقالت :
- ما به عبدالخالق؟
لعبت حاجبيها وردت:
- رحمنا من العيون الملونة بالسوداء أم هي بنية يا ترى ؟
حركت أفطيم النسكافيه في الكوب بسرعة و قالت:
- ما به هو الآخر يا أم العريف.
مالت للأمام وقالت بصوت منخفض يدل على خطورة ما ستبوح به:
-  لقد رأيتهما معا  في الحديقة منذ قليل هو وهو نهى.
اتسعت عينا مبروكة و أفطيم لتصمت أشماس فتزيد من حماسهما ثم أردفت :
- تحدثت معه أمام الباب ثم ذهبت بل إنها رفعت يدها ووضعتها على صدره...
عادت للخلف مكتفة ذراعيها و تابعت:
- في الحقيقة لست متأكدة إذا كانت وضعتها عليه أم لا المنظر من النافذة لم يكن واضحا لكنه تأثر كثيرا بعد ذهابها هذا كان واضحا جدا.
عقدت مبروكة يديها أمام صدرها لفترة قصيرة ثم قالت:
- أنا أيضا لاحظت أنه يكثر من الذهاب لها بحجة عمل أفطيم وقد ادعيت التصديق لأنها لا تلائم ذوقه لكن مادام الأمر تطور لا يجوز أن نسكت أكثر من ذلك.
بحماس أجابتها أشماس:
- أتفق معك عمتي لا داعي للخطبة لنقم فرح بمجرد عودة رؤوف المنزل جاهز اقترح أن يبقى معك هنا رؤوف أيضا سيقيم هو وسنان في فيلا حارث .
وقفت من شدة الحماس وضربت الطاولة بيدها قائلة :
تعرفون ماذا... سنقيم فرحهما معا يا إلهي كم سيكون ذلك رائعا نعم نعم أفطيم ودرصاف أهل رؤوف وأنا أهل سنان ثم نذهب كلنا لنهى يوم الحنة .
توقفت تضع يدها أسفل ذقنها وأردفت:
- لحظة لا يجوز أن تذهب سنان معنا لحنة نهى صح يجب أن نخطط جيدا ربما نهى أولا ثم...
- هاي أنت توقفي قليلا من قال بأن نهى معجبة به أو العكس ربما هي فقط كانت تسأل عنا، توقفي عن نسج القصص في خيالك.
رفعت حاجبها و ردت:
-  البومة حبيبتي بدأت لا تكوني أفطيم إذا لم تجدي عظم في الكرشة ، أخبرتك بأني رأيتها بعيني الفتاة عاشقة له لقد أتت كي تهون عليه وربما تودعه أقسم بأنها أخبرته بحبها.
أشارت أفطيم لنفسها و ردت بصدمة :
- أنا بومة ؟
حركت أشماس كتفيها دون إجابة لتقول مبروكة :
- مع أني أحب تلك الفتاة جدا وأميل لها بل يكون ابني محظوظ لو ما قلته صحيحا لكن هناك مشكلة كبيرة تواجهنا.
قلبت أشماس عينها وقالت بملل:
- اسمعي عمتي لا تقولي يحب العيون الملونة وتلك السخافات، لقد سكتت المرة الماضية و تركته مع فرس النبي ذات المخالب الحادة حتى كادت تقتله.
ظهر على مبروكة عدم الفهم وهي تقول:
- من فرس النبي؟
أخفضت درجة الحرارة أسفل الحليب وردت أفطيم:
- تعني آلاء يا أمي ألا تعرفين أشماس و تشبيهاتها.
مرت موجة ألم علي عينها أسرعت تخفيها قبل أن تقول:
- حتى لو كان كلامك صحيحا والدة نهى لن توافق علينا أبدا.
شهقت أشماس بصوت عالٍ لتلتف أفطيم بحدة جعلت الحليب ينسكب على الغاز وقالت بعصبية :
- ولماذا ترفضنا؟
ممَ يشكو عبدالخالق كي ترفضه؟
تنهدت مبروكة وردت قبل أن تفتح أشماس المتحفزة فمها:
- منذ مشكلة نهي مع طليقك عندما أتت تشكو لي سابقا وقد لاحظت نفورها منا وهو أمر لا أستطيع لومها عليه وقتها خصوصا معرفتي بأشرف ودنائته .
شعرت أفطيم بجفاف حلقها لتبلع ريقها فصبت لها أشماس كوب ماء خصوصا مع تيبس أفطيم الواضح لها لتشرب منه فقالت أشماس بلين:
- الوضع تغير لا تنسي أنها زارتنا هنا كثيرا ، كما أن نهى تحب عبدالخالق أنا متأكدة .
تنهدت و أجابتها:
- صحيح أنها زارتنا وحاولت اتباع أصول اللباقة لكن مشاعرها لم تتغير لا ألومها فقد تعرضت وحيدتها للمضايقة بسبب ابنتي لكن..
قاطعتها أشماس وهي ترفع يدها في الهواء وتقول:
-ها قد جاء صاحب الشأن ، سيد عبدالخالق قررنا خطبة نهى لك ما رأيك ؟
أسند يديه لظهر الكرسي لتمر أكثر من دقيقتين كاملتين دون أن ينطق بكلمة الأمر الذي أربكهم فتبادلت أفطيم و أشماس النظرات بينما بدأ صدر مبروكة يعلو ويهبط بطريقة واضحة فنظر لهن وقال بنبرة غامضة :
-لا أريد خطبة .


❈-❈-❈

في الدولة الأجنبية

لم يسمحوا لهم بالدخول عليه بل أخذوه لغرفة متوسطة مع طبيب كبير في السن والطبيبة العربية التي تولت الشرح المبسط لهم بعد أن أنهى الطبيب شرح الحالة الطبية لرؤوف بمصطلحات طبية صعبة لم يفهموا معظمها.
بهدوء قالت لينا وهي تشير لمجسم مخ أمامها :
- لقد تلقى المريض ضربة قوية جدا أدت لشرخ في الجمجمة و رضوض في عظم الوجه، كما حدث له تورم تسبب في النوبات كما عرفتم سابقا.
نظرات الهلع الظاهرة على وجوه الجميع جعلتها تصمت قليلا حتي يستوعبوا المعلومات حتي قالت سنان بصوت مرتعش:
- لكنه بخير الآن ، لقد أفاق وسأل عن عمتي سمعته بنفسي.
بللت شفتيها و ردت:
- كما أخبركم الطبيب أعضائه أصبحت جيدة أعني هو الآن يتنفس وحده دون الحاجة لمساعدة الأجهزة وهو أمر مبشر جدا.
تركتهم يستوعبون ما قالته قبل أن تتابع ببطء:
- الحادث لم يترك آثارا خطيرة كما ظننا معظمها يتعالج في غضون فترة قصيرة لكننا نحتاج لمساعدتكم في بعض الأمور الخاصة بذاكرته.
تدخل إبراهيم الذي كان صامتا منذ بداية الجلسة قائلا بتوتر واضح:
- هل فقد ذاكرته؟
شهقت درصاف و امتلأت عينا سنان بالدموع الصامتة لتجيب لينا:
- ليس تماما، أعني هو لم يفقد ذاكرته بل فقد جزء منها كما نظن.
قاطعتها درصاف في غير صبر:
- هلا قلتِ ما لديك مرة واحدة فقد ذاكرته أم لا ثم ما مدى الضرر الذي أصابه ولماذا قمتم بمنعنا من رؤيته ؟
تبادل الطبيب النظرات مع لينا التي هزت رأسها قليلا دليل على قدرتها لتولي الأمور وقالت بعملية :
- المريض يعرف اسمه لكنه لا يتذكر ما حدث له ، هذا أمر ليس مقلقا معظم المصابين بحادث لا يذكرون تفاصيله.
ضربت سنان على الطاولة بقبضة يدها وهي تدفع كرسيها للخلف وتقف قائلة :
- مادام الأمر يحدث للجميع لماذا هذه المسرحية الهزلية ؟
ثم أنتم سمحتم لتلك المرأة بالدخول له قبلنا هل لي أن أعرف لماذا؟
كانت تتحدث بلغتها فلم يفهم الطبيب شيء لتجيبها لينا وهي تنظر للطبيب بمعنى لا تهتم:
- أولا السيدة سهام لم تدخل له هي فقط ذهبت مع الممرضة لتعطيها بعض المعلومات عن الحادث كي نحاول ربط الخيوط ببعضها بحكم أنها كانت حاضرة وقتها
وثانيا والأهم المريض لا يعرف في أي سنة نحن و لا يذكر متى وكيف وصل لهنا بل ظن أنه لايزال في وطنه الأم .
شحب وجه سنان لتجلس من جديد على الكرسي دون رد بينما قالت درصاف:
- هل نسي أكثر من سنتين من عمره معقول؟
أعادت لينا السؤال للطيب بلغته فقال باللغة الأجنبية موضحا حالته:
- لا لم ينسى كل هذا الوقت نعتقد أنه أصيب ببعض الفراغات الزمنية لا غير، ربما بكون معظمها اختياري، أي أنه يتذكر بعض الأحداث من شهرين مثل الإعصار الذي حدث في الجزر القريبة منا وهو أمر جيد طبعا .
خلل إبراهيم شعره محاولا تمالك أعصابه وقال:
- تعني بأن الذاكرة ستعود له صح أم النسيان سيستمر للأبد ؟
حرك رأسه لليمين قليلا ورد:
- بنسبة كبيرة جدا ستعود له ربما تأخذ فترة أطول مساعدتكم ستحدث فارقا كبيرا في إنعاشها .
تسللت الراحة لوجوههم ليقف الطبيب ويشير ويقول:
- حاليا هو مشوش أنصح بألا تخبروه عن شيء سيء كما أنصح بعدم تركه لوحده حتى يتعافى كليا عموما إقامته لن تطول معنا هو شاب ذو صحة ممتازة سيتعافى جسديا بسرعة .
تبادلوا النظرات لتقول درصاف بعد برهة :
- يجب أن نتصل الآن هي فقط من تستطيع إخراجه من ذلك.
❈-❈-❈

- لازلت غير مقتنعة بتبريراتك على الأقل عودي للعمل بقائك بين أربعة جدران سوف يصيبك بالاكتئاب حتما.
بشرود ردت منار في الهاتف :
- من قال إني أحبس نفسي في البيت؟
عدت للعمل مع الأطفال في الكنيسة .
أجابتها فتنة بسخرية :
- نصف ساعة كل أسبوع تعتبرينه عملا؟
أنا التي أتحرك بصعوبة أعمل بدوام كامل.
شهقت وردت:
- لازلت تعملين حتى الآن ؟!!
كيف يتركك هادي وأنت على وشك الولادة في أية لحظة ؟
خلعت حجابها لشعورها بالحر الشديد وقالت:
- الطبيبة نصحتني بالحركة لأني أريد ولادة طبيعية كما أن عملي ليس مجهد معظمه محصور في مكان واحد بل إني بت أشك بأن هادي طلب من مديري أن يقلل العمل عني تصدقين أني أعمل في نفس المشروع منذ شهرين.
بحنان أجابتها:
- ليحفظك الرب و يحفظ حملك تستحقين السعادة بعد كل ما عانيته أنا فخورة بك جدا أنت الوحيدة بيننا التي استطاعت الخروج من أخطائها لتصبح شخصا محترما .
انتابها شعور بالقلق مثل كل مرة تتحدث فيها معها، منار تخفي سرا كبيرا لابد أنه يخص زوجها وكعادتها ترفض الإفصاح عنه بحجة أنه لا يجوز بل محرم في أحيان كثيرة !
عدلت قميصها وكم ودت لو تخلعه ربما ترتاح من الحر المطبق عليها و قالت بحذر:
- تحدثت مع لينا مؤخرا؟
لم تسمع رد سوى صوت أنفاسها العالي لتردف:
- هي تزوجت حتى وإن كنا نرفض الطريقة والوضع لِكنهُ زوجها وهي سعيدة جدا علينا احترام قرارها ودعمها قدر الإمكان .
هدرت بها بغضب لا تعرف مصدره الحقيقي:
- أي زواج ذلك الذي تتحدثين عنه؟
زواج غير معلن ، بدون حقوق بل إنه غير مسموح لها أبدا بالحمل أو بالتلميح له لدرجة أنه لا يلتقيها إلا في الخارج في شقتها هي ماذا يسمي ذلك؟
بهدوء أجابتها فتنة :
- زواج على يد مأذون شرعي وهذا المهم لقد رأيت العقد بنفسي كما فعلت أنت صحيح لا نعرف متى وكيف حدث لكنها راضية ولينا ليست من النوع الذي يجري وراء قلبه لابد أنها حسبتها جيدا
ضحكت بسخرية و ردت :
- ماذا حسبت بالضبط؟
الغبية ليس لديها حتى مؤخر بحجة أنها ليست سلعة وأنا متأكدة لم تأخذ مهر أيضا
قاطعتها فتنة بغصة :
- ماذا فعل المؤخر لي؟
دفعت ثمنه مضاعفا لارتاح منه أم نسيت ؟
رغم شعورها ببعض تأنيب الضمير إلا أنها تابعت بحدة :
- ولأنك رخصت نفسك قام هو باستسهال الأمر وقتها انظري لهادي وكيف يقدرك لأنه تعب كي يصل لك، اسمعيني جيدا من يأتي بالرخيص يظل رخيصا طول العمر.
أغمضت عينها وردت:
- لست مقتنعة بكلامك الأمر ليس شراء وبيع كي يقيم بالمال ثم آسر يحبها وهي سعيدة الأمور الأخرى لا يحق لنا سوى نصحها فقط؛ دعك الآن من لينا ألن تأتي لتحضري ولادتي على الأقل ؟
تخلل صوتها حنان فطري وقالت:
- لا أطيق صبرا لأرى أطفالك تصدقين بأن أمي قاربت على الانتهاء من حياكة ملابس التوأم ؟
أرسلت لك جزء مع لمار كما أنها مصممة أن تقيم السبوع عندها هي متحمسة جدا لولادتك.
تندت عينها لتجيب بفرح:
-لا حرمني الله منها، هادي وعدني أن نعود عندنا أولا وبعدها نذهب لبلده كي يري أهله الأطفال وعد لن أقيم سبوع إلا في منزلكم لكن عليكم كتابة الاسم بطريقة صحيحة .
ضحكت منار أخيرا وردت:
- لا أستطيع نطق الأسماء عليك إرسال التهجئة الصحيحة كم أشعر بالشفقة عليهما منذ الآن .
أسبلت فتنة أهدابها ومررت يدها على بطنها المنتفخة وهي تقول بفخر :
- بالعكس أنا أشعر بالفخر أولادي سيحملون أسماء أجدادهم ليكونوا مميزين مثل والدهم.
هزت منار رأسها دون رد لتستمر ثرثرتهما بعدها حول أسماء الأطفال ومعانيها الأمر الذي هون عليها كثيرا و أنساها لفترة مأساتها مع طفل قادم تتحمل بيدها مصيره المجهول
❈-❈-❈



لم تنتظر حضورهم ولم تهتم بالتحذيرات يكيفها حذرها السابق و ما عانته في بعده بسببه، يكفي تخاذلا و خوفا من ردة فعل باتت تعلم بأنها لن تكون مؤلمة بقدر بعده عنها
أخذت نفسا عميقا ودخلت مغلقة الباب خلفها لتقترب منه بسرعة تسابق ترددها ليكون أول وجه مألوف يطالعه؛ رفعت يدها تحتضن سلسال برقبتها واقتربت أكثر حتى باتت على بعد خطوة فتحت شفتيها دون أن يخرج منها صوت أول مرة أو ربما هي لم تتحدث بل هيء لها لتضمهما وتعود لفتحهما قائلة بصوت خرج محملا بأشواق خجلة :
- رؤوف... افتح عينك هذه أنا سنان.
تعالى ضرب نبضاتها فلم تعد تسمع شيئا غيرها لتركز على شفتيه المشققة لتعرف إذا تحدث أم لا، فلم تلاحظ في البداية أنه فتح عينه ببطء شديد ليغمره ضوء ضرب برأسه فأصابه بصداع ليعيد إغلاقها ثم ازدرد ريقه فاتسعت عينها وعادت للقول:
- رؤوف هل تسمعني؟
افتح عينيك أرجوك
بصعوبة قاوم الأمواج العاتية التي تضربه بقوة لتعيده لقاع المحيط بقوة
صوتها هو الذي تخلل تلك الأمواج ليسحبه للأرض الصلبة من جديد وهذه المرة ميزه جيدا ليتحامل على ألمه ويجاهد محاولا رفع يده أولا ليحجب عن عينه الضوء،
لم يكن الأمر سهلا فيده لم تستجب بسلاسة بل كان مثل الذي يحمل عصا من فولاذ وزنها أضعاف وزنه؛ وقد لاحظت سنان أنه يرفع يده ببطء وربما صعوبة لتسرع وتمسك بها قائلة :
- تؤلمك؟
أنادي الطبيب ليفحصك ؟
فتح عينه و أغلقها عدة مرات قبل أن تتضح صورتها أمامه
سنان
غزال البيت
عينها تضخ قلق...خوف...جزع.... والأهم حب
لا يدري إذا كان قادرا على الابتسام أم لا لكنه شعر بقلبه يبتسم وسط كل ما حدث خصوصا وهي ممسكة بذراعه بتلك الطريقة الطفولية كأنها لم تكبر يوما واحدا ، حاجباها منعقدان في هلع وهي تتمتم بشيء لم يفهمه في البداية ليحاول التركيز فوصل صوتها لشغاف قلبه:
- رؤوف تسمعني، قل إنك بخير أرجوك ، كنت متأكدة من عودتك لي الجميع ظنوا أني مجنونة لكن قلبي أخبرني بأنك لن تتركني، يا إلهي كم دعوت الله ليل نهار أن يحفظك ويعيدك لي سالما أخيرا عدت لي و..
حرك أصابع يده لتسكت فجأة ونظرت له وقد تسلل لها هاجس خبيث بأنها أخطأت وأنه ليس رؤوف لثوانٍ قبل أن ينطق أخيرا بصوت ضعيف :
- أريد ماء ....غزال البيت

في خارج غرفته قال إبراهيم بصرامة في مكالمة الفيديو :
- شكله مختلف ذلك بسبب العمليات والإصابة لا أريد شهقات أو أن يظهر على إحداكن التأثر مفهوم.
غطت مبروكة وجهها بيدها وبدأت في البكاء لتأخذ أفطيم الهاتف منها وقالت:
-ما مدى الضرر الذي أصابه هل هو دائم أم يمكن علاجه؟
أجابتها درصاف:
- أرسلت لك نسخة من التقرير الطبي على البريد الإلكتروني كي تعرضيه على أطباء عندك أعتقد أنه يحتاج لمتابعة نفسية فقد لمح طبيبه بأنه مصاب باضطراب بعد الصدمة ومن تجربتي أصبحت أفضل الأطباء العرب عن الأجانب في الجانب النفسي خصوصا .
أومأت لها لتأخذ أشماس منها الهاتف وتركز في الشاشة قائلة :
- دعيني أتحدث معه أولا لن أتهور مثل عمتي فقط سأرفع ضغطه، هيا اذهبي لغرفته.
وصلت درصاف غرفته فعلا لتقول بهمس:
- أشماس أرجوك لا تخذليني كاد يغمي علي عندما رأيته أول مرة .
أ غمضت عينها ثم فتحتهما وقالت بمرح:
- أنت ابنة العاصمة رقيقة لست مثلك.
دخلت الغرفة وهي تقلب الهاتف لتكون الكاميرا موجهة ناحية سرير رؤوف، في البداية لم تتبين ملامحه حتى اقتربت درصاف أكثر ، كان رؤوف نصف جالس بجانبه سنان التي أخذت الهاتف منها ووجهته لرؤوف
لم يكن رؤوف بل شخص آخر نصف وجهه ملفوف بضمادات طبية بيضاء و النصف الآخر منتفخ لدرجة أن عينه عبارة عن نقطة صغيرة جدا؛ رغم صدمتها التي جعلت مبروكة تضع يدها في فمها كي لا تصرخ عندما رأت شكله إلا أنها قالت بنفس المرح المصطنع:
- إذن سيد رؤوف أين كنت تتسكع كل هذه المدة ، كادت الفتاة أن تجن بسببك .
رفع حاجبه الظاهر ورد باستهزاء رغم ضعف صوته:
- أقيس غلايا عندكم.
رفع مقلتيه نحو سنان التي تحول وجهها للون الأحمر فردت أشماس وقد اطمأن قلبها:
- لعلمك لم نهتم نحن فقط كنا نريد إسكات سنان وعمتي و عبدالخالق وحارث وسفيان و..
أخذت منها مبروكة الهاتف وقالت بحنان جارف:
- بني قرة عيني حمدا لله الذي أنعم علي برويتك قبل أن يأخذ أمانته ليتني أستطيع الذهاب إليك يا حبيب قلبي.
بدأ صوتها في التحشرج لتأخذ منها أفطيم الهاتف وتقول بسعادة :
- رؤوف كيف حالك اشتقنا لك كثيرا لا تهتم لأمي هي دائما تبكي تعرفها أكثر مني.
حاول ترطيب شفتيه لتمد له سنان كوب الماء بشفاط فشرب منه قليلا ببعض الصعوبة لتتناثر قطرات على شفتيه فأسرعت تمسحها له لتأخذ منها درصاف الهاتف ولم ينتبه أحد ليزيد الذي كان يقف خلف سنان يتأمل رؤوف باستغراب شديد
رفعت أشماس حاجبيها وقالت بحنق:
- سنان توقفي عما تفعليه لست ممرضته الخاصة ثم أين يزيد لماذا لا أسمع له صوت.
عاد وجه سنان للاحمرار بشدة ليتدخل إبراهيم يأخذ الهاتف من درصاف قائلا:
- لقد اطمأننتم عليه و الآن دعوه يرتاح وعندما يصل عبدالخالق سوف يتحدث معك مرة أخرى إلى اللقاء.
اقتربت منه درصاف بخوف واضح تحمل يزيد كدرع حماية تختبئ خلفه وقالت:
- حمدا لله على سلامتك أخي هذا يزيد ابني تذكره.
أغلق عينه ولم يجبها فأخذته منها سنان وقالت :
- لابد أنه نسيه حتى زيزو لا يذكره لأن رؤوف لم يكن في البيت وقت الحرب أعني أتى بعد...
قطعت كلامها كي لا تقلب المواجع على الجميع ليعم الصمت برهة حتى قال يزيد وهو يشير لضمادات رؤوف:
- "ديدي"
بحنان أجابته سنان:
- نعم هو مصاب وهذه "ديدي" لأنه لم يسمع الكلام وترك سنان.
رفع لها يزيد حاجبيه في ذهول لتقول درصاف معاتبة :
- توقفي عن زرع تلك الأفكار في عقله.
مدت يدها تأخذ ابنها و تخبره بحنان:
- لا يا حبيبي خالك لم يتأذى بسبب سنان تعال سوف أخبرك .
خرجت بعد أن ودعت رؤوف دون أن تقترب منه أو يجيبها
أما إبراهيم فقال محاولا التظاهر بالقوة:
- حمدا لله على سلامتك يا بطل اليوم يصل عبدالخالق مع أوراقك الرسمية لا تقلق بهذا الشأن تعافى فقط.
التفت لسنان وقال:
- لندعه يرتاح الآن وأنت أيضا تحتاجين الراحة هيا بنا.
لم تستطع الرفض خصوصا أن ملابسها تلوثت بفعل يزيد و تحتاج لتغييرها لتقول وهي تدعي تعديل المخدة :
- تحتاج لشيء أحضره لك معي سوف آتي مع عبدالخالق.
هز رأسه ببطء يعني لا الأمر الذي أحبطها كم تمنت لو يطلب بقائها، تلكأت خطواتها وهي ترى سهام تندفع للدخول له بلهفة واضحة وقد أشرق وجهها لتصبح أكثر جمالا لتتسمر أمام الباب مع صوت وصل لها كقذيفة فتتت قلبها لأشلاء صغيرة
صوت رؤوف الواضح يقول بنبرة رفضت تفسيرها:
- سهام.

❈-❈-❈
في بلد أيوب

حصاد السيلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن