الفصل العاشر

33 2 0
                                    

الفصل العاشر

منذ بداية الليلة وهو يراقبها بحذر، الأمور تسير ضده بطريقة غير طبيعية خصوصا مع حارث !
كيف سيتمم زواجه منها بهذه الطريقة لا يعرف .
تنهد ليبحث عنها بعينه فوجدها تقف متكئة على العصا الطبية بجانبها أشماس مادة يدها لعبدالخالق الذي يظهر بوضوح غضبه من شيء ما ، أسرع ناحيتها محاولا استغلال الموقف ليرطب الأجواء بينهما
فوق المسرح مدت أشماس هاتفها لوجه عبدالخالق و نهى قائلة في ابتسامة واسعة :
- سنان صنعت لكما كروت دعوة إلكترونية عليها صورتكما  وضعتها في منزلك نهى .
كانت صورة نهى من دون حجاب وعبدالخالق بقربها كأنه يحتضنها ، ضيق عينيه وقال بنبرة مرعبة رغم انخفاضها:
- امسحي الصور كلها من هاتفك الآن أشماس لا مزاح في هذا الأمر .
لوت شفتيها و أخذت هاتفها لتفعل ما يريد و هي تجيبه :
- قفل مصاب بالصدأ ، بدأت أشعر بالذنب تجاهك نهى أنا أكثر من صممت أن تتم هذه الزيجة.
التفتت نهى تنظر لعبدالخالق و قالت ببطء :
- أنتِ أكثر من صممت؟!
لتجيبها متداركة الموقف:
-أعني وافقت أن تأخذوا صالتي لفرحكم ، تعرفين كان من المفترض أن يكون اليوم حفل سبوع نوري والآن تأجل إلى أجل غير مسمى .
بنظرات صارمة عبدالخالق قائلا :
- عودي لابنك أشماس لا نريد صحبتك البهية وخذي معك سنان أيضا .
لتضع سنان يديها على قلبها وتقول في تمثيل :
- قلبي الصغير تحطم ، كيف هنت عليك عبادي .
ضحكة صغيرة خرجت من فم نهى ليلتفت لها محذرا بعينه فأسبلت رموشها الكثيفة لتلين ملامحه ، فقالت سنان بصوت مرتفع :
- الصورة عندي وهي ليست الوحيدة .
ثم حركت شفتيها دون صوت باسم عبادي لتجرها أشماس في نفس الوقت قامت نهى بوضع يدها على ذراع عبدالخالق قائلة في رقة :
- لا تشغل بالك بها سأقوم بنفسي بمسحها بعد أن أنقلها لهاتفي .
ركز النظر في شفتيها ثم أبعد عينه ورد :
- لماذا وضعت زينة كثيرة تعرفين أني لا أحبها .
شبكت أصابعها في أصابعه محدثة تيار كهربائي لذيذ به و أجابت :
- يقولون أني عروس اليوم ثم أنا ملتزمة بكل تعليماتك لا رقص لا ضحك بصوت مرتفع لا صور مع أقاربي الشباب وحدي و لم أسلم على أي رجل... ماذا تريد أيضا عبادي .
بلع ريقه بصعوبة ورد بتلعثم :
- قلت لك لا أسماء دلال .
قربت وجهها منه تهمس :
- هذا قبل أن أصبح زوجتك الآن أصبحت ملكي حبيبي مالك قلبي رجلي ..
وضع يده الحرة على فمها وقال :
-أعيدي هذا الكلام بعد أن نصبح وحدنا .
زمت شفتيها و أبعدت وجهها رادة في لوم :
- بدلا من أن تقول أحبك نهى ؟
لا أصدق أني وافقت على الزواج دون أن أسمعها منك .
أخفض صوته مجيبا :
- كلمات الحب مثل القهوة كلما صبرتِ عليها زادت حلاوتها .
كم تمنت أن تحتفظ بتلك اللحظة للأبد ، لحظة اعترافه المبطن بحبه لها ، لا لن تفعل فهذه البداية فقط والقادم سيكون سيل من الاعترافات بعشقه الذي وصلها دون أن ينطق لسانه .

كعادة اللحظات السعيدة تم قطعها وكان صاحب الفضل خالتها صفية التي خرجت لها في البخت مع زوجها متولي!
شدتها لتقف لتأخذها بالأحضان وهي تزغرد قائلة :
- ألف مبروك يا حبيبة خالتك ، هذه دعواتي لك كي تعرفين فقط عندما تأكد خطيبك أن وراءك سند قرر أن يتكفل بكل شيء ولا يجعل والدك يدفع قرشا واحدا هذه هي الزيجات يا إما فلا .
رمشت نهى عدة مرات محاولة استيعاب كلامها لتنقذها والدتها التي انضمت لهم فوق المسرح تربت على يد صفية وهي تقول :
- آنستينا يا صفية تفضلي سيقدمون العشاء بعد قليل .
اعترض متولي :
- لا والله علينا أن نأخذ صورة مع ابنتنا وعريسها أولا .
بدأت المصورة في أخذ الصور مع انضمام ناصر ونديم لهم وسط تذمر عبدالخالق الواضح
قبل أن يصعد رؤوف للمسرح أوقفته مبروكة قائلة :
- لقد أوصيت لك بشوربة و بطاطا مهروسة كي لا تتعبك اجلس هناك كي يجلبها لك النادل .
أشارت لطاولة في جزء مخفي وراء عامود مزين ليجيبها بسخرية :
- الطفل الفاطر في رمضان يأكل بعيدا عن أنظار الجميع .
ضربته بخفة على يده وردت:
- هذا لأنك لم تسمع كلام أفطيم و تذهب لطبيب الأسنان لتعالج فكك ، لا أعرف ماذا حدث لك تعاند الجميع كأنهم أعداؤك .
مال يقبل رأسها وقال :
- سأذهب عمتي أعدك ، الألم زاد عن حده ويجب علاجه من جذوره .
نظر ناحيتها ليجدها تجلس بقرب جمان تتحدثان في أمر ما ، لن يقترب الآن فهو لا يستسيغ جمان لسبب لم يفهمه بعد سيراقبها حتى تبتعد أو تقف سنان ليقوم بخطوته تجاهها ، لمح علاء يجلس وحده لينضم له متجاهلا الرسائل و الرنات المتتالية من سهام

❈-❈-❈
في الدولة الأجنبية

أغلقت الملف و قالت بحزن :
- لا أصدق ما قرأته من أقوال الشهود، كيف يعيش هكذا وحوش بيننا دون حساب.
رد هادي بهدوء:
- أهلا بك في الواقع المرير جوليا ، هذا الأمر يتم منذ سنوات طويلة ولا أعتقد بأنه سينتهي قريبا.
وضعت لمار قنينة ماء أمام جوليا وقالت :
- أستغرب طريقتك في الحديث كأنهم يتاجرون في قماش أو رمل وليس بشر لا بل أطفال البعض منهم لايزال رضيعا ألم ترزق بأطفال من مدة قريبة ؟

رد بنفس الهدوء :
- عليّ أن أكون واقعيا الجميع يظن بأنه يعرف كيف يحمي أولادة ، هل تظنين بأن آباء الأطفال الذين تم خطفهم وقتلهم فكروا لثانية واحدة بأنهم يدفعون أموال كي يسلب منهم أطفالهم ؟
كلهم جمعوا أموال بالحفر في الصخر والبعض منهم اقترض واضعا على نفسه ديون كبيرة ويتنازل عن ممتلكاته في وطنه ظنا منهم بأنه يشتري الأمان لأولاده؛ لأني أصبحت أب بت أكثر تفهما لتفكيرهم وأقل لوما لهم .

بغير اقتناع ردت جوليا :
-حتى لو كانت بلادهم تعاني من الفقر و الجهل أو الحرب هذا لا يبرر هجرتهم بهذه الطريقة، لو كان الوضع سيئا جدا لماذا لا يطلبون اللجوء في الدول العربية أفضل ؟
بحدة ردت لمار :
-لا يحتاجون لطلب ذلك فهم مرحب بهم في أي دولة عربية بل إن أصحاب الأرض يعطونهم البيت ويبقون هم على العتبة من كثر كرمهم.
بسخرية أجابتها :
- من كثر الكرم فضلوا السفر في قوارب الموت !
تدخل هادي مانعا الأمر من التحول لمشكلة نسائية:
- سياسا معظم الدول العربية لم تنل استقلالها إلا منذ مدة قريبة و أعني بذلك سنوات لم تتجاوز السبعين سنة وأقل ، هذه الدول احتاجت للكثير كي تعيد ترتيب وضعها و و وضع نظام يثبت الملكية للمواطن بعد نزع الأرض من المستعمر وطبعا لا تنسي أمر احتلال فلسطين الجاري حتى الآن والذي جعل الكثير من الدول العربية تصدر قوانين بعدم بيع الأراضي للأجانب أو تملك حصص فيها حتى لو كان مجرد مستثمر من ضمنها وطني ، قاطعا الطريق لعودة الاحتلال .
ردت جوليا بنفاذ صبر :
- قبل أم بعد الربيع العربي ؟
لقد عادت شركاتنا بقوة بل هناك قانون يدرس لرفع قضايا ضد دولتك من أجل التعويض عن البيوت التي أخذت منا قبل طردنا من بلدك .
وضع قدميه فوق الطاولة ورد بابتسامة واسعة :
- تقصدين تشحذون منا كعادتكم !
احتقن وجهها ليكمل متجاهلا لتعابيرها:
- عودة لحديثنا، بسبب ما ذكرته أصبح التوطين أو إعطاء اللجوء صعب هذا بالإضافة أن المساعدات التي يأخذها اللاجئين في أروبا وأمريكا وهي الحافز الأكبر لهم تكون مدفوعة من صندوق النقد الدولي والأمم المتحدة معروف من يدفع يعني ، لكنها ليست متاحة لمعظم الدول العربية في بند اللجوء بحجة أنها ليست آمنة .
ضغطت لمار على عينها وقالت:
- بغض النظر عن الدرس الرائع لم أفهم بعد لماذا توقف التحقيق هل لسفر سهام يد في ذلك ؟
ردت جوليا :
- ربما سفر قريبك أيضا ألم يكن هو من اكتشف الأمر من بدايته ؟
زفر و أجابها :
- لا أعرف ، رؤوف لا يذكر شيء من الحادث أبدا سهام فقط تعرف و سفرها رغم أنه من المفترض غير مؤثر لكنهم استغلوه ليشككوا في أقوالها مع باقي الشهود .
لتقول لمار بصرامة :
- عليها العودة فورا، الأمر لا يحتمل أي مجازفة.
هز رأسه وقال :
- أتفق معك يجب أن تعود حتى لو رغما عنها

❈-❈-❈
في بلد أيوب
حفل الزفاف
صوت تصفيرة من فم علاء جعلت رؤوف يلتفت لينظر باتجاه ما ينظر له وهو يقول :
- ما هذا الصاروخ الذي دخل علينا ؟
لا أعتقد أنها من معازيم العريس .. ولا العروس أشك أنها تتبع زيزي .
وقف مصدوما مما تراه عيناه ، سهام تدخل القاعة مرتديه فستانا أحمر بكتف واحد و فتحة كبيرة في الجنب يلتصق بجسدها مظهرا انحناءاته المغرية بكل سخاء
أسرع باتجاهها وهو يفكر في شيء واحد فقط ، يجب أن يخرجها من القاعة قبل أن يراها أي شخص من عائلته خصوصا سنان .

لا يذكر ماذا قالت أو حتى تبريرها لدخولها القاعة رغم أنها غير مدعوة حسب علمه ليأمر بالجلوس على إحدى الطاولات ليجلب لها طبق الطعام وبعدها سيجبرها على الرحيل على الأقل لن يكون الأمر محرجا لها ولا مهينا لسنان بل قد يجبر الأخيرة أن تتحدث معه طالبة تفسيرا لحضورها الفرح خصوصا وأنه لم يخبر أحدا بقدومها حتى من خمن مثل أيوب و سفيان لم يعطه إجابة وافية ؛
أسرع يجلب الطبق ويتجه ناحية طاولتها وهو يقنع نفسه بتلك الكلمات فلم يجدها انتابته نوبة تشبه الهلع ليرفع رأسه باحثا عنها لكنه لم ير شيئا فقد تداخلت الصور في رأسه مع علو صوت الأغاني ليجد نفسه فجأة في مكان آخر تماما ؛ في شقة لا غرفة نعم غرفة سليمة في منزل جده عثمان ، صوت موسيقى كلاسيكية دون صوت خاصة برقصة (الفالس) أتاه صوت سليمة يقول :
- رؤوف توقف لا تضحك علي ، أرني كيف ترقص معها أولا .
أغمض عينه وفتحها محاولا التأكد من الصورة التي في ذاكرته فهو لم يتبين ملامح تلك التي تشير لها سليمة طالبة منها الرقص معها
رائحة نفذت لأنفه أنعشت ذاكرته ، رائحة يعرفها جيدا بل إنه يحبها نعم هي رائحة زهرة اللافندر ، ابتسامة حالمة سكنت شفتيه مع زيادة في دقات قلبه خاصةً عندما بدأت ملامح الفتاة تظهر شيئا فشيئا ، شعر قصير ناعم ذو التواء بسيط زاده جمالا، صغيرة السن حلوة الملامح خجلها حول وجهها للون الأحمر القاني رغم أنه جعل مسافة بينهما ولم يلتصق بها كما هو مفترض في هذه الرقصة لدرجة أن عمته سليمة قالت عاقدة الحاجبين :
- يمكن لشخص ثالث أن يرقص بينكما ، لن أرقص هكذا مع إبراهيم أريد الطريقة الصحيحة .
تراجع للخلف خطوة ثانيا إحدى يديه خلف ظهره و مد اليد الأخرى لتتلقاها غزاله بخجل ثم عاد خطوة أخرى لتفعل مثله ليعود للأمام بخطوة واسعة تساوي خطوتين مقربا يديها من قلبه و أعاد الكرة قبل أن يرفع يده الممسكة بخاصتها ويجعلها تدور حول نفسها كلاعبة باليه محترفة ليضع يده الأخرى تحت إبطها وقال بسعادة :
- ضعي كفيك فوق كتفي ، أم أنك قصيرة ولن تصلي له .

فوق المسرح لم يتوقف المعازيم عن التوافد للتصوير مع العروسين كأنهما طفرة استثنائية يجب توثيقها قبل اختفائها، أجبر نفسه على الابتسام وهو يهمس من بين أسنانه:
- آخر صورة لا يهمني إذا كان ابن خال عمه الذي رضع مع عمتك في زمن الهكسوس مفهوم .
أجابته بصوت خفيض:
-لا تقلق بعدها سأتصور مع صديقاتي فقط ، لكني لم أتصور مع والدتك يجب أن تطلب من أهلك القدوم للتصوير معنا أيضا .
التفت يبحث عن أحدهم ليناديه ليصطدم بمنظر جعله يخرج كل الغضب المكتوم ليترك نهى مصدومة هي الأخرى من المنظر لكنه التفتت للمعازيم الذين بقربها تبتسم محاولة إلهائهم عن عبدالخالق وقد توقعت وقوع كارثة لا محالة

انتفض بقوة عندما وجد عبدالخالق أمامه يصرخ بغضب وصوت صارم :
- لم أدعوك لفرحي و لا يشرفني أن تكوني به تفضلي للخارج باحترام إذا كان لديك بعضا منه أم أجعل العمال يرموك محمولة قدم وساق .
ثم التفت له و تابع بنفس النبرة :
- واضح أنك فقدت أخلاقك مع ذاكرتك لتسمح بهذه المهزلة أمام أمي و الخالة تفاحة علينا وضعك في مصحة ربما يعود لك بعض من تعقلك .
شعر بأن هناك من يضغط على رأسه بقوة شديدة ليمسك جبهته بيده غير قادر على تفسير كلمات عبدالخالق ، لماذا ينعته بقلة الأخلاق ماذا فعل ؟
أضاءت لمبة صغيرة في مخه ليشحب وجهه ويبعد يده ينظر في خوف حقيقي ، هل علم بفعلته الدنيئة مع سنان ؟

❈-❈-❈
منذ صغر سنها وهي تعرف جيدا مميزاتها، مميزات جعلتها تدرس و تعمل في أهم و أخطر عمل قد تقوم به فتاة عربية، واجهت الكثير من الاعتراضات والعراقيل بل عقبات و حروب ليس لشيء إلا لأنها فتاة عربية
لتتجاوزها كلها بفضل ذكائها و ثقافتها وقدرتها على تحمل ظروف العمل و الأهم ، أكثر ميزة بها هي جرأتها !
إن كان الكثيرون يظنون الجرأة عيب فهي طوعتها لتكون قوة لديها ساعدتها لتجلب الحقوق للكثير من اللاجئين و تساعد من تم القبض عليهم بحجة التسلل وغيرها؛ هذه أول مرة تستخدم جرأتها التي نمت عبر سنوات عمرها في شيء يخصها كأنثى ؛ تعلم طبيعة رؤوف المتحفظة قليلا لكنه أبدى بعض المرونة في الفترة الأخيرة مما جعلها تفعلها بقلب قوي ، مشكلتها كانت ماذا ترتدي وقد حلتها جيهان بسهولة
الأمر الوحيد الذي لم تحسب حسابه هو رد فعل قبيلته الهمجية ، ذلك الجلف قام بدفعها بل تهديدها أمام ناظرى رؤوف الذي لم يتخذ أي موقف بل بدا متجمدا كأنه صنم !
- هل أنت بخير؟
نظرت باتجاه الصوت لتجد إبراهيم فعدلت شعرها وردت :
- ابن أخيك هذا متخلف يمكنني مقاضاته لا تنسَ أني أعمل في منظمة عالمية .
ركز عينه عليها ورد :
- هل اعتدى عليك عند أدائك لعملك ؟
أم حاول اعتراضك والدخول لغرفتك لا سمح الله لأخذ أوراق مهمة ؟
أنت من دخلت فرحه دون أن يقوم بدعوتك حسب علمي .
بحدة قالت:
رؤوف دعاني أعطاني كرت شخصي للحضور ، كيف تظن بأنهم أدخلوني للصالة؟
أجابها ببرود مستفز :
- هذا ليس فرح رؤوف لا يحق له دعوة شخص دون الرجوع للعريس، أعدك في فرحه سأذكره أن يدعوك.
شمخت بأنفها وخرجت من الصالة بنفس الثقة التي دخلت بها ، لتشتعل عينا إبراهيم وقد تأكد من صاحبة الفستان


❈-❈-❈
بدا المنظر له كساحة حرب بدأت النيران تتطاير في الأجواء معلنة عن انفجار قريب حتمي ، سهام تتجادل مع إبراهيم
عبدالخالق يهدد رؤوف وقد وصل صوته لطاولتهم
أشماس تقف موجهة أسلحتها لسهام بجانبها درصاف
أفطيم تحاول إلهاء والدتها التي رأت كل شيء ليتغير لون وجهها
حارث يراقب بصمت مخيف جعله يرتعد شخصيا مما يفكر به
والأصعب من شق قلبها سنان !
ليسرع باتجاههم فلحق به سفيان الذي جذب عبدالخالق يهمس في أذنه بينما أخذ أيوب رؤوف لخارج الصالة ليصعد به لغرفته التي كان ينوي قضاء الليلة بها مع أشماس

بصوت خفيض قال سفيان لعبد الخالق :
- تعال لتتحدث مع أمك أشعر بأنها سيغمي عليها .
لم يكن في حالة تسمح بالجدال لذلك نفذ لتقوم مبروكة باحتضانه بمجرد أن اقترب وتبدأ في البكاء ، ربت على كتفها لتقول تفاحة مدعية الغباء :
دموع الفرح يا حبيبي تعرف الأمهات تعال لأحتضنك أنا أيضا .
لو كان ظرفا عاديا لما قبل لكن جزء منه يحتاج لبعض الدعم حتى لا يخرج غضبه على نهى فهي لا ذنب لها ، لذلك مال يحتضن جسدها الممتلئ ثم قبل رأسها وقال بصوت حاول جعله عاديا :
- تعالوا لنأخذ صور تذكارية معا .
أبعد كرسيها للخلف لتقف وهي تجيبه :
- طبعا يا غالي تعالي مبروكة و أنت هالة اخبري الفتيات ليصعدن هن أيضا لا يجوز تركه وحده وسط أهل نهى كأنه مقطوع من شجرة ، استغلوا كوننا نخجل من الاختلاط فاستأثروا وحدهم بالصورة هيا أنت وهي لا حجج مفهوم .
هزت هالة رأسها و قالت هامسة لزوجها:
- أقسم بالله عمتي هذه غير طبيعية لابد أنها أصيبت بمس تشتم أهل بلدها !
أبعد لها حامد الكرسي و رد :
- أين الشتيمة أنا لا أراها تعالي لنأخذ صورة وتوقفي عن حرب البلاد هذه تذكري أنها أخت والدك .
ضربت أشماس بيديها على طاولة الفتيات وقالت بنبرة آمرة :
- إلى المسرح الآن ، جمان عدلي لها زينتها.
ثم التفتت لتجد علاء يجلس مع هاشم لتشير لهما وعندما اقتربا منها قالت بنفس النبرة :
- ذاهبة للمسرح ابقيا هنا مع الأطفال ، علاء لا أريد إحدى حركاتك إذا فكرت في ترك الأطفال والذهاب إلى مكان لن تشرق عليك شمس .
بصوت خفيض قال علاء :
- ألم أقل لك انفد بجلدك لعلمك هي لا تهدد بل جادة جدا .
أخذ هاشم يزيد ورد :
- تفضلن ولا تقلقن بشأن الأطفال أنا و علاء سنهتم بهم حتى تعدن .
شعرت بأن قدمها شلت وليس مجرد التواء لدرجة أنها كانت تتكئ بالكامل على أشماس مع عصاها الطبية .
حاولت المصورة جعلهم يبتسمون ويأخذون وضعيات جميلة للتصوير إلا أن عيونهم كانت تفضحهم ، الحزن الظاهر فيها،فقد طغى على فرحتهم بعبدالخالق ؛ حاول علي تغير الأجواء و إضافة بعض المرح بإطلاق نكاته ضحكوا عليها مجاملة لا غير، اقترب عبدالخالق من سنان و قبل رأسها قائلا :
- لو اقتضى الأمر سأكسر رأسه حتى يعود لرشده .
ابتسمت و بلعت غصتها وقالت بمزاح كاذب :
- نهى عليّ الاعتراف لك بأمر ، زوجك الوسيم هذا كان من ضمن قائمة المرشحين لدي لولا أنه رآنى بالحفاض لما تركته لك .
ضحكت نهى وردت :
- لا حبيبتي عبادي لي لوحدي لا تستطيع أي أنثى أخذه مني .
أسبلت رموشها و ردت في حزن :
- صدقيني فرق السن وتلك الصور هي السبب و إلا ما فلت مني صحيح عبادي .
أخرج صوتا جازرا لتقول أشماس:
- حلوة عبادي من نهى فقط صح ؛ هيا بنا سيطردنا بعد قليل.
لوحت بأصابعها و ردت :
-عبادي .
ليقول لها بصرامة :
- قوليها مرة أخرى و سترين .
لعبت حاجبيها و ردت :
- اليوم فقط لأنك عريس .
نزلت من المسرح ليشعر ببعض الراحة لتمسك نهى بيده وتقول بغيرة :
- كم معجبة لديك سيد عبدالخالق واضح أنك كازانوفا زمانك و أنا لا أعلم .
عاد معها للكرسي المخصص لهما ورد :
- ننتهي من هذه المهزلة و أخبرك بكل القصص بالتفصيل الممل ، فأنا أحب التفاصيل جدا جدا .
لا تدري كيف انتهى ذلك الفرح أخيرا المهم أنها استطاعت تمالك نفسها وعدم إفساد الأمر على عبدالخالق فهو لا يستحق، أخيرا وجد السعادة كون رؤوف اختار اليوم بالذات ليعلن أمام الجميع عمن اختارها قلبه ليس ذنب الأول عليها إخفاء جرحها أمام الجميع كما فعلت لسنوات دون أن يشعر بها أحد .

بدأت الزفة من جديد ليخرج عبدالخالق متأبطا ذراع نهى من خلفه فايزة و مبروكة التي أجبرتها تفاحة أن تتبعه بدلا من الجلوس مولولة بشأن رؤوف.
ليلحق بهم مجموعة من المعازيم على رأسهم صفية ومتولي بالطبع
بحدة قالت أشماس:
- هيا لنعود للمنزل سنان تحتاج لمكان هادئ وحدها أ..
قاطعتها أفطيم :
- إياك أن تفتحي سيرة قصتك مع أيوب وتقولي خيانة وغيرها، كلنا نعلم الحقيقة ورؤوف وضعه مختلف.
تخصرت وردت :
- طبعا مختلف لا يوجد أي مقارنة بينهما يكفي حركاته مع معدومة الأخلاق أمام الجميع كأنه في ملهى ليلي .
همس سفيان في أذن أفطيم لتأخذ حقيبتها وتذهب معه دون الالتفات لأشماس التي عادت حيث تجلس سنان وقالت برقة :
- هيا نعد للبيت لدينا .
ليأتي علاء و يقول :
- أيوب طلب مني إعادتك للبيت لقد أخذ حارث و قال أنه ينهى أمور الصالة ثم سيعود متأخرا على الأغلب ،
اقتربت درصاف غير قادرة على أخذ موقف محدد لتقول سنان :
- أريد جمان معي .
أومأت لها أشماس لتقول درصاف :
- سأعود مع عمي .
لم يكن الموقف يتحمل مجاملات لذلك لم يعارضها أحد فقط أشماس قالت :
- اخبري عمتي بعودتنا و أن جمان معي أيضا .
انتظر خروج أشماس و من معها ليقترب و يجر لها كرسي فجلست عليه بإنهاك قائلة :
- هذه إحدى أسباب خوفي من الارتباط كل العلاقات حولي مشوهة .
أشار للنادل ليجلب لها كأس عصير ورد :
- بعيدا عن علاقة شقيقك بتلك التي رقصت الآن ، أرى بوضوح قوة علاقة أيوب و أشماس والتي كنت شاهدا على بدايتها وكل عثراتها لعلمك؛ علاقة العروسين مثلا ألم تخبريني سابقا بأنه شخص حاد الطباع لا يضحك أو يقبل النقاش أبدا ؟
أرى العكس يكفي تقبله لإقامة فرح مشترك رغم أنه أمر غير مقبول لديكم حتى أيوب لم يفعلها .
شقيقك الآخر و زوجته يبدوان لي كأنهما لا يزالان في شهر العسل ، أنت فقط من تضعين مكبرا على الجزء السيء ليغطي على الجزء الجيد .
تنهدت وردت :
- أعترف لازلت أحتاج لعلاج طويل ، طويل جدا .
عاد النادل يحمل كأس العصير ليأخذه منه ويعطيه لها قائلا :
- لديك كل الوقت لست على عجلة من أمري .
❈-❈-❈
لم تتركه والدته و لا حماته حتى دخلوا جناح العرسان ليقول عبدالخالق :
- يمكنكم الذهاب الآن لن نضيع بالتأكيد .
أمسكت فايزة بيد نهى ودخلت بها لغرفة النوم الرئيسية لتقول مبروكة :
- اسمع سأقيم ثالث لا تخبر عروسك كي لا تقول لأمها .
رفع عينه للسقف ورد:
- بدأنا !
لدينا حجز شهر العسل لا داعي للثالث أمي .
بعناد أجابته :
- بل سأفعله لقد حرمتني من يوم الحنة ولم أفتح فمي من أجلك إذا لم تأتِ بها يوم الثالث سيكون لي تصرف آخر مفهوم .
- حاضر أي أوامر أخرى
ردت و هي ترفع أنفها بعناد :
- لن أجلب لكم الإفطار تفاحة قالت هذا اختصاص أهل العروس .
أجابها بسعادة :
- ممتاز لا أريد إفطار أو غيره ، إلى اللقاء أمي .
ضربته بخفة على كتفه وقالت :
- تطردني من الآن هذه أخرتها .
مسح وجهه وقال بصوت عالٍ مناديا حماته :
- عمي ناصر ينتظرك بالأسفل ألن تنزلي حماتي .
خرجت تلوي شفتيها وردت :
- ذاهبة هيا يا حاجة ننزل معا .
لم يهتم لملامحهما و كل واحدة منهما تريد فرض سيطرتها .
أغلق الباب أخيرا واتصل بالاستقبال يطلب منهم ألا يسمحوا لأحد بالصعود .
عدل بزلته و دخل لغرفة النوم ليجد نهى جالسة بفستان الفرح وقد خلعت الطرحة و سرحت شعرها فابتسم وقال :
-كنت خائف من أن تخلعي الفستان .
ردت بخجل :
- أمي حاولت معي لكنك طلبت مني ألا أفعل وحدي . اقترب منها وسحبها من يدها لتقف أمامه غير قادرة على رفع عينها فقال بنبرة بدت لها مرحة على غير العادة :
- تعرفين لماذا اخترت هذا الفستان بالذات ؟
وضع يده على السحاب الجانبي لينزله و أكمل :
- لأن خلعه ممتع تخيلت كثيرا كيف سأفعلها و أنت بهذا القصر.
عقدت حاجبيها وردت بغضب:
- لست قصيرة أنت الطويل أكثر من اللازم ثم ما دخل طولي في الف...
التقط شفتيها مبتلعا باقي كلماتها في قبلتها الأولى والتي محت كل أسفها لأنها لم تنالها بعد كتب الكتاب مثل باقي صديقاتها وقريباتها كما سمعت ، لا تعرف كم دامت ولا كيف استطاعت مجاراته فيها كل ما تتذكره أنه حملها و أبعد شفتيه عنها قائلا في عبث :
- أحدهم قال أنه مشتاق لعقابي لنبدأ إذن فإن رصيدك طويل بشتمرجية نهى .
ضحكت دافنة رأسها في رقبته وردت :
- تحت أمرك أسطى عبادي .
أبعدها وبدأ بإنزال الفستان وتقبيل رقبتها برقة نزولا لجذعها وهو يقول :
- أسطى و عبادي في جملة واحدة !
بخفة وضع يده أسفل ركبتيها و أمالها لتنام على السرير ليخلع جاكيت بذلته و يفتح أزرار قميصه مبعدا إياه هو الآخر فظهر صدره العريض ذو العضلات وبه الشعيرات القليلة فزادت حمرة وجهها ليخيم عليها ويضغط بأنفه على أنفها قائلا :
- لمَ الخجل لم نبدأ بعد هذه اسمها مرحلة قبل التسخين ماذا ستفعلين عند العقاب الحقيقي.
لمعت عيناها و رفعت يديها تطوق رقبته قائلة في سعادة :
- أحبك عبادي أحبك أحبك....
ابتلع باقي كلماتها بادئا معها عقابه الممتع كما يطلق عليه و رحلة ذوبان في العشق كما تطلق عليها هي




❈-❈-❈
لم يفهم لماذا قام أيوب بسحبه خارج القاعة بعد كلام عبدالخالق ليجد نفسه في إحدى غرف الفندق و أيوب يتصل بهاتفه النقال طالبا العون من أحدهم ليلتفت له بعد أن أغلق الخط و قال بنبرة شبه عادية :
-سفيان سيأتي ليبقى معك و أنا سأذهب لحارث.
رد بحدة :
- لست طفلا كي يجالسني سفيان ، ثم كيف تجرني بهذه الطريقة أريد العودة لل..     قاطعه بسخريه:
- للفرح الذي فسد بفضل صديقتك المحترمة ؟
أم لتكمل تحطيم سنان و أنت تتشاجر مع عبدالخالق لأنه طردها؟
تجمدت ملامحه غير قادر على الرد ، و الرعب الظاهر في عينه رغم جمودها ، زفر و ووضع يده على كتفه قائلا:
- رؤوف اصدقني القول هل تحب سنان فعلا و تريد الزواج منها أم توقف حبك لها و اكتشفت أنها مجرد مشاعر مراهقة عندما وجدت سهام ؟
لم يتلقَ منه إجابة لبرهة فعاد يقول :
- لو فكرت في فك الخطبة لن أحكم عليك أو أقف ضدك على العكس تماما سأحرص أن يتفهم حارث و الباقين موقفك يعز علي أن تخسرك عائلة الجعفري بعد ما فعلوه لاستردادك
و الآن لآخر مرة أسألك ماذا تريد بالضبط.

❈-❈-❈
أخذ وقتا للوصول للمنزل وقتا طويلا جدا ، ضغط علاء على المزمار أكثر من مرة ليبدأ
نوري في البكاء شاركته به ندى لتقول أشماس:
- لقد فزع الأطفال من فضلك توقف علاء.
ليجبها علي :
- ألا ترين الطريق السيارات التي تغلق الطريق أمامنا ، لابد أن السائق امرأة .
لم يتلقى رد الفعل المتوقع ليلف برأسه للكرسي الخلفي فوجد سنان تسند رأسها للنافذة مغمضة العينين و جمان بقربها تضم ابنتها لها بيد واليد الأخرى تربت على كتفها ، و أشماس بقرب النافذة الأخرى وجهها يحمل الكثير من الكلام
عاد ينظر أمامه ملتزما الصمت حتى وصلوا لفيلا أيوب لتنزل الفتيات لتغلق أشماس الباب خلفها قبل دخولها فالتفت لعلاء الذي قال :
- ابتليت بك وأمري لله هيا تعال لنعود للفندق تركت هاشم هناك وحده .
صعد السيارة ورد :
- بل أنا من صممت على الذهاب معك كي لا تشعر بالوحدة ، شغل لنا أغنية من تلك التي كانت في الفرح .
أخرج هاتفه ليضع أغنية معينة ليقول علي وقد تذكر شيئا :
- إياك أن تضع تلك التي قلبت الفرح لقد كرهت المغني و الأغنية و أي شيء يخصها.
شغل أغنية شعبية ورد بصوت مرتفع كي يسمعه:
- عيب عليك أنا ألوث أذني بتلك الأغاني الهابطة؟
اسمع الفن الأصلي
قاعد لوحدك كدا... سرحان شيطانك يوزك... في سكة شمال .. العب يلا ما تلعب يالا.
كأنه لم يكن حزينا للتو على مصاب صديقة الطفولة الأقرب لقلبه بدأ في الرقص بيديه مقلدا حركات الرقص الشعبي لينظر له علاء في انبهار و صفق ضاحكا مخفضا صوت الأغنية وقال :
- أنت اكتشاف كأنك تربيت وسط حارتي لماذا لم ترقص في الفرح ؟
نظر له في لوم ورد :
- أرقص أمام أمي ؟!!
أعدك بأن أفعلها في فرحك بشرط لا تدعُ أمي موافق .
ضغط على دواسة البنزين لتنطلق السيارة و أجابه :
- لن أتزوج ربما في فرح هاشم مع أني أشك أنه سيقيم واحدا على مزاجي.

❈-❈-❈
دخلت سنان و جمان للغرفة التي تقطنها الأولى في منزل أشماس و أغلقت الباب خلفهما ، رمت سنان جسدها على السرير وقالت :
- أستحق كل ما حدث أنا من أهنت نفسي قبل أن يفعل هو.
تكدست الدموع في عينيها رافضة النزول لتحدث سحابة ضبابية مع خروج تنهيدة باكية من حلقها لتقوم جمان برفع رأسها لها وتقول بصرامة رغم ارتعاش صوتها:
- إياك ولوم نفسك على تصرفات غيرك أبدا ، فهي انعكاس لدواخلهم ، أنت لست مخطئة في شيء إذا كنت تقصدين اعترافك له فهو أكبر دليل على كلامي .
ارتعشت شفتيها بشهقة بكاء وردت :
- أقسم بالله أني لم أكذب ربما تسرعت ولم أخبره ب..
قاطعتها بحدة :
- كان عليه السؤال عن تفاصيل ما حدث ليعرف حجم الكارثة من عدمها أو على الأقل التخفيف عنك و تسريع زواجكم كان عليه صون مكانتك أمام الكل و التأكيد على حبه لك لا التقليل منها و إدخال طرف ثالث بتلك الطريقة الفجة .
هطلت دموعها تغرق وجهها رافقتها صوت شهقات و هز جسمها لتضمها جمان بقوة وهي تتابع :
- لا يهمني حبك له بعد فعلته اليوم لن نسمح له بإيذائك أبدا .


وضعت رضيعها في سريره بعد أن نام أخيرا و قطر الندى فوق سريرها مع وضع مخدات حولها ثم شغلت جهاز المراقبة الخاص بالأطفال و نزلت لتتفقد سنان وجمان .

سمعت صوت مفاتيحه لتذهب باتجاه الباب الرئيسي بدلا من غرفة سنان آملة أن يكون هو ، لم يخيب الله أملها ليدخل أيوب وحارث فقال الأول :
- أين سنان ؟
ردت وهي تتفرس في ملامح حارث :
- في غرفتها مع جمان ارتاحوا في صالة جدي إلى أن أتفقدها .
أومأ لها ليدخل حارث للصالة بينما سحبته هي للمطبخ هامسة :
- ماذا حدث رأيتك تأخذه خارج القاعة بماذا برر فعلته ، لقد كسر قلبها.
شعرت أنها على وشك الانهيار ليجلسها على كرسي المطبخ ممسكا بيديها ورد :
- اهدي حبيبتي كل شيء سيحل لا تحملي نفسك مالا طاقة لها به .
رمت رأسها على صدره لتبدأ في البكاء فطوقها بيديه لتقف وتلتصق به طالبة قربه وهي تقول بين دموعها:
- لا تتركني اليوم بالذات أرجوك أشعر بأني سأجن ، لا أصدق بأن رؤوف تربية أمي سليمة ..
ابتعد عنها لتنظر في عينه وتابعت:
- هل تظن أن هذا تأثير خالي إبراهيم عليه ؟
بلع ريقه غير قادر على الرد لتتابع هي كأنها تحادث نفسها :
- هذا هو التفسير الوحيد ، مثلما أنكر خالي حب عمتي وقام بمسح حياته معها كأنها لم تكن حذا رؤوف حذوه مع سنان.
أراح رأسها على صدره بكف يده فعادت للبكاء و قالت :
- أرغب في الذهاب له الآن و تقطيعه إربا لأنه وضعها في ذلك الموقف وفي نفس الوقت لا أريد خذلان أمي .
خلل شعرها بأصابعه ورد بصوت حنون بعث بها الطمأنينة :
- كيف تخذلين أمك ؟
تنهيدة باكية خرجت منها وهي تجيب :
- أمي سليمة لقد خذلتها سابقا عندما حضرت فرح عمي على من خانها معها لا أريد تخييب ظنها بي مرة أخرى .
قبل رأسها وضمها أكثر قائلا :
- لا تفكري كثيرا الآن ، كل شيء سيكون بخير أعدك نبض قلبي أراد الابتعاد عنها لتتشبث به بقوة قائلة :
- لا تتركني، الليلة بالذات لا أستطيع البقاء بدونك .
مال يقبل شفتيها برقة لتطيل هي قبلتها كي لا يتركها لكنه ابتعد وقال :
- لن تبقى بدوني حتى لو أردت ، اذهبي لإحضار سنان حارث يغلي في المجلس وحده .
تركته مرغمة لتدخل غرفة سنان فوجدت جمان تعلق ملابس الأولى في الخزانة بوجه جامد، صوت الماء المتدفق أخبرها بمكان سنان لتجلس فوق السرير فرن هاتفها برقم مبروكة، استغفرت و فتحت الخط لتسمع مبروكة تصيح بغضب:
- كيف تتركن الصالة قبل أن يخرج كل المعازيم مستغلات ذهابي وراء عبدالخالق وعروسه ؟
ماذا يقول الناس عنا ، بنات عمه يرفضن العروس لذلك ذهبن دون السلام على أحد ؟
ألا يكفي ما فعله...
لم تستطع إكمال حديثها لتأخذ منها تفاحة الهاتف وتقول بنبرة أقل حدة و إن كانت صارمة :
- لا يجوز أبدا أن تتركن الصالة جميعا ، أنا ودرصاف من بقينا نوزع الهدايا على المعازيم عند خروجهم وطبعا لم نعرف نصفهم من التي أرادت إعطاء نقوط لأم العريس أو أخته والتي..
قاطعتها أشماس وقد طفح بها الكيل :
- أفطيم لم تأت معنا بل ذهبت تواسي رؤوف لأن صديقته المحترمة طردت من الحفل و عمتي معك أنا ابنة خاله لا يوجد من يهتم لوجودي أو لوجود جمان وسنان، بالمناسبة هي بخير شكرا للاطمئنان عليها ، طابت ليلتك .
لم تغلق الخط بل انتظرت حتى فعلت تفاحة أولا لتضعه جانبا فقالت جمان :
- ما كان عليك التحدث معهما بتلك الطريقة ، تعرفين كم تحبها عمتي مبروكة.
أسندت كوعها لساقها وردت :
- لا أحب نظام قلب الطاولة هي ليست غاضبة من عودتنا بل تريد أن تجعلنا مخطئات كي لا نتحدث عما فعله رؤوف.
جلست جمان على الكرسي وردت :
- لا أعتقد ذلك ؛عودتنا معا مبكرا كانت خطأ ، كما أنها تحب سنان كثيرا لا تنكري ذلك.
بابتسامة ساخرة ردت :
- تحبها بل تعتبرها ابنتها حتى يصل الأمر لحد معين .
عقدت جمان حاجبيها في غير فهم ولم ترد لا جدوى من الجدال الآن .
- في داخل الحمام
وقفت تحت المرش وقد شغلت الماء على أعلى درجة لكن حرارة الماء لم تؤثر بها رغم الأبخرة المتصاعدة التي حولت الحمام لساونا ، أم يا ترى هي من فقدت الإحساس بكل شيء حتى احتراق قلبها قبل جلدها.
أغلقت الماء ثم وقفت أمام مرآة الحوض الصغيرة تتطلع لملامحها التي فضحت ما بداخلها بكل وضوح
انكسارها
خيبة أملها
شعورها بالدونية
وأكثرها إيلاما شعورها لأول مرة منذ ذلك اليوم البعيد بأنها يتيمة

❈-❈-❈
في الدولة الأجنبية

دخلت لينا لمكتب لمار بوجه يعلوه ابتسامة رائقة لتقول الأخيرة :
- جيد أنك حضرت أريد استشارتك في قضية مهمة ، أشعر بأنهم يخفون معلومات عنا عمدا.
جلست لينا وردت بنفس الابتسامة:
- موافقة لكن اسمعي الخبر الذي لدي أولا متأكدة سيغير مزاجك.
حركت رقبتها لليمين واليسار لتصدر صوت طقطقة وردت:
- هات ما عندك أتمنى أن يكون خبرا سارا تعبت من كثرة الأخبار السيئة .
مالت بجذعها فوق المكتب لتقترب منها و قالت بحماس:
- هناك من يبحث وراء تامر وقد وصل للمستشفى .
بقلق ردت:
- لا تقولي عماد ؟
سيغضب لو عرف من غيري ، يا إلهي كنت أعول أن فتنة ستنهي الأمر مع منار كي لا أقع في مشكلة معه ، كيف سأبرر الآن ؟
عادت لكرسيها و قالت :
- لا أفهم ما دمت تحبينه وتخافين على حزنه لماذا العناد ؟
عموما لا ليس عماد بل شخص آخر أهم و نحن علينا التدخل هذه المرة بسرعة .
عقدت حاجبيها رادة:
- شخصا أهم ؟
من تقصدين؟
عادت لها ابتسامتها لتعدل كتفيها ثم قالت بغرور مصطنع:
- ترجني أولا .
رفعت لمار حاجبها لتضحك لينا وتقول :
- حسنا سأخبرك ، إنه رمزي وليم .
فكرت قليلا لتجيبها:
- الاسم لا يذكرني بأحد من يكون هذا رمزي وليم ؟
بنفس الحماس:
- رمزي هذا يكون مدير منار في العمل تعرفت عليه عندما كانت هنا ؛ منذ البداية شعرت بشرارة بينهما لكنها أنكرت ، سفرها والأحداث الكثيرة التي جرت بعدها جعلتني أنسى أمره ؛ منذ مدة عرفت أنه عاد للوطن وطلب منها العمل معه.
أشارت لمار بيدها لتقاطعها وقالت :
- ما شأن كل ذلك في قصة تامر؟
حتى لو كان معجب سابق هذا لا يفيدنا أبدا بالعكس لو حاولنا التقرب بينهما قد تنفر من الأمر وتصر على عدم الطلاق.
تأففت وردت:
- منذ متى و أنت بهذا التشاؤم؟
قلت لك يبحث وراء تامر، يعني أنه يشعر بوجود خلل في زواجها مثلنا وبم أنه وصل لسجلات المستشفى فهو قريب جدا من إبلاغها وربما إجبارها على اتخاذ خطوة في الاتجاه الصحيح.
عادت لمار للتفكير لبرهة ثم قالت:
- علينا التحدث معه لديك هاتفه أم أطلبه من عماد ؟
أخرجت هاتفها وردت:
- هو من سيتصل بي.
نظرت لها في شك لتردف لينا:
- انتظري عشر دقائق سيفعل .
لم تكمل كلمتها حتى رن هاتفها لتجيبه مشغلة السماعة الخارجية فخرج صوت رمزي يسأل باحترام:
- دكتورة لينا عامر ؟
❈-❈-❈

بغير تصديق قالت فتنة :
- لماذا أدخلت نفسك في هذه الورطة ؟
حركت الملعقة في إبريق الشاي وردت:
- اخفضي صوتك عندما تتحدثين معي ؛ أي ورطة تلك التي تتحدثين عنها.
تأكدت من نوم أبنائها في شاشة جهاز مراقبة الأطفال وردت:
- لم أقصد رفع صوتي عليك ؛ لن أقول لك لا تتدخلي في أمور عائلة عمي إبراهيم لأنه سيغضب فقط لكن سأقول كلمة واحدة ما تفعلينه يدخل تحت بند خراب البيوت ، ألم تقولي بأنه عقد قرانه عليها ؟
إذن هي زوجته الآن تشجيع سهام لتذهب له يعني أن يطلق قريبته من أجلها كيف طاوعك قلبك لجعل فتاة صغيرة مطلقة وقد عانيت من الأمر سنوات ؟
سكبت بعض الشاي خارج الكوب وهي تصب لتتحكم في يديها وتعود للصب من جديد وقالت:
- لم يتم الزفاف بعد إذن ليست زوجته لن يؤثر الأمر عليها.
عقدت فتنة يديها أمام صدرها و رفعت حاجبها رادة :
- مثلما لم يؤثر عليّ !
نسيت ماذا حدث بسبب طلاق نادر لي قبل الفرح ؟
وضعت الإبريق بحدة وقالت :
- الوضع مختلف نادر أتم زواجه منك ثم أنكر الأمر لأنه حقير ؛ رؤوف قصة مختلفة لقد أجبروه على الزواج وهو يحب سهام .
هزت رأسها :
- كيف تعرفين أنه غُصب عليها ؟
ألم تقولي أنه لم يتصل بسهام حتى جلبت لها أنت رقمه الجديد بسرقة من عمي إبراهيم ؟
نظرت لها جيهان بتحذير لكنها تجاهلت نظراتها و أكملت:
- ماذا لو كان أتم زواجه منها ،اتعظي يا عمتي كي لا يكون الرد هذه المرة قاسيا .
صرخت بها :
- تجاوزت حدودك كثيرا نسيت نفسك أنا عمتك ، لو تزوجها إذا كان لا يحبها لماذا يستمر في زيجة فاشلة ؟
عموما أنا لم أجبر أحد على شيء كل .
رفعت فتنة يديها للسماء قائلة :
- اللهم إني بريئة من ذنب تلك الفتاة لا تردها في أولادي .
ثم أنزلت يديها و نظرت لعمتها رادة :
- لا أريد معرفة أي معلومات عن سهام وما تريد فعله بل اخبريها بأنها غير مرحب بها في منزلي .
وضعت فنجان الشاي و وقفت لتشير لها فتنة بالجلوس كي لا تخرج غاضبة من منزلها قائلة :
- انتظري قليلا هناك مسألة أهم أريد أخذ رأيك بها.
عادت للجلوس رغم غضبها لكنها لا تريد العودة للمنزل البارد تحارب مخاوفها و خيباتها وحدها ؛ ادعت الغضب لتضع ساقا فوق الأخرى وتقول :
- نعم ماذا تريدين أيضا ؟
أخذت نفسا قويا وردت :
- هادي يريد العودة لبلده أولا رغم أني لست معارضة تماما لكن ما يريد فعله هو ما يضايقني ولا أريد تنفيذه بصراحة .
جذبت انتباهها لتنزل ساقها و تقول بفضول:
- ماذا تقصدين ؟
اخبريني القصة منذ البداية .
❈-❈-❈
في بلد أيوب

شد الغطاء عليه وابتعد عن السرير  أطفأ الضوء الذي بجانبه و عاد حيث تجلس أفطيم مسندة خدها على كف يديها ليجلس في الكرسي الذي بقربها ويمسك وجهها بيديه قائلا:
- لقد نام بعد الحقنة التي أعطيتها له سيكون بخير لا تقلقي.
أغمضت عينها وردت:
- أعتقد بأن ما أصابه نوبة هلع طريقة تنفسه و العرق الذي ملأ وجهه أكبر دليل ، توقعت ذلك مع أصوات الموسيقى العالية لكني أرجح أن يكون السبب شيء آخر تماما.
قبل جبهتها وحرر وجهها من يديه قائلا:
- ماذا تعنين بالضبط لا أعتقد أن أيوب هدده و حارث لم يقربه لماذا يصاب بالهلع ؟
نظرت باتجاه غرفة النوم حيث يرقد رؤوف وردت:
- لا يوجد سبب معين لذلك النوع من النوبات أي شيء بسيط قد يحفز الخوف بداخل الإنسان ليصاب بها ، لا تنسَ أنه مصاب وقد أوصانا الأطباء بسرعة علاجه نحن من قصرنا في حقه.
أومأ مؤيدا :
- أتفق معك يجب أن يذهب للطبيب غدا صباحا حتى لو أجبرناه على ذلك جيد أنك جلبت معك حقنة مهدئة كي لا نضطر للبحث عن طبيب في هذا الوقت أو تحدث فضيحة أمام المعازيم.
خلعت حذاءها ذو الكعب العالي ليرفع قدميها و يضعها على حجره ويبدأ في عمل مساج خفيف تعمق عند مشط قدمها فاسترخت ملامحها بالتدريج لدرجة ظنها استغرقت في النوم ليحاول الاستقامة دون أن يشعرها لتفتح عينها وتعتدل في جلستها منزلة قدميها للأسفل قبل أن تقول :
- لابد أنك تعبت نم بجانب رؤوف و أنا سأنام هنا .
أبعد وسادات الأريكة ليفتحها فأصبحت سرير ثم قال:
- تستطيعين النوم بهذه الملابس أم تفضلين العودة مع درصاف لمنزل عمي ، لا أعتقد أنهم عادوا .
هزت رأسها نافية و خلعت ذهبها لتضعه على الطاولة و فكت حجابها دون خلعه تماما كي لا يضايقها وتمددت على السرير الذي جهّزه لها حامدة الله أن فستانها مريح ليقوم سفيان بتدثيرها وقبل خدها قائلا باعتذار:
- متأكدة تستطيعن النوم هنا وحدك.
ضحكت برقة رادة :
- أنت على بعد أمتار مني ، نعم أريد البقاء هنا فالمنزل هذه الليلة يغلي حتما ولست مستعدة لمواجهة أحد .
تنهد مبتعدا عنها لتقول :
- اغلق باب الغرفة ، رؤوف لن يستيقظ قبل ثمان ساعات على الأقل لا تقلق عليه.
تنهد وقال:
- الله المستعان.
ليدخل بعدها لغرفة رؤوف ، خلع حذاءه و تمدد بجانبه لينظر وعقله يحاول فك ألغاز ما حدث في الفرح دون جدوى شيء واحد متأكد منه أنه خسر سنان وحارث للأبد
❈-❈-❈

حصاد السيلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن