الفصل الثاني عشر

30 2 0
                                    


الفصل الثاني عشر



صديقي أحُبك لأنك صديقي الذي يتشاطر معي نفس التفاهة
و اُحبك لأن كلما جئتك احتويتني بصمتك
وأحبك لأنك مُهتم بما يحتويه فؤادي ولا تهتم بما يحتويه شكلي وجسدي
وأحُبك لأنك تتذكرني و إن كنت غائب أو بعيد عنك
وتُحبني لأني أبعث لكَ ابتسامة ولو كانت من خلال اتصال أو رسالة نشعر بها
صديقي و أحُبك لأنكَ لاتُعقب على ما أقول ولا تهدر طاقة أو مجهود أو فكر بماذا أقصد أو تقصد
صديقي أحُبك تستقبل انفعالاتي وتفاعلاتي مع أحاديثك وربما غيرك ينزعج من اتصالاتي بعد الثانية عشر إلا أنك تجيبها ولو كنت بأعمق حلم
وتقول اسمعكِ بدون رؤيتك للاسم حتى لأنك تعرف لا أحد يتصل بكَ سوى صديق مجنون
و أحبك عندما أبدى إعجابي بأحدهم تنظر لي نظرتان الأولى نظرة المهتم وبعد انتهائي من الحديث الذي طال أكثر من ساعة تنظر لي نظرة عدم القبول وتقول جُملتكَ المُعتادة انسى إنك تتوهم
وأحُبك لأنكَ أصبحت أحد أفراد العائلة عند ذكرك لهم يقولون أعانه الله عليك وأنا كذلك أصبحت من عائلتك ويقولون الطيور على أشكالها تقع
وأحُبك عندما أمرض وتنصحني بنصيحتي التي أرددها عليك في كل مرة اذهب للطبيب وخذ علاج وتقل لا يهم لست أحتاج لأحدهم فقط دعني أنم

صديقي أحُبك والكلام عنك يطول وأبقى أحُبك و أعلم أنكَ عندما تُحب ستكرهني حبيبتُك لأني أعلم أكثر منها عنك لهذا أنا أحُبك ياصديقي

خاطرة بقلم مريم أحمد
❈-❈-❈
فقدان شريك الحياة بالموت في أحيانا كثيرة يسبب خللا في الحياة ، بل إنه قد يقلبها رأسا على عقب،
الكثير يقلل من ألمه معتبرين أن فترة زواجه لا ترقى لمستوى العشرة بل إنه حسب أحكامهم لم يعتاد عليها كي يحزن لفراقها ، سنتين وعدة أشهر بالنسبة لهم غمضة عين !
لن يدعي بأن قصة حب عنيفة جمعتهما فهو تزوجها لدينها فقط ، شقيقة زميله حافظة للقرآن لم يرها إلا بعد عقد القران بل إنه لم يتمعن في ملامحها إلا بعد الزفاف، كانت نسخة منه في كل شيء اللهم إلا في الشكل فقد كانت على النقيض منه ، سمراء ذات عيون غامقة واسعة وملامح حسنة كما اسمها(حسناء) رضي بنصيبه لكن القدر كان له رأي آخر.
أغلق المصحف بعد أن ختم القرآن على روحها و روح صغيرته التي لم تكمل يومين في هذه الحياة لتنتقل للحياة الأخرى ، استقام و ترك الغرفة التي نجت من تفجير المنزل القديم قاصدا العودة لعمله قبل أن يوقفه أحد الجيران قائلا :
- كيف حالك شيخنا، ألن تعود لدروس تعليم القرآن للأطفال لقد بدأت الإجازة الصيفية و نريد الارتياح من ضجيجهم المستمر في المنزل.
رد بهدوئه المعتاد :
- وعليكم السلام و رحمة الله و بركاته ، الحمد الله أنا بخير؛ صوت الأولاد في المنزل بركة فلا تتبطر منه.
شعر جاره بالحرج خصوصا بعد أن بدأ الزبير في السير ليتبعه و رد:
- لم أقصد أن أقلب عليك المواجع أنا فقط أريدهم أن يحفظوا القرآن بدلا من إضاعة وقتهم في اللعب دون فائدة .
أجابه دون أن تتغير نبرته:
- اللعب به فائدة كبيرة لأنهم يفرغون طاقتهم بل ينمي بهم عدة مهارات أقلها التواصل مع أطفال بنفس سنهم.
حاول تغيير رأيه فقال برجاء :
- طبعا طبعا ، لكن المهم تعليم القرآن في الصغر و أنت أفضل من يفعل ذلك بل مجانا بارك الله في عمرك.
أومأ له ورد :
- حاليا يوجد دورات أخرى إذا أردت إدخالهم فيها أنا لست متأكدا إذا كنت سأعود لتعليم الأطفال أم لا.
لم تعجبه الإجابة لكنه تجاهلها مؤقتا ليصل لهدفه الأساسي ، ليقول بسرعة :
- دعنا من تعليم الأطفال ماذا عن تأجير منزلك الجديد للعمال ؟
لقد أنهيته وترفض السكن به تعرف كم شخص يمكنه البقاء في ذلك المنزل ؟
على الأقل خمسين ربما أكثر احسب كم ستربح من تأجيره
وقف فجأة ليفعل الجار مثله و قال بحدة غريبة عليه :
- ذلك المنزل ليس للتأجير أو البيع إذا كان هناك من يحتاج مكان للإقامة يمكنه البقاء معي في غرفتي غير ذلك لا.
بصوت خفيض رد الجار:
- يا شيخنا افهم هؤلاء العمال ليسوا من ديننا و السكان باتوا يخشون التأجير لهم بسبب ال...
بحث حوله كأنه يخشى أن يسمعه أحد قبل أن يكمل :
- تعرف من أقصد ، أعرف أنهم لن يقتربوا منك إذا فعلت لأنك منهم .
اكفهرّت ملامح وجهه ورد:
- من هذا الذي منهم يا هذا ؟
أعوذ بالله منهم و من كذبهم لست منهم ولا هم منا هم خرجوا عن الملة سأظل أقولها دائما، أما بشأن العمال أرسلهم لي في دكاني لأتحدث معهم ، هذا ما ينقص شلة من اتباع الباطل يتحكمون فينا والكارثة أنهم ليسوا من بلدنا أصلا أين الدولة التي يتشدقون بإقامتها لم أرَ منها سوى القتل و الموت والآن دواعش .
لوح له جاره وفر هاربا خوفا بأن يسمع أحد حديث الزبير ليحسب معه في قائمة المطلوبين، لم يعد يمر أسبوع دون تنفيذ حكم الإعدام بقطع الرقاب في واحد من سكان المدينة الأصليين والتهم لاتعد و لا تحصى .
استغفر الزبير و تابع سيره لدكانه وهو يلعن الوضع الذي أصبحت عليه مدينته الحبيبة ، ليرفع عينه و يقول بحرقة :
- اللهم اضرب الظالمين بالظالمين واخرجنا من بينهم سالمين
❈-❈-❈
في بلد أيوب

لاعبت نوري قليلا قبل أن تقول :
- أعتقد أن أشماس تأخرت عن موعد عودتها هل أخبرتكم إلى أين ستذهب ؟
ردت مبروكة :
- لا قالت مشوار مهم ولن تتأخر ، كنت أظن بأنها ستذهب معك لموعد الطبيب.
لتقول سنان:
- مواعيدي ليس كل يوم ، ثم هي لا تبقى معي في المستشفى تتركني وتعود بعد ساعتين أو ثلاثة أحيانا .
بدأ القلق يجتاح مبروكة لتقول تفاحة :
- لا يوجد خبر من أيوب أعني هل ستظل هكذا لن يحاول مصالحتها.
بغير رضا أجابتها جمان:
- هي ترفض الحديث عن الأمر و حارث أيضا لا يريد أن يتدخل أفكر بأن أتصل بأيوب ربما ..
قاطعتها بحده درصاف :
- أشماس طلبت ألا يتدخل أحد في أمورها هي ليست غاضبة منه بل هي هنا برغبتها ، لقد أخبرتني أنها ستمر اليوم على منزلها قبل العودة هنا .
رفعت سنان حاجبها وردت:
- إذا كنت تعرفين ذلك منذ البداية لماذا لم تخبرينا بدلا من جعلنا ندور حول أنفسنا؟
أشاحت بوجهها وقالت:
- هي لم تتأخر وهذا أمر يخصها لا يحق لي إفشائه دون إذنها.
أغمضت عينها و وهزت رأسها كأنها تفكر رادة :
- ألم تخبرينا للتو؟
تنهدت مبروكة وقالت:
- خروجها كل يوم لا يعجبني يكفي أنها لا تخبرني عن وجهتها يجب أن أتحدث معها اليوم ،عيني ترف منذ الصباح أخشى أن يحدث لها شيء .
لتقول تفاحة
- الآن فقط تذكرتِ عينك ؟
دعينا من حركاتك تلك واخبريني ماذا حدث مع رؤوف هل من جديد.
جزرتها بنظراتها وهي تشير لسنان فقالت درصاف:
- لم يسمحوا له بالزيارة لا أعرف السبب بصراحة حتى أنا لم أراه من وقتها سفيان أخبرني بذلك لكني غير مقتنعة أفكر في الذهاب لوحدي والسؤال عنه .
بدا الضيق على وجه جمان لتقول سنان كأنها لم تسمع شيء :
- متى ستحضر عائلة المعلم صالح ؟
لقد أجلوا زيارتهم أكثر من مرة .
لتجيبها جمان:
- حارث يقول ربما عيلنا الذهاب لهم أحدهم مريض أو شيء من هذا القبيل.
اتسعت ابتسامتها لتقول بمرح:
- ممتاز اشتقت لأميرة جدا سأتصل بحارث كي أتأكد من الموعد من منكم سيذهب معنا ؟
أجابتها مبروكة :
- إذا كنتم ستأخذون قطر الندي أذهب معكم.
ثم التفتت لتفاحة و أردفت:
- تعالي معنا المكان عندهم جميل جدا سيعجبك ولنأخذ معنا بلقاسم أيضا .
هزت سنان رأسها وقالت :
- عمتي ربطت سفرها بوجود ندى رأيتم كيف باعتني .
شهقت و ردت بفزع:
- لا يا حبيبة قلبي أنت لا أقصد ذلك طبعا أنت قبل الكل .
صبت تفاحة الشاي و قالت:
- مبروكة عقلها خف على كبر أصبحت تربط حياتها بتلك الطفلة تصدقون أجلنا ذهابنا للحاجة برنية لأن قطر الندى لديها غازات !
شعرت بإحراج لتقول معاتبة :
- تعالي هنا سنان لماذا عدتِ لمناداتي عمتي ؟
ألم أعد أمك !
وقفت وقد أصبحت أكثر قدرة على فعلها وحدها وردت:
- مشكلتك مع الخالة تفاحة لا تضعوني بينكم سأذهب لأرتاح قليلا قبل أن تعود أشماس.
مالت جمان تحمل نوري و تبعتها لتقول مبروكة وقد طغى على نبرتها الحزن :
- سنان تغيرت معي ، هي تلومني على فعلة رؤوف أشعر بذلك منذ أول يوم.
لتجيبها تفاحة :
- أين التغير هي تمزح فقط أنت الملتصقة بتلك الصغيرة كأنك لم تنجبي في حياتك، لو كانت تغيرت كانت على الأقل التزمت منزل شقيقها لكنها تبيت معك هنا.
هزت رأسها وردت:
- بل تغيرت ، أنا متعلقة بقطر الندي منذ ولادتها لم يتغير شيء، سنان وجودها هنا فقط كي لا تحزني هي تلتزم غرفة أشماس طوال الليل أما في النهار إما مع جمان أو خارج البيت.
لتقول درصاف :
- أتفق مع عمتي مبروكة ، أنا أيضا أشعر بأنها تتعمد تجاهلي، بل هي تتجاهل أفطيم وسفيان أيضا ، هي فقط تحاول الحفاظ على رابطة العائلة كي لا نخسر بعضنا و إلا كانت انفجرت في وجوهنا.
ارتشفت تفاحة قليلا من الشاي و قالت:
- هل تلوموها؟
أنت لم تري ما حدث من تلك الوقحة هذا غير رقصتها في الفرح، اللوم الأكبر عليك إذا كنت تعرفين بعلاقتهم منذ كنتم في الخارج لماذا لم تحذرينا على الأقل أعجبك ما آل إليه الوضع .
تغير لون وجه درصاف وقالت مدافعة :
- لم أتوقع أن تفعل كل هذا ، كما أني لم أشأ الدخول في مشكلة مع رؤوف.
كتفت ذراعيها و ردت:
- اخترتِ علاقتك مع شقيقك على كرامة المسكينة و تستغربين ردة فعلها حقا ؟!
لتقول مبروكة :
- لا داعي للوم الآن علينا إيجاد طريقة لنعيد الأمور لطبيعتها ، اسمعوا سنذهب لعند المعلم صالح ربما يصلح هذا الأمور قليلا و أنت تفاحة ستأتين معي مفهوم.
لوت فمها وردت:
- تأمرين كأنه ليس لدي بيت و مشاغل ، سأرى ظروفي أولا ثم أخبرك بقراري.
بدأت قطر الندى في البكاء لتحملها مبروكة وهي تقول :
- خذي إجازة من زوجة ابنك ودعيها تتنفس قليلا ربما تذهب في إجازة مع زوجها بدلا من كتمك على نفسهم وتعالي معي.
بصدمة ردت:
- أنا أكتم على نفسها ؟
انظروا من تتكلم نسيت جمان لم تهنأ حتى بشهر عسل ، من يكتم على من.
قطع نقاشهم مكالمة من إبراهيم لدرصاف جعلها تقف وتقول:
- يا إلهي لا أصدق حسنا سأخبر الجميع و أرى ما علينا فعله.
نظرت لها مبروكة و تفاحة بخوف واضح ينتظران الأخبار التي لن تكون سعيدة أبدا .

❈-❈-❈
وصل أيوب للمطعم الذي أصر هاشم أن يعزمه عليه ، لم يكن جائعا فقد فقدَ رغبته في الأكل كما فقد الرغبة في كل شيء آخر
طال البعاد بينهما لدرجة لم يعد يعرف كيف يقطعه دون إهدار كرامته
وجد هاشم ينتظر وحده فشعر بخيبة أمل كان يتوقع وجود علاء ، هو الآخر غاضبا و مصالحته قد تكون أصعب من مصالحة أشماس.
جلس أيوب يحمل هم الدينا فوق كتفيه ، تصفح هاشم قائمة الطعام متجاهلا منظره وقال:
- يبدو أنها رفضت مصالحتك كنت أظنها باتت أقل عنادا من السابق.
أسند جبهته لراحة يده ورد:
- أنا لم أحاول معها .
ضيق هاشم حاجبيه وقال:
- لم تحاول أسبوع كامل؟
ماذا عن ابنك هل رأيته على الأقل ؟
رد وهو على نفس الحال:
- أذهب لمنزل العائلة عندما لا تكون هناك عمتي مبروكة تتصل بي كي أتناول الطعام وأحيانا يجلبه حارث إذا تأخرت في العمل.
ليقول محاولا جعل نبرته عادية دون لوم:
- وماذا عنها هي ألم تفكر في رؤيتها أو الاتصال بها ؟
عض على طرف شاربه ورد:
- لا و هي لم تحاول .
قال هاشم بتحذير:
- طول الخصام بينكما قد يولد الجفاء خصوصا مع ظلمك لها.
عاد بظهره للكرسي وقال :
- لم تجلبني هنا كي نعيد الحديث في نفس الأمر ، لماذا أصريت على دعوتي اليوم بالذات ؟
أشار للنادل ليطلب الطعام ليحضره فورا وعندما أتى لم يطلب أيوب شيء ليقوم هاشم بالطلب عنه محاولا استجماع قوته ؛ لم يكن الأمر سهلا خصوصا مع نظرات أيوب المركزة عليه ، بلع ريقه وقال:
- لقد قررت أن أتزوج .
لم تتغير نظرات أيوب وهو يجيب :
- مبارك لماذا أشعر بأن العروس بها عيب كبير تعلم بأني لن أقبلها .
ضحك بتوتر ورد:
- من أين جاءت لك هذه الأفكار ، عروسي كاملة لا يعيبها شيء إلا كونها..
رن هاتف أيوب بنغمة مميزة ليفتح الخط دون أن ينطق بحرف ، أتاه صوتها بنبرة أقرب للأمر :
- تعال للمنزل بسرعة أنا وخالي في انتظارك .

❈-❈-❈
ضربت مبروكة على صدرها وقالت بحزن :
- ألم أقل لكم عيني كانت ترف منذ الصباح ، والله شعرت بالدموع تأكل عيني.
قلبت تفاحة عينها وردت:
- أي دموع تلك التي تأكلك لتنزل على رجل لم تريه في حياتك.
لتؤيدها أفطيم:
- كما أن أيوب ليس مقربا من والده ربما حدث ذلك كي تعود المياه لمجاريها بينه وبين أشماس.
تهللت ملامح مبروكة لتنقلب للنقيض في ثوانٍ و وقفت قائلة:
- معكم حق هيا بنا جميعا نذهب لها يجب أن يعرف بأننا أهله نقف معه في الحزن قبل الفرح أيوب ابننا ولن نتركه في هذه الظروف طبعا.
لتقول جمان:
- حارث أخبرني أن نبقى هنا حتى ينتهوا من ترتيب الأمر ، أشماس طلبت منه ذلك.
أجابتها مبروكة :
-لا يهم علينا تجهيز العزاء لا تنسوا أننا أهل أيوب يجب أن يقام العزاء عندنا.
لتقول درصاف:
-دعونا نتأكد أولا من أيوب ربما لا يريد إقامة واحد ، علاقته بوالده لم تكن يوما جيدة .
لتنهرها مبروكة :
- كيف لا يريد بالطبع سيفعل هذه أصول .
لتقول تفاحة بنفاذ صبر:
- اهدئي قليلا لنعرف ماذا حدث ، حارث قال أن الرجل في العناية المركزة ولم يمت بعد ثم لا يحق لنا إقامة عزاء في وجود بيت ابنه وابنته أيضا ثم لا تنسي أن الناس لايزالون يأتون لتهنئتك بفرح ابنك .
لوت مبروكة شفتيها في غير رضا لتقول أفطيم:
- دعونا ننتظر ما ستؤول إليه الأمور أولا .
❈-❈-❈
وضعت زجاجات الحليب في الثلاجة وقالت :
- هذه تكفيه يومين مع الحليب الصناعي المهم أن تبقى في الثلاجة ، لن أتأخر أكثر من ذلك بإذن الله.
خرجت من المطبخ مع سنان التي قالت :
- متأكدة لا تستطيعين أخذه معك ؟
ليجيبها إبراهيم:
- تسجيله في جواز السفر يأخذ وقتا لا نملكه من حسن الحظ استطاعتنا تجديد التأشيرات بدلا من استخراج واحدة جديدة .
جلست سنان وقالت:
- هل تستطيع أشماس إضافة نوري على جواز سفرها؟
أعتقد أفضل من أن يكون مع أيوب أو يتم استخراج واحد خاص به.
أجابها وهو ينظر لأشماس ذات الملامح غير المقروءة :
- لست متأكدا سنرى ذلك الموضوع في وقتها.
احتضنت يزيد تقول له بحنان:
- أعدك أني لن أتأخر لدي عمل ليوم واحد فقط.
طوق رقبتها بساعديه الصغيرتين رافضا بعدها مخبئا رأسه في تجويف رقبتها لتقول بنفس الحنان :
- وعد زيزو لن أتأخر ، بعد عودتي سنقيم حفل مولدك وأجلب لك هدية من اختيارك .
ليقول دون أن يبعد يديه :
- كوة .
ضحكت وردت:
- كما تريد كرة .
أبعد رأسه رافعا عينه لها وقال:
- نين واحد زيزو واحد بلقه.
لتجيبه سنان:
- يجيد استغلال الفرص واحدة له والأخرى لبلقاسم .
مد حارث يديه لابنه قائلا :
- تعال يا محتال أنا سأجلب لك ما تريد اترك عمتك الآن لتستعد.
نظر له بشك ورد:
- نين ؟
سحبه وهو يجيب:
- بل ثلاثة واحدة لنوري أيضا هيا نذهب حالا لشرائها.
تهللت ملامح يزيد ليذهب معه فقال حارث:
سأحضر له ما يريد و أعود لآخذ سنان و نوري.
أجابه إبراهيم :
- لا تتعب نفسك سأعود بهم أنا بعد توصيل أشماس و أيوب لآخذ درصاف بالمرة .
أومأ له و عاد ينظر لأشماس التي تتجاهله منذ ذلك اليوم ، فكر في طريقة لمصالحتها لكن الظروف و الوقت لم تسمح له ليلقي السلام و يخرج حاملا ابنه معه.

طوال الطريق يحاول تفسير نبرتها دون فائدة ، لو كانت تريد المصالحة أو حتى عادت طاوية ما حدث لتستمر الحياة بينهما دون لوم و عتاب وهو (أمر مستحيل لأشماس طبعا)
لماذا خالها موجود في المنزل معها ؟
خالها وليس حارث أو حتى سفيان!
ربما لاتزال غاضبة من حارث لكن تبديله بخالها يعني أن الأمر خطير، بل خطير جدا
علاقتها شبه مقطوعة معه هي لا ترسل له حتى في الأعياد و المناسبات ، حديثها معه إجبار وتقريبا تتجنب الجلوس في أي مكان يتواجد به إذن لماذا قالت أنه ينتظرها معها ؟
ألف سؤال دار بخلده حتى وصل ركن سيارته في الجراج و دخل البيت ليجدها واقفة تحمل ابنها فانتبهت له فورا لتضعه في كرسيه وتلتفت له في نفس الوقت الذي قال إبراهيم:
- عظم الله أجركم يا بني ، طائرتك بعد منتصف الليل جهز نفسك.
توقف عقله عن الاستيعاب تماما ، كل ما فعله هو تكرار:
- أجري في من؟
أمسكت أشماس بيده وقالت:
- بالإذن منكم أيوب يحتاج لتغيير ملابسه.
صعد معها للغرفة مسيرا غير قادر على الرفض أو القبول ؛ أجلسته على السرير و جلست أمامه على ركبتها حاضنة وجهه بيديها مركزة عينها في خاصته وقالت :
- لقد ترك وصية لك و أصر ألا تفتح إلا في وجودك لذلك علينا الذهاب أعرف بأنك لا تهتم لما بداخلها لكنك ستذهب لتقرأها على الأقل حجزت التذاكر لنعود بعد لقائنا بالمحامي فورا لست مجبرًا على رؤية أسرته هناك .
لم تتلقى منه أي رد و إن كان ذلك متوقعا لتقف و تضم رأسه لحضنا طوقها بيديه وهو لايزال صامتا.

بعد مدة وصلوا المطار وقد أصر حارث أن يذهب معهم كذلك فعلت سنان التي قالت لأشماس :
- لا تنسي تصوير أخ أيوب فهو نصف أجنبي لابد أنه نوع مميز جدا.
نظرت لها بدهشة لتكمل :
- أيوب وسيم تخيلي ماذا سيكون شكل أخوه وهو نصف أجنبي يعني جينات حلويات صافية .
ابتسمت وردت :
- سنان حبيبتي أعلم بأني حملتك فوق طاقتك بدلا من التخفيف عنك جراء ما حدث جعلتك تتحملين مشاكلي ومزاجي المتقلب.
لعبت حواجبها و أجابت:
- لديك فرصة للتكفير عن ذنبك هاتي الصورة .
هزت رأسها في يأس ليقول إبراهيم بصوت مرتفع :
- عليكم أن تدخلوا الآن ، أشماس لديها التذاكر وحجز الفندق.
لتجيبه أشماس:
- لا أعتقد بأننا سنذهب له ، بمجرد انتهاء موعدنا مع المحامي سنعود فورا.
فرد:
- ماذا عن الوقت بين وصولكم وموعد المحامي؟
أومأت له والتفتت لأيوب الذي لم ينطق بحرف و احتضنت كفه بيدها هامسة :
- أنت بخير.
نظر لها بعين جامدة ليقول حارث :
- يهرب من الضغط الشديد علينا تسليم طلبية نهاية الأسبوع .
لم يتلقى الرد المطلوب لتقول أشماس:
- نوري في أمانتك سنان إذا أتعبك اتركيه عند جمان فقط .
أمالت رأسها و ردت:
- حسب هل ستنفذين طلبي أم لا.
انحنت تقبل ابنها النائم في عربته و قالت :
- غدا نكون هنا بإذن الله.

في سيارة العودة سأل حارث باستغراب :
- لماذا أصرت أشماس أن يبقى نوري عند جمان و عندك فقط ؟
أجابت وهي تنظر عبر النافذة :
- تركته في الصباح لدرصاف فنسيت أن تغير له الحفاض ، أعتقد أنها غير معتادة أشماس تخاف عليه من هذه الناحية لأن بشرته حساسة جدا ، وجمان تعلم ذلك وتعرف الكريمات المناسبة لحالته و طبعا أنتَ لن تتركه بأي حال من الأحوال ، أعتقد أنها كانت تقول دعيه لحارث دون قولها مباشرة ، أما أفطيم تعرفها.
رد بسخرية :
- لن تلوث يديها بالطبع فقط ابتسامة دبلوماسية من بعيد .
عقد إبراهيم حاجبيه و قال:
- لا تقل بأنك تغير له ؟
لا أحب تلك الأشياء أبدا حتى عندما كانت سلمية تقوم بإرضاع أشماس لتتجشأ بعدها كنت أشعر بالقرف .
رد حارث وهو ينظر له بطرف عينه :
- قرف من بضع قرات حليب؟
ماذا عندما يمرضون ؟
ضربت سنان يدا بالأخرى وقالت بمرح :
- تذكر عندما مرض وهو صغير يزيد و لم يكن يعرف كيف يستفرغ ؟
كنت أضحك و أشماس تصرخ بنا.
رد بسعادة :
- اوو هذه أجمل مرحلة قبل البدء في أكل كل ما تطاله يده حتى الحشرات.
ليقول إبراهيم:
- أشعر أني أتحدث مع إنسان الغاب.
بدأ نوري في البكاء لتقول سنان:
- حتى نوري لا يوافقك ، صدقني خالي هذه أجمل فترة لا أصدق أنك أضعتها عليك مرتين .
كلمتها كانت كسهم وجه لقلبه ليدميه ، هل ضيع فترات كثيرة من حياته دون الاستمتاع بها أو رؤية جمالها ؟
لو كانت الإجابة لا لم يشعر بالألم إذن ؟
نفض تلك الأفكار من رأسه ، لا ينقصه تأنيب ضمير إضافي فهو لايزال يحاول إيجاد حل لمعضلة أشماس التي كان هو سببها الأساسي ؛ موت والد أيوب أتاه كطوق نجاة ليقدم خدماته بسرعة محاولا كسب نقاط عندها لكنه لن يجلِي الضرر أو يحل المشكلة من جذروها.

❈-❈-❈
أمسك بعصاته الخاصة بالأكل يقلبها بين يديه ثم حرك بهما الصوص ودفع كرة الرز قائلا :
- ما هذا بالضبط ؟
من المفترض أن آكل عجلات الأرز بها ؟
رد هاشم الذي بدأ في الأكل فعلا:
- اسمها chopstick يمكنك استخدام الشوكة إذا أردت ، وهذا اسمه سوشي وليس عجلات رز.
بقرف أجابه علاء:
- رز نيء ملفوف بورق شجر!
ثم ما هذا الذي بجانبه ترجيع مريض ؟
امتعص وجهه وقال:
- فقدت شهيتي لم أعد أريد الأكل .
دفع الصحن ورد:
- ممتاز تعال لنأكل عند مسمط حودة الجحش قبل أن يقفل. باستغراب رد هاشم:
- حودة ماذا؟
لا طبعا لابد أنه بؤرة أمراض لتبحث عن شيء آخر اسمع يوجد مطعم جديد أخبرتني عنه درصاف يقدم أصناف من أكلات بلادها.
فكر قليلا و رد مغمضا عين واحدة :
- يقدمون لحم ضأن أم بقري مع المكرونة ؟
أخرج هاشم محفظته و وضع مال ثمن الطعام رادا:
- كنت أظنك لا تحبها أم رماك الشوق .
وقف واضعا يده في جيب بنطاله:
- ما دمت لا تريد حودة ليس لدي حل آخر .
خرجا ليركبا سيارة هاشم الذي قال:
- كنت أريد إخبار أيوب عن درصاف لكنه تلقى مكالمة مهمة جعلته يذهب فورا.
لم يجبه علاء بل أخذ يقلب في هاتفه حتى وصلا المحل ثم قال:
- أشماس اتصلت بي أكثر من مرة لتختمها برسالة .
ليجيبه هاشم باهتمام:
- لماذا لم تجبها ؟
ماذا توجد في الرسالة اقرأها بسرعة .
أعاد هاتفه لجيب بنطاله وقال:
- لا لن أقرأها لابد أنها تريد مصالحتي على أيوب ليس إلا .
رد في غير اقتناع:
- لا أصدق كم أنت عنيد.



❈-❈-❈
وصلوا قبل الفجر ليذهبوا للفندق بمجرد دخولهم غرفتهم خلعت حجابها بعد أن صلت فرضها ثم جلست بقربه على السرير، اقتربت أكثر وقالت:
- ألن تقول شيء.
التفت إليها بعيون مليئة بالغضب ورد:
- لماذا أحضرتني هنا من سمح لك بالتدخل في هذه الأمر ، هل اهتم بنا وهو حي يرزق حتى أهتم بوصيّته الآن هو ليس أبي لا تربطني به أي صلة .
مدت يديها و سحبته لحضنها فبدأ في الانتفاض غاضبا لعدة دقائق قبل أن يهدأ جسده لم تهتم إذا كان يبكي أم لا فقد تذكرت من سنوات قليلة ماضية عاشت معه نفس الموقف وقتها شعرت بأمومة وليدة ناحيته لكنها الآن أم بحق رغبتها بحمايته والتخفيف عنه أعمق بكثير ؛ وهو لم يخشَ من فعل ذلك أمامها بل لقد زاد من ضم نفسه لها ، استمرت في تمشيط شعره حتى نام ، آخر شيء تريده رؤية حزنه بهذه الطريقة مرة أخرى أمر والده وجع لا مسكن له أصر كثيرا على تجاهله ليظهر أمامه من جديد وقد تكون هذه المرة هي الأصعب .
رفعت عينها للسماء و أخذت تردد بهمس:
- اللهم اجبر خاطره جبرا أنت وليه فإنه لا يعجزك شيء في الأرض ولا في السماء، ربي اشرح صدره وأرح قلبه فهو قلبي وأزح منه كل ضعف يكسره وكل أمر يبكيه.
حاولت شد الغطاء كي لا يبرد ثم أراحت جسدها لظهر السرير و غرقت في نوم جراء التعب.

لا يصدق أنه نام أخيرا دون التقلب بحثا عن رائحتها التي يهرب منها كذبا ، هل كان حلم أم أنه فعلا كان في حضنها طوال الليل؟
استيقظ مفزوعا ينظر حوله بحثا عنها لتزداد دقات قلبه عندما لم يجدها نط من السرير محاولا التركيز ليعرف أين هو بالضبط عندما سمع صوت فتح الباب لم يتحرك من مكانه ليجدها تحمل كيس طعام و باليد الأخرى حامل القهوة فزفر في راحة
وضعت الكيس و القهوة فوق الطاولة وقالت:
- أنا جائعة جدا ، مطعم الفندق لم يفتح فذهبت لمحل قريب واشتريت بعض الشطائر، تعال لتأكل وهو ساخن.
جلست وبدأت في الأكل ليقول هاربا من الموقف :
- سآخذ حمام سريع و أصلي ثم آكل .
ردت وهي تمد له القهوة :
اشرب قهوتك وهي ساخنة كي تعدل رأسك ، لايزال لدينا وقت. رد وهو يتجه للحمام:
- سأصلي فقط .
لم تعترض تعرف بأنه يتجنب الحديث معها، لابأس تمر الأزمة وبعدها لكل حادث حديث.

❈-❈-❈
في بلد أيوب

بتذمر قالت مبروكة :
- اتركي الذي بيدك وتحدثي معي مثل العالم والناس.
بحثت عن فاصل الصفحات وعندما لم تجده طوت مقدمة الورقة و أغلقت الرواية رادة :
-نعم يا كوكة قلبي ماذا تريدين ؟
بحزم كاذب قالت محذرة :
-لا تقولي كوكة هذه اسمي أمي تعرفي لو لم تنادي به مرة أخرى لن يمر الأمر مفهوم.
طبعت قبلة على خدها وردت:
- كما تريدين كوكتي الجميلة .
ضربتها بخفة على أصابعها وقالت:
-كوكة مرة أخرى ؟
لعبت سنان حواجبها قبل أن تقف و تتفقد نوري النائم ، لتقول مبروكة بقلق:
- هل اتصلت بك أشماس.
هزت رأسها بلا ثم أجابت:
- لا تقلقي ستعود آخر النهار بالتأكيد لم تشتري خط من هناك، عموما خالي أوصى صديقه أن يهتم بهم.
لوت شفتيها وقالت:
- حقا إنه أصبح يهتم رغم خوفي أن يكون وراء ذلك مصيبة ، عيني ترف منذ البارحة استرها من عندك يا رب.
ضيقت عينها وردت:
- كوكتي الجميلة لمعلومتك فقط رفة العين سببها عدم وصول الكالسيوم لمكانه في الجسم وليست دليل لحدوث أي شيء .
دخلت تفاحة الغرفة وقالت مؤيدة :
- اخبريها تدلدل لساني وأنا أخبرها بذلك، نخلص من الأحلام لندخل لرفة العين ماذا بعد.
وقفت تضع ذراعها حول رقبة تفاحة و أجابتها :
- هناك حكة الأنف و رجفة الشارب ، والقدم المنملة والشبشب المقلوب وغيرها الكثير.
بحنق ردت:
- تسانديها بدلا من الوقوف مع أمك ، لم يكن العشم.
أسبلت رموشها وقالت:
- معك بالقلب أماه ؛ ذاهبة لجمان إذا استيقظ نوري خبروني ، أشماس أكدت علي أن تكون أول رضعة له من حليبها.
خرجت من الغرفة لتجلس تفاحة مكانها وتقول :
- افرغي ما في داخلك الأمر لا يخص أشماس وحدها.
تنهدت وردت:
- رغم أني سعيدة بذهابها مع زوجها حتى لو كان السبب حزين ، سامحني يا ربي لا أقصد الفرح بالموت.
لتقاطعها تفاحة :
- مفهوم ماذا يضايقك إذن ؟
مجرد أنها ذهبت فورا دون أن نحثها بل تركت ابنها في رعايتنا مؤشر ممتاز.
عدلت ربطة إيشاربها وردت: -أشماس نفسها تقلقني لم أعد أعرف فيما تفكر ، تصدقيني تركت ابنها في رعاية سنان وليس أنا ؟ رفعت حاجبها مجيبة :
- بالطبع ستتركها عندها أنت ملتصقة بقطر الندى كأنك سترضعينها.
ردت بغضت:
- ماهي مشكلتك مع تلك الفتاة المسكينة سنراك بعد أن تنجب زوجة ابنك فتاة أقسم أن أذلك كما تفعلين معي.
نكزتها وقالت:
- سأفعل إذا أسمتها تفاحة فقط ؛ دعك من ذلك واخبرني عن السبب الحقيقي لقلقك.
بللت شفتيها وردت ببعض الخوف:
- أريد رؤية رؤوف ، سفيان يمنعني حتى من الاتصال به هل يعقل أن أحرم منه بعد أن عاد لأحضاني؟
رفعت حاجب الشر وقالت:
- ماذا عن من كسر قلبها و أهينت كرامتها أمام الجميع، لماذا لم تفكري فيها؟
بدلا من السؤال عن رؤوف لأنك اشتقت له كان عليك محاسبته على فعلته ، بل أفعاله نسيت أنه أراد ضرب أشماس !
ردت مدافعة عن نفسها وهي تلوح:
- من قال أني لا أهتم بسنان هي ابنتي و روحي معلقة بها كل ما في الأمر أن الجميع معها أما رؤوف وحده منذ ذلك اليوم لم يتجرأ أحد و يسأل عنه حتى.
قالت تفاحة ساخرة :
- معك حق كان يجب تقديم اعتذار رسمي له لجرح مشاعره و ربما آخر لصديقته ، لا أصدقك بصراحة أنت لم تعلقي على محاولته الاعتداء على أشماس ولا كلام حارث الجارح كان لديها ألف حق عندما ابتعدت عنكم سابقا.
التفتت لها وردت بحدة :
- ليس لديك شيء تقوليه غير تأنيبي اذهبي لبيتك واتركيني لحالي ما دمت ظالمة .
لتقول تفاحة :
- ظالمة و مفترية أيضا ، هيا لنجهز الغداء هالة تريد بطاطا مبطنة علينا تحضير كمية كبيرة للجميع.
وقفت لتجيبها :
- لا أعرف إذا كان لدينا مفروم يكفي ، اسمعي لدي لحم لنضعه في المفرمة لن أجد من أرسله الآن ليجلب لي من السوق.
خرجت من الغرفة وتفاحه ترد:
- أعتقد لدي في الثلاجة سأتصل بهالة و أتأكد بدلا من فرم اللحم ، المهم البطاطا لديك أم اتصل بالمحل.
لتقول مبروكة بحماس:
- تعالي لأتأكد بنفسي البنات لا ينفعن في هذه الأمور طبعا و الأسوأ الشغالة يا إلهي أصلا لا أعرف كيف أتحدث معها كل ماتقولهyes Mam
لتقول تفاحة بحسرة :
- لا تذكريني حالي أسوأ منك، تعالي كي أخبرك ماذا فعلت الأسبوع الماضي
❈-❈-❈
في الدولة الأجنبية

بغضب صاح أيوب:
- ما دمتم دفنتموه بل و فتحتم الوصية لماذا اتصلتم بي؟
ماهي الفائدة من معرفتي إذن ؟
أمسكت أشماس بيده وقالت بصوت خفيض:
- أهدأ قليلا لنرى ماذا يوجد في الوصية أولا .
ردت زوجة والده:
- بقائه في المستشفى يكلف الكثير من المال لذلك اختصرنا الموضوع كما أنه ترك وصية واحدة لنا و أخرى لك، عليك أن تكون شاكرا لأننا اتصلنا بك و إلا ما كنت علمت بالأمر من الأساس .
جز على أسنانه وقال:
- من قال أني أريد معرفة أي شيء يخصه أو يخصكم ؟
معرفتك لا تشرفني لعلمك.
بنزق ردت:
- شعور متبادل و الآن علي الذهاب سلمتك وصيتك كما أراد زوجي.
وقفت تعدل قميصها الضيق و أخذت حقيبة يدها ثم أردفت :
- لعلمك ليس لديك ورث كل شيء ملك لي.
نظرات أشماس المحذرة لها جعلتها تخرج بسرعة بعد أن تذكرت ما فعلته يوم اقتحمت منزلها وهددت زوجها الراحل.
أعطى المحامي ظرف مغلق لأيوب وقال:
- هذا يخصك ، كما قالت السيدة ليس لديك أي ورث لأن والدك كتب كل شيء باسم زوجته.
لم يتلقَ ردا منه لتأخذ أشماس الظرف و تقول:
- شكرا لك علينا الذهاب إذا لم يكن هناك أمر آخر .
وقفت ليقف أيوب وقبل أن يخرج سأل :
- أين قبره أريد العنوان؟
❈-❈-❈
بعد عدة رنات على أحد تطبيقات الهاتف التي تعمل بالإنترنت رد أخيرا لتزعق به :
- جيد أنك تنازلت وأجبت على هاتفك ؛ اسمع جيدا مفتاح البيت عند حارث لا أعرف إذا كان من الأفضل إقامة العزاء في البيت أم تأجير صالة ، سألت شيرين لكنها قالت بأن لكل عائلة طريقتها و أيوب كما تعلم لن يفيدني في شيء الآن .
بلع ريقه وقال بصوت متوتر :
- كيف حالك أشماس ، أعتذر كان لدي عمل ، شيرين هذه صديقتك صح .
ردت بغضب أقل :
- لست بخير، أيوب في حالة صعبة لا أعرف كيف أخفف عنه ، اسمع أنت أقرب شخص له تعرف ما عاناه بسبب والده لطالما قال بأنكما كنتما مثل الإخوة في صغركما و لم تفترقا أبدا ، لذلك عليك مساعدتي أريد عزاء يليق بوالد أيوب وليس بإبراهيم الخليل تفهمني.
كلمتها صبت بلسم على وجعه ليقول ببعض العناد :
- هاشم أفضل مني في هذه الأمور اطلبي منه هو أو حتى حارث أو ..
قاطعته بنبرة حازمة :
- لا أنت الأقرب أكثر من تعرف ذلك الوجع ، حارث لا يعرف أصول العزاء عندكم، اسمع ستجد في درج المكتب الثالث ظرف به مال اصرف منه، لا أريد لأحد أن يضع قرش في العزاء سوى أيوب نحن سنعود اليوم.
حك رأسه ورد :
- سأخبر حارث ليعطيني المال و..
عادت لمقاطعته :
- حارث لن يفعل سيدفع من جيبه، قلت أريد من مال أيوب فقط أنت أيضا لا تدفع قرش .
أردفت بنبرة مترجية :
-علاء أثق بك أرجوك قم بالأمر حتى أعود فقط وبعدها سأجد حلا .
خوفها على أيوب و نبرتها الواثقة فيه جعلته يبتسم بسعادة ويجيبها:
- لا تقلقي زوجة أخي كل شيء سيكون كما تريدين .
لتقول بنبرة بدت خاوية :
- لا تنسَ إخبار رنا.

بعد إغلاق الخط دخلت الغرفة لتجده على نفس الحالة من الغضب فجلست بقربه وقالت:
- دعنا نذهب للمطار لا فائدة من جلوسنا هنا.
كان صدره يرتفع وينخفض بغضب واضح ليقول:
- احرقوا جثته
حتى لم يقوموا بالصلاة عليه رأيت وضاعة أكثر من ذلك.
أمسك الكوب الزجاجي الذي بقربه ورماه لينكسر بعد اصطدامه بالحائط ليصرخ هو:
- لماذا أهتم هو من اختار ، يحرقونه أو يدفنونه الأمر لا يعني لي شيئا.
وضعت يدها على يده وقالت:
- بل يعني ويجب أن يعني الكثير لأنك أيوب الذي ربته سماح ، أيوب الذي لم يستطع التطاول عليه رغم كل ما فعله به ، يجب أن تحزن وتغضب وتقيم له عزاء أيضا .
لف وجهه لها بحدة لتتابع :
- لا أقول أن تسامح هذا أمر فوق قدرتنا الله ربط العفو بالمقدرة لكن عليك بالبر و البر هنا إقامة عزاء من أجلك أنت وليس لأنه يستحق .
عاد برأسه للوراء وقد بدت نبرته مقاربة للبكاء وهو يجيب:
- لم أقم واحدا لأمي ، هي من تستحق هي من تحملت وتعبت من أجلنا بينما هرب هو ليعيش مع تلك+++ وفي النهاية أحرقوا جثمانه. بنفس النبرة ردت:
- أمك علمتك ألا تكرهه أو تدعو عليه، أمك لم تتحدث عنه بالسوء وهي السبب فيما وصلت إليه بسبب رضاها عنك ، اكمل الطريق من أجلك ومن أجلها هذا آخر شيء يربطك به.
عاد للنظر لها وقال:
- أريد أن أنام قليلا اذهبي أنت للسوق على الأقل اشتري هدايا للأطفال .
ابتعدت ليتمدد هو فغطته وقالت هامسة :
- لن أتأخر ارتح الآن .
من حسن حظها أن الفندق قريب من مجمع محلات، بسهولة وجدت محل الأطفال مشهور ، قررت ألا تبحث عن غيره كي لا تتأخر كما نها سبق و اشترت منه، بسرعة أخذت ما أعجبها و وقفت في طابور الدفع دون أن تلمح تلك التي رأتها منذ دخولها المحل لتتبعها بقلب مرتجف ؛ بعد خروجها من المحل سمعت صوت كريه لها يناديها لتلتفت ببطء داعية أن تكون مخطئة
للأسف لم تخطئ بل كانت هي غريمتها الأزلية فتنة السماك.
تغير شكلها منذ آخر مرة بينهما فهي الآن ترتدي حجاب وملابس واسعة جعلتها لا تتعرف عليها إلا من صوتها في البداية حتى اقتربت منها تدفع عربة أطفالها لتقف أمامها مباشرة بملامح تحمل الكثير من الذنب و الأسف معا أنزلت عينها وقالت:
- عمي إبراهيم أخبرنا عن مشكلتك مع رنا ، صدقيني أنا أريد مساعدتك ومستعدة لإخبارها لكن هادي رفض
تلعثمت قليلا قبل أن تردف:
- أعني هو لا يريد أن يفتح القصة من جديد يظن أن في ذلك تقليل لي .
لم تتغير ملامحها وهي تجيب:
-لماذا تخبريني بذلك ؟
رفعت عينها تنظر لها وقالت بعفوية :
- أردت أن أوضح موقفي وأبرأ نفسي من ذنبك ، صدقيني لو بيدي كنت..
- كاذبة
أخرستها الكلمة و جعلت عينها تتسع في غير تصديق خصوصا عندما أردفت أشماس:
- منذ أول لقاء لنا و أنت تتعمدين إغاظتي والتقليل مني بكل الطرق لم يكفك محاولة قتلي بالسم و اللف حول أيوب إلا لسبب سوى معرفتك أنه يخصني
لتقول مدافعة عن نفسها:
- زواجي من أيوب لم يكن مدبرا حدث في ظروف خاصة وقد أخبرك بحقيقته كي لا تظني به سوء صدقيني كنت مرغمة عليه وليس بإرادتي.
بابتسامة جانبية هازئة و رفعت حاجب واحد ردت:
- و أخذك لماله من أجل الدراسة أرغمتِ عليه أيضا ؟
شحب وجهها من متابعة أشماس:
- ماذا عن اختيارك لأثاث منزلي و إصرارك على الالتصاق به ؟
الشيء الوحيد الذي جعلك تبتعدين عنه هو ظهور هادي و إلا ما تركته أبدا و الحجج كثيرة.
لوحت بوجه شاحب:
- غير صحيح لم أكن أريد الارتباط به وإلا ما كنت أخبرتك بحقيقة زواجنا .
- كاذبة
أعادتها ليحتقن وجه فتنه فتحت فمها لتدافع عن نفسها لتخرسها بإشارة من يدها وهي تقول:
- لا يهمني أيا من أعذارك وفريها لشخص آخر ، ولا أريد أي شيء من جهتك بل إني لا أرغب حتى في أذيتك و إلا كنت أخبرت أهل زوجك عن تاريخك العريق لنرى عندها كيف سيحافظ هادي على كرامتك.
وكأن كلماتها لم تكن مدمرة كفاية لتتبعها بنظرة كره واضحة وتقول باشمئزاز:
-لا يهمني كونك تبتِ و غطيت شعرك أو حتى كفرت عن ذنبك كما تدعين أنا لم ولن أسامحك أبدا لا أنت و لا أمك و لا عمتك و إذا لم آخذ حقي في الدنيا لن أتنازل عنه في الآخرة اهنئي الآن قليلا وقت الحساب لم يأتِ بعد .

❈-❈-❈


لم تستطع العودة لمنزلها لتذهب لمنزل لينا فهي الوحيدة التي تعرف بالقصة منذ بدايتها ، أخبرتها ما حدث بكلمات باكية لتختمها قائلة :
- يا إلهي سوف أخسر هادي للأبد هذا عقابي ، هذه المرة لن يستطيع الوقوف أمام عائلته من أجلي .
زاد بكاؤها لتحاول لينا تهدئتها :
- اهدئي قليلا لن تستطيع فعل شيء لكي الآن ، تهديدها فارغ صدقيني.
ردت وهي تشهق بعبارات باكية :
- لا ليس فارغا لو رأيت عينها لتأكدت من كرهها لي ، ربما هذا عقابي عليِ تقبله لكن هادي و أولادي لماذا عليهم تحمله.
اهتزّ جسدها جراء بكائها الحار لتقول لينا :
- كفي عن النواح، لن نجعلها تفعل ما تريده، أخطأت و دفعت الثمن لماذا الذل الآن ؟
عليها لوم زوجها على فعلته بدلا من الاستقواء عليك.
لم تجبها فتنة وقد دفنت وجهها بين يديها واستمرت في البكاء لتقف لينا تقطع الغرفة ذهابا و إيابا حتى وقفت فجأة وقالت:
- وجدت الحل .
رفعت فتنة وجهها المغطى بالدموع وفي عينها نمت شعلة أمل لتجلس لينا أمامها ممسكة بيدها وتقول:
- عليك تنفيذ ما أقوله بالحرف الواحد متأكدة أنه الحل الوحيد لك إذا لم ترغبي في إخبار هادي .
مسحت دموعها بكم قميصها وردت:
- لا هادي لا، هذه الأيام مشغول جدا في قضية مهمة و موضوع أيوب يصيبه بألف عفريت لا أريد زيادة الطين بلة بإخباره عن أشماس متأكدة سيلومني .
زمت شفتيها حتى أصبحت كخط مستقيم ثم قالت:
- إذن اخرجي هاتفك و اتصلي بزوج عمتك، لكن أولا لنجهز ماذا ستقولين له .


❈-❈-❈
في بلد أيوب

وضع فوق مكتبها الجديد كوب شاي بالقرنفل لتمسك بالكوب بسعادة وقالت:
- جاء في وقته شكرا رمزي لا تعلم كم كنت أحتاجه.
جلس مقابلا لها يحمل كوبه بين يديه ويرد:
- القرفة تهدئ الأعصاب أصبحت أحبها بعد أن علمت بحبك لشاي القرفة .
أخذت رشفة محاولة مداراة خجلها ، ليتابع رمزي:
- لدي اعتراف ، أممم هو في الواقع ليس اعتراف بل طلب لحل معضلة .
وضعت الكوب وردت باهتمام :
- كلي آذان صاغية ، إذا كنت أستطيع مساعدتك لن أتردد أبدا .
أخذ رشفة أخرى من الشاي ثم قال:
- خلال إقامتي في الخارج لم أكن متدينا أعني هناك بعض الهفوات التي فعلتها أو بالأحرى زلات .
تقبض قلبها وقد توقعت القادم، طبعا كل الرجال يقعون في نفس الرذيلة !
قرأ أفكارها بسهولة فقد عبرت كل عضلة في وجهها عن الاشمئزاز بوضوح تام لتقفز ابتسامة هازئة على شفتيه لثوانٍ قبل أن يمحيها و ينظر لعينها مباشرة قائلا:
- لم أكن أصوم دائما
تركها تستوعب قبل أن يكمل:
- كثير من الأحيان أجد نفسي آكل مكرونة بجانب الموزريلا أو حتى قطعة لحم دون أن أتذكر أنه وقت الصيام الكبير
أعني أعرف طبعا عند العودة للبيت فأبي يحرص على ذلك ؛ لكن عشاء العمل و الانخراط مع الأجانب يجعلني أنسى مرة و أتناسى مرات.
بدأت ملامحها في الارتياح بل إنه يكاد يقسم أنه سمع تنهيدة ارتياح صغيرة قبل أن تجيبه :
- كثير من الذين يكبرون خارج وطنهم الأم يحدث لهم خلل في العقيدة للأسف خصوصا لو مثلك فقدوا الأم مثل حالتك ، لطالما اقتنعت بأن الأم هي المصدر الأساسي للتربية خصوصا الدينية .
رفع حاجبيه وقال:
- تعني أنه ليس هناك أهمية للأب في التربية ؟
بجدية ردت:
- لا أقول ذلك طبعا ، لكن المتواجد أكثر مع الطفل هي الأم .
ضيقت عينها في تفكير ثم قالت:
- الذي يعلم الطفل دخول الحمام أو لبس الحذاء أو حتي كيف يمسك بكوبه جيدا هي في الغالب الأم في هذه الأثناء تقوم بتلقينه الدين أيا كان الذي تتبعه، بل هي التي تحرص على الاحتفال بالمناسبات الدينية و غيرها لذلك أجد بأن للأم نسبة كبيرة لا تقل عن ثمانين في المئة من تعليم الطفل أو على الأقل غرس الدين بداخله .
لم يمنع عينه من إظهار إعجابه بها ليبدأ وجهها في التحول للون الأحمر بالتدريج وقال:
- حسنا هذا قد يكون مبررا لكن ليس هذا ما أريده منك.
رمشت عدة مرات وردت:
- ماذا تريد إذن ؟
عاد يترشف من كوبه وقال:
- أريد أن أعرف إذا كان هناك كفارة عن الذنب كي لا أكون خارج من نظام الكنيسة أو آثم .
زمت شفتيها محاولة استيعاب كلامه خصوصا أنها شعرت بأنه يقصد أكثر من معنى لتجيبه:

- لا لا يوجد كفارة عن ما فات من الحياة الروحية
بل تعتبر خطية لكسر النظام الروحي مع طقوس الكنيسية ، بمجرد تقديم توبة حقيقة أمام الله والاعتراف بها أمام الكاهن ( القسيس) ترفع عن كاهلك.
لم تتأثر ملامحه مما أقلقها لتتابع وهي تلوح بإصبعها في تحذير:
- التوبة هنا معناها الندم عن ما فات و وعد بالاجتهاد لتغيير فعلي وجهاد حقيقي في الطريق الصحيح ليس مجرد كلمة عابرة.
لمعت عينه ورد:
- تستطيعين مساعدتي لأفعل ذلك؟
اهتزت مقلتيها ليتابع:
- لا يوجد أفضل منك أمامي ، أنت أكثر أحد مقرب مني متدين لن يقوم بانتقادي هذا بخلاف تواجدنا معا
دائما.
أعادت خصلة وهمية من شعرها خلف أذنها وردت:
- كما أخبرتك وجودك في البلاد له تأثير كبير الأمر أسهل بكثير هنا معظم المحلات والمطاعم توفر وجبات صيامي تعرف بأنه يوجد نوع جبنة صيامي أيضا ؟
بل أكثر من واحد صدقني تواجدك وسطنا والتردد على الكنيسة يجعل الأمر سهلا جدا ، أما وجودي لن يفرق كثيرا.
عاد يرتشف من الشاي وقال:
- اعتبريني أحد الأطفال الذين تقومين بتعليمهم ، أجرك سيكون مضاعفا حتما.
وقف ومال مقربا وجهه منها لتتراجع برأسها للخلف عندما قال:
- كما قلت المهم معرفة الذنب والتوبة عنه بحق وليس مجرد كلمات أو الإصرار على التمسك بالذنب بحجج واهية .
عقدت حاجبيها وردت :
- أنا قلت ذلك ؟
عدل وقفته و غادر المكان تاركا إياها تغرق في حيرتها دون إيجاد معني واضح لكلماته تلك
❈-❈-❈

في الدولة الأجنبية

عادت للفندق فورا بعد مواجهتها لفتنة ، لم تصعد للغرفة بل جلست في ردهة الفندق لتستجمع هدوئها محاولة تجنب إظهار غضبها أو حتى التلميح لأيوب بأي شيء وهو في هذه الحالة النفسية الصعبة .
أخرجت هاتفها لتتصل بسنان لكن الأخيرة لم تجب، زفرت و استقامت لتصعد للغرفة عندما اقترب منها رجل كبير في السن ذو ملامح أجنبية وقال بلهجة بلد أيوب غلب عليها الطابع الأجنبي :
- أنت قريبة إبراهيم الجعفري ؟
خمنت أنه صديق خالها لتجيبه :
- نعم أنا أشماس الجعفري ، أنت صديق خالي صح.
لم تعجبها نظراته المتفحصة لها لتقول بحزم :
- تفضل هنا سأنادي زوجي لابد أنه لايزال نائما عن إذنك.
لم يعترضها لتصعد للغرفة فوجدت أيوب نائم بالفعل، أيقظته بصعوبة ليقول متذمرا:
- ماذا تريدين لست جائعا و موعد الطائرة لم يحن بعد.
وضعت المشتريات في الحقيبة الصغيرة التي جلبتها معها وردت:
- صديق خالي بالأسفل يجب أن تنزل له.
جر نفسا جرا ليدخل الحمام ليخرج بعد فترة بشعر مبلل زفرت وقالت:
- لا تنزل هكذا ستصاب ببرد حتما يوجد مجفف شعر في درجة التسريحة.
استمر في تنشيف شعره بالمنشفة لتمسك يده وتجره للتسريحة مخرجة المجفف وتقوم بالمهمة عنه رغم اعتراضه.
-اووف أوقفيه لا أحب صوته.
بانزعاج قالها لتمرر أصابعها في شعره لتتأكد من جفافه ثم أوقفته رادة :
- إذا مرضت ستنقل العدوى لنوري و يزيد ، لا أستطيع رعايتكم جميعا خصوصا نوري صغير مناعته ضعيفة ويزيد لا يحب الأدوية .
عدل رقبة قميصه وقال:
- البسي حجابك وتعالي لننزل لقد تأخرنا كثيرا لا يجوز أن ينتظرنا أكثر من ذلك.
تعمدت البطء وهي تفعل متمنية أن يذهب ذلك الوقح ، كيف ينظر لها بتلك الصفاقة وهي في عمر أولاده ؛ للأسف وجدته ينتظر عندما نزلت مع أيوب ، وقف حالما رآها تتقدم منه مع زوجها ليمد يده فسلم عليه أيوب وقدم له التعازي ، بينما جلست هي ليقول كمال الذي جلس مقابلا لها ينظر لها بنفس الطريقة :
- لم أصدق عيني عندما رأيتك أول مرة ، أنت تشبهين زوجة خالك كثيرا، أعني المرحومة وليس جيهان .
تحفزت خلاياها لتجيبه بغير تصديق:
- تعرف أمي ؟
تنحنح أيوب و قال:
- تعني عمتها، المرحومة هي التي ربت زوجتي لذلك تناديها أمي .
ابتسم كمال ورد:
- لا أستغرب ربما هذا سبب الشبه، في الحقيقة كنت نسيت شكلها فأنا لم ألتقِ بها سوى مرة واحدة فقط .
كاد أن يفصح عن قصة الصور الحديثة والتي تبدو فيها سليمة الجديدة أقرب لأشماس منها لسليمة القديمة لكنه أمسك لسانه في الوقت المناسب ، لحسن الحظ لم يفطن أحد له ليقول مغيرا الحديث:
- المهم ما رأيكم أن نتناول الطعام في مطعم قريب من المطار قبل موعد الطائرة أعرف واحدا ممتازا .
أجابه أيوب:
- لا نريد أن نتعبك نعرف المدينة جيدا شكرا لك.
رد بإصرار :
- لا يوجد تعب احضر حقائبك و تعال لنذهب هيا.
رغم عدم استساغتها له لكنها شاكرة إصراره أن يصحبهما معه ، فهي لازالت متأثرة مما حدث ولا تضمن صمتها لو حدث أبسط شيء بينهما ؛ أخذت تكرر لنفسها :
- تجنبيه قدر الإمكان لا ينقصه القصة من جديد، أيوب يستحق وقت مستقطع حتى يمر من صدمة موت والده وبعدها أنفذ ما بدأت به.

التزمت الصمت طوال المشوار حتى عندما تحدث كمال عن نفسه وكونه زميل جيهان و إبراهيم وغيرها من الأمور التافهة بالنسبة لها، أيوب أيضا لم يشارك كثيرا بل كان يستمتع أكثر مع الرد للمجاملة فقط ، وصلوا للمطار قبل الموعد بفترة كبيرة ليقول كمال:
- هناك طائرة ستقلع قريبا سأرى إذا كنت أستطيع إيجاد مكان لكما فيها.
تيسر الأمر ليجد بالفعل كرسيين ولأنهما لا يحملان من الأمتعة سوى حقيبة صغيرة لم يدفعا مبلغا كبيرا عند تغيير التذاكر ، أصر أيوب أن يدفع هو رافضا تماما عرض كمال لأنه رغم حالته النفسية لم تعجبه بحلقته في زوجته حتى و إن برر السبب .

أمام بوابة القادمين في بلد أيوب وقف علاء يخالجه أكثر من شعور، لا يعرف لماذا أتى هو بدلا من إخبار حارث بالموعد ؟
عندما كان يرسل لأشماس آخر المستجدات بشأن إقامة العزاء علم بتقديمهما موعد حضورهما ، ليتهرب متعللا بالعمل فطلبت منه إخبار حارث لأنها ستغلق الهاتف بسبب صعودها الطائرة
لكنه لم يفعل ، ربما رؤية صديقه قبل حارث كي لا ينهار أمامه أم هي رغبة أنانية بالاستئثار به ؟
اللعنة لهذه الفكرة منذ متى وهو بهذه الأنانية هل أيوب يستحق منه ذلك؟
بدلا من التفكير به يحاول إثبات أنه الأقرب و الأحق برؤية ألمه ؟
أخرج هاتفه و أرسل رسالة لحارث يخبره بموعد وصول أيوب ليسمع صوت الأخير بجانبه قائلا:
- كنت سأتصل بك عرفت للتو من خالي ، جيد أنك أتيت لابد أنه يحتاجك الآن .
نظر له علاء باستغراب ورد:
- ماذا تعني يحتاجني ألن تبقى لتسلم عليه؟
تنهد حارث ثم قال:
- بلى لكنني آخر شخص في العالم يمكنه مواساة شخص فقد والده قبل أن يودعه.
أخرج سيجارة ليشعلها وتابع :
- أعلم بأني نذل، أيوب يحتاجني وأنا أهرب كي لا أظهر وجعي يا لي من أخ وسند بل رجل يعتد به !
ارتعشت شفتاه وهو يشفط الدخان من سيجارته و أغمض عينه مانعا دموعه من النزول ليقول بسخرية :
- تعرف بأني تقريبا لم أحضر أي جنازة منذ خرجت من وطني ؟
أذهب وقت العزاء متجنبا الجلوس قرب أهل المتوفي لأغرق في حديث تافه مع أي شخص أجده .
رمى السيجارة قبل أن يكملها ليدهسها بقدمه مردفا:
- و الآن أيوب هو أهل الميت بل الميت نفسه مهما ادعى موت والدك يعني كسر ظهرك
التفّ له بعيون محمرة وقال:
- لم أجد الجبر لها بعد.
بماذا يرد عليه؟
كيف يهون أو حتى يحاول مجاملته ؟
لم يطرأ في باله لثانية واحدة بأن حارث دائم الابتسام والمزاح يحمل هذا الحزن بداخله بل إنه على وشك البكاء كابنه الملتصق بقدمه مطالبا إياه بحمله !
تجاهله لروابط أيوب وتلك العائلة لا يعني أنها غير موجودة ، منذ وصله خبر موت والده وكلهم لا يفكرون سوى في أيوب فقط متجاهلين أي شيء آخر .
صرخ يزيد و أسرع راكضا لينتبه علاء و حارث له فوجدا أشماس نزلت تحتضنه وتقبله قائلة :
- اشتقت لك كثيرا كما وعدتك لم أتأخر وجلبت لك هدية أيضا .
وقفت تمسك بيده وتقدمت ناحيتهم مع أيوب الذي احتضنه حارث معزيا بكلمات مقتضبة ثم أخذ يزيد وحمله قائلا لأشماس :
- تعالي معي أيوب سيعود مع علاء .
نظرت لأيوب تأخذ مشورته فأومأ لها لتقول :
- سأنتظركم في المنزل .
تركته بغير رضا وهي تلقي نظرات تحذيرية لعلاء الذي هز رأسه مبتسما و قال لصديقه :
- زوجتك هذه تذكرني بأبلة إيمان المشرفة في المدرسة الإعدادية تذكرها ؟
لديها زعقة في الممر تجمد الدم في عروقنا ، تصدق أني بت أتجنب أي فتاة اسمها إيمان بسببها.
ركبوا السيارة ليقول أيوب:
- كنت أعتقد بأنك تكره أبلة شيرين مدرسة الفيزياء أكثر لذلك تتجنب كل مالهن هذا الاسم.
باستنكار رد:
- أنـــــا
متى لم يحدث هذا أبدا بالعكس أحب اسم شيرين جدا جدا.
لم يعلق ليسود الصمت لبرهة من الوقت حتى قال علاء :
- أشماس من أخبرتني ، علي الاعتراف بأني كنت مخطئ في رأيي بها سابقا ، أعني أنها ليست بذلك السوء يمكنني بلعها من أجلك فقط .
لم تتغير ملامحه فقط نظرة خاطفة من طرف عينه ليعود الصمت سيد الموقف ؛ حتى لاحظ أنهم يقتربون من حيهم القديم ليعتدل في جلسته ويعقد حاجبيه قائلا :
- إلى أين تأخذني ؟
ابتسم رادا :
- سندوتشات مخ من عند عطية شناكل ، مطاعم هاشم أصابت معدتي بتلبك معوي شديد أكاد أفقد حاسة التذوق .
أجابه ببرود :
- لست جائعا خذ طلبك ولنعد للمنزل أريد أن أنام .
ركن السيارة في الشارع الرئيسي و نزل قائلا:
- هيا انزل معي لابد أن بطنك جفت من البيتزا بذيل الفيل ، هاشم جلب لي منها لو تعرف سعرها ستصاب بسكتة ، المشكلة طعمها مقرف ، استغفر الله نعمة في النهاية المهم على الناصية من محل شناكل فتح محل عصير قصب ولا أروع نحبس به بعد الأكل ، هيا مد الخطوة لا تكن مثله.
ابتسامة صغيرة لم تدم طويل على شفتي أيوب ليتبعه دون رد ، عودة علاقته بعلاء تعني له الكثير خصوصا في ظروفه الحالية .

❈-❈-❈

وضعت علبة الأدوية في حقيبة بلاستيكية وقالت:
- الدواء الذي طلبته أشماس مكتوب عليه اسمها والتعليمات وأدويتك أيضا ، كما أخبرتك واحد فيتامينات و الآخر مسكن في حالة الألم مع مرهم باسط للعضلات .
أخدت منها الكيس و ردت :
- شكرا دكتورتنا ، إلى اللقاء الآن .
أشارت لها لتقف وقالت :
- انتظري قليلا كيف ستذهبين وحدك .
رفعت حاجبها وردت :
- لماذا أبو رجل مسلوخة ينتظرني أول الشارع أم أمنا الغولة ستخطفني ؟
زمت أفطيم شفتيها و أجابتها :
- الوقت يعتبر متأخر و أنت لوحدك قلقي عليك طبيعي جدا.
لوحت بيدها وقالت:
- لا تخشي سأكون بخير واتصل بك عندما أصل تيما .
خرجت لتعود لسيارة الأجرة التي تنتظرها لتجده يقف أمامه بابتسامته الباردة وشعره الواقف كأشواك القعمول قلبت عينها ليقول هو بابتسامة واسعة أظهرت أسنانه البيضاء :
- اتقفنا أن نتقابل خارج المستشفى و أنت تتجاهلين اتصالاتي سونسن .
ردت وهي تجز على أسنانها :
- سوسة تأكل أسنانك كلها لتفقدك القدرة على الكلام قول آمين .
اتسعت ابتسامته وهو يجيبها :
- مع أني لم أفهم كلامك كله و أشعر أنه سباب لكني لن أكسفك سنسونتي آمين .
تقدمت متجاهلة وجوده وهي تقول :
- أمنوا عليك بعد دفنك ؛ لا تقل سنسن هذه مرة أخرى لا تجعلني أستخدم طرق لا تعجبك .
لحق بها ورد:
- لو تسمعيني لدقائق فقط متأكد وقتها تحبيني جدا.
وجدت سيارة الأجرة لتقف وتقول:
- حبك قنفذ تلحق به حية رقطاء ؛ ابتعد عني لا أريد التأخر في العودة .
أسرع ليقف أمامها مستغلا بطء خطواتها ورد:
- ما رأيك أن أوصلك بسيارتي لن تتأخري عندها انظري سيارتي سريعة جدا.
أشار لسيارة ذات ثلاث عجلات تشبه سيارات السباق و أردف بفزع :
- أراهن أنك لم تري مثلها سابقا تعالي لتجربي ركوبها .
تجاوزته لتفتح باب سيارة الأجرة و ردت :
- رأيتها كثيرا ، عند ابن أخي الصغير .
أغلقت الباب لتنطلق السيارة ليضحك وقال :
- معجزة جميلة ذكية و الأروع صعبة ، لن أتراجع أبدا .
وصلت لفيلا أشماس لترسل لأفطيم تطمئنها بوصولها ، ثم أعطت الكيس لأشماس لتضمها لها وتقول :
- لدي اعتراف لم أجلب لك صورة أخ أيوب ماذا أفعل لتعوضك عن ذلك ؟
أغمض عين واحدة وردت :
- تركت ابنك معي و لم تجلبي طلبي ماذا أطلب يا ترى ؟
اممم دعيني أفكر في تعويض كبير وبعدها أخبرك .
لتقول أشماس وهي لاتزال تضمها لها:
- ابقي معي على الأقل اليوم لدينا حديث طويل أخبرك به.
خرجت مبروكة من المطبخ لتراهما فقالت :
- زوجك تأخر اتصلي به.
تركت سنان وردت:
- مع علاء لا أريد الضغط عليه.
لتقول تفاحة :
-ماذا قررتم بشأن العزاء ؟
ردت:
- علاء اهتم بمعظم الأمور و أحتاج لمن يحضر قُرص لتوزيعها في المقابر، لا أعرف ماذا يطلق عليها.
أجابتها هالة :
- أعرف ما تعنينه أنا سأتولى أمرها لا تشغلي بالك.
أومأت لها و قالت :
- لكن أنا من سيدفع التكاليف هذا شرطي.
أرادت الاعتراض لتصمت بعد نظرة من عمتها في الوقت الذي قالت فيه مبروكة :
- ماذا عن عشاء المعزين أي نوع طعام نطبخه .
لتجيبها تفاحة :
- لا يوجد عشاء للمعزين هنا ، علينا اتباع تقاليد البلد فقط قهوة ويمكن إضافة تمر.
يغير رضا قالت:
- كيف لا يوجد ماذا عن الذين من بلدنا ؟
زفرت أشماس وقالت:
- سنعلن عن يوم محدد لأبناء جاليتنا عندها اطبخي ما تريدينه .
لتقول درصاف:
- تريدين يزيد اليوم أم آخذه ؟   ردت بترجي:
- اتركيه لي أحتاجه كثيرا.
صدح بكاء نوري لتصعد لغرفتها لتغير لتتفقده ، غيرت له حفاضه لتلحقها درصاف قائلة :
- عمي يريدك في الأسفل .
أعادته لسريره و ردت :
- سأنزل له حالاً.
اقتربت من سرير نوري وقالت:
- انزلي وأنا سأبقى معه حتى ينام.
أومأت لها و نزلت لتجده يقف وسط الصالة ليشير للباب الرئيسي ويقول:
- تعالي نتحدث في الحديقة بعيدا عن الباقين .
خرجت معه للحديقة لتجلس في ركن بعيد عن الباب دون أن تشعل الضوء مكتفيا بنور القمر
حاول جعل نبرته لائمة وهو يقول:
- اتصلت بي فتنة .
توقع مقاطعتها أو أن تصرخ مهينة لها لكنها لم تفعل ، رغم عدم ارتياحه لرد فعلها أكمل بنفس النبرة ظنا منه أنها قد تتأثر به:
- ما قلته لها لا يجوز فهي تابت بعد أن عرفت خطأها وقد أصبحت شخص آخر تماما لماذا تريدين إعادتها للبداية ؟
أسندت رأسها لكفها المتكئ على حافة الطاولة وردت :
- اشتكت لك بهذه السرعة ؟
لانت نبرته وقال:
- لم تشتكِ هي فقط خائفة على زواجها وهذا من حقها طبعا.
بسخرية ردت :
- و أنت من ستحفظ زواجها كعادتك طبعا.
تلميحها أشعره بالإهانة ليقول بحدة :
- نعم سأفعل لن أسكت عن الحق، قلت لك بأنها تابت و ابتعدت عن زوجك بل هي لم تقترب منه منذ البداية القصة كلها قدر .
ببرود أجابته :
- هل انتهيت؟
ردها زاد غضبه ليقول بصوت مرتفع :
- أنت من عليها إنهاء هذه القصة وإبعاد فتنة من عقلك ، ثم لماذا تعايريها بالمال الذي أعطاه لها أيوب ألم يدفع حارث ثمن دراسة درصاف ؟
أم هو حلال عليكم حرام عليها ؟
اسمعي أشماس أنا من اتصلت بها كي أحل قصتك مع أيوب لكني لن أقبل بأن يتم أذيتها بسببي.
بنفس البرود ردت :
- دفاعك المستميت عنها وعن عمتها يستحق الإعجاب ، لا أعرف إذا كان هذا حب أم شهامة أم كره لابنة سليمة فقط
اتسعت عيناه مع تراجع رأسه للخلف لتكمل هي:
- أولا حارث يدفع مصاريف الكل وليس درصاف فقط وعندما أرسل لها كان بعلم زوجته جمان بل إني شاركت معه دون علم در كي لا تشعر بالإهانة أكثر لعلمك درصاف رفضت في البداية حتى أقنعتها أنا ، كلنا نعلم بأن در ليس لديها دخل خصوصا أنك لم تحاول مساعدتها كعادتك .
بتلعثم رد :
- لم أكن أعلم بأنها تحتاج مالي ، لم يخبرني أحد أنتم .
أشارت بيدها ليغلق فمه وقد هربت منه الكلمات لتكمل:
- أما فتنة فلديها عمتها الغنية ألم تشتري شقتنا سابقا ؟
هذا غير أهلها و أنت متأكدة ستعطيها عن طيب خاطر لكنها أخذت من أيوب فقط دون أن تفكروا.
أجلى حلقه وقال:
- حتى لو موضوع وانتهى لا يجوز إعادة فتحه من جديد .
ردت بسخرية :
- مثل محاولة قتلي صح ؟
نظر لها غير قادر على الرد وقد آلمه قلبه إذن هي تعرف بأنه يعلم ولم يفعل شيء !
أكملت :
- للحق حارث هو الملام الأكبر في البداية لكنكم سواء أنت أو أيوب لم تهتموا وتابعتم علاقتكم بتلك العائلة كأنهم لم يفعلوا لي شيئا.
وقفت و قالت بنبرة جعلت إبراهيم يكره نفسه :
- لم أبحث عنها ولا حتى أقترب من زوجها هي من وقفت أمامي تخبرني بكل جرأة أن زوجها يخاف على كرامتها ويرفض إهانتها في الوقت الذي لم يفعل زوجي ذلك ، أردت إيصال رسالة بأنها الأفضل بعد وقوف خالي و ابن أخي وحتى زوجي معها ضدي لتنال هي كل شيء و أنا التي نُفرت من الجميع وقد وصلت الرسالة .
بلل إبراهيم شفتيه وقال:
- هذا ليس صحيحا نحن لم ولن ننفرك أبدا ، كل ما في الأمر لا أريدك أن تقعي في الذنب وتخبري أهل هادي بقصتها.
هزت رأسها وقالت :
- لازلت تخاف عليها كم أنت حنون يا خالي .
تنهدت ثم أردفت :
- ربما لم تخبرك بذلك ، لكني لم ولن أسامحها وأنت أيضا لن أغفر لك ما فعلته بي أبدا حتى لو غضبت مني أمي سليمة .
التفتت لتعود للمنزل لتجد أيوب و علاء يقفان على مسافة منهما وقد تبين من ملامحهما أنهما سمعا كل حرف.

❈-❈-❈



❈-❈-❈
في الدولة الأجنبية

عاد متأخرا للمنزل ليجدها تجلس واجمة تبدو في عالم آخر لدرجة لم تشعر به عند دخوله ، خلع حذاءه و تسلل بخفة ليقف خلفها ثم مال وقال بجانب أذنها :
-في من سارحة.
شهقت بفزع فضحك بصوت عالٍ و لف ليضع يده أسفل ركبتها ويرفعها ثم أجلسها في حضنه مقبلا خدها بقوة وقال :
- كل ذلك لأني تأخرت في العمل، ماذا ستفعلين بعد سفرنا قد لا تريني لعدة أيام .
ارتعش قلبها بخوف وردت :
- لماذا ستغيب لأيام هل ستتركني ؟
لم ينتبه للخوف في نبرتها بسبب تعبه لذلك أجابها بمرح :
- على الأغلب أقاربي وأصدقائي القدامى لن يتركوني في أول أسبوع على الأقل لا تنسي أني لم أزرهم منذ فترة طويلة ، لا تقلقي لن تشعري بالملل وسط القبيلة خصوصا أنك تريدين إقامة سبوع كبير للأطفال .
لم تجد ردا مناسبا لتضع رأسها على كتفه وتقول:
- عدني بشيء واحد لا تتركني أبدا ، حتى لو رفض أهلك ارتباطنا أو طالبوك بتركي بسبب ماضيَّ .
عقد حاجبيه في غير فهم ليجيبها :
- سلامة عقلك فتنة نحن مرتبطان فعلا ولدينا ولدين أم نسيتِ ؟
رفع يده يتحسس جبهتها وقال :
- لست مصابة بحمى إذن ماذا حدث لتفكري في ذلك ؟
رسمت ابتسامة مصطنعة و ردت:
- ربما لأنها المرة الأولى التي سأراهم ، لا أعرف المهم عدني .
وقف وهو يرفعها وقال:
- أقسم بكل أسماء الله الحسنى
أقسم بعدد حروف سور القرآن الكريم
أقسم بالأنفاس الخارجة والداخلة لصدري بأني لن أتركك أبدا أبدا حتى لو قررتِ أنت البعد عني سأظل متعلق بك ولن أحلك من ارتباطك بي أبدا أبدا أبدا .
أنزلها على السرير وخيم عليها لتطوق رقبته وتقبله هي قبلة عميقة كأنها تريد تأكيد أكثر منه ليقول بعد فصل القبلة :
- أحدهم مشتاق كثيرا، ربما ننجب طفل ثالث أو رابع بالمرة .
عادت لتقبيله دون رد مباشر وقد لمعت الفكرة في رأسها نعم عليها إنجاب مزيد من الأطفال ربما يشفع لها هذا عند أهل هادي ويمنعهم من مطالبته بتطليقها
في الأوقات الحرجة قد نقدم على اختيارات بائسة ظنّا منا أنها الطريق الوحيد لنجاتنا.
❈-❈-❈
في بلد أيوب

أوقف سيارة أمام فيلا أيوب والتفت لها قائلا :
- لا داعي لإخبارهم عن رؤوف الآن بعد انتهاء العزاء سآخذ عمتي لتزوره.
فكت أفطيم حزام السيارة وردت :
- أعتقد من الأفضل أن يخرج ويكمل العلاج بيننا الطبيب النفسي الذي تحدثت معه أخبرني بإمكانية ذلك، إصرارك على بقائه في المستشفى غير منطقي .
نظر لها وقال:
- رؤوف تسبب في أذية الكثير ليس سنان فقط ، بل هاجمنا جميعا بحجة أننا تركناه و كاد أن يضرب أشماس هذا غير ما حدث في فرح عبدالخالق تعلمين جيدا بأننا كل مرة نجلب سيرة الفرح أو حتى بعد أن نشاهد الصور سنتذكر ما فعلته صديقته فقط.
تعرف أنه محق لكنها ردت بعناد :
- هذا شقيقك سفيان عليك مساندته كلنا نعلم بأنه ليس في حالته الطبيعية علاجه وسطنا سيكون أفضل بكثير، سنان نفسها لا تهتم بالأمر .
فتح الباب ورد:
- انصر أخاك ظالما أو مظلوما ،إذا كان ظالما تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن تلك هي النصرة ؛ وأنا قررت نصرة أخي .
نزلت هي أيضا وقد ألجمها جوابه ، تعترف بأنها ضعيفة عندما يكون الأمر يخص رؤوف بالذات ، طالما كانت المدافعة الأولى عنه أمام أشماس لكنها الآن لا تحميه أمامها بل أمام الجميع.
دخلا من البوابة الرئيسية ليجدا إبراهيم يجلس مع حارث و أيوب بملامح متحفزة وقد قطعوا كلامهم عند اقترابهم فألقيا السلام ، ليتابعا الدخول للمنزل الرئيسي ، تفاحة و مبروكة كانتا تجلسنا في الصالة مع جمان ليقول سفيان :
- تأخر الوقت دعونا نعود للبيت .
لتجيبه مبروكة :
- انتظري حتى تعزي أيوب أولا وبعدها نذهب.
لتقول تفاحة :
- أشماس تحضر العشاء ذهابك لا يجوز قبل أن نأكل .
في المطبخ أخرجت درصاف الأطباق ووضعتها فوق الطاولة لتقول لهالة :
- اسمعي لا تأكلي الآن كي لا تزيد الحموضة لديك ، أشماس ستضع لك في حافظة ضعيها في الثلاجة وغدا سخنيها.
جلست على كرسي عالٍ وردت:
- المفروض أن أنتهي من الوحام في الشهر الثالث لا أعرف لماذا استمر معي ، تعرفين في قاسم لم أشعر بشيء حتى في الشهور الأولى أعتقد الحمل في الولد أسهل بكثير .
هزت درصاف رأسها نافية وقالت:
- ليس شرطا حملي في يزيد متعب جدا، أما ولادته كانت مأساة لذلك قررت ألا أنجب مرة أخرى .
نظرت لها بصدمة لتتابع درصاف :
- دعك مني عرفت متي سيقام العزاء ؟


في مكتب أيوب
مدت ظرف متوسط لعلاء وقالت:
- القُرص ستجلبها هالة غداً، علينا إقامة يوم للجالية أعتقد الأسبوع القادم ما رأيك ؟
رد هاربا من عينها حرجا :
- أول ثلاث ايام ستكون في الحارة وبعدها يوم في قاعة مخصصة للعزاء ، ثم يوم الأربعين ، أعتقد الاسبوع القادم ممتاز لكن حارث يهتم به وليس أنا .
أجابت بعد تفكير:
- أتفق معك حارث وسفيان سيهتمان به ، ماذا عن القاعة وجدت مكان ؟
أخرج هاتفه وفتح صفحة من موقع التواصل الاجتماعي وقال:
- نعم هذه مكانها جيد وسعرها مناسب ، ماذا عن أول يوم موافقة على المكان؟
أغمضت عينها ثم تنهدت وردت:
- هذا عزاء والد أيوب بالطبع يريد إقامة عزاء في حيه القديم و أنا سأكون معه بالطبع .
أجلى حلقه وقال:
- اتفقنا المهم يجب أن تكون ملابسك سوداء اخبري باقي النساء بذلك.
أومأت له رادة :
- أعرف صديقتي شيرين أخبرتني والخالة تفاحة أيضا ، لا تقلق سأتبع التقاليد بحذافيرها .
أخذت نفسا عميقا وقالت:
- هل تحدث معك بشأن والده؟
هز رأسه بلا ورد :
- لا لم يفتح الموضوع أبدا ولا أنا حاولت في الحقيقة كان صامتا معظم الوقت وهذه سابقة وقت وفاة والدته رحمها الله بكا كثيرا حتى في وفاة جدك انهار جدا لدرجة خفت عليه لكنه الآن جامد، كأنه يمنع مشاعره من الحزن.
بدا عليها الحزن وهي تجيب:
- معك حق ، منذ سماعه الخبر وهو يهرب بالنوم بدلا من الحزن أو حتى الغضب لا أعرف ماذا أفعل لمساعدته.
ليقول:
- هناك شيء لم أفهمه لماذا أحرقوا جثته ، ألا يعرفون أنه مسلم ؟
على الأقل كانوا انتظروا حتى يصل أيوب ليراه .
لترد وقد ظهر عليها التقزز:
- البخل، الدفن يكلف مبلغا مرتفعا هناك كما أن وجوده في ثلاجة المستشفى كما أخبرتنا زوجته كلفها الكثير ، منذ أن قابلتنا تحدثت في المال مباشرة لم تقم بتعزيه أيوب حتى، تصدق أن إخوته لم يفكروا في رؤيته ؟
وقف وقال:
- سأحاول التحدث معه ، بعد العزاء فقط أم نوري.
ردت بشر:
- أشماس وليس أم نوري أخبرتك من قبل.
رن هاتفها لتجيب بحنق:
- نعم شيرين ..
لثوانٍ تجمدت قدميه أراد سماع المكالمة عله يعرف متى تأتي ليملحها ، لينهر نفسه على تلك الرغبة كيف يفكر في امرأة متزوجة و أم ؟
خرج مسرعا هاربا من شياطينه
❈-❈-❈
في الحديقة كتف حارث يديه وقال:
- و الآن ما هو المطلوب ؟
أجابه إبراهيم:
- ماذا تعني ما المطلوب يجب أن نضمن أشماس، لو وصل أي شيء لأهل هادي سيهدد زواجه حتما.
رفع حاجبه ورد بسخرية :
- خوفك على زواج فتنة وسمعتها يضرب به المثل، أكاد أقسم أنها ابنتك الروحية التي تربت في بيتك وليست أشماس.
بغضب قال:
- لا أسمح لك بالسخرية مني، لعلمك سبب ما حدث أني أردت إصلاح زواج أشماس الآن انتهت مشكلتها لن أتسبب بخراب بيت آخر بسببي.
بنظرات مزدرية رد :
- أشماس لم تؤذي أحدا في حياتها ، كل ما حدث هو رد فعل فقط منذ أن حاولت زوجتك قتلها وقصرت أنا في حقها خوفا على اسمك حتى لقائها مع ابنتك الروحية الجديدة لتخبره بوقاحة أنها تحصلت على زوج يصون كرامتها ويرفض أن يمسها أحد بكلمة ، ماذا كنت تتوقع منها ؟
اهتزت نظرات إبراهيم ليقف حارث ويقول بحدة :
- صحيح أني صنت اسم زوجتك سابقا لكني أقسم بالله لو حاولت تلك الفتاة أو زوجها الاقتراب من أشماس مرة أخرى لن أحسب حساب أحد .

تركهم ودخل المنزل ليلحق به أيوب تاركين إبراهيم يصارع ذنوبه بدلا من تصليح ذنبه ارتكب واحد أكبر ليقلب حارث ايضا ضده
حارث الوحيد الذي لم يلمه يوما بل هو من ساعده في زواجه سابقا ؛ رفع عينه للسماء شاعرا بأنها تنظر له من بعيد بل إنه سمعها تسأل بصوتها الحنون :
- إلى متى العناد والاستمرار في خسارة عائلتك ؟
تنازل كي تكبر بها .

❈-❈-❈
وصل عماد للحدود بين دولة والدولة المجاورة  أكثر ما فاجأه الأعداد الداخلة معه ، ليس أفراد فقط بل هناك عائلات أيضا بالمقابل عائلات كثيرة من أهل البلد المجاورة يخرجون منها !
طُول وقت الإجراءات لم يضايقه أحد مما أعطاه فرصة للحديث مع أبناء وطنه لمعرفة خططهم الأغرب بالنسبة له أن معظمه اختار وسط البلاد ؟؟؟
أكثر مكان خطورة بعد الشرق بسبب تمركز الإرهابيين فيها
خطته الأولى كانت البقاء في المدن الشرقية لكنه غيرها بعد قضاء أسبوع فيها لصعوبة الوصول لمعلومات مفيدة فقرر الانتقال لمدينة أخرى ، توالى الانتقال حتى وصل لمدينة الجعفري ، أول ما لاحظه انعدام وجود قوات أمن حكومية أو حتي جيش في البوابات للمدينة مثل باقي المدن، كما أن معظم المدينة مهدم بفعل الحرب وتلك كانت صدمة كبيرة له فهو رغم علمه بالأحداث التي جرت منذ سنوات قليلة وقت الربيع العربي لكنه لم يعلم بأنه تم قصف المدن بتلك الطريقة !
شعر أنه في دولة أخرى لأن هذا الدمار لم يطل باقي المدن الشرقية !
واجه صعوبة في إيجاد مكان يبقى به خصوصا مع خوف الكثير من السكان التأجير له لمعرفتهم بديانته من وشم الصليب بيده ، والذين يوافقون التأجير له طلبوا مبالغ كبيرة جدا ، حتى إيجاد العمل لم يكن سهلا الجميع يعرف بعضهم سواء من المواطنين أم الوافدين للعمل مما يسهل إيجاد عمل وغيرها من الأمور ؛ صحيح أنه أخفى هويته علنا لكن استمراره في إلقاء الأسئلة جعل الكثير يحذر منه ويتجنبه لدرجة أنه لم يجد عمل ؛ بعد يوم طويل متعب لم يجد خلاله عمل وقرصه الجوع بعد يومين لف على قدميه دون فائدة ، وجد محل أمامه ليدخله فوجد صاحبه رجلا ملتحيا لينقبض خشية من أن يكون تابعا لتلك الجماعة أو يرفض بيعه بعد أن يرى الصليب !
وضع يده في جيبه وقال :
- السلام عليكم يا حاج أريد خبز و علبة تونة من فضلك .
ابتسم صاحب المحل ورد:
- وعليكم السلام الحمد لله الذي كتب لي الحج في سن صغير كي أفرح كلما نادي أحدهم حاج، للأسف لا يوجد خبر ما رأيك أن تذهب معي للفرن بعد القليل لقد بعت آخر أربع فردات منذ قليل.
ظن أنه لا يريد البيع له فقال :
- شكرا سأبحث في محل آخر .
نظر الرجل لساعة يده ورد:
- قارب المغرب على الأذان أعتقد بأنك لم تجد مكان تمكث به بعد و إلا ما حملت حقيبة حتى تغبرت ، بالطبع لن تجد مكان الآن اعتبر نفسك ضيفي حتى تجد مكانا .
لايزال على حذره رغم ترحيبه الداخلي بهذا العرض السخي الذي يحتاجه بشدة ؛ أغلق الرجل المحل بعد أن أخذ بعض المعلبات ثم توجه مع عماد للفرن المجاور ليشتري خبز ومنه لمنزله المحطم ، توقف عماد مصدوما أمام الركام ليقول الرجل :
- هذا منزلي أعلم أنه لا يليق بك لكني لا أستطيع تركه الآن .
هيئ له بأنه رأى دمعة تلمع في عينه قبل أن يغمض عينه ودخل للمنزل المحطم والذي كان عبارة عن غرفة و حمام و مطبخ نصف محطم .
وضع الخبز فوق طاولة بلاستيكية وقال:
- يوجد طعام في الثلاجة لو أردت سخنه هنا.
أشار على فرن كهربائي صغير و تابع:
- أحذرك طبخي سيء جدا ، من الأفضل أن تفتح تونة و تقطع طعام ، أو خذ ما تريده البيت بيتك ، أنا ذاهب لصلاة المغرب تريد شيء معين أجلبه لك معي.
نظر له عماد بحذر ليمد له الرجل يده ويقول:
الزبير عوض الجعفري أهلا بك في منزلي عليك أمان الله مني لا داعي لأن تخفي يدك .                      اخرج يده وسلم عليه رادا :
- عماد... عماد حمدي


❈-❈-❈
في بلد أيوب

لم يتناول أحد طعامه بشهية حقيقية ، حتى بعد أن أصرت مبروكة على شرب الشاي عله يرطب الأجواء بينهم ، اقترب سفيان من أشماس و قال بصوت خفيض :
- اخبرني رؤوف أنك زرته .
نظرت له و أجابت :
- هناك مشكلة في ذلك ؟
ابتسم مطمئنا ورد :
- لا طبعا كنت فقط أريده أن يتأدب أكثر ما فعله ليس هينا و لا يمكن أن نجعله يظن لثانية واحدة بأننا سامحناه .
أجابت بهمس عندما شاهدت اقتراب حارث :
- كما تريد لن أزوره مرة أخرى دون إذنك .
وقف حارث أمامها وقال :
- سآخذ يزيد وسنان أيضا تريدين الذهاب أم البقاء هنا .
لم تجبه لتقول سنان:
- أنا سأبقى .
تدخلت درصاف :
- إذا كان يزيد لن يبقى مع أشماس فليعد معي أفضل بكل الأحوال سأعود باكرا لأذهب معها للعزاء.
لتقول تفاحة :
- من الأفضل ألا نأخذ الأطفال للحارة ، حتى بلقاسم سنتركه .
أومأت أشماس وردت :
- كما تريدين ، سأترك نوري مع سنان إذن .
لتقاطعها سنان:
- لا سأذهب معك اتركيه مع جمان أو عمتي.
ردت جمان:
- دعيه معي، قطر الندي مع عمتي و يزيد مع بلقاسم لا تقلقوا سيكونون بخير.
وقفت تفاحة ليتبعها الباقي وقالت :
- جيد غدا عند العصر نتجمع هنا ، أنا وهالة و أشماس و سنان كما أخبرتك ارتدي أسود .
أومأت لها ليستأذنوا ويذهب كلا لمنزله ؛ في غرفة سنان بفيلا أيوب دهنت أشماس يدها و كتفها ثم عدلت المخدات خلفها وقالت:
- سنان هناك أمر فعلته قد يغضبك مني، أريدك أن تعرفيه مني ولماذا فعلته .
نظرت لها وقد خمنت لتسرد عليها أشماس زيارتها لرؤوف و سببها وقد ظهر عليها الأسف لتختم حديثها قائلة :
- لم أفكر وأنا ذاهبة له كنت في حالة مزرية جدا و أردت التحدث عنها فقط .
مطت شفتيها وردت:
- كان يمكنك التحدث معي أنا أيضا لدي ذكريات معها ، أنت أردت مجاكرته فقط.
رفعت حاجبها وقالت:
- لماذا أجاكره وهو في المستشفى؟
أمسكت بالرواية التي تقرأ فيها وردت:
- لأنه أراد ضربك أعرفك جيدا أشماس لا تتركي حقك ، أردت أن توصلي له رسالة مفادها لم تستطع ضربي ولا إخافتي .
هزت كتفيها وقالت:
- ربما قليلا ، المهم لم أفعلها تضامنا معه أنا معك أنت طول الخط مهما كان اختيارك عليك التأكد من ذلك دائما .
ردت بابتسامة واسعة :
- هذا ما أعتمد عليه طبعا.
أغلقت الرواية وعدلت جلستها لتصبح مقابلة لها ثم قالت:
- برأيك هل تغتفر الخيانة ؟
أعني لو غفرت المرأة تعتقدين بأن حبيبها قد يعيدها أم تكون الأخيرة له.
نظراتها كانت بلا تعبير و هي تجيب:
- رغم أني متأكدة مئة في المئة أن فكرة المسامحة لم تمر حتى على مخك لكني سأجيبك ، كل شخص يختلف عن الآخر هناك من يتعلم من أول خطأ و يقدر غفران حبيبته له ، هناك من لا يعتذر بل يخفي خطأه و خيانته لأنه يخاف فقدان حبيبته و هناك من يعود لنفس الفعل بعد اعتذار ، الأسوأ ذلك الذي لا يعتذر معتبرا بأنه لم يخطئ أصلا بل عليها أن تقبل بواقعها.
أمسكت مفكرتها الإلكترونية و كتبت عدة نقاط لتقول أشماس:
- هذا من أجل الترجمة .
ردت :
- نعم بصراحة هذه النسخة لم تعجبني أشعر بأنه ينقصها المشاعر ، بحثت في الشبكة العنكبوتية عن النسخة القديمة الأصلية لكني لم أجد احد يبيعها هناك للأسف .
قربت أشماس حاجبيها وقالت :
- تعرفين هناك محل كتب كانت عمتي سلمية تشتري منها كثيرا ، تعلمين عشقها للكتب ، المهم صاحب المكتب كان يوفر لها نسخ من الكتب القديمة دائما.
بحماس ردت سنان:
- علينا الذهب له ربما عندما يعرف بأننا قريباتها سيساعدنا.
حاولت أشماس تذكره لتجيب:
- لا أذكر مكانه بل إني نسيت الحي كله ، خالي إبراهيم يعرفه جيدا فهو كان يتعامل معه منذ وقت دراسته هنا اسأليه سيخبرك .
وضعت المفكرة جانبا وقالت:
- سأفعل طبعا أحتاج لعدد من المؤلفات المهمة ؛ وأنت اذهبي الآن لغرفتك تجاوزنا منتصف الليل أم أنك تهربين من شيء ما .
وقفت و عادت لتعديل مخدات ثم ردت:
- غدا وراءنا يوم طويل جدا استعدي له.
صعدت غرفتها وهي تدعو أن يكون نائما لا تريد الدخول معه في أي جدال الآن ولا أي وقت في الواقع قريبا ، تنهدت براحة عندما وجدته نائما لتغير ملابسها و تنام هي الأخرى.
صباح اليوم التالي استيقظ بعد شروق الشمس ليجد نفسه وحده في الغرفة ، غير ملابسه و نزل يبحث عنها ليجدها في المطبخ مع سنان و هالة ، جلس على الطاولة لتصب له حليب وشاي و جهزت إفطار سريع و وضعته أمامه فقال :
- صباح الخير ، أين نوري .
عادت تضع القُرص في السلة مع هالة وردت:
- نائم في الصالة خشيت أن يوقظك فأنزلته معي .
لم يستطع تمييز نبرتها هل هي غاضبة أم رسمية أم فقط تحاول ألا تظهر شيء في وجود هالة و سنان ؟
تعمد الإبطاء في تناول الأكل ربما يجد فرصة للاستفراد بها قبل الذهاب للعزاء .
رن جرس الباب لتفتح فدخل علاء و جلس بقربه قائلا:
- واحد شاي بحليب زوجة أخي من فضلك وكثري الحليب لا داعي للبخل.
صبت له ثم قربت علبة السكر وقالت:
- يمكنك صب السكر كله لن أعترض هذه المرة .
بدأ بوضع معالق السكر ورد:
- زاد سعر السكر لن أكلفكم الكثير فقط أربعة أريد فطيرة بالعسل بعد شطيرة التونة بالبيض
قلبت سنان عينها وقالت:
- أريد أن أعرف كيف لم تصب بالسكري أو حتى دهون ثلاثية بل إنك تحافظ على لياقتك بعد كل هذا الأكل .
بدأت أشماس في عمل الشطيرة وهو يراقبها ليجيبها :
- عينك مدورة صح؟
اشماس لا أريد هريسة ستقلب معدتي يكفيني عين قريبتك.
وضعت الشطيرة أمامه وردت :
- هذه ابنة أخي وليست قريبتي فقط إياك والاقتراب منها علاء.
عادت لتسخن له الفطيرة فقال:
- كيف تكون ابنة أخيك و أنتما في نفس العمر تقريبا ؟
ضحكت سنان وردت:
كم تدفع و أشرح لك شجرة العائلة ؟
لعب حواجبه و أجابها:
- سآخذك لأفضل عربة كبدة في البلاد بعد العزاء اليوم ما رأيك .
نظر له أيوب بطرف عينه وقال:
- أعرف تلك العربة إياك والاقتراب منها هات طعام وتعال لنتحدث في الحديقة.
أشار لأشماس :
- أريد قهوة من فضلك.

في الحديقة وصل هاشم لينضم لهم فقال أيوب:
-ألن تعود طالت أجازتك هذه المرة .
رد بامتعاص :
- الأوراق والتجهيزات تأخذ وقتا طويلا جدا أكثر من تجهيز المكان نفسه ، تعبت من الجري بين المكاتب لختم تلك الورقة أو استخراج هذا التصريح.
ضربه علاء على كتفه بكفه و رد :
- أهلا بك في العالم الثالث حيث كل شيء بالورق والأختام ويجب أن يكون معك اثنين شهود حتى إذا أردت استخراج بطاقة شخصية هذا غير الإكراميات التي توزع هنا وهناك كي تنهي عملك ذو الأوراق الكاملة ؛ أتمنى أن أعرف إذا أردت التزوير كم سأدفع ؟
ليقول أيوب:
- تغرب و تزوج من هناك ليكون مصير جثتك الحرق في النهاية .
هز علاء رأسه بنفي ليجيب :
- لا طبعا لن أتزوج إلا من بلدي أو عربية على أسوأ تقدير هذا قرار لن أتنازل عنه أبدا .
تنهد أيوب ورد:
- معك حق لا يوجد مثل الزواج من ابنة بلدك هي من تصونك و تحفظ سرك للأبد .
وضعت أشماس صينية القهوة و التفتت لهاشم قائلة :
- لم أعلم بقدومك سأرسل فنجانك حالا .
لم يستطع أحدهم النطق حتى بعد ذهابها لدقيقة كاملة ليقول علاء:
- لا أعرف كيف لزوجتك أن تتحمل كل هذا بهدوء أقسم بالله أردت صفعك عندما رأيتها تضع القهوة .
ضرب رأسه بكف يده وقال بغضب :
- لم أكن أقصدها طبعا، كنت أفكر في أبي هو من ترك أمي ليتزوج أجنبية.
قاطعه علاء:
- هي من تأذت وتحتاج لتفسير وليس نحن اسمع اليوم صعب لا تنسى أنه سيكون اللقاء الأول بينها وبين رنا بعد ما حدث عليك إعطائها دفعة لتتحمل قليلا ما دمت قررت ترك رنا تفعل ما تشاء.
رد بسخرية :
- علاء أصبح المدافع الأول عن أشماس منذ متى ؟
قلب علاء عينه وقال:
- لا أدافع من فراغ بصراحة بعد كل ما عرفته لا أصدق أنها لازلت معك ، يكفي وقفتها معك منذ وفاة والدك .
دخلت امرأة من الباب الرئيسي الموارب لتلقي عليهم السلام و تتابع المشي للداخل فتوقف علاء عن الحديث وقد تعلقت عينه بها، نعم هي الحزن الذي كسا وجهها لن يجعله يغفل عنها دقات قلبه التي فزت بمجرد مرورها أكدت له بأنها هي.
وقف فجأة وقال:
- سأذهب لجلب قهوة هاشم.
دخل المنزل يبحث عنها ليتبع الصوت و يدخل المطبخ فوجد هالة وسنان فقط فقال بخيبة أمل :
- هاشم أتى ويريد قهوة .
رفعت هالة إبريق القهوة من الغاز و وضعته في صينية صغيرة ليحملها وقد فقد الفرصة في رؤيتها عن قرب من جديد او حتى الاقتراب منها.
❈-❈-❈
في البحر الأحمر
بملل قالت نهى:
- علينا إيجاد شيء رومانسي يناسبك لا يعقل أن ترفض كل شيء عبدالخالق ، هذا شهر عسلنا لن نحظى به سوى مرة واحدة فقط.
تابع المشي معها متشابك الأيدي ورد:
- فعلت كل ما طلبته ، كل يوم نرقص في غرفتنا نجلس على الشط لمشاهدة غروب الشمس والألعاب النارية أحيانا ، ذهبنا في رحلة باليخت و غصنا أيضا .
وقف يرفع سبابته وتابع :
- هذا لن يتكرر لعلمك بدلة الغطس لم تعجبني أبدا لكني لم أشأ إحزانك وإلغاء الأمر في آخر دقيقة ماذا تريدين أيضا ؟
وقفت و لوحت بيدها :
- أريد فعل شيء مميز معك ليبقى ذكرى للأبد ، شيء لم تفعله مع غيري لا يهم أن يكون عشاء في مطعم غال أم رحلة بحرية كما قلت، حتى لو كان جمع صدف من الشط المهم أن يكون مميزا بيننا فقط .
عقد حاجبيه لينظر حوله يبحث عن شيء بعينه ثم أمسك بيدها ودخل لمطعم مطل على البحر لتقول بتذمر:
- قلت لك لا يهمني...
تفاجأت به يجلس خلف بيانو كبير لتقترب منه فنظر له بابتسامة تطل من عينه وقال:
- لك فقط يا مالكة القلب الأولى والوحيدة .
بدأ في عزف لحن لأغنية رومانسية تحبها جدا بمهارة أذهلتها بل جعلت رواد المطعم يلتفتون له مستمتعين بعزفه حتى انتهي ليتعالى التصفيق مع احمرار وجهها لأن الجميع علم بأنه عزف لها فقالت إحداهن:
- كم أنت محظوظة زوجك رومانسي جدا.
و أخرى :
- ليت زوجي يفعلها بدلا من تقبيل خدي كلما طلبت منه أن يكون رومانسيا أمام صديقاتي.
لم تسمع باقي التعليقات فقد سحبها ليجلسا في ركن بعيد ، بانبهار قالت:
- لا أصدق أنك تعرف العزف متى تعلمته و أين .
ضحك ورد:
- في الحقيقة الأمر بدأ كعقاب من خالتي سليمة رحمها الله ، كانت تراني صلبا أكثر من اللازم فأصرت أن أتعلم شيء يهذب طبعي قليلا وكان ذلك بدروس الموسيقى في المدرسة .
قالت بصدمة :
- و أنت أطعتها بسهولة ؟
لا أصدق .
فتح قائمة الطعام ورد:
- هذه خالتي سليمة وليس أي شخص، لو عرفتها لأحببتها جدا.
رفع رأسه لها وقال:
- متأكد كانت ستحبك لديها قدرة رهيبة على فهم الشخصيات من نظرة واحدة ، عندما رغب سالم في الزواج وقفت عمتي خيرية في طريقة لا لشيء سوى أنها من مدينة أخرى خالتي هي من وقفت معه ليتم أموره .
ظهر عليه الحزن وهي تجيب:
- أذكر عندما توفت كيف انهارت أفطيم و بعد موت زوجة سالم أنا شخصيا حزنت عليها .
أشار للنادل ليأخذ طلباتهم وبعد أن ذهب قال بنبرة عابثة :
- والآن ماذا تريدين بعد الأكل ، سباحة أم رقص.
عضت شفتها وردت:
- أشعر بأن وزني زاد من كثرة الأكل أحتاج لكل أنواع الرياضة الممكنة لحرق الدهون .
غمز رادا:
- و أنا لها تمرجية نهى .
❈-❈-❈
وصلوا لحارة أيوب القديمة حيث العزاء نزلت هالة وتفاحة أولا من بعدها سنان و درصاف التي قررت في آخر لحظة الذهاب معها ، أشماس آخر من نزلت من السيارة أوقفها أيوب وقال بصوت خفيض :
- لم أكن أقصدك كنت أتحدث عن أبي .
نظراتها قالت الكثير، أقلها تهينني علنا و تطلب التفهم سرا يالك من رجل محب !
لكن لسانها لم ينطق به فقط قالت بصوت عادي:
- لا تنسَ فتح الوصية مع أختك .
تركته لتتجه لصوان السيدات متجنبة الاقتراب من رنا التي وقفت أول الصف بجانبها فتاة في العشرينات من العمر .
استغفر و ذهب ليقف مع الرجال بجانب زوج رنا وحارث و علاء وهاشم وسفيان
همس علاء:
- لست مطمئنا رنا منذ الصباح تلمح بكلمات لم تعجبني أرجو ألا ينقلب المأتم لمعركة .
رد هاشم :
- أنا أيضا خفت من ذلك فطلبت من درصاف أن ترافقهم كي تخبرني لو حدث أي شيء .
رفع علاء حاجبيه وقال:
- أصبحت مسيطرا سيد هاشم الله يرحم تلك الأيام تذكر هنادي ؟
زفر هاشم ورد:
- اقفل على السيرة و لندعُ الله أن تمر الليلة بسلام .

في صوان النساء، لم تتوقف رنا عن إلقاء كلمات ذات معني لأشماس و من معها فكلما جاء أحد لتعزيتها تشير لها قائلة :
- زوجة أخي الثانية تلك التي أخذها على الأولى تذكرون أخبرتكم قصتها، و أهلها أيضا مساكين خرجوا لاجئين من بلدها لنتحملهم نحن ، لا أعرف إلى متى سنتحمل عبء غيرنا.
كادت سنان أن ترد أكثر من مرة لتمسك أشماس بيدها وتهمس :
- علينا السكوت هذا عزاء وكل شخص يتعامل بأصله.
ظهر الاشمئزاز على هالة وقالت:
- اسمعوا جيدا هده إنسانة مريضة لا تمثل إلا نفسه لا يوجد لدينا من يتعامل بهذه الطريقة أبدا، ما هذا بدلا من ذكر الله في العزاء تفضح زوجة أخيها ؟!
لتقول تفاحة :
- أنا على شعرة و سوف أجلس فوقها لأبططها قال لاجئين قال ، الكارثة هي نفسها تعمل وتعيش في دولة أخرى هل يعتبرونها لاجئة هناك ؟
التفتت سنان لدرصاف وقالت:
- هاشم لديه أخوات ؟
ردت بالنفي:
- لا هو وحيد والديه كما أنهما ماتا منذ مدة .
رفعت إبهامها وقالت:
- مقطوع من شجرة كم أنت محظوظة .
ضحكت درصاف لتنظر لها أشماس جازرة فكتمت ضحكتها .
انتهى وقت العزاء أخيرا ليسرع علاء وهاشم لصوان النساء بعد أن أرسلت درصاف للأخير بما حدث ، لحق بهما الباقون ليجدوا رنا تقف مع تلك الفتاة أمام أشماس تقول بثقة :
- لعلمك أبي الآن مع أمي في الجنة زوجته الأولى، ألا تعرفين بأن الرجل يعود لزوجته الأولى دائما خصوصا إذا كان يحبها ؟
كل ما فعلته لن يغير الحقيقة لا هنا ولا في الآخرة .
رغم برودها الظاهر إلا أن وجها تغير لونه كل ما فعلته هو محاولة تخطيها لتبعد عنها لتتابع رنا بصوت عالٍ :
- كما حرقت قلبها وأخذته منها ليموت ابنها سيحترق قلبك أيضا قريبا جدا.

لتقول تفاحة بغضب:
- واضح أنه لا يوجد لك كبير ليعلمك الأصول، هذا عزاء والدك الذي تقفين فيه مثل بنات الشوارع تجرين شكل الجميع منذ دخلنا ، لسانك الزفر هذا استعمليه في التسبيح قد تجدين من ينظر في وجهك البشع الذي طغى عليه الكره أعوذ بالله من هذه الأشكال .
شهقت و أرادت الرد عليها ليدخل زوجها و يدفعها للركن مانعا إياها من الكلام.
فضلت تفاحة وهالة العودة لفيلاتهم ولم يعترض أحد بسبب الأعصاب المشدودة
لم ينطق أحد في الطريق حتى وصلوا للمنزل لتدخل درصاف و أشماس وسنان غرفة الأخيرة ، خلعت أشماس حجابها كأنه يخنقها لتجلس سنان بقربها وتقول:
- أنت بخير؟
لا أصدق كيف تحملت ولم تضربيها في أنفها المعوج كنت أسديتها خدمة لتعدل شكله.
لم تتجاوب أشماس معها لتقول درصاف :
- أفضل شيء فعلته عدم النزول لمستوى تلك الحقيرة ، أصلا هي مثل الذي يحرث في البحر جواز أيوب باطل .
عادت أشماس بظهرها للوراء وردت:
- أعرف ذلك و متأكدة لست غاضبة من قصة زواجه القصة أنه حتى عندما سمع إهانتي للمرة المليون لم يهتم بالرد أو إيقافها عند حدها؛ تعلمين ماذا تعني كلماتها ؟
ردت سنان:
- أن أيوب يحب فتنة أكثر ؟
لا أعتقد أعني لست ضليعة في الدين لكن من غير المعقول أن تختار فتنة أيوب وتترك البكلاوة .
نظرت له درصاف بلوم لترفع كتفيها وقالت:
- أقول الحق تريدين إقناعي بأنك في الجنة ستختارين حارث بدلا من المانجا.
شهقت درصاف و ردت :
- تحشمي يا فتاة ثم أنا لم أتزوجه بعد.
لعبت حاجبها وقالت:
- باعتبار ما سيكون .
ماذا عن أفطيم مثلا ؟
انغمستا في ذلك الحديث و أشماس في عالم آخر كل يوم بل كل ساعة تقتنع بأن عليها الإسراع في تنفيذ قرارها وهذه المرة بلا رجعة .

في الحديقة بغضب مكتوم قال حارث:
- مع احترامي لكن أختك زادت الجرعة هي لم تحترم أحد بل كانت قاصدة أن نسمع كلامها لتكون الإهانة مضاعفه.
ليقول علاء:
- أي احترام يا رجل خشيت أن تضربها الخالة تفاحة لولا تدخل زوجها ، أعرف رنا منذ صغرنا أعني هي متمردة لكن ما وصلت له لم أتوقعه أبدا .
قال هاشم محاولا ترطيب الأجواء :
- أشماس عاقلة لن تهتم بحديثها بل هي لم تصدقه أصلا.
ليقول سفيان:
- بل تصدقه، عندما حاول عمي عوض تزويجها كادت أن تقتل نفسها و أصرت أن يتم إلغاء العقد وليس مجرد طلاق ، لطالما استغربت الأمر خصوصا أن جبريل رحمه الله أكد لها بأنه سيتم الطلاق لكنها رفضت وحبست نفسها حتى تم إبطال العقد .
أغمض أيوب عينه بقوة ليشهق حارث ويرد:
- يا إلهي الآن تذكرت معك حق هذا سبب هوسها بزواج أيوب دائما تلوم أنه لم يبطله بل طلق فقط كيف لم أنتبه لهذا.
خرجت درصاف لتقول:
- أشماس تريد نوري .
وقف سفيان وقال:
- سأجلبه لها أنت ابقي الليلة معها سأخبر عمي بذلك.

كيف ينام المثقل بالهموم ؟
ذلك الذي أضحى بين خيارين فقدان أخته الوحيدة أو زوجته حبيبته أم ابنه ؟
كيف يوازي بين الاثنتين لا يعرف ، كل ما يعرفه بأن كل الحلول تعني خسارة إحداهما وربما روحه أيضا .
تقلب على جمر ينتظر صعودها حتى غلبه النوم ليستيقظ بعد الفجر فلم يجدها بقربه نزل يبحث عنها فوجدها في معملها تقوم بجمع معداتها في صندوق كبير و نوري نائم في عربة بقربها.
لم تنظر له عند دخوله ولا حتى عندما دفع عربة نوري ليجلس بقربها ، لم يعرف ماذا يقول لفترة ثم أجلى حلقه وقال:
- تعلمين جيدا أن أمي ربتني وحدها ، أهم ما غرسته بي أن أحافظ على سمعة النساء و لا أفضح أحد .
بنظرات فارغة رددت :
- حتى لو رأيت بعينك استر و لا تكن مثل الباقين ، تريد باقي الدرس ، حفظته من كثرة ما كررته عليّ الفرق أنه لم يعد يؤثر بي .
أخذ نفسا و قال:
- الدرس الآخر هو رنا هي أختي الوحيدة عليّ المحافظة عليها مهما كانت قاسية ، أعلم طباعها جيدا لكني لا أستطيع تغييرها أو مقاطعتها.
قربت حاجبيها وردت:
- هل طلبت منك ذلك؟
أمسك بيدها لتحاول سحبها فضغط عليها وقال بصدق مركزا عينه بها:
- أنت لست حبيتي و زوجتي فقط ، أنت روحي أنا أتعامل معك كأنني أتعامل مع روحي ربما تجدين أن ذلك تقصير مني لكني أفعل ذلك لأننا واحد كما أتحمل في نفسي أُحمل عليك وليس لأني لا أهتم بك.
لم تتغير ملامحها حتى عينيها لم تعكسا شيئا فقط فراغ خصوصا عندما قالت:
- تذكر عندما انفجرت غرفة الفرن في مصنع جدي ، كنت خائفة جدا وقتها عدت للبيت ارتعش أردت من أمي حضن يشعرني بالأمانة لكنها قابلتني بصفعة ؛ حجتها كالعادة لأنها تخاف علي لعلمك متأكدة أن أمي خيرية أيضا كانت تحبني جدا برغم كل أذيتها ، أنت وهي لديكم طرق مميزة في إطار الحب.
تراجع للخلف مصدوما لتكمل هي عملها كأن شيئا لم يحدث .
مرت أيام العزاء الثلاث على نفس المنوال رنا ترمي كلام سام و أشماس صامتة بل إنها طلبت من تفاحة عدم التدخل حتى عندما تقوم رنا بالتطاول عليها الأمر الذي جعل أيوب يشك أكثر
يوم العزاء في فيلا أيوب لم يكن عاديا بل تم التجهيز له قبلها بيومين ولأن العدد كبير تم تقسيمه بين فيلا حارث للرجال و فيلا أيوب للنساء مر كل شيء بسلاسة وقد فوجئ علاء بعدد معارف أيوب من الجالية ليقول :
- لا تقل جاءوا من بلدهم لتعزيتك.
ابتسم ورد:
- لا البعض هنا و البعض الآخر في المدن الأخرى معظمهم معارف لي و لحارث و هناك أقارب حامد و بعض أصدقاء السيد إبراهيم وهكذا.
بحث عن هاشم ليقول له:
- جهز نفسك أشماس ليس لديها إخوة وانظر لعدد الحضور تخيل وضعك وهي تملك اثنين .
ابتسم هاشم ورد:
- ثلاثة في الواقع .
رن هاتفه برقم درصاف ليقول علاء:
- جاءت على السيرة ، اتزحلق ليخلوا الطريق للعشاق.
بحث عن مكان بعيد ليجبها فأتاه صوتها مرتعشا وهي تقول:
- هاشم اخبر أيوب أن يأتي بسرعة أخته هنا ولا تنوي خيرا.

في فيلا أيوب
دخلت رنا تجر تلك الفتاة التي رافقتها في العزاء وقالت بصوت مرتفع :
- ادخلي برجلك اليمين يا هاجر هذا سيكون بيتك قريبا.
شهقت تفاحة لتقول إحدى الجالسات بقرب أشماس :
- ستبيعين الفيلا ؟
لماذا لم تخبريني أنا أولى من الغريب سأدفع لك ما تريدينه فمكانها مميز جيدا كما أنها قريبة من فيلا أختي سأحزن لو بعتها لغيري .
دخلت رنا وهاجر مبهورة بالفيلا لتقف أشماس و تلتفت لجمان قائلة:
- نوري في غرفتي فوق اصعدي له ولا تنزلي حتى آتيك أنا .
أطاعتها بسرعة لتنكز تفاحة هالة فتبعتها هي الأخرى ؛ وقفت أشماس أمام رنا و أشارت لصالة جانبية قائلة ادخلي هنا حتى يأتي أيوب .
تكتفت وردت :
- وماذا سيحدث لو رفضت ؟
هذا بيت أخي ادخل أي مكان أريده .
وقفت سنان بقرب أشماس وردت :
- عمتي تحترم زوجه أما أنا فلا أهتم نفذي أو لن تخرجي على قدميك.
وجدت تفاحة تقترب بجسدها الممتلئ فشعرت ببعض الخوف لتقول لهاجر:
- تعالي لنرى الغرفة لا تخافي لن تبقى هنا كثيرا .
لحسن حظها وصل أيوب لتدخل للصالة وهو خلفها مع سنان و تفاحة ، بمجرد رؤيته قالت مدعية البكاء :
- زوجتك المفترية أرادت طردي من منزلك ، هذا لأنك لم توقفها عند حدها اسمع أيوب هذه المرة يجب أن تنفذ فورا ، بم أنها ضحكت عليك لتطلق زوجتك الأولي لتستر عليها جلبت لك أخرى اخترتها بنفسي بنت ناس بحق ستنجب لك أولاد من صلبك يشدون ظهرك و أكون أنا عمتهم وت...
- رنــــــا
صرخ بها أيوب :
اغلقي فمك ألا تلاحظين أننا في عزاء ؟
رفعت سنان و تفاحة حاجبيها لتقول الأخيرة :
- هذا ما يضايقك فقط ؟
لتقول أشماس:
- تعليق بسيط رنا ، عندما تزوج أيوب فتنة لم يكن زوجها الأول بل الثاني و الأهم الذي يرفض زوجي المحترم قوله حفاظا على سمعتها أنها كانت حامل وقت الزواج أي أن زواجهما باطل !
شهقات خرجت من عدة أفواه ليغمض أيوب عينه خصوصا عندما ردت رنا صارخة :
- كاذبة مفترية تظنين الكل مثلك فتنة أشرف منك مليون مرة .
ابتسمت ساخرة :
- من جلب سيرة شرفها هي كانت متزوجة لم تحمل بالحرام والعياذ بالله، أخوك رفض إبطال الزواج بل إنه لم يطلقها رسميا إلا بعد عدة أشهر حفاظا على اسمها ، في الوقت الذي جعل الجميع يدعس على اسمي و سمعتي و شرفي أيضا ونعم الرجل بصراحة .
بعناد ردت رنا:
- غير صحيح لا يمكن ، حتى لو سيتزوج عليك ويقهر قلبك كما قهرتها.
هزت رأسها بابتسامة وقالت :
- اتصلي بها لتتأكدي من كلامي بالمناسبة هي أرادت إخبارك لكن زوجها  رفض حفاظا على كرامة زوجته طبعا .
ثم التفتت للخروج ووقفت أمام الباب لتلتفت لها من فوق كتفها قائلة :
- لديك خمس دقائق لتخرجي مع حثالتك من منزلي و إلا أبلغت عنك الشرطة ، كما تعرفين أنا لاجئة لدي حقوق كثيرة هنا.
انتهى الفصل ولم تنتهي الحكاية
















































لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Nov 12 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

حصاد السيلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن