الجزء الأول

870 26 12
                                    

ملاحظة: تكرر بطلة القصة لفظ أمي وهي تقصد بذلك خالتها لكونها ربتها منذ صغرها.

أمي أراك لاحقا.

هكذا أخبرتها قبل أن أغادر الغرفة وأغلق الباب خلفي. خرجت من المشفى بهمة ونشاط ليس وكأني خالية من المشاعر لكني تأقلمت مع الوضع فحسب.

أمي هي أغلى ما أملك، لن أتخلى عنها أبدا ولن أسمح لأي شخص بإيذائها مرة أخرى، أنا لا أصدق بالفعل أن ذاك حدث لكن.. ذاك ما حدث ولن يتغير الزمن لمجرد أنني تمنيت ذلك.

سرت بخطوات واسعة وبابتسامة أوسع أحيي بها جميع من أرى في طريقي سواء أعرفه أم لا، أكرهه أم أحبه، فهي عادتي كل يوم أو بالأحرى كل صباح.

أمي.. سأذهب إلى العمل ككل صباح، أعلم أنك تنتظريني حين عودتي وأنك تملين من الانتظار لكن لا فائدة فأنا أيضا مللت من الانتظار، فأنت لن تردي علي مهما قلت وبكيت، تنظرين إلي بأعين فارغة خالية من المشاعر، لم تكوني هكذا في السابق لذلك أنا منزعجة.

زدت من سرعتي وكأني سأهرب من الواقع، أرى وجوه جديدة كل يوم، يرون ابتسامتي الملفتة للأنظار فهي واسعة أكثر من الطبيعي، مصطنعة وبريئة بنفس الوقت، منهم من يتجاهل الأمر والبعض الآخر يستنكره وآخرون يبادلوني الابتسامة بابتسامتهم الخاصة.. الجميلة.

وصلت أخيرا ومع وصولي تلاشت ابتسامتي تلقائيا، كم أكره هذا المكان فلا يوجد به ما يجعل الشخص يشعر بأنه ينتمي إليه كالمدرسة مثلا.

سمعت أحدا ينادي: مايلي.

كان صوتا مألوفا يناديني بهذه الطريقة كلما جئت إلى هنا. التفت لمصدره وبابتسامة حاولت أن تكون لطيفة قلت: أهلا.

كان يتجه نحوي وتوقف عندما أصبح قريبا.

قال بسخرية: أنت سعيدة كالعادة.

أجبته بتفاخر: أجل أنا كذلك.

وأتبعت ذلك بضحكة صغيرة كانت كافية لتكسر حواجز الرسمية بيننا فيبدأ الحوار الحقيقي ليقول وقد ارتسمت على وجهه ملاحة الجدية: أنت.. لا تخبريني بأنك ما زلت..

لم يكمل فقد أوصل ما يريد إيصاله، لكني أردت التظاهر بالغباء والسذاجة ليس لهدف ما بل لأني لا أريد إيصال مشاعري وأفكاري الحقيقية، هم أيضا يعرفونني هكذا، ساذجة وبسيطة ولطيفة وطيبة جدا.

سألته ببراءة: بأني ما زلت ماذا؟

عض شفته السفلى واضطر للاقتراب أكثر ليقول بصوت منخفض بالكاد سمعته: لا تفضحي نفسك فلتكوني أكثر حرصا في المرة القادمة التي نتحدث فيها عن هذه المواضيع الخاصة.

قل وداعاً للذكرياتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن