الجزء الخامس

128 13 6
                                    

أمي.. أهذا ما تريدينه؟ لقد عانيت بسببك الكثير؟ وأنت لا تزالين غير راضية عني؟ ماذا أفعل أخبريني حتى تشفي من الصدمة؟

أحبك ولا أطيق الابتعاد عنك، لقد فرقنا القدر وها نحن ذا نعاني. أنت في المشفى غير قادرة على الحراك غير مستوعبة لما يجري، يائسة من الحياة رافضة العودة فاقدة الذاكرة. وأنا أعيش لوحدي بين الغرباء، اضطررت لترك المدرسة لأعمل في الفساد، صدقي أو لا تصدقي كل من أعرفه يحاول الإيقاع بي فلا ولي ولا أهل لي، وحيدة وما زلت أناضل لأعيش.

خرجت من المشفى وابتسمت تلك الابتسامة ليس رغبة فيها بل بحكم العادة. اعتدت على أن أظهر سعيدة ساذجة أمام الناس عدا أربعة وهم أمي والتي لم أعتد على إخبارها بكل ما يحدث معي فحسب بل وبمشاعري وبماذا أقرر وأعتقد، والتوأم هيلين وهيلينا فهم صديقاتي ويحبونني كما أنا ولا خوف منهما من أن يخدعوني أو يطعنونني في ظهري؛ فنحن متفاهمون على نحو جيد جدا، وأخيرا الأحمق المزعج كايل، ولكن لو لم يدخل إلى حياتي بالصدفة لكنت الآن مرمية بالشارع أتسول.

لقد أنقذني حين كنت في أمس الحاجة لشخص ما، عالجني معنويا دون أن أشعر بعدما حصل لأمي، وماديا بحيث أنه ضمني للشركة التي يعمل بها.

كما ويوفر لي الطعام فهو يدعوني للمطعم كل يوم عمل، ويهتم لأمري كثيرا ما جعله مزعج بالفعل فكل مشكلة يكتشفها -والإنسان الطبيعي لا يخلو من المشاكل- يبحث لها عن حل ليفرضه علي.

لولاه.. لكنت في أشد حالات اليأس والدمار أو.. أو ربما وجدت شخصا آخر لينقذني مما كنت فيه، ربما يكون وسيم جذاب بل وساحر ذي ابتسامة رائعة.. مهلا مهلا ما الذي أفكر فيه، الشخص الذي في مكاني عليه أن يكون ممتننا مئة مرة لإيجاده شخصا مناسبا على الأقل ككايل.

وصلت إلى العمل وكان يستقبلني كالعادة ليس لشيء سوى ليطمئن على وصولي. لا أحد في العمل يعلم بحقيقة ما يربطنا، فليظنوا كما يظنوا لا أهتم ولا يهتم هو أيضا، لكن اليوم بالذات كان على وجهه تعبير ارتباك شديد وضيق.

قال لي بدون حيوية: لدي ما أقوله لك اليوم في المطعم.

قلت بلطف بالغ: حقا؟ كم أنا متشوقة لما ستقوله.

- كفي عن ذلك فهو مزعج.

قلت بالنبرة ذاتها: ماذا تقصد؟ لا أفهم. وكما ترى علي الذهاب الآن فالمحادثات الصباحية جميلة بقصرها.

تجاوزته عابسة فاختفاء الابتسامة أمر طبيعي في العمل كما تعلمون. وصلت إلى المكتب ورتبته كالعادة ثم جلست على كرسيه أنتظر وصوله وعلى ذكر هذا الذي لا يستحق الذكر، ألا تلاحظون بأنه تغير قليلا، لقد مدحني البارحة على عمل أقوم به كل يوم دون زيادة أو نقصان.

سأتوقع الكثير من المفاجآت اليوم فلنبدأ عند وصوله.

وقفت وابتسمت له قائلة: صباح الخير، هل أحضر القهوة؟

قل وداعاً للذكرياتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن