مرت أيام أخرى، وكلما طالت مدة العيش معًا تحت سقف واحد، زادت المواقف المحرجة بين ألماس و رعد. كل يوم كان يحمل في طياته تحديات جديدة، لكنه أيضًا كان يحمل لحظات من التواصل غير المتوقع بينهما.كان رعد قد قرر أن يأخذ قسطًا من الراحة بعد تمرين طويل، حين مرّ بالقرب من ساحة القبيلة حيث كانت ألماس تعد خيلها. لا يعرف لماذا، لكن هناك شيئًا غريبًا في هذا المشهد جذب انتباهه. كانت ألماس تقف أمام الحظيرة، وهي تحاول أن تضع سرج الخيل برق، خيلها المفضل.
"ألا تعتقدين أن هذا الحيوان يحتاج إلى خبير؟" قال رعد وهو يقترب منها، ملاحظًا أنها تكافح لتثبيت السرج.
ألماس نظرت إليه بسرعة، وعيناها مليئتان بالتحدي:
"أعرف تمامًا ما أفعله. برق هو خيلي، وأنا أعتني به."تجاهل رعد كبرياءها، لكنه كان يشعر بشيء مختلف في هذه اللحظة. رغم صلابتها الظاهرة، كانت هناك لمحة من العاطفة التي بدت واضحة في عينيها بينما كانت تعتني به. كان يتأمل حركاتها، وكيف أنها لم تتراجع أمام أي صعوبة.
ثم قالت ألماس وهي تنهي المهمة:
"إذا كنت متفرجًا فقط، يمكنك أن تذهب."لكن رعد لم يذهب. بل استمر في مراقبتها عن كثب. وعندما انتهت من تجهيز الخيل، قررت أن تأخذه في جولة حول الساحة.
"هل تريد أن ترى كيف أركب؟" سألته بابتسامة صغيرة، لكنها كانت تحمل نوعًا من التحدي.
"بالطبع." كان رد رعد بلا تردد، على الرغم من أنه لم يكن يعلم لماذا قرر أن يشاهد هذا المشهد.
ركبت ألماس برق بكل سلاسة، كما لو كانت قد وُلدت على ظهر الخيل. لم يكن هناك شيء في سلوكها يبدو مرتبكًا أو متوترًا، بل كانت متمكنة تمامًا. بدأ رعد يراقبها بعينين مشدوهتين، وفي لحظة خاطفة، شعر بشيء غريب يغزو قلبه. لم يكن إعجابًا فقط بما تفعله، بل كان يشير إلى شيء أعمق بكثير.
كانت ألماس تسير بالخيل بأناقة، وعندما مرّت بجانبه، أوقفته على مقربة منها وقالت،
"إذا كنت ترغب في الانضمام إليّ، فلتقفز على الخيل."رعد نظر إليها نظرة طويلة. في البداية كان يريد أن يرفض، ولكن شيئًا ما في تحدّيها دفعه للتفكير. قبل أن يتمكن من التفكير أكثر، وجد نفسه يقفز على ظهر الخيل بجانبها.
"أنت متأكد من أنك تعرف ما تفعله؟" قالت ألماس، مبتسمة بخفة.
"أعتقد أنني لا أحتاج إلى الكثير من التوجيه من أحد." رد عليها رعد، مشيرًا إلى أنه جاهز للمشاركة في مغامرة جديدة.بينما كانا يركبان معًا، بدأ الجو يتغير شيئًا فشيئًا. كان هناك نوع من التناغم بينهما، حتى وإن لم يدركا ذلك بعد. رعد شعر بشيء غريب يتشكل داخله، شيء لم يشعر به من قبل. ربما كان إعجابًا، لكنه لا يريد أن يسميه بعد.
وعندما توقفا بعد الجولة، كانت الشمس قد بدأت تغرب، مما أضاف لمسة رومانسية للمشهد. رعد كان يراقبها بحذر، بينما كانت هي تعتني بالخيل بعد الجولة، دون أن تلتفت إليه.
"أنتِ رائعة." قال رعد فجأة، وهو ينظر إلى الخيل برق، ثم التفت إليها.
"أنتِ تتعاملين مع الخيل كما لو كنتِ جزءًا منها."ابتسمت ألماس، لكن ابتسامتها كانت خفيفة، تتوارى وراء حجاب من الكبرياء.
"كل شيء يتطلب وقتًا. أتعلم، في بعض الأحيان، الخيل يمكن أن تكون أكثر وفاءً من البشر."كانت كلماتها عميقة، ورغم أنها قالت ذلك دون تفكير، شعر رعد أن هناك شيءًا حقيقيًا في حديثها. هناك شيء غير مرئي بينهما بدأ ينمو.
مرت الأيام، وأصبح الجو بينهما أكثر دفئًا رغم التوتر المستمر. وفي إحدى الأمسيات، قرر رعد أن يظل في الخيمة لتناول العشاء مع ألماس. كانت المرة الأولى التي يتشاركان فيها وجبة دون شعور بالبرود أو التوتر الزائد.
"هل ستنقل لي حديث القبيلة طوال العشاء؟" قالت ألماس بتحدٍ، بينما كانت ترتب الطعام على الطاولة.
"وأنتِ، هل ستظلِّين تحدِّينني في كل شيء؟" رد عليها رعد بابتسامة خفيفة، وهو يضع يده على الطعام.
كان هناك شيء غريب في الأجواء. كانت ألماس أكثر هدوءًا، ولم يعد رعد يتعامل معها كما لو كانت مجرد واجب فرضته القبيلة عليه. هناك شيء كان ينمو بينهما، لكن كليهما كان يحرص على عدم الاعتراف به.
بينما كانا يأكلان، كان الحديث بينهما أقل حدة، بل كان هناك نوع من التفاهم، وأحيانًا كان يضحكان معًا على أمور صغيرة.
"إذا استمر هذا الأمر، قد نتعود على بعضنا البعض أكثر من المتوقع." قالت ألماس فجأة، وهي تضع طبق الطعام جانبًا.
"ربما... لكننا لا نستطيع أن ننكر أننا لن نكون معًا لولا هذا الزواج." رد رعد، وهو ينظر إليها مباشرة.
وفي تلك اللحظة، شعر رعد بشيء عميق في قلبه، شيء لم يشعر به في البداية. شيئًا ما في حديثها، وفي تعبير وجهها، جعله يدرك أن هذه الرحلة بينهما قد تتحول إلى شيء مختلف. لكن هل سيكون هذا الحب أم مجرد تضحية؟ ذلك كان سؤالًا سيظل في قلبه لبعض الوقت.
YOU ARE READING
عشق على حدود الدم
Romanceتقديم في عالم حيث تكون الحدود بين القبائل هي الفاصل بين الحياة والموت، يلتقي الكره والحب في نقطةٍ واحدةٍ من التوتر والخطر. ألماس، ابنة زعيم قبيلة شرف الدين، تحمل في قلبها جرحًا عميقًا من الخيانة والحرب، بينما رعد، ابن زعيم قبيلة العدية، يظل محاصرًا...