البارت العاشر

36 4 1
                                    

-_

‏أنا عونك وأنا كتفك وأنا مركاك
‏وأنا لك في مجالس الضيق سبحة يمينك
_
-
طلع متجه لسيارته وهو يدري بخروج مهيب من وقت طويل حتى ، رفع جواله يدق على حاتم المتواجد بالشرقية بالجبيل تحديدا في قاعدة الملك عبدالعزيز ، وصله صوت حاتم اللي رد عليه بهدوء : هلا يا عريس
تنحنح يحرك السيارة طالع من بيت مهيب : اهلين
هز حاتم راسه بسخرية : وإنت ما صدقت نعطيك إجازة ؟ جريت على القفص الذهبي
ابتسم بخفة يلف نظره للطريق : كان ودي تكون شاهد بس عيال عمامي ما قصروا
استغفر يناظر في الشاشة قدامه بإستياء : ماني راد عليك وش تبي داق مو مفروض تكون يم عروستك
ضحك من نجح بنرفزته وهو يقول بهدوء : ارسل لي فرقة بعد ساعة نهاية طريق الرياض الشرقية بالمحطة الأخيرة
عقد حاجبه لثواني ونزل الجوال يتنهد ورفعه ثاني يقول : وش العلم لؤي ! اذا ودك تعلمنا يعني وإذا تعترف بنا
رفع ايده يشيل شماغه وعقاله يتركهم على المرتبة جنبه : حشى بس ما ودي اقول وحن ماندري منهو الواطي اللي يشتغل للشايب
نزل الجوال عن اذنه وهو يشوف مكالمة ثانية من نايف : حاتم ابوي يدق خلني بدق عليك عقبها
قفل من حاتم وهو يرد على نايف اللي تكلم بصوت هامس : لؤي ! وينك فيه
غمض عيونه يعض على شفته وهو يقول : جتني مكالمة من الدوام ورايح الحين
شتت نظره وهو يشوف عيونهم عليه ينتظرون دخول لؤي اللي طول وتكلم بسكون عكس ثوران داخله اللي وده يكون لؤي قدامه ويدهسه : صار خير
ماهو غافل عن اللي يصير الحين في أبوه وإنه في موضع تافه بسبب حركته هذي بس لأنه يدري به بيحلها هو همس له : علمتها هي وتدري هي ، وتعذرني هي أبوي
-
_

" صكت علي مصيبتي واتعبتني والدمع
‏   حدّر غصب من حر .. ما اونست
‏       مصيبةٍ من قوّها شتتني من
‏      قوّها عمري له اليوم حبّست "
.
_
-
" الخيام "
وقف يمشي بوهن بعد كم الخراب والتكسير اللي أحدثه بداخل الخيمة كان يمشي بترنح بثوبه البني ومشمر أكمامه بوضعية رثّه وغريبة نادر ما يقع هو فيها يعلو صدره ويرتفع بغيظ وتعب ، كل زفره يزفرها يستوعب إنه فقد سيف للأبد وترملت أخته بيوم عرسها ، طاح على ركبه وحيد يبكي فقد ، يبكي وداع وألم ما حوله أحد من الناس ولا يواري دمعه عن أحد ، يهل دموعه بإنهيار ووعيد بإنه يذوقهم من نفس الكاس كلهم ، وقف وهو يمسح دموعه وقف يصرخ بإسم " سيف " تلتم من حوله الإبل تشاركه الحنين ، تلتف حول عنقه ، يعلو صوتها فزعًا برؤية الشامخ دائما يصرخ ألمه الآن ، وتضبح جازعة تحيط به وتشاركه الألم وهو يصرخ يردد بإسمه ، إلى أن احنى رأسه على رقبة الإبل بإعياء يركي نفسه عليها وهو يهمس وسط نزول دموعه : ببكي حريمهم والله لأبكي امهاتهم ، ابي يحسون ابي يموتون وهم يتنفسون
رفع جواله بهدوء وهو يشوف إتصال أحد رجاله : تكلم
إبتسم يقفل الجوال بعد معرفته بإن لؤي قريب المكان ورفع إيده يمسح على وبر الناقة المرتكي عليها وهو يقول بفتور : خذتها وبتهتني ؟ توّك يا حضرة النقيب
إبتعد خطوة يفرّق ذود الإبل المتجمعه حوله وهو يخاطبها ويأشر لها بالإبتعاد راجع للخيام يبدل ملابسه ومن بعدها اخذ جواله يكلم أحد رجاله : وصل الكلب الثاني ؟
هز راسه يبتعد للسيارة ويتوجه بعدها للمحطة وده يشوف الحدث بمرأى عينه ، بمكانه وإشرافه وبطولته حتى وهو يردد : ماني مخليكم تتهنون
_
_
نزل يشوف المحطة الخالية من البشر عدا عامل وحيد يشوف جلوسه على كرسي أمام محطة البنزين ، تلفت يناظر المكان بحركة سريعة ودخل بعدها للمكان الوحيد المغلق في هالمحطة ، فتح الباب بدون إغلاقه وهو يتفحص المكان بحذر ومد إصبعه يلمس الأماكن لتبيّن بصماته لو حصل له شيء ، خذته رجله للوحة مركونه على الرف شاف حواف إطاراتها خارجة وقف وهو يطلع منديل من جيبه يمسك اللوحة وإبتسم بسخرية أول ما استشف معنى تواجد اللوحة واللي كانت لوحة الأمواج العظيمة اللي تصور هيجان الموج وثائرة كأنها مخالب تنوي على تهشيم ثلاثة من قوارب صيد قريبة منها ، لولا معرفته بمفهوم اللوحة سابقًا كان قال إنها صدفة ولكنه تركها يبتعد وهو يدري بإنهم شبهوه بواحد من القوارب ، هز راسه يطلع جواله من جيبه : ببيّن هالمخالب بأجسادكم وتدرون القارب منهو
عقد حاجبه يفتح الباب بأول ما إختفت شبكة جواله ، طلع يشوف اختفاء العامل وهو يسمع بترقّب أصوات الخطوات اللي ما خفت عنه بالرغم من إنه ما يشوفهم وتراجع بخطوته يركب على عتبة باب الغرفة ويحاذي جسمه بحد الباب ، إقتربت الخطوات يكتم أنفاسه لا تخرج وتوشي بمكانه ، بحركة خفيفة أول ما إلتفت رجل وضّاح له ضربه على كتفه بالقلم اللي كان بجيب ثوبه يرغزه ويدوّره بسرعة مساعدة لفقدان ذراعه الحركة ، مد إيده وهو ياخذ السلاح من إيده قبل يرميه بالأرض : وين بقيتك؟
كان يتألم بدون صوت وهو على درايه بإن وضّاح مراقب للأمر ، عض على شفته يهز راسه بالنفي لكن رصاصة من سلاحه أصابت فخذه تركته يطيح على الأرض بصراخ جمّع الرجال كلهم خلف لؤي اللي ولّى ظهره لوضّاح المراقب على ابعاد كثيرة ، رفع لؤي حاجبه ببرود يحسبهم بصوت عالي : ستة سبعة وهذا ثمانية ، ثمان رجال على واحد أعزل ؟ حتى هالسلاح ماهو لي
رمى قطع السلاح بعد ما فككه بثواني قليلة وهو يسمع صوت سيارات في الشارع توقّعها للفرقة اللي مرسلها حاتم وصح توقّعه من إلتفت لواحد منهم يعدّل السماعة على إذنه ، وبحركة سريعة أخذ المتألم اللي طيّحه قبل شوي وهو يخليه درع حماية لنفسه ويكلم الرجال اللي يسمع الأوامر من وضاح : قل لمعزبك طيحة لؤي ميب سهلة
ضحك وضّاح خلف السماعة وهو يأمر الرجل يعطي لؤي اللاسلكي واول ما اخذه تكلم وضّاح اللي يسمع اقتراب دوي ونّان الدورية : شف طيحتك وشلون قايله
ضحك بإستفزاز وهو يركي جسمه على فتحة السيارة زين ويضبّط منظار البندقية ، همس بوعيد حارق : والله لأرملها بأول يوم
ثبّت مجال الرؤية على قلب لؤي اللي تحرك لإنتباهه لصوت الدوريّة وكلها ثواني وحس بحرارة الرصاصة اللي اخترقت اعلى ظهره في الجنب الأيمن ، بلع ريقه بألم وهو يغمض عيونه بمحاولة لكتم الألم ومد إيد بتراخي وبطء يشوف الدم اللي بلل أبيض ثوبه وتناثر يدنّسه ، كانت تتناقص وتقل محاولاته لأخذ النفس وترنّح بوقفته وهو يسمع أصوات حوله تشابه الطنين لكن ما يوعيهم يغلق عينه تارك نفسه وروحه للمرة الأولى وكأنه أخذ من الدنيا ما يبتغي والآن لا شيء مهم ، اصبحت إمرأته ، فتاته الصغيرة غدت اليوم زوجته شرعًا وقانونًا ، فلا شيء يعنيه بعد ذلك !
-
-
" بيت مهيب "
لازل الحفل كما يجب ولا زالوا أُناسه يتكاثرون رغم خروج العريس إلا أن الحفل قد زان الآن تأتي زميلاتها بالمهنة وزميلاتها بالجامعة ورفيقات المدرسة حتى وكل من دعتهم غزّل التي تكفلت بهذه المهمة ، وقفت هند مع دخول أم حاتم وبناتها وأتجهت لهم بإبتسامة ترحب فيهم وهي تشوف وقوف ود عندهم : اهلا وسهلا يا ام حاتم تو ما نور المكان حياكم
التفتت لوّد وهي تبتسم لها وردت ود الإبتسامة بتفهّم : حياكم الله
أبتسمت ام حاتم تربّت على كتف هند بعد السلام وهي تقول : الف مبروك يا هند والله يبارك لهم ونشوف أحفادك
ضحكت تأمن لدعواها وهي تمشي معاها تدلها على الطاولات اللي إتسعها بيت مهيب واللي اغناهم عن قصر الأفراح : آمين يارب وعقبال حاتم وأخواته يارب
جلست على الكرسي بالطاولة المقابلة لطاولة البنات وهي تأشر لبناتها يجلسون وهمست لهند : لؤي دخل
هزت هند راسها بالإيجاب تنزّل علبة المويا : إيه بكّر بالدخلة عشان يعطيها راحتها
-
جلست غزل بتعب وهي تنزّل الكعب : تعبت كأن مافي إلا غزل !بقى علي أقهوي الضيوف مع هالعاملات
إبتسمت ريم تناظرها ورفعت غزل حاجبها بإمتعاض : خير يالطيبة مضيعه شيء؟
هزت راسها بالنفي تضحك وهي تشوف غزل بفستانها النيلي اللي تناسق مع تسريحتها المرفوعة وطلّع صغر سنها : يا حلوك غزوله ودي امط خديداتك يا بنت
نزلت نظرها للكعب اللي بين يديها وهي تقول : يا حلوه وهو جايك بوسط جبهتك
ضحكت ريم بعالي صوتها توقف بشيء من الفخامة والجمال تمشي بخطوات واثقة بفستان اقل ما يقال عنه بسيط ولكن عليها كان وكأن المصمم قاصدها لونه الاحمر القاتم والريش المتوسط صدره والذيل الخلفي للفستان سادة بشكل مُلفت ترك عيون أم حاتم عليها وهي تلتفت لهند بتساؤل : ما شاء الله تبارك الرحمن يا بنات الغيّاض ونعم النسب يا هند بس بغيت أسألك ام الأحمر اللي مرّت مثل الجفوّل من زحمة الخلق
عقدت حواجبها بضحكة تربت على كف ام حاتم : ما شفت من تقصدين بس ظنتي إنها بنت سعود
هزت راسها تراقب عودة ريم وبجانبها فتاة أخرى بعمر أكبر تتوشح اللون الأخضر اللي يزيّنه جسمها المنحوت وشعرها متوسط الطول المفلوت على كتفيها المغطى بشال الفستان : وذي من هي
إلتفت هند تبتسم وهي تقول بحب رغم عدم تعايشها معهم : هذي ليّا تصير زوجة أخو ريم انس
سكتت تشوف تجمّع البنات وهم يوقفون بشكل دائري حول إرم بالكوشة وصوت دوى بالمكان بفعل السمّاعات وتترنم على مسامعهم ينسكب دمع بعض الأعين :
الفرحة اللي انا حاسس بيها
لا انا قادر اقولها ولا احكيها
اختي حبيبتي وضي عيوني
لعريسها بايدي هوديها
تبيّن وجه رفيف اللي تكفكف دمعها بإبتسامة وهي تتقدم للممشى الخاص بإرم وهي تكمّل :
من يوم ماوعينا علي الدنيا
مافارقناش بعضنا لو ثانيه
على عيني انك تبعدي عني
دمعتي مش قادر اخبيها
وصلت بجنبهم تشوف إحمرار وجه إرم اللي تجمعت الدموع بمحاجرها فقط دون النزول وهي تضمّها لها تكتم شهقتها و تعطيهم المايك تكمّل نسمة بصوت يشابه في حلاوته تغاريد العصفور ويشابهها هي ويرددون وراها :
واوعي تنسي ان انا حضنك سرك اخوكي
سندك ضهرك
واوعي تخافي
من اي حاجه
وهجيبلك حقك لو ضايقك
لأنهم قالوا آخر بارت وهم يأشرون على هند اللي وقفت تضحك وتهز راسها بالنفي تتقدم لهم : لا ما يسويها لؤي
إبتسمت إرم تشوف اللي تقدموا لها من خلف هند يسلمون عليها وردت على تباريكهم وابتسامتها ما تفارقها : الله يبارك فيكم
-
_

‏"لا تندهي لي واصلٍ لك بليّا
‏لو نزعل قلوبٍ ولو
نكسر خشوم"

-
بعد إنتهاء ليلتهم اللي إنتهت بعد خروج المعازيم يتبقى عندها غزل ورفيف ونسمة بعد خروج ريم منذ دقائق قليلة جدًا ، طرق الباب ينتظر السماح له بالدخول ولكن باغتته ليّا من خلفه وهي تناديه : عقاب !
إلتفت يناظر لها يهز راسه بتعب : سمي
إقتربت تتفحص وجهه المتعب وهي ترفع إيدها تتلمس جبينه : ما فيك حرارة بس وجهك مو بخير
ضحك يتلقف إيدها وهو يقبّل كفها بقبلات عدة : تعبان واقف يم الضيوف ومو نايم وحوسه
إقتربت منه تضمه بطمأنه وحب : عسى الله يفرحنا بك حبيبي
ضحك مبتعد وهو يناظرها بنص عين : عقبالك انتي مب أنا ! بعدين رجلك المريض شافك بالأخضر؟ اوف اوف أقسم بالله احس طعمك حلاو تفاح تعرفينه؟ فيه عسل داخل
ضحكت بدهشة تضرب صدره بخفه : اعقل ! بعدين وش تبي بأختك عندها البنات
هز راسه بالإيجاب : إي ادري عمي أزهر يبيها ندق عليها ما ترد
بعدته عن الباب وهي تقول : بناديها لك إنزل
فتحت الباب تدخل تشوفهم بدلوا ملابسهم ببجايم نوم وهم جالسين حوالين إرم على السرير وبوسطهم أكواب قهوة ، تخصّرت وهي تناظر لإرم : وين جوالك
رفعت أكتافها بعدم معرفة تجهل مكانه : مدري أخذتوه من قبل انزل
هزت راسها بالإيجاب : طيب الواحد يسأل !!
ضحكت غزل تعدل جلوسها : خوفي باكر تنسين رجلك
ناظرتها إرم بإستخفاف وهي تلتفت لليّا اللي نطقت : وهي صادقة ، عمك ازهر يبيك تحت
لمعت عيونها بفرحة وهي توقف بعجلة تفتح الباب وتنزل للصالة تحت تسمع صوت أزهر اللي يكلم مهيب واول ما خطت رجلها عندهم سكتوا يناظرون فيها بهدوء وإدراك في لحظته همس أزهر : كبرتي يابوي وعادك عروسة !
إلتفت لمهيب الساكن وهو يقول : كبروا العيال وكبروك يا مهيب ، يالله انك تمدني بعافية واشوف عيالها
ضحكت تقترب منه وهي تقاوم دمعتها : بسم الله عليك
بادلها الضحكة أزهر ياخذها لحضنه وهو يطبع قبلة طالت لثواني على راسها ويهمس بعدها : تضحك في عيني عبرتي وبعض الحمي ما اتحمله
أبتعدت عنه لما وقف أبوها ، وقف سندها وعزوتها اللي ما إن خطى للأمام يقطع المسافة بينه وبينها حتى إرتمت في حضنه تشّد عليه ، خوف وبرد ، تشد عليه ترجي أمانه بعد يوم طويل وشعور مهلك ولكن قاطعهم رنين جوال مهيب اللي إحتفظ بحضنته لها ورد على جواله بإيده الثانية : هات
سكنت ملامحه تتغير حتى دقات قلبه اللي كانت هي تستند عليه ، تحس بإضطرابه وسكونه وهو يهز راسه بلا حول ولا قوّة ونظرته الخاطفة لها هي اللي قلّبت فيها كل الإطمئنان يستبدله بالخوف والتوتر لما نطق يربّت على شعرها : لؤي
-
-

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: a day ago ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

علموا الظالم ترا المظلوم راضي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن