قالت العجوز : فلما فرغت من شعرها قالت : لا والله.
فقالت لها السيدة : وأي شيءٍ لم أساعدك عليه يا رياض؟ وما الذي طلبت ولم أقضه لك؟ فوالله لقد طلبت رضاك حتى (جمعتك) -1- مع محبوبك في مجلس واحد وأنا بالحضرة ، وتلاهيت عن اﻷمر كأني لم أعرفه ، وقلت إلى غد قضاء وحكم والله يعلم كم بقي من أجلي وأجلها ، وطلبك أبي مني ولم أجد من نفسي معيناً على ذلك ، وبعتني باليسير فوالله ﻷبيعنك باطلاً بغير ثمن ، ثم شقت ثيابها وقامت غاضبة وركبت ، وهربت الوصائف إلى داخل البستان لا يجدن سبيلاً إلى الخروج خوفاً من الفضيحة ، فقامت إلي رياض وقالت :
يا سيدتي زللت فكيف اﻹقالة من العثرة؟
قالت العجوز : فقلت لها لا جزيت عنا خيراً ، قد أفسدت المجلس وطيبه اليوم ، ثم أخذت بياضاً ونقبته وأخذت عوده تحتي وخرجت معه كأنه أحد [12و] الوصائف واﻷعوان لا يدرون ما جرى في البستان ، وبقيت رياض باكية حزينة نادمة على ما صنعت ، فأتينا الدار بلا فائدة ولا (جدوى) -2-.
وقال بياض : رأيت يا أماه ما كان من قدر الله عز وجل؟
قلت : رأيت.
قال لي : فالساعة؟
قلت : لا أدري.
فبتنا تلك الليلة شر مبيت ، فلما أصبح الله بالصباح سرت إلى دار السيدة ، فلما دخلت إلى أول فصيل وجدت بعض الخدم وهن وقوف فبادرنني بالسلام وقبلن (يدي) -3- وهن يبكين حزناً على رياض ، وإنها لفي سخط سيدتها ، ورغبن إلي أن أرغب إلى السيدة في أمرها.
فقلت . . . : ما بيدي ما أقدم ولا ما أوخر في أمرها فهي الظالمة لنفسها المجرمة على سيدتها.
فقالت لي كل واحدة منهن : صدقت ولكن بفضلك تفضلي -4- علينا في أمرها.
قلت لهن : سأستعمل الحيلة جهدي إن وجدت للقول موضعاً وإلا فعذراً.
قلن لي : نعم جزيت خيراً.
فنهضت حتى أتيت السيدة وهي جالسة على حافة (الحوض) -5- ورياض واقفة أمامها مخمشة الوجه مشقوقة الثياب ، فسلمت فردت السلام ، وقالت :
لقد هممت أن أرسل إليك ثم لم يكن لي وجه بما ألقى ، إذ خرجت عنك من البستان على مثل تلك الحالة كما أرادت بنا سيدتنا رياض ، ما كفاها أني (جمعتها) -6- مع محبوبها بحضرتي ، وعن رضائي ، واقتحمت المهالك خوفاً من أبي حتى باحت بحبها أمامي ولم (تستح) -7- مني ولا منك ، وأخذت دواة من عاج (كانت) -8- بين يديها ورمت بها إلى وجه رياض فأصابت جبينها ، فسال دمها على خدها وهي لا تتحرك من موضعها ولم تقل شيئاً على ما أصابها من الجرح ، فلما رأتها كذلك أخذت بيدي وقامت معي إلى دار أخرى وغلقت اﻷبواب [13ر] وقالت لي :
أريأيت ما جرى في هذا اﻷمر ، فقد والله أعياني أمرها وإنها لمتجرمة علي وإن نفسي مع هذا كله لمشفقة عليها وإن كبدي قد تفطر وجسمي قد ذاب وحمامي قرب ولا أرضى عنها أبداً.
أنت تقرأ
بياض ورياض
Romanceقصة من التراث العربي أخرج المخطوط : أ.ر.نيكل تحقيق وتقديم : د. صباح جمال الدين