قالت العجوز : فقلت : عز والله علي ما جرى في أمر هذا الغريب ما أرى إلا قد كيد عليه حتى يقتل ويقطع أثره ، فإنا لله وإنا إليه راجعون إن كان كذلك.
فبينما نحن نتحدث بأمره إذ دخل علينا وبيده كتاب وهو يمسح دموعه ويظهر الصبر ، فلما رأيته قمت إليه وأخذت بيده وأقعدته ، وقلت له : ما كان من أمرك يا بني فقد والله شغلت قلوبنا.
فقال : خير.
فقلت له : من كن النسوة (الثلاث) -1- (اللاتي) -2- كنت معهن؟ وإلى أين حملنك وأين دخلت معهن؟ فلقد خشيت عليك مكرهن ، وأنت صبي لا تعرف اﻷمور ، وعاتبته عتاباً ، فلما أكثرت عليه نظر إلي وبكى ملياً وأنشأ يقول [كامل] :
(لا تعذليني) -3- إنني لا أقدر
في الحب سلواناً ولا أتصبر
سلب الهوى عقلي وخامرني اﻷسى
ودموع عيني كسحائب تقطر
(لو) -4- تعلمين صبابتي لرحمتني
الله يرحم من يشاء ويعذر
قالت العجوز : فقلت له : والله لو لم أعذرك ما دخلت معك في أمر يكون فيه الخوف ، غير أني خشيت عليك من مكر النسوة ، ولكن أخبرني كيف هذا اﻷمر حتى أعرفه بالصحيح؟
قال : نعم لما بلغت الحديقة أنشدت بما تيسر من الشعر ، فبينما أنا كذلك إذا بنسوة منقبات بمروطهن وإحداهن بربطة ثياب على رأسها [22ر] ، فنزلن على النهر وأشرن إلي أن أقبل بعدما نظرن إلي ساعة ، فمشيت إليهن فقمن إلي وكشفن عن وجوهن ، وقالت إحداهن :
ما تعرفني؟
قلت : لا والله ومن أنت؟
(قالت) -5- : التي أخذت منك الكتاب.
فعرفتها وسلمت عليها ثم قلت : ومن هذه؟
قالت : هي من (أدخلتنا) -6- وليس عليك منها بأس.
قلت : وهذه اﻷخرى؟
قالت : جاريتها.
قلت : وأين مسكن هذه المرأة صانها الله؟
قالت : بالقرب من هنا. ولكن امش معنا حتى ترى دارها وتعرفه والدار خير من الفحص -7- وأستر ﻷمورنا.
فمضيت معهن إلى الدار فإذا بالقرب من النهر في موضع مليح ، فدخلت معهن فأخبرنني بأخبار رياض ودفعن إلي هذا الكتاب ووالله ما أعلم ما فيه.
[22و] ثم فتح الكتاب وقرأه فإذا فيه هذه اﻷبيات [كامل] :
أبياض قلبي هائم
أنت تقرأ
بياض ورياض
Romanceقصة من التراث العربي أخرج المخطوط : أ.ر.نيكل تحقيق وتقديم : د. صباح جمال الدين