قلت : أجل فما حالك وحال السيدة الشريفة وما حال رياض؟
فقالت : الكل في خير وعافية ، وأما حال رياض ففي ضنك من العشق ووجد وتخوف وجزع ومرارة وكدر ، وأمر رياض أصعب على سيدتها من كل أمر ، افتضحت رياض في حبك ونحلت حتى حكت الخيال ، فلو ترى (رياض) قد عادت حمرة خدها صفرة ، وشحمها قد عاد نحولاً ، وحمرة شفتيها قد عادت بياضاً ، وكحل عينيها قد عاد قرحاً ، وكافور خدها قد عاد ورساً -1- ، وضحكها قد عاد بكاء ، فوالله لو كان قلبك من حجر للان ، أو من حديد لذاب ، وسيدتها قد أكربت من أجلها وقد توعدتها بكل وعيد فأبت إلا ما هي فيه من الهيام ، فأمرت أن يخلى لها (دار) -2- في داخل القصر تنوح فيه حتى تموت ، فهي كذلك لا يدخل أحد غيري (عليها) -3- [17ر] وهي في الدار مع وصيفة راشدة والبوابة على الباب والسيدة لا تفتح فماً إلا هماً وغماً ، تقول : إن وقع اﻷمر على الحاجب فلا عذر لي عنده ﻷني جنيت ما لم يجنه أحد من الخلق قبلي ولا بعدي.
قالت الجارية : فلما كان باﻷمس دخلت على رياض بطبق فاكهة من عند السيدة ﻷنها لا تأكل شيئاً حتى تبعث إليها منه ، فوجدتها جالسة (ويدها على) -4- خدها ، فقلت لها :
يا سيدتي وما هذا الذي بك كأنه لم يبل بالعشق أحد غيرك؟ وكأنك وحدك ابتليت بهذا اﻷمر الذي بلغك إلى هذه المنزلة؟ وإن سمع الحاجب بهذا يكون من اﻷمر ما لا يطاق ولا يرفع ﻷنك لا (تجدين) -5- السبيل إلى محبوبك أبداً ، ﻷنك في وثاق عظيم وسلطان شديد ، فلو صبرت وتحاملت الصبر لكان أحسن لك في عاقبة اﻷمور ﻷن الملوك لهم غيرة شديدة.
فقالت لي : ما كنت أطلب أكثر من أن أرى له كتاباً أو جواباً ولو أن لي من يفعل هذا كنت له مملوكة إلى آخر الدهر.
فقلت لها : أنا والله ألج في هذا اﻷمر وأخاطر بنفسي.
فقالت : جزاك الله عني بأفضل الجزاء ، فخذي هذا الكتاب وسيري به (وتطلعي) -6- جهدك (وتحفظيني) -7-.
فقلت لها : والله ما أعرف له مكاناً ولا مستقراً.
قالت : تسألي عن دار العجوز البابلية (فستجديه) -8- بها أو (تجدي) -9- عندها أثراً أو خبراً.
فخرجت من عندها وجئت على الزقاق فألفيتك هاهنا ، وهذا كتابها إليك فإن جاوبتها فيكون ترددك إلى هاهنا ، فإنه ليس لي وعد بالخروج ولا يتأتى لي في كل اﻷوقات ، فدفعت (إليه) -10- رقعتي. وقلت لها : بلغي هذه الرقعة إليها بالذي ما يبتليك بمثل ما ابتلينا به ، وكن عند الظن بك وموضع الثقة فيعلم الله ما بحت لك بسري حتى وثقتك.
قالت : والله لولا حبي لها ما خاطرت بدمي في أمرها ، فسلمت علي الجارية وانصرفت ، وجئت أنا مسرعاً خوف عيون الوشاة ، ثم جئتك كما (ترين) -11-.
قالت العجوز : فقلت له : يا بياض لا تيأس بعد فقد رضيت (واﻷزمان) [18ر] (تتغير) -12- وتحول -13- وللعين حظ وقد ينزل السلوان مع اليأس [حيث] قال [خفيف] :
أنت تقرأ
بياض ورياض
Romanceقصة من التراث العربي أخرج المخطوط : أ.ر.نيكل تحقيق وتقديم : د. صباح جمال الدين