قالت العجوز : فلما فرغت من شعرها قلت لها : ما تريدين أن أقول من أمرك.
قالت : قولي ما شئت فأنت أبصر بحالي.
فخرجت من عندها ودخلت إلى السيدة فقالت لي : ماذا رأيت أراك الله الخير؟
قلت لها : يا سيدتي وما عسى أن أقول ، رأيت والله صبية ما فيها حيلة على حال كذا وكذا ، وما فيها موضع للحياة.
قالت : لا والله ما فيها حيلة ، ثم بكاء شديداً وقالت : إنا لله وإنا إليه راجعون.
قالت العجوز : فقلت لها : اصبري صبر جليلة القدر مثلك.
قالت : والله لا بد لي أن أجمع بينها وبين محبوبها ويكون في ذلك ما (يكون) -1- ، فعسى الله أن يفرج عنها أو يقضي بما شاء ، فما أجد من قلبي معيناً على تركها على حالها ، ولقد صبرت حتى بلغ السكين العظم فوالله إنها لعاشقة محبوبها -2- وإني لعاشقة لها ، وما أحسبني إن نظرت إليها على تلك الحالة إلا ميتة ، ولكن ارجعي إليها بفضلك وقولي لها : سيدتك راضية عنك وقولي لها : خذي على نفسك فإنها قد عزمت على أن تجمع بينك وبين محبوبك.
قالت : فرجعت إليها وقلت لها ذلك. فقامت وقعدت وتجردت من ثيابها ولبست ثياباً غيرها ، وضحكت وبكت وفعلت فعل المجانين.
فقلت لها : هذا والله أعظم مما كنا فيه.
ثم بهتت طويلاً ، فقمت ﻷهرب منها ، فقالت : وما بالك يا سيدتي؟
قلت : الدخول عليك حرام أنا أريد الصلاح وأنت (تريدين) -3- الفساد وهذا ما لا يطاق.
فقالت : يا سيدتي قد أخبرتك أن اﻷمر ليس بيدي.
فقلت لها : إن كنت (تستطيعين) -4- النهوض إلى سيدتك فاقبلي ، فأرجو أنها إذا رأتك أن يتم أمرك على ما تحبين إن شاء الله.
فقامت عند ذلك إلى تخت لها فأخرجت [26و] منه ثياباً (حسنة) -5- ومشطت شعرها وتطيبت بأحسن الطيب ، وأخذت بيدي وأتينا السيدة ، فلما دخلنا دار السيدة تقدمت جارية تسمى لعبة بالبشارة إلى السيدة ، فألقت إليها ما كان عليها من الثياب ، ثم (أقبلت) -6- الجواري يهنينها ، وهي تقول لهن هناكن الله عيشكن ، ثم دخلن على السيدة وهي كالغاضبة فخرت رياض بين يديها ساجدة.
[27ر] فقالت لها السيدة : (ارفعي) -7- رأسك يا رياض.
فقالت رياض : لا والله لا أرفع رأسي حتى ترضي عني رضاء صحيحاً قبل الموت.
قالت السيدة : (ارفعي) رأسك بحقي عليك فإني عنك راضية وأفعل لك ما (ترغبين) -8- ولو كان حمامي في ذلك.
فقالت رياض : لا وحقك لا أرفع رأسي حتى تقومي أنت وترفعيه.
فقامت السيدة بين الضاحكة والباكية وترامت على رياض ورفعت رأسها ، وقالت لها : يا قرة عيني ويا أنس قلبي إياك [فحيلتي خا(نتني)؟] -9- فعاشقة أنت ، عزيز والله علي ، أين النضارة والغضارة وأين البهاء وأين الضياء وأين اﻷرداف وأين اﻷعطاف وأين النهد الفالك وأين الشعر الحالك وأين توريد الخد وأين الرونق (المشرق) -10-؟ فنشأت تقول [خفيف] :
أنت تقرأ
بياض ورياض
Romanceقصة من التراث العربي أخرج المخطوط : أ.ر.نيكل تحقيق وتقديم : د. صباح جمال الدين