- 9 -

47 2 0
                                    


قال : فلم أزل كذلك حتى فتح عينيه وقام على نفسه وهو محتشم مني ، فمسحت وجهه وقلت له : لا بأس عليك يرحمك الله ، ما فعلت قد فعله غيرك فأنت واحد من ألوف لا تحصى.

فقال لي عندما سمع ذلك (معذرة) -1- [19و] وأنشأ يقول [طويل] :


بحق الهوى يا سيد الظرفاء

ويا زهرة اﻷحباب و (النجباء) -2-

وخير الورى إلا رحمت تلهفي

وطول سقامي وانتزاح (عزائي) -3-

فإني والرحمن صب معذب

قتيل (صبابات) -4- يطول بكائي


قال : فقلت له : لا والله ولا كرامة ، بل أنت حبيبي وإلفي وخلي.

فقلت له : أتعرفني؟

قال : لا وليتني أعرفك.

فقلت له : أنا قريب العجوز أرسلتني في أثرك ﻷرى ما تصنع ، فلما سمع ذلك مني أنس إلي وحدثني بما يجد من ألم الهوى ، فسليته وصبرته إلى أن أقبلت معه كما (ترين) -5-.

قالت العجوز : فنهضت إليه وحدي فوجدته وهو ينشد هذه اﻷبيات حيث يقول [بسيط] :

باح الهوى بغرام كنت أكتمه

ولم تبح بضمير السر أجفاني

كتمت أمري ولم أفضح سريرته

فباح باﻷمر سقمي فوق جثماني

لولا أنين ونيران على كبدي

لم يعلم الناس أدوائي وأشجاني


قالت العجوز : فسلمت عليه فرد علي السلام وقال :

جزيت خيراً في إرسالك قريبك ، ولقد أنست به ولقد كنت أريد إن كان ليس له شغل أن أتسلى معه.

فقلت له : ما له شغل ولو كان لتركه.

فقال : جزاك الله بأفضل ما يجازي به المحسنين مثلك.

فكانا يخرجان عني غدوة ويرجعان عشية ، وأنا أسأل قريبي كل ليلة عما يفعل.

فيقول حيناً يتسلى وحيناً ينوح وحيناً يتلهف وحيناً يبكي فأسليه جهدي وطاقتي ، فكنا نقعد معه في كل ليلة. [20ر] ونحدثه بأخبار الناس وهو معنا كذلك يخبرنا عن بلده وداره وأهله وما كان من أحواله في المكتب وما كان يصنع مع أترابه ، وكنا معه في هذا حتى حسبنا أنه قد سلا ، فكان هذا منه حتى توهمت أنه برد قلبه نحو شهرين ، فلما كان ذات ليلة أرقت فقمت في جوف الليل لحاجة عرضت لي ، فنهضت إلى موضع مضجعه ﻷقف على منهاج أمره وأرى ما يصنع ، وقلت : إن وجدته نائماً أيقنت أنه قد سلا وإن كان غير ذلك عرفته ، فمشيت قليلاً قليلاً فسمعت له أنيناً ضعيفاً وتلهفاً مفرطاً دلني على حرقة شديدة وهو ينشد حيث يقول [خفيف ومنسرح] :

بياض ورياضحيث تعيش القصص. اكتشف الآن