اذهبي الى البقالة لشراء الاغراض اللازمة للبيت،وعندما تعودين سيكون بانتظارك الغداء لاعداده والبيت لتنظيفه والسجاد لغسله،افهمتي؟ هذا هو عمل (الچنه)! ف(الچنه) خادمة في بيت (عيالها)!! قالت العمة هذا ثم ادارت وجهها نحو بناتها اللاتي كن يضحكن بشماتة واردفت صارخة:هيا تحركي! حنت رأسها بلا حول ولا قوة ونزلت دمعة باردة على وجنتها التي اعتادت على شلالات الدموع. سرحت في الامها وكل تلك الاشياء المكبوتة داخل ذلك القلب الصغير الذي ضاق من الكتمان ذرعاً وشارف على الانفجار بالف لون من الوان المرارة. تذكرت امها التي كانت تمانع كل رغبات طفولتها ومراهقتها بجملها المعتادة:سيأتي لكِ به زوجكِ،ستفعلين هذا بعد زواجكِ،سترتدين ذاك لزوجكِ،سيأخذكِ زوجكِ لكذا مكان! ثم دفعتها كأنها عالة نحو زواج تقليدي التدبير غير تقليدي الوجع وهي في سن لا تتجاوز فيه الثامنة عشر حلماً ربيعياً! كانت لا تزال طفلة تلهو بالعرائس! اخرجوها قسراً من بيت الدمى الخاص بها ومن مملكة القهقهات التي كانت تحكمها بكل ما تملك من عنفوان، وادخلوها قهراً في بيت غرباء منفرين. تركت دراستها وتخلت عن كل احلامها الجميلة في سبيل هذا الفساد الأسري والفخ المدبر. اصبحت زوجة قاصرة غير متعلمة محطمة وخادمة كذلك! جل ما تجيد فعله هو الاعمال المنزلية وذرف الدموع بمرارة بعد منتصف الليل على ما آلت اليه حياتها إن كانت تسمى زنزانة الدمار المعنوي هذه حياةً. فبعد ان كبرت اعواماً في هذا المكان الضحل و وعت على حجم خسارتها وفداحة ما تعيشه من كبت وقمع واغتيال لكل ما تملك من اشلاء على قيد الحياة. وبالمقابل كل ما تتلقاه هو التوبيخ من (عيالها) والضرب من زوجها الذي كانت قد بنت على مجيئه امالاً من رمال السعادة وما انتبهت ان هذا الرمل السحري يهوي بسرعة مفزعة الى حضيض الواقع الموحش! تأملت وصول هذا الفارس المختار لتعيش ما حرموها منه اهلها وكرست كل ايامها استعداداً لقدومه كما ارادت لها امها. احست انها وقعت ضحية مؤامرة دفعت فيها شبابها وفتوتها وحبها للحياة فباتت عجوز عشرينية بقلب مسدود الشرايين والاوردة وكبد ملتاع! كانت صفقة كل ما كسبته منها فستان ابيض بالٍ وحفلة جوفاء وموسيقى تتغنى بالامها والقليل من الرومانسية الزائفة لأول اسبوع من الزواج فقط! وهكذا تحولت امسياتها التي كانت تقضيها بقراءة قصص ما قبل النوم والاستلقاء بجوار دبها المحشو السعيد بدفئ انفاسها الى ليالي قاتمة التعاسة مستبدة الالم تتذكر فيها ذلك الدب مكسور الفؤاد الذي اعتزل العالم ساكناً عليّة ذاك البيت المسكون باشباه البشر وسراب الحب الاسري الزائف حزناً لفراق تلك الطفلة! وهكذا اصبح كل ما في حياتها هذه يزيدها اشتهاءاً للموت. انها لا تلوم زوجها لتقصيره في واجباته تجاهها او لاعطاء الحق لعائلتهه لاذلالها بهذا الشكل الوقح! ولا تلوم (عيالها) على تدليل بناتهم واستعمالها هي للاشغال المنزلية كانهم زوجوا ابنهم بدل ان يستأجروا فليبينية لان ذلك اقل تكلفة! او لقسوتهم وظلمهم وتوبيخهم لها! ولا تلوم امها لانها حرمتها من حياتها قبل الزواج املاً في حياة هانئة بعد الزواج وفي النهاية لم تعش اي حياة! ولا تلوم اباها لانه زوّجها وهي لا تعلم بعد معنى الزواج لاول نصيب اتاها رغم كونه غير كفوء بتاتاً! انها لا تلوم هؤلاء،،بل تلوم نفسها!! كل ليلة مع كل دمعة تقلعها قلعاً من اعماق روحها المسلوبة وكل مرة تتهشم بقايا عزة نفسها وكرامتها تحت اقدام جلاديها وكل مرة تتمنى فيها لو انها تفارق احتضارها هذا وتسمو بروحها لبارئها وينتهي كل شيء، تندم مئة مرة! لماذا باعت الف حلم من اجل كابوس واحد؟ لماذا لم تختر مستقبلها بيدها؟ لماذا جعلتهم يقررون عنها كيف ستعيش حياتها؟ لما يربي الاهل بناتهم على انهم ولدوا للزواج وانه الاولوية التي خلقهم الله من اجلها وانهم سلعة يعطونها ويستلمون مقابلها مهراً لا اكثر؟! لماذا يكون اسمها الثاني "عورة"؟! ولماذا استسلمت لهذا المبدأ بكل بساطة وضعف ولم تقاومه؟ ماذا ستقول لاطفالها عندما يكبرون ويسألونها عن تحصيلها الدراسي؟ بماذا ستجيبهم ان هم جائوا اليها وقالوا:ماما لقد سخر منا الطلاب لانهم عرفوا ان والدتنا امّية مقارنة بآبائهم الاطباء والمهندسين! أهي راضية عن جعلهم يحسون بالنقص والخجل امام اقرانهم؟ اي نوع من الامهات هي ومن تخال نفسها كي تقضي على ثقة اطفالها بانفسهم!باتت تفضل لو ان اهلها قتلوها بسبب عنادها لهم ورفضها هذا الزواج على ان تقضي ما تبقى من حياتها وهي حبيسة سجن الزوجية هذا يأكل قلبها المتبلد صدأ الندم! وفجأة،، سمعت صراخ عمتها وهي تقول: مابالك واقفة كالصنم بلا حراك؟ تحركي هيا!
![](https://img.wattpad.com/cover/56597561-288-k397914.jpg)