Part (2)

417 14 2
                                    

رحل عمي وأمسك بمعصميّ نوح، قال بغضب:
- لقد قالت زوجتي أنها قد لمحت أحدهم ولكن يبدو أنك سهل الحركة والعدو أيها الوغد!
خرج جدي وعمي بعد أن استشعرا حدوث شيء في الفناء الخارجي، تساءل جدي عما جرى ليصيح عمي مجيبًا:
- انه هذا الوغد .. لقد كان يحاول خطف ابنة أخي!
أشاح جدي ناظريه لنوح منتظرًا أجابه، ليقول عمي الآخر:
- لتدافع عن نفسك!
قال نوح بهدوء مبررًا ما جرى:
- لسُت مجرمًا كما تبين لكم، بل هذه الفتاة قد تتبعت خطايّ في الحديقة القريبة من هنا، ولم يهن علي ترك طفلة تمشي وحيدة في هذا الليل فأردت ان تعود أدراجها بسلام بإيصالها بنفسي، وأخبرتها ان تدخل بهدوء حتى لا يحدث ما حدث الآن.
أشاحت أمي ناظريها نحوي وقالت سائلة:
- أهذا ما حدث يا بُنيّتي؟
اومأت برأسي بأجل حتى تتنفس الصعداء ويفلته عمي
قالت أمي وهي تشعر بالخجل بسبب تسرعهم:
- نحن نعتذر بشدة، ونشكرك شكرًا جزيلًا لما قمت به، لا يفعل ما فعلته سوى الرجال الحقيقيون، أشكرك مجددًا سيد.. ؟
قال نوح بعد أن تراجع للخلف ناويًا الرحيل:
- نوح، ولا أسف عليكم فخوفكم على طفلتكم أمرٌ طبيعي وأنا أتفهم ذلك جيدًا ولكني أقدم اعتذاري على ترويعكم في هذا المساء الجميل، تشرفت بلقائكم، وداعًا.
تحركت من مكاني مسرعة لألتقط يده وأوقفه، لتقول أمي بدهشة:
- سينا!
كان الجميع متعجب من تصرفاتي، فأنا لا أفعل ذلك عادةً، اومأت له بكلا قاصِدةً:" لا أريدك عن ترحل!".
قال جدي بابتسامة رُسمت على شفاهه:
- حسنٌ يا سينا عودي لأحضان والدتك وأذهبا للنوم، سيد نوح سيعاود القدوم إلى هنا غدًا لأنه سيلبي دعوتي للقدوم وتناول الغذاء بيننا، أليس كذلك يا نوح؟
أشاح نوح ناظريه إليّ بعدما قال جدي، فأومأت له بـ "أجل"، ابتسم لي حينها وقال بعد أن جثا على ركبته:
- أجل سأكون هنا غدًا، أعدك، ونوح لا يُخلف وعوده مُطلقًا .. حسنًا؟
تركته ليرحل خارج المنزل، ولكنه التفت لينظر لي ويرفع أصبعين أمام رأسه ويحركه في الهواء.
"ما لذي رأته هذه الطفلة في هذا الشاب ؟" هذا السؤال الذي طرحه الجميع ، بينما أنا كُنت أهمشهم بالصمت راجية أن يصدُق هذا الشاب في كلامه وأن يوفي بوعده لي.
أتى الغَد المنتظر وحان وقتُ الغذاء، ولكنه لم يأتي .. هل سيتخلف عني منذ الآن ويحطم قلب طفلة صغيرة؟
كنت أنتظره بصمت وألعب بالدمى، لتنادي علي والدتي، خطوت نحوها لأجد نوح يقف بجانبها، أسرعت لمعانقته، كان متفاجأً من ذلك العناق؟ فما له من داع؟
عدة دقائق حتى تطلب مني أمي الرحيل للداخل وأخبار الجميع بقدومه ولستُ بحاجة لذكاءٍ خارق لأعي أنها ستبوح بحالنا له و ما نمر به .
باتا يمشيان قليلًا في الحديقة ثم جلسا معًا بجانب تلك النافورة الضخمة التي ميزت منزلنا، قالت أمي:
- أنا أعلم أنك متفاجئ مما حدث الأمس ولابد أنك تحتاج لتفسيرٍ عما يجري لذا سأحكي لك عن طفلتي قليلًا، سينا لا تحبذ الاقتراب كثيرًا من بقية الأطفال أو حتى الكبار، يمكنك القول أنها انطوائية بعض الشيء.
هلع نوح بالقول:
- انطوائية؟ أتعنين أنها مصابة بالتوحد؟
- كلا لا شيء من ذلك، كانت طفلتي فتاة طبيعية حتى عامين مضيا، لقد هجرنا والدها بعد أن كان كُل حياتها، رحل وتخلف عن طفلته الوحيدة وعني بعد أن ظننت أننا نحظى بتلك الحياة الكاملة والمثالية؛غير موضح للسبب الذي قاده لفعل ذلك ، ولم يترك لنا سوى ورقة كُتب عليها "آسف" ولا شيء سواها، الواقعة حطمت قلبي وقلبها، ومنذ اختفائها وحتى الآن أصبحت بنيتي في دوامة العزلة وابتعدت عن كل الأطفال وتغيرت شخصيتها مئة وثمانون درجة وما عادت طفلتي ..وردة .. مزهرة .. كما كانت.
أجابته أمي وهي تمسك بزهرة وتشد بتلاتها وتقطعها ملقيةً بها على الأرض، كَان نوح منصتًا جيدًا دون أن يلقي كلمة واحدة، على الرُغم مما كان يعني لي أبي فإنه لم يَكن كُل حياتي كما كَان لها! فقد هجرها ولازالت تذكره، بمحاسنه ومساوئه ولأني ما عدتُ أطيق ذِكره، ليرحل! فهكذا هُم الجُبناء؛ يخشون مواجهة أقدارهم، لم يَكنْ رَجُلًا بالمعنى الحقيقي فالرجال يتحملون ثقل ما تعنيه الكلمة حتى يحصل عليها.
قد أبدو صغيرةً كَي أتفوه بِكل هذا الهراء لكِنه هُراء وأنتم لتحسبون دائمًا أن الأطفال لا يتفوهون بشيءٍ سواه، فلا قلق إذًا.
لنعد لقصتنا ، كُنت مختبئة وراء المطبخ بعد أن أخذت المقص وبدتُ أقص أوصال شعر دميتي ، رأتني والدتي في هذا الحال فما لبثت حتى انقضت نحوي وانتشلته من بين يدي، باتت تحذرني من استعماله بينما دموعها قد اجتمعت على حافة عينها اليُمنى بينما الأخرى قد سقطت دمعتها على وجنتها ومسحتها بسرعة حتى لا يراها أحدهم وبدأت تلقي نصائحها الغير نافعة فهي تذكُر والدي في كُل حينٍ وموقف وهذا ما يقودني إلى دوامة الغضب اللامتناهية، مضيت برفقتها بعد حين إلى قاعة الغذاء وجلستُ بجانب نوح الذي اعتلت ابتسامة وجهه فور رؤيتي ، تشاركنا الأحاديث وفي لحظة قاطعة فُتح باب القاعة لتدخل زوجة عمي وتجلس أمام تلك المائدة الوفيرة ، لتقع عينها على نوح، اتسعت عينيها وتوقفت عن الحركة للحظات معدودة حينها ، بينما هو؛ لاتزال تلك الابتسامة مرسومةً على وجهه .
لاحظ جميع الحاضرون تصرفها الغريب .. عدايّ أنا .. فأنا الوحيدة التي على بينة أنهما قد تقابلا مسبقًا.

نوح | NOAHحيث تعيش القصص. اكتشف الآن