جائت عبير لتقدم واجب العزاء لصديقتها أمل وتواسيها لفقدان صغيرتهم بهجة .. وكان مجيئها كالسلوان بالنسبة لأمل التي راحت تفضفض لها عن ما يمر به عادل من إبتلاءات عديدة تدك من شدتها الجبال الرواسي ..
تعجبت عبير من عظم الإبتلاءات والمصائب التي يمر بها عادل وأكبرت ثباته وصموده رغم إنه حديث عهد بتوبة ..فعلقت على ذلك بقولها
عبير: أمل .. ماذا لو أن سبب هذه الإبتلاءات ذنب خفي لم يتمكن عادل حتى الآن من التوبة منه
أمل ( مستبعدة ذلك ): لا أظن ذلك .. فعادل ولا أزكيه على الله .. صادق في العودة والإنابة إلى الله .. وكل ما يشتبه به بأنه يبعده عن ربه يتخلص منه سريعا ..
سكتت قليلا وظلت تمسح على جبهتها مسحا خفيفا وهى تتألم لحال عادل ثم أردفت قائلة
أمل: أشعر بأن خلف هذه الإبتلاءات أمرا جلل ولكن ما هو يا رب ؟
عبير: ادعي الله له يا أمل أن يرفع عنه البلاء .. واطلبي منه أن يكثر من الإستغفار .. فما وقع بلاء إلا بذنب ولا يُرفع إلا بتوبة
هزت أمل رأسها مستحسنة ما سمعت.. وتشجعت أن تبدأ مع زوجها حملة استغفار بنية رفع البلاء
في الوقت الذي كانت فيه أمل تجلس مع عبير تتحدث عن حال عادل كان هو يجلس مع إمام أحد المساجد يطلب منه أن يعمل عاملا للتنظيف في المسجد .. نظر الإمام إلى هيئة عادل .. فمنظره يدل على إنه من طبقة راقية .. ابتسم له قائلا
الإمام: يا بني .. إذا كانت الحياة قد ضاقت عليك فبإمكاني مساعدتك وسأجمع لك تبرعات من أهل الحي وممن يرتادون المسجد
أطرق عادل برأسه أرضا .. وقال: لا يا شيخ .. هناك من هو أحوج مني للتبرعات أنا قادر على العمل .. وأريد أن اتذوق طعم المال الحلال الذي يأتي من كسب يدي ..
فهم الإمام بأن خلف هذا الرجل قصة طويلة .. فقبل طلبه حتى يعفه عن سؤال الناس وعن المال الحرام قائلا له: يا بني ثق بأن العمل الذي تقوم به عملا عظيم وإن استحقرته الناس .. ويكفي بأن النبي افتقد المرأة التي كانت تنظف المسجد عندما ماتت وأصر على معرفة قبرها والصلاة عليها .
باشر عادل العمل في المسجد وكان رغم معرفته بعظمة العمل الذي يقوم به.. إلا إنه كان شديد جدا على نفسه .. ليس لصعوبته ومشقته .. وإنما .. لإنكسار نفسه وخجلها حينما يدخل أحدهم دورات المياه ويراه ينظف هناك .. كان يشعر بالإحراج الشديد والخجل .. ولكنه قال لنفسه
عادل ( محدثا نفسه ): لقد تجرأتي على مولاك بالمعاصي سنوات وسنوات .. فلابد أن تُكسري الآن وتُذلي
كان يعمل في المسجد مقابل مبلغ زهيد يستلمه نهاية كل يوم .. ويعود لشقته وهو في قمة السعادة لذلك .. وبعد عدة أيام من العمل المتواصل .. اعطى عادل أمل مبلغ بسيط مما يحصل عليه وطلب منها أن تعطيه أي محتاج .. يريد بذلك أن يبارك الله له في رزقه ..
وبعد بضعة أيام من العمل الدؤوب .. كان عادل قبيل الإقامة لصلاة العصر يتوضأ على عجل مخافة أن تفوته تكبيرة الإحرام .. فأسرع إلى المصلى .. وماء الوضوء يقطر منه ووقف بجوار أحد الرجال الذين وقفوا كي يُتموا الصف .. وما إن وقف عادل بجانبه حتى زجره الرجل ودفعه للخلف قائلا له
الرجل: هذا ما ينقصني يقف بجواري منظف الحمامات ..
تسمر عادل لهذه الكلمات .. وشعر أن الدنيا تدور به لقد أثرت كلمات الرجل فيه كثيرا .. وتركت بداخله شرخا من الصعب أن يبرئ ..
انتظر عادل حتى تكتمل الصفوف ثم وقف في آخر الصف مخافة أن يتلقى إهانة أخرى..وما إن انطلق الإمام بتكبيرة الإحرام قائلا
" الله أكبر " حتى أدمعت عينا عادل .. وظل يتجرع الغصات طوال وقت الصلاة ظل يستشعر اسم الله الكبير .. وكيف إنه كبير بجبروته وقدرته .. اتذكر يا عادل كيف كنت تبارزه بالمعاصي .. اتذكر كيف كنت مستغني عنه بمالك وجاهك ..اتذكر استهزاؤك لمواعظ سالم .. كم أنت اليوم صغير وحقير يا عادل.. وما أن فرغ من الصلاة حتى خلى بنفسه جانبا يدافع عبراته .. رجلا كان بالمقربة منه كانت يستمع إلى أزيزه وبكائه في صلاته.. وحين فرغ هو الآخر من صلاته إلتفت إلى عادل فأشفق لحاله .. فأخرج من جيبه بعض المال واتجه نحوه ووضع المال في حجر عادل وخرج من المسجد ..
أمسك عادل بالمال وظل ينظر إليه متحسرا على الحالة التي وصل لها .. لقد أصبح الآن مثيرا للشفقة بكى عادل .. بكى على حاله طويلا
عادل ( مناجيا ربه ): اللهم إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ..♻يتبع ....
بقلم: 🖊حفيدة النبي 🖊