كانت أمل في هذه الأثناء تناول أمها الدواء وتتسامر معها .. وتشعر ببعض الوخز في صدرها .. تتعوذ بالله بين الحين والآخر .. وتنظر إلى ساعتها فقد أقلقها تأخر عادل هذا اليوم .. وفجأة تسمع قرعا شديدا على الباب .. يكاد القارع أن يخلع الباب من شدة قرعه .. فأسرعت لخارج غرفة والدتها .. فرأت أخاها زياد قد سبقها مذعورا لفتحه .. كما رأت والدها يقف قلقا من شدة القرع ..
فتح زياد الباب ليتفاجئ بعادل وهو يبدو شخصا آخر .. وكأنه قد خرج للتو من قبره .. رآه شاخص البصر .. خائف .. يلهث من التعب .. محطم النفسية قال له وهو يلتقط أنفاسه
عادل: أين أمل ؟!
حين سمعت أمل صوته أسرعت إليه متعجبة هى الآخرى من حالته فقالت له
أمل: أنا هنا ولكن .. ما الذي حل بك ؟ لما أراك على هذه الحال ؟
أمسك عادل بيد أمل وضغط عليها بشدة وهو يقول
عادل: أرجوك أريد أن اتحدث معك
هزت أمل رأسها بحسنا .. فحالة عادل وطريقة حديثه تبدو مريبة هذا اليوم .. اصطحبته أمل إلى غرفتها وسط ذهول من أبيها وأخيها
وما كادت أن تغلق باب الغرفة حتى سألها عادل على الفور
عادل: أمل .. كيف تعرفتي على تلك المرأة التي كنا نوصل لها الصدقات ؟
تفاجئت أمل من سؤاله وقالت
أمل: ما الذي ذكرك بها الآن ؟
هنا قال عادل: أرجوك اجيبي على سؤالي بدون توجيه أسئلة لي
أمل: أريد في البداية أن اطمئن عليك فحالتك ..
عادل ( مقاطعا ): أمل اخبريني كيف تعرفين هذه المرأة ؟
هنا وجدت أمل بأنه لا مناص من الإجابة على سؤاله فقالت
أمل: أنا اعرفها منذ مدة بعيدة .. تعرفت عليها عن طريق صديقتي عبير .. فهى تقوم عادة بجمع المساعدات والتبرعات ثم تقوم بإيصالها للمحتاجين .. وقد كانت تصطحبني بعض الأحيان معها .. وعند زيارتي لهذه المرأة أول مرة تعرفت على قصتها المؤلمة ..
كان عادل يستمع بتركيز شديد لأمل فقد سلمها كل جوارحه .. أما هى فقد أردفت قائلة
أمل: توفى عنها زوجها وترك لها أيتام وبيت صغير يأويها .. ولكن أحد التجار الجشعون حاول أن يشتري منها بيتها .. وحين رفضت أن تبيعه بيتها أرسل لها أحد رجاله ..الذي لا أعرف بما أوصفه
قالت ذلك وقد ظهرت عليها علامات الغضب والغيظ .. أما هو فقد جرت دمعة حارة على خده وهو يسمع هذه الكلمات .. التي كانت تسكب على قلبه كالزيت الحار الذي يسقط على الجلد ..
واصلت أمل حديثها قائلة: قام ذلك الرجل بخداعها وأوهمها بأنه سيقدم لها مساعدات مادية .. مستغلا جهلها وحاجتها .. فوثقت به .. ويا ليتها لم تثق .. فأمثال هؤلاء الذين باعوا دينهم ودنياهم لا أمان لهم ولا ثقة
كانت عينا عادل تهطلان بالدمع حين قال
عادل: ثم ماذا يا أمل ؟
كانت أمل متفاعلة كثيرا مع القصة التي تحكيها لذا لم يكن تركيزها مع دموع عادل .. لذا واصلت قائلة
أمل: اكتشفت المرأة بعد فوات الآوان بأنه قد ضحك عليها .. وسرق منها بيتها .. حاولت أن تستعيده ولكن دون جدوى .. فأخرجت من بيتها قسرا .. وهنا بدأ بعض الخيرين من أبناء حارتها بالتواصل مع من يعرفون لتوفير لها منزل يأويها ويأوي أولادها .. وصل الخبر لأخو عبير وهو شاب قد اجتباه الله لخدمة المساكين ..فقام مع مجموعة من رفاقه بإستجار منزل لها يتحملون هم دفع ايجاره .. ثم أوصى أخته عبير بتفقد حالها وأحوالها... هذه هى قصتها
لم تتوقف عين عادل ثانية عن البكاء .. فقال وهو شبه منهار
عادل: لقد نسيتي شيئا مهما يا أمل
نظرت أمل إليه متفاجئة من دموعه .. واصل عادل حديثه قائلا
عادل: نسيتي أن تقولي .. بأنها دعت عليه
ثم انفجر باكيا .. ازداد تعجب أمل .. فلما كل هذه الدموع وهذا الإنهيار فسألته
أمل: ما بك يا عادل ؟!
كان عادل يبكي بحرقة حين أجابها قائلا
عادل: سأخبرك بأمر يجعلك تكرهيني وتكرهين تلك الساعة التي ارتبطتِ بي فيها .. هل تعرفين ذلك الرجل الظالم الذي استغل جهل المرأة وحاجتها .. وقام بخداعها .. إنه .. إنه ..أنا
قال ذلك ثم انفجر باكيا من جديد .. أما هى فحين سمعت ذلك انصدمت وابتعدت عنه لا شعوريا .. لاحظ هو ذلك فقال
عادل: نعم يا أمل من حقكِ أن تبتعدي عني .. فأنا واقع تحت غضب الجبار .. وكل شيء أحبه بصدق يأخذه عني بعيدا .. لقد أخذ بسمة وبهجة وسالم .. وحتما سيبعدك عني .. أنا ظالم .. مسلطة علي دعوة إمرأة بريئة ..إمرأة وجدت أمامها رجل استقوى بماله وذكائه وخداعه ومكره .. فاستقوت هى بالله .. فما خذلها وما رد دعوتها .. لذا ابتعدي يا أمل .. ابتعدي عني فأنا لا استحق الطيبون أمثالكم .. سأذهب بعيدا عن منزلكم .. حتى لا ينالكم مكروه بسببي .. فما زالت رعشة أصابع المرأة حين رفعتها للدعاء .. ودمعاتها الدامية تترأى أمامي .. لقد كانت دعوتها أصدق من توبتي ..
ثم عاد للبكاء الشديد .. كانت أمل منصدمة بما تسمع واصل عادل حديثه بصوت غير مفهوم لشدة بكائه
عادل: يالله .. كم أنت عادل وتحكم بالعدل .. حرمتها من الشي الوحيد الذي تملكه .. فجاء الجزاء من جنس العمل .. وقد حرمت من أمور كثيرة وخاتمتها بأني سأحرم منك ..
نظر عادل نظرة طويلة لأمل ثم أسرع منصرفا للخارج .. كانت أمل تركض خلفه وتصرخ فيه بأن يتوقف .. تعجب والدها وأخاها منهما .. خرج عادل من المنزل مسرعا .. فصرخت أمل في زياد بأن يلحقه .. أسرع زياد خلفه وهو غير مستوعب لما يحدث أما هى فقد ارتمت في حضن والدها باكية
لم يتمكن زياد من اللحاق بعادل .. لذا عاد للمنزل ليفهم من أخته ما الذي حدث
قصت أمل قصة عادل مع المرأة لأبيها وأخيها .. الذان تأثرا كثيرا بالقصة .. وكانت أمل طيلة الجلسة وهى تبكي مصدومة بما سمعت وخوفا من أن يصيب عادل أي مكروه ..
ربت والدها على ظهرها مهدئا ثم قال بجدية وحزم
العم صالح: لقد وقفتي مع عادل يا أمل وهو أبعد ما يكون عن الله .. وقفتي معه وهو لا يقر بأنه ظالم لنفسه ولغيره .. فهل ستتخلين عنه الآن وهو يجتهد ليل نهار أن يصل لرضوان الله
كانت أمل تكفكف دمعها مستمعة لكلام والدها الذي أردف قائلا
العم صالح: عادل الذي ظلم المرأة هو عادل القديم .. أما هذا المنهار قبل قليل فهو عادل زوجك يا أمل الذي انتشلتيه بفضل الله من وحل المعاصي والإحباط واليأس .. فهل ستتخلين عن زوجك يا أمل وهو اليوم في أمس الحاجة ؟
كانت أمل تمسح دموعها بعدما رفعت كلمات والدها من معنوياتها فتمتمت بكلمات الإستغفار وقالت بثقة أمل: لن اتخلى عنه ما حييت بإذن الله .. ما الذي بإمكاني فعله يا أبي ؟!
العم صالح: ارتدي عباءتك سنذهب لمنزل المرأة .. لابد أن تسامح تلك المرأة عادل وتعفو عنه .. هنا في هذه الحياة الدنيا فالوقوف أمام الله يوم القيامة صعبا جدا جدا
وقفت أمل متحمسة لفعل ذلك قائلة
أمل: حسنا يا أبي .. انتظرني لحظات فقط
وأسرعت لغرفتها لإرتداء عبائتها .. أما العم صالح فقد أوصى زياد بأمه ..وفور انتهاء أمل .. انطلق معها لمنزل المرأة ..
انتظر العم صالح ابنته في سيارة الأجرة التي استقلها أما هى فقد وقفت أمام باب بيت المرأة ومشاعر متباينة بداخلها .. فهى تتسائل ماذا فعلت هذه المرأة مع الله فيستجيب لها بشكل سريع حين رفعت شكواها إليه ؟! ..ما الذي فعلته هذه المرأة فيرسل لها الأخيار من خلقه يكونون لها عونا وسندا ؟! ما الذي فعلته كي يتكفل هو سبحانه برزقها ورزق أطفالها ؟! .. أما الشعور الآخر فقد كان الخوف .. ماذا لو إنها رفضت أن تسامح عادل؟! .. ماذا لو إنها كرهتها من كراهية عادل ..؟! ماذا لو إنها حكت لعبير ولجميع الأخوات بأن زوج أمل هو ذلك الشخص الظالم الذي خدعها وسرق منزلها .. ؟!
تعوذت بالله من الشيطان الرجيم وراحت تطرق الباب .. فتحت لها المرأة وسعدت جدا حين رأتها .. إلا أن أمل لم تتمالك نفسها فارتمت في حضنها باكية .. أدخلتها المرأة إلى داخل المنزل وظلت تسألها عن سر بكائها .. كانت أمل مترددة كثيرا لكنها في النهاية تشجعت وقالت
أمل: جئت أطلب منك معروفا تسدينه لي
ابتسمت المرأة قائلة: أنت لو طلبتي عيني سأعطيها لك يا أمل .. فكما أخبرتك سابقا أنت وعبير أخواتي الصغار
تلألأت دمعة في عين أمل حين قالت
أمل: وأختك أمل .. جائت اليوم تريدك أن تسامحي زوجها وتعفي عنه
تفاجئت المرأة بهذه الكلمات وابتسمت مجددا وهى تقول
المرأة: زوجك لم يسئ لي بشيء حتى اسامحه
هزت أمل رأسها بالنفي ثم قالت
أمل: زوجي .. هو الذي خدعك وجعلك توقعين في ورقة على أنك بعتيه البيت
وقفت المرأة متفاجئة بما سمعته .. وعادت الأحداث تتقافز إلى ذاكرتها .. تذكرت ما حدث معها ذلك اليوم تذكرت دعائها .. تذكرت بهدلت الأيام التي مرت بها .. فأدمعت عينها .. ثم تذكرت الطارق لبابها هذا اليوم .. يالله إنه هو .. نعم هو
إلتفت إلى أمل قائلة
أمل: الذي طرق باب منزلي اليوم هو ذلك ..
وقفت أمل بجانبها وقالت لها مقاطعة
أمل: نعم هو .. هو ذلك الظالم الماكر .. الذي أصابته دعوتكِ فأصبح حاله كما رأيتِ
قصت أمل للمرأة ما حدث لعادل من أمور جسام بعدما رفعت المرأة يدها داعية عليه .. وكانت المرأة تستمع إليها ودموعها تهطل على خدها لا إراديا .. وحين انتهت أمل من حديثها نظرت إليها فرأتها مطأطئة برأسها أرضا .. تمسح دموعها .. جثت أمل أمامها قالت
أمل: اعرف .. اعرف أن جرمه لا يغتفر فقد تسبب بالأذى النفسي لك ولأولادك .. ولكنه في النهاية زوجي الذي أحببته ودعوت الله أن يصلحه لي .. لا استطيع أن اتحمل مأسأة أن تطارده دعوة مظلوم .. فتجعله متنغصا في حياته
ثم انهارت باكية .. أخذت المرأة تمسح على ظهر أمل وهى تبكي وتقول
المرأة: لقد دعوت الله عليه في ذلك اليوم بحرقة .. دعوت الله عليه .. حين استفزني بعد فعلته تلك ببعض المال كي أنسى ما فعله بي وبأبنائي .. دعوت الله .. ثم حاولت تناسي الأمر ..وبالأخص حين وجدت أناس طيبون أمثالكم .. منذ عشت في هذا المنزل وأنا أغلب وقتي اكرر آية واحدة " لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا " .. وقد أحدث الله لي من الأمور التي لا استطيع أن احصيها .. التي ما كانت لتحدث لو لم أخرج من بيتي القديم ..
أخذت تمسح دموعها ثم قالت ..
المرأة: حقيقة لم أكن اتصور بأن مثلي يقتص لها