عاد خليل إلى المنزل وقد تطاير الشر من عينيه .. وفور وصوله نادى على أمل بأعلى صوته .. والتي هرعت إليه مسرعة خائفة .. فتلقاها بالشتم والسباب ..والكلام جارح .. دخل عادل المنزل في هذه الأثناء وسمع كلمات عمه لأمل فاقترب منه محاولا تهدئته .. إلا أن خليل كان في قمة الغضب ويرفض أن يستمع منه لأي كلمة .. وحين أكثر عليه عادل محاولاته صرخ فيه خليل قائلا
خليل: كل ما يحدث بسبب هذه الوقحة ابنة السافل
هنا لم تتمالك أمل نفسها وشعرت بأنها جرحت في أغلى شيء في حياتها فقالت لخليل بحدة
أمل: من فضلك .. أن تتجاوز الحد معي وتتهم أخلاقي سأغض الطرف عن ذلك .. ولكن أن تتحدث عن والدي بسوء فأنا لن اسكت عن ذلك
ابتسم خليل ابتسامة غيظ وغضب وقال
خليل: جميل جميل .. لم يبق غير هذه الحثالة تهددني
أمل ( بقوة وثقة ): لا تظن أبدا بأنك اشتريتنا بمالك .. لذا نسمح لك أن تهيننا وقتما تشاء .. فالحثالة كما تقول يستطيعون الدفاع عن أنفسهم
استشاظ خليل غضبا وقال وهو يرفع يده ليصفع أمل
خليل: أنت قليلة الأدب
إلا أن عادل أمسك يده وقال منفعلا
عادل: لقد تجاوزت كل الحدود يا عمي
انصدم خليل بردة فعل عادل ونظر إليه بإستغراب قائلا
خليل: هل علمتك أن ترفع صوتك علي ؟
تنهد عادل واستغفر ربه ثم قال
عادل: العفو يا عمي .. ولكنك تتصرف مع أمل تصرفات لا تليق
نظر خليل لعادل نظرة حادة قائلا
خليل: تصرفات لا تليق .. هذه الحثالة سلبت عقلك ..
لزم الصمت قليلا ثم أردف قائلا لعادل
خليل: عادل .. اختر الآن أما أنا أو هذه الحثالة
تفاجأ كلا من عادل وأمل بهذا التخيير ..
عادل: ما هذا الكلام يا عمي ؟
خليل: كلامي واضح .. فأما أن نعيش كما كنا سابقا أبا وابنه ..حياة هادئة مطمئنة .. وأما أن تكون أنت في طريق وأنا في طريق
عادل ( ممسكا بيد عمه ): عمي أنت تعرف بأني لا استطيع الإستغناء عنك
نظر إليه خليل بدهاء قائلا: استغني عنها إذن
ولكن عادل فاجئه حين رد سريعا عليه
عادل: وهل يستغني أحدا عنه روحه يا عم ؟!
فتغيرت نظرة خليل وتحولت لنظرة غاضبة ولكن عادل واصل كلامه قائلا
عادل: لقد زوجتني اياها يا عمي كي تعيدني لسابق عهدي .. ولكنها اعادتني لرشدي .. وابصرتني بعيبي وذنبي
خليل ( بغضب ): أنا لا افهم هذا الهراء الذي تتفوه به .. أريد إجابة مختصرة .. أنا أم هى ؟!سكت عادل ولم يعرف ماذا يقول .. ثم أطرق برأسه أرضا قائلا
عادل: لا يمكنني الإستغناء عن أمل ..
عم الصمت المكان طويلا .. ثم قال خليل بحنقة
خليل: فهمت .. أنت تختارها إذن ..
هم عادل أن يتحدث إلا أن العم استوقفه قائلا
خليل: لا أريد أن اسمع منك شيئا .. ولا أريد أن أرى صورتك في هذا المنزل .. اخرج أنت وحثالتك من هنا
حاول عادل أن يبرر موقفه إلا أن خليل .. انصرف عنه وهو غاضب ..
حزن عادل لذلك أشد الحزن .. وأحست أمل بالذنب لذلك .. ولكنه واساها وأخبرها بأن ما حدث بينه وبين عمه هو عبارة عن سحابة صيف عن قليل تنقشع ..
خرج عادل وأمل إلى إحدى الشقق الخاصة بهم .. واعتبر تنقلهم إلى هنا هو فترة نقاهة كي تهدأ النفسيات قليلا .. وكما اعتبر وجودهم في هذه الشقة فرصة للتقرب من الله دون تنغيص من عمه
كانت بالفعل كل سبل القرب من الله متاحة يسانده في ذلك زوجة صالحة تتقي الله فيه .. ولكنه ما أن استقرت نفسيته للطاعة حتى نغص عليه عمه بالتضييق عليه في التصرف في أمواله وممتلكاته وبدأ يعامله كعدو .. وليس كشريك معه في المال والأعمال ..
كان عادل يتسائل دائما لماذا هذا الضيق النفسي يلازمه رغم تقربه الشديد من الله .. فاهتدى مع زوجته وإنه لربما سبب ذلك بأن ماله مالا حرام تم تنميته واستثماره بطرق غير مشروعة .. فقرر أخيرا وبعد سلسلة من المضايقات من قِبل عمه أن ينفصل بثروته عنه .. ليطهر ماله ويستخدمه في طاعة الله .. وهنا ظهر الوجه القبيح لخليل .. الذي أثبت بأن المال أهم من ابن أخيه الذي رباه .. فقد حاول أن يحرمه من ماله .. واستنكر لمطالبه .. مما اضطر بعادل أن يلجأ للقضاء للحصول على حقوقه مكرها
كان حزينا جدا لما آل إليه الحال بينه وبين عمه .. وكان دائما ما يردد: أيعقل أن ذنوبنا تفعل ذلك بنا
فترد عليه أمل: إنها ضريبة التوبة يا عادل ..
عدة جلسات قضائية خاضها عادل .. انتهت بتوفيق من الله فكسب قضيته وأمر القاضي أن تقسم الأموال والعقارات بينهم كلا حسب أحقيته .. صحيح أن عادل لم يكن أبدا يتمنى أن تصل الأمور بينهم إلى هذا الحد .. إلا إنه كان سعيدا حين بدأ يتصرف في ممتلكاته كما يريد الله .. وبدأ عملية تطهير الأموال عن طريق الصدقات والتبرعات .. كان يوصل أمل لبعض بيوت المحتاجين الذين تعرفت عليهم عن طريق صديقتها عبير .. وقام أيضا بالتبرع لبناء المساجد ويضع في أي صندوق مخصص للتبرعات كل ما يتيسر في جيبه ولو كان مبلغا ضخما .. بدأت نفسيته تستقر مجددا .. وبدأت السعادة ترفرف عليه وعلى عائلته الصغيرة .. ولكن سرعان ما تبدد ذلك وانقشعت غيمة السعادة عن أسرته .. وحدث ما لم يكن في حسبانه .. إذ يتفاجئ ببلاغات وديون متراكمة وشيكات بدون رصيد تتطارده في كل العقارات والشركات التي أصبحت من نصيبه .. فانقلبت حياته رأسا على عقب .. يبيع هذا العقار من أجل أن ينقذ ذلك العقار .. ويدفع هذا المال من أجل ذلك الدين ..
كانت أمل تدعو الله كثيرا أن يخلص زوجها من هذا الإبتلاء العظيم مخافة أن لا يشعر بالراحة بعد الإلتزام فينتكس .. أما هو .. فقد أحب هذا الدعاء وظل يردده في كل وقت وكل حين " اللهم إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي " .. كانت الظروف الصعبة التي يمر بها تزيده صلابة وإقبال على الله ..
سنة كاملة قضاها عادل في حالة لا يعلم بها إلا الله ليس له فيها بعد الله إلا زوجته التي تحملت معه كل ظروفه الصعبة .. مرت السنة الصعبة معلنة عن إفلاس عادل ..
لقد ذهبت كل الممتلكات والعقارات والأموال .. تبقى له الشقة التي يسكنها والسيارة التي يمتلكها .. وبقايا ديون وافق أصحابها انتظاره حتى يتيسر أمره ..
دخل عادل على أمل وعلى وجهه ابتسامة رضى قائلا
عادل: أموال جلبت من حرام .. يأبى الله أن ترافقنا ..
بهذه النفسية استقبل عادل الإفلاس .. ولكن هل يمكن أن تبقى نفسيته كذلك .. وإبتلاء عظيم يطل برأسه عليه .؟♻يتبع ..
بقلم : 🖊حفيدة النبي 🖊