وضع عادل المال الذي تصدق به الرجل عليه في صندوق التبرعات الخاص بالمسجد .. ومن ثم خرج عازما على أن لا يعود إلى هنا مجددا وسيبحث له عن عملا جديد ..
كان في مشوار بحثه عن العمل الجديد يتسائل مع نفسه .. يا ترى كيف صبر الفقير على ضنك العيش .. وكيف تحمل أعباء الحياة .. بل كيف استطاع أن يصمد أمام أذى المتكبرين الذين يحسبون بأنهم بأموالهم قد ملكوا الدنيا بما فيها ..
إنه يتمنى الآن أن يصرخ في وجه كل غني يذكره ويعظه بأن كل شيء زائل فلا يغترن أحدا بماله ..
إن ضغط الدائنين عليه ومطالبتهم المستمرة له بإعادة أموالهم جعله يخطو خطوة حساسة جدا .. لقد جلس هذه الليلة مع أمل وقال لها مترددا
عادل: أمل .. الإسبوع القادم ستكون محاكمتي لعدم قدرتي على سداد المبلغ الذي يطالبني به بعض الدائنين .. ولم يعد لدي ما أبيعه .. سوى هذه الشقة ..
تفاجئت أمل بهذه الكلمات وظلت تفكر مع نفسها إذا بِيعت الشقة فأين سيسكنون ؟!
إلا أن عادل لم يتركها تفكر طويلا .. بل قال لها وهو ينظر إلى السقف محاولا الهرب من النظر إليها
عادل: لقد تحملتي معي الكثير وتعبت كثيرا وأنت تتلقين معي الإبتلاء تلو الإبتلاء .. مهمتك كانت أن تعيدي لي الروح .. وقد أديتِ مهمتك على أكمل وجه .. حان الوقت كي ترتاحي يا أمل
كانت أمل تستمع لكلماته تلك بإستغراب وما أن أتم حديثه حتى قالت له
أمل: ماذا تقصد بحديثك هذا يا عادل ؟!
عادل وقد اغرورقت عينه بالدمع: لم أعد قادر يا أمل أن أوفر لك حياة كريمة .. آخر شيء أملكه سأبيعه غدا .. لذا قررت أن اعيدك لمنزل أهلك وننفصل ..
قال ذلك وخبأ وجهه بين كفيه ثم بكى .. تأثرت أمل كثيرا لحاله وكلماته واقتربت منه .. وابعدت كفيه عن وجهه .. ثم رفعت له رأسه بلطف .. وقالت له بإبتسامة صادقة
أمل: أمل مستحيل أن تتخلى عن عادل .. مهما يكن فالإبتلاء الذي يمر به عادل تقاسمته معه أمل منذ البداية ..
ثم أمسكت له يده بحنان قائلة
أمل: لن أفلت يدي عن يدك حتى ندخل الجنة سويا
عادل ( حزينا ): ولكن عادل لم يعد يملك شيء
أمل: عادل حين كان يملك كل شيء خيره عمه بين كل شيء وبين أمل .. فاختار أمل التي لم تكن تملك حينها هى الأخرى أي شيء ... أتكون أمل الآن ناكرة المعروف والجميل .. إنها تختار عادل سوى إن كان معه شيء أو لم يكن
قَبَل عادل رأس أمل سعيدا بما سمع منها .. واتفق معها أن تكون في منزل أهلها في الوقت الراهن .. وسيبذل هو قصارى جهده كي يوفر لها وله بيت يأويهما ..
وبالفعل هذا ما حدث .. انتقلت أمل إلى منزل أهلها .. وكان عادل يزورها بين فترات متقاربة يطمئن عليها ويعطيها مما يحصل عليه من نقود
هذه الفترة كان عادل يعمل حمالا لدى أحد المحلات الكبيرة .. وكان ينقل الأغراض للزبائن من المحل إلى سيارتهم .. هذا العمل كان راتبه جيد مقارنة بما كان يزاوله من أعمال .. وكالعادة في هذا اليوم كان ينقل الأغراض لرجل اشترى بعض الحاجيات من العمل .. ركب الرجل سيارته بعدما فتح لعادل الصندوق الخلفي للسيارة .. وعندما هم أن يعود للمحل سمع صوت يناديه بإسمه من داخل السيارة .. وهذا الصوت مألوف لديه .. والتفت وهو يحاول أن يوهم نفسه بأنه مجرد تشابه أصوات .. ولكنه حين التفت اكتشف إنها حقيقة وواقع .. كانت التي تنادي عليه من السيارة هى صديقته القديمة سوسن .. وما أن رآها حتى عادت ذكريات الماضي الأليم مجددا وأحس بقبح ذنبه في حق ربه .. وبجرمه في حق بسمة ..
حين تيقنت سوسن بأنه عادل ابتسمت شامتة لحاله وأخرجت بعض المال من حقيبتها قائلة بسخرية واستهزاء
سوسن: يبدو إنك تمر بلحظات حرجة .. خذ هذا المال ..لعله يكفيك لشراء فطيرة تسد بها جوعك
نظر إليها عادل بنظرة بائسة .. وقال في نفسه
عادل ( محدثا نفسه ): يالله .. حتى سوسن اليوم تشمت لحالي ..
تجاهل عادل كلامها وانصرف عائدا للمحل .. هنا سألها الرجل الذي كان معها وهو زوجها الآن
الرجل: من هذا الرجل ؟!
سوسن ( مبتسمة ): عامل كان يشتغل مع أبي وطرده لقلة أدبه واحترامهلم يعد عادل قادرا للبقاء في هذا المكان .. طالما سوسن عرفت مكانه وعلمت بحاله
ولكن إلى أين يذهب ؟!♻يتبع ....
بقلم :🖊حفيدة النبي 🖊