ذكريات من مطر

212 11 4
                                    

أجلس وراء تلك النافذة التي تحمي جسدي من المطر ، ولكن ما فائدتها فالمطر سيطهرني، بل انه يجملني، فتحتها بهدوء خشية إيقاظ طفلي النائم، إمتدت يدي خائفة ومتأملة ان تلامسها حبة مطر ، وعندما سقطت أول قطرة لم تكن مجرد دمعة مطر بل محملة بالذكريات، اردت إعادة يدي، سحبها، ابعدها ، ولكن شيء يجذبني إليه بل تلك الذكريات تقيدني

مكان البداية هو نفسه النهاية ، عند هطول المطر إلتقت أعيننا، لقد كنا الوحيدين بدون تلك المظلات البلهاء، أبتسم لي لترد وجنتاي وتوتري عليه، حملت نفسي وهرولت إلى منزلي، وعند دخولي لغرفتي أطلقت ضحكة على غبائي وابتسامته الحمقاء ولكنها جميلة ،لم يفارق رأسي وقتها ، وشاءت الصدفة ان تجمعنا سوياً

وقعت في الحب بعد شهور من تعرفي عليه، لم يكن هناك ولي علي فانا يتيمة الوالدين وعمي اشترى شقة لي في احدى الضواحي الدمشقية القديمة وتطل زوجته كل شهر لتأتي بالمال ، لم يعتني بي إلا ليجعلني اتنازل عن حقي الشرعي من الميراث ، لم أعده بشيء ولكنه أخذ كامل أموال أبي دون علمِ مني ، وانا في الثامنة عشر من العمر لن استطيع ان اوكل محامي يعيد لي حقي ، وهو لم يعطني هذه الشقة لكرمه الفائض بل لانها بأسمي انا ،وهذه هي اخر ممتلكاتي من والدي

لم يكن لي حظ من البداية ، ولكن القلب لا يفقه في تلك القوانين البالية، سقط في بركة من الحب ولم يستطع العوم ، روحينا تشابهتا في كل شيء، حبنا للشتاء والمطر، للغيوم والنجوم، لليل والقمر، للقصائد والخواطر، سئلت قلبي عدة اسئلة ولم يكن هناك إجابة تكفي عقلي، بل مع مضي الوقت انساب دماغي مع نهر حبي وعشقي، لم اعتقد اني سأعطى ذلك الحب لشخص إلتقيت به تحت المطر

يقولون ان من يغرق حبيبه بالحب سيكون هو ببحر الألم ، لا أعلم من قائل هذه الكلمات ، ولكنه على حق ، فهو أول واخر حبٍ لي حصل ولن يحصل بعده، فقلبي للان لم يعد من موطنه ، أجل قلبي كان مغترباً بين أضلعي ، لم يقوى على البعد فعاد إليه وتركني في قوقعة جسدي العفنة

أبتسامته ، حنانه، لمسة يده، ذلك الجنون تحت المطر، كأطفال صغار لم نبدو يوماً كبالغيت مملين، بل كأطفال يصنعون من كل شيء مرح ، لطالما حفظت تلك الوعود المكررة، سنبني بيتاً يكون قريباً من الاماكن ممطرة، أسماء أطفال لم تأتي حتى ولن تأتي ، احرف العسل التي انطلقت من شفتيه لتدخل سمعي دون استأذان او حتى طرقة خفيفة، بل تدخل كأعصار تشعل بداخلي نيران الخجل لتحمر وجنتاي واذناي

ولكن للقدر والنصيب كلمة اخرى تبعد عن مملكة الخيال جسراً يسمى الواقع ، يمكنك ان تعبر إلى الخيال بكل سهولة ولكن طريق العودة سيؤدي بك إلى الهاوية والحضيض، في ذلك اليوم الممطر امسكني عمي وانا أتمشى برفقته تحت المطر ، رغم حبسه إياي بتلك الغرفة الصغيرة بل لم تكن تستحق كلمة غرفة ، رأيت فقط المطر لم استطع لمسه فقط النظر إليه ، وفي يوم من الايام استطاعت ابنة عمي ان تخرجني برفقتها وإلتقيت به ولكن لم يكن برفقتي وإنما برفقة فتاةٍ اخرى ولم تكن أي فتاة بل استوطن خاتمٌ في يدها

إلتقت أعيننا ، تبادلنا النظرات لا بل الكلمات صامتة، إجتمعت الغيوم وأمطرت السماء ليرحل برفقتها، وانا اقف وقطرات المطر تلامس وجنتاي ، لم تكن باردة كالثلج بل ساخنة تحترق ، نهاية جسدي اصبحت لابن عمي وقلبي مازال في ذلك المكان ينتظر، لم اعد اعشق المطر ،فتلك لم تكن إلا ذكريات من مطر لامست يدي لا اكثر

قصص قصيرة...حيث تعيش القصص. اكتشف الآن