الجزء الثامن عشر:(احب الجزيرة)

10.5K 510 16
                                    


كانت المصابيح الفراشية الشكل تشع أضواؤها الخافتة في الباحة عندما عبرت أيفين الممشى الذي قادها الى داخل القلعة , وكانت الفراشت الخضراء تهيم حول الشجر , وأحد الضفادع ينق في حوض النافورة , والقمر ينساب في سمائه ساطعا ويلقي نوره كغلالة فضية رقيقة على كل ما تحته في الليل الساكن .

وبينما هي واقفة تتأمل طبيعة الليل تناهت الى سمعها موسيقى البيانو من القلعة , كانت الموسيقى تتسلل ناعمة وحزينة , وشدّتها الموسيقى فوجدت نفسها عند باب الغرفة الذهبية المفتوح جزئيا , توقفت وأصغت , كان الوقت متأخرا جدا والقلعة ساكنة , كأنما هناك شبح في غرفة روزاليتا يعزف مقدمة شوبان , كان يعزف وحيدا في سكون الليل حتى أن أيفين ترددت في النظر الى داخل الغرفة.

خفق قلبها بهدوء , وأخيرا تشجعت وخطت الخطوات القليلة التي مكنتها من رؤية العازف , كان فوق البيانو شمعدان يهتز لهب شمعتيه راسما ظلالا على وجه دون جوان.

تابع عزفه كأنما يتجاهل حضورها وإن كانت تعرف بغريزتها أنه شعر بوجودها , ولكنه مستاء منها , وكأنما سرعة دقات قلبها قالت لها أنه كان ينتظر عودتها الى البيت , وكان من الواضح من ثيابه وربطة العنق الحريرية أنه لم يذهب الى فراشه.

وعندما قاربت موسيقى مقدمة شوبان على الأنتهاء , كانت سرعة دقات قلبها قد جعلتها تشعر بأغماء , أرادت أن تبتعد وتتراجع عنه ولكنها لم تستطع , أرادت أن تتحدث ولكن الكلمات لم تخرج من شفتيها , إنها على أستعداد أن تفعل أي شيء , أن تركع عند قدميه أذا لم يعاملها كطفل تأخر خارج البيت ولا بد من أن يؤنب وينال عقابه.

غمر السكون الغرفة , ثم أستدار ببطء لينظر اليها , كان وجهه شاحبا وزاد من شحوبه القميص الحريري القاتم وربطة العنق , وشدّتها عيناه ورأت فيهما وميض الغضب , سألها بلهجة لاذعة:

" تعرفين كم الساعة؟".

قالت وصوتها يرتجف :

" أعرف ..... أنني متأخرة , كنت مدعوة الى عرس في الكنيسة , وأقيمت بعد ذلك حفلة للعروسين ولم نغادر المكان إلا بعد منتصف الليل....".

" أعتقد أنك تقصدين أنت ومانريك كورتيز ؟".

" نعم يا سيدي".

" كان العرس مرحا , وزاهيا فشق عليك مغادرة الحفلة ؟ وكان هناك موسيقى ورقص , ويبدو عليك أنك أستمتعت بالرقص".

" أحب الرقص , وهل من العيب يا دون جوان أن أستمتع بحفل عرس ؟ هل أنا صغيرة وبلهاء لئلا يوثق بي في أي مكان إلا هنا أو في دروسي؟".

نظر الى وجهها وثوبها والمنديل المطرز الذي يغطي كتفيها:

" أنت لست في عمر يسمح لك أن تبقي في الخارج الى ما بعد منتصف الليل , والآن أدخلي وأغلقي الباب , أرجو أن تخبريني من هم أصحاب العرس , لا بد أنهم أصدقاء كورتيز؟".

تناديه سيدي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن