الجزء الثاني عشر:(عيون يقضه)

13K 520 14
                                    

كانت فيللا فونسكا تطل على مياه الميناء الزرقاء الحريرية , حيث مراكب الصيد راسية الى جانب الجدران التي يبللها البحر والتي شيدت من فوقها البيوت البيضاء , ركب دون جوان السيارة مع أيفين الى بيت فونسكا ,

ولكنها علمت عند وصولهما أن ركوبه معها لم يكن رغبة منه للأطمئنان على سلامة وصولها الى مدرّسها , بل لأن دونا راكيل في أنتظاره , تبدو كزهرة جميلة ندية , في ثوب من الدانتيل الأبيض , وقبعة عريضة ذات وردة تحت حافتها , كانت هي ودون جوان ذاهبين من الجزيرة الى الأرض الأم ( أسبانيا ) لقضاء اليوم , راكيل من أجل التبضّع والمركيز لأجراء بعض الأعمال.

وقبل ذهابهما تناول الجميع الشاي بالليمون المبرد في باحة الفيللا , وكانت الباحة مكانا به زوايا رومانسية وأشجار زيتون قديمة ملتوية , وهناك مقعد يحيط بأحدى الأشجار , جلست فوقه راكيل بقبعتها العريضة , راضية لأن الرجل الأسمر النحيل ذا البدلة البيضاء الأنيقة سيكون لها وحدها طوال يوم كامل , قال لها:

" أنت أشبه بلوحة للرسام الفرنسي رينوار".

أبتسمت وأستقرت عيناها لحظة على أيفين في ثوبها الأصفر البسيط ذي الياقة الفراشية البيضاء , ثوب قصير بلا أكمام يكشف عن ذراعيها وساقيها , وشعرها الداكن ينساب فوق أحد كتفيها , وقد ربطته بشريطة خضراء.

وسألته راكيل وهي ترف بأهدابها ناظرة اليه , كأنما تبعث اليه بلغة أهدابها أحدى الرسائل السرية المتبادلة بين المحبين:

" جوان , وأي رسام قد يكون رسم ضيفتك؟".

مال ببدلته البيضاء عند شجرة قاتمة , بينما كان السيد فونسكا يجلس مرتاحا فوق كرسي من الأغصان المجدولة يدخن سيكارة بفم من العظم الملون , وأجاب فونسكا على السؤال نيابة ع دون جوان الذي لا رأي له على ما يبدو بخصوص ضيفته فقال:

" الرسام الفرنسي ديفاس , فهو وحده قادر على أن يصور هذه الأذرع والسيقان الرشيقة والعيون الواسعة , كان للبنات في لوحاته دائما سحر خفيف أشبه بسحابة صيف تسبح في الفضاء.

ونهضت راكيل وهي تضحك وقالت:

" أذن أنت يا عزيزتي لست مثلنا في أرض الواقع , أبي , أعط الحالمة الصغيرة قطعة أخرى من كعكة اللوز لئلا تصبح كالريشة في الهواء ".

وضحك السيد فونسكا وقال:

" هل أنت ذاهبة للتبضع ! جوان , خذ أبنتي هذه المدللة ودعني مع هذه الصغيرة التي لم يزدحم عقلها بصرعات الثياب والحفلات والملذات!".

أبتسم جوان , وأمسك بعصاه ووقف قبالة أيفين , على النحو الذي عرفته جيدا , أنحنى نصف أنحناءة ثم نظر اليها وقال:

" كوني طالبة مجدة يا صغيرتي , سأوجه لك أسئلة عندما نلتقي ثانية".

تلاقت عيناه بعينيها ووجدت أنه أصبح مرة أخرى الوصي الجاد , أن الكتف الذي أستندت اليها كانت بعيدة غير حنونة , واليد التي تمسك بالعصا الأبنوسية يد لا رقة فيها إلا في الأحلام , تحدثت الى دون جوان قائلة:

تناديه سيدي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن