تعود ★

31 7 0
                                    

العتمة تتلون بأسود غامق وكأن أسودها لا يـكفيها !
مساحات البحار المتعبة !
الزلزال الكسلان !
نور خافت !

__________

بزغ الفجر كـلؤلؤة ، فطرح الكون رداءه الأبيض الباهت ، وتأنقت الشمس بثوبها الذهبي تتراقص حولها الأشعة كطفلات بريئات امتدت براءتهن لتقتحم نافذة تلك الغرفة الهادئة ، داعبت وجنتي تلك النائمة الحسناء ، تقلصت ملامحها ثم فتحت عينيها الرماديتان ، علت شفتيها ابتسامة ناعسة ، بقيت تحدق بالسقف المزركش اللامع ، رتبت الأفكار في قوقعة دماغها ، ثم نفضت حبات الكسل العالقة لتنهض بهمة ونشاط نحو حمام الغرفة ، استحمت وانتشت الراحة ، ثم غطت جسدها الهزيل بثياب بسيطة تناسب مكانتها العملية ، لونت شفتيها بأحمر هادئ ، تأنقت بفستان رمادي كعينيها ، رفعت شعرها نحو الأعلى تاركة الحرية لبعض الخصلات المتمردة ، ثم أقحمت قدميها الصغيرتين في حذاء ذو كعب عال أسود اللون ، أمام المرآة رمقت شكلها بعين الرضا ثم غادرت الغرفة ...

________

كـالعادة توجهت نحو المطبخ حيت السيدة الطيبة وتناولت الفطور بصحبتها وتجاذبتا الحديث عن العمل والحياة الجديدة لميرال ، ثم قبلت جبينها فأغدقتها تلك السيدة بوابل من الدعوات راجية الله أن يحميها وييسر أمورها ، غادرت المنزل راكبة سيارتها نحو الجامعة ...

_________

استيقظ صاحب العينين العسليتين بتكاسل ، العمل هذه الأيام يرهقه ،والتفكير الدائم بصديقه يؤرقه ، نهض نحو حمام غرفته ، أبعد الإرهاق بقطرات المياه الدافئة ، ارتدى بذلة الشرطة ، ووقف طويلَ القوام في مطبخ شقته ذات الأثاث الهادئ ، والتصميم الرفيع ، حضر لنفسه فنجان قهوة ساخن ، اتجه نحو الشرفة ، وقف يتأمل المارة هنا وهناك وهو غارق في دروب ذاكرته يرتشف قهوته الدافئة ، إنه آدم ...

فقد آدم والده وهو لا يزال صغيرا ، قتل وهو يدافع عن وطنه ، هو ليس فرنسي الجنسية بل عربي الأصل ، وحيد والديه ، أمه طاعنة في السن ، أصيبت بصدمة لدى مقتل زوجها لتفقد ذاكرتها وتقتحم خانة الزهايمر متناسية العالم بأسره حتى " ابنها " ، آدم وحيد والديه ، قرر متابعة دراسته والسير على خطى والده ، فأصبح ضابطا مثله ، تذوق المرارة والبؤس بشتى أنواعهما ، أراد أن يبني مستقبلا مشرقا له ولأمه ، فهي كل مايملك ، إنه يودعها في مستشفى مقيمة بشكل دائم ومتابعة علاجاتها آملا أن تشفى يوما ما ، لا ينفك عن زيارتها كل يوم ...

تنهد بضيق ثم وضع الفنجان على الطاولة ثم ارتدى حذائه و معطفه واتجه أسفل العمارة ، ركب سيارته ، واتجه نحو المخفر ....

وصل المخفر بعد جوقة من الازدحامات ، صف سيارته أمام المخفر ثم أخذ مفاتيحه متجها نحو الأعلى ، قابل في طريقه صديقا له وزميله في العمل ، أخبره أن النائب في انتظاره....

العــاصــفـة  الـرمــاديــة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن