" -ثم أنها بكت خائفة من وحدتها، بكت لأنها أيقنت بأن لا أحد سيهمه أمر دمعها بعد الأن ... "
_____________
ترجلت أمام بوابة المنزل ، مشت وسط الحديقة باتجاه المدخل ، عينيها الباكيتين ،أطرافها المتجمدة ، دست يدها داخل حقيبتها محاولة إيجاد المفتاح ، بعد بحث طويل بأطراف أصابعها الباردة وجدت ضالتها ، أخرجته وهي تنكمش على نفسها راجية قليلا من الدفء ، أقحمته في فتحة الباب بوهن لينفتح سامحا لها بالدخول ، بعثرت أشيائها على الطاولة ، ثم جالت بنظرها المكان كله محاولة إيجاد السيدة الطيبة ...
لمحت غرفة الجلوس مضاءة ، استنتجت أن ضيفها ينتظرها هناك ، مسحت وجهها بتعب ، ثم خطت خطواتها باتجاه الغرفة ...
كانت متوترة وقلقة ، خشيت أن يكون عمها أو ابنه ، إنها متعبة جدا ليس لها القوة لمواجهة أحدهما ، تابعت سيرها إلى أن دلفت إلى الداخل ...
رأته أمامها يدير ظهره إليها ، يتأمل اللوحة المعلقة وسط الغرفة بشرود ، و يحمل بيده فنجان قهوة ، إنه صديق والدها المخلص وساعده الأيمن ، "السيد ألبرت" ، يتميز بنظرته الثاقبة وجديته في العمل كما أنه شريك والدها وهو فرنسي الأصل ...
انفرجت أساريرها وتبدلت ملامحها المرهقة إلى ملامح يسودها الارتياح والرضى ...
شقت مبسمها ابتسامة واسعة ، ثم هتفت كي تلفت انتباهه :
"عمي ألبرت هنا !"
التفت إليها مبتسما بدوره ، وهو يضع الفنجان على الطاولة ، اقترب منها قائلا :
"أجل إنه هنا ، أهلا صغيرتي ،كيف حالكِ ، لم أركِ منذ مدة طويلة "
لم تشعر بنفسها إلا وهي تعانقه ، ابتسم لفعلتها ليضمها إليه بحنان ، تلألأت العبرات في مقلتيها ، فهاهي تشم عبق والدها في صديقه ، لطالما اعتبرته أباها الثاني ، توهمت للحظة أنها تعانق والدها ، شعورها ذاك كان كافيا لبث بعض القوة داخلها ....
شعر بانتحابها ليبعدها عنه ماسحا دموعها وهو يقول :
"أووه أيتها الجميلة الصغيرة ، لِم البكاء ؟ ، لم آتي إلى هنا لأبكيكِ "
أجابته بصوت مخنوق :
"تذكرني بوالدي ، اشتقت إليه كثييرا ، أجد فيك بعضا من رائحته "
ابتسم لها وهو ممسك كتفيها بحنان :
"اذن سأنوب عنه في حمايتك ، تذكري دائما أنني بجانبكِ ، كما تعلمين ليس لدي أبناء ، لكن معكِ ذقت طعم الأبوة فعلا ، كبرتِ أمام عيناي ..."
سحبها من يدها باتجاه الأريكة ليجلسا عليها متابعا قوله :
"والآن صغيرتي ، لا أريد الخوض في الماضي ، سيجعلنا نتذكر آلامنا ونضعف من جديد ، حان الوقت لبناء المستقبل ، حولكِ طاقة قوة عجيبة ، تستطيعين مواجهة كل مايحدث ، فقط ثقي بنفسكِ "
أنت تقرأ
العــاصــفـة الـرمــاديــة
Romanceلا تشعر بالإنتماء إلى أي مكان ... تائهة وخائفة من المستقبل المجهول ... صامدة في وجه الصعوبات ،، تقاوم وتقاوم ، ولا تقبل الإستسلام .. تبحث عن ذاتها ، عن أصلها ، عن هدفها ، عن من يزرع الأمان بقلبها .. مختلفة واستثنائية رغم سواد الحياة في عينيها ... أق...