-أحب حاتم
-و لكنه رحل .. و لن يعود
- صحيح أنه غائب عن عيني .. و لكني أشعر به يا سيلين .. اشعر به في قلبي , أشعر به امامي في كل ما أفعله. . كل شيء و كل مكان يذكرني به
-اعلم أن الكلام اسهل بكثير من الفعل .. و لكنك تظلمين نفسك بهذه الطريقة يا ناديا. . تحرمين نفسك العيش من أجل حاتم و تعلمين أنه يعيش كما أراد. .
-ليس صحيحا , لا أعلم شيئا .. لا أعلم لما رحل .. ربما أجبرته الحياة على الهرب
-ولكنك تعلمين أنه لن يعود ... هو أخبرك بأنه لن يعود
-و لو عاد ؟؟؟
-سيكون كل شىء تغير .. لا تحلمي كثيرا يا صديقتي .. كي لا تُخذلي
-سأنتظر. .. لن أمل و لن أكل أبدا. . سأنتظر من أجل الأحلام التي خططنا لها سويا .. سأنتظر من اجل اللحظات الجميلة .. سأنتظر من أجله, من أجل حاتم.. حلمنا سويا و سنعيش الحلم سويا .. سأبحث عنه , و أجده و ان كان في آخر الدنيا ...أعلم أنه سيعود .... حاتم يحبني
-و عمر ؟؟
-ليس بيني و بينه شيء .. اخبريه أني لا أريده .. . لا أريد احدا غير حاتم
-حسنا , و لكن يا ناديا لا تحلمي كثيرا ... لا تمنحي نفسكي آمالا أنت أبعد من تحقيقها ... فصفعة الخذلان لا تحتمل .. لست أتحدث عن عمر , كل ما يهمني هو أنت. . مصلحتك أولى
-شكرا سيلين :-)و بعد ان غادرت سيلين .. عادت ناديا الى المنزل .. لتجد الهدوء المرعب يعم كالعادة .. لا أحد هناك .. سوى سميحة لوحدها , محمد في صيدليته يعمل , و جوهان لم تعد من المدرسة بعد
-مرحبا ماما
-أهلا, كيف حالك ؟
-بألف خير
~التفتت لتغادر نحو غرفتها , لكن سميحة نادتها بصوت خافت : ناديا , غيري ملابسك و تعالي .. اريد أن نتحدث
-هل الأمر مهم !! أريد أن أرتاح قليلا
-نعم
-حسنا .. سآتيصارت ناديا بعيدة جدا عن أهلها, منذ انتقالها الى الجامعة اصبحت لديها مشاغل اخرى .. لم تعد تجلس مع والديها مساءا لساعات طويلة تحدثهم عن تفاصيل يومها .. لم تعد ترتاد على المطبخ لتعين أمها في اعماله و لو بالقليل .. و لم تعد تساعد والدها في ترتيب و تعديل الملفات و السجلات المختلفة , أصبحت منعزلة عن العالم .. تجتمع بأهلها وقت العشاء فقط .. جسدها حاضر و لكن الذهن بعيد غائب...
انتقلت إلى غرفتها , غيرت ملابسها و ذهبت لتعرف عما تريد ان تحدثها والدتها
-ماذا هناك أمي
ردت سميحة بصوت خافت , بدت كأنها تتقطع من الداخل: اريد أن أحدثك عن خالتك سلمى
-لا تخيفيني !! ماذا هناك
-إتصل زوجها أحمد. .
-اختصري أرجوك يا أمي! ! لا تخيفيني أكثر! هي مريضة ؟؟
-سرطان يا ناديا ؟!
-ما.. ماذا ؟؟ كيف !!
-ستسافر إلى لندن بعد غد .. لإجراء العملية هناك
امتلأت مقلتي ناديا بالدموع .. أمها التي لم تلدها تصارع الموت , و هي لا تقدر فعل شيء..غادرت إلى غرفتها... و بكت بحرقة .. بكت إلى ان غفت , افاقت من غفوتها بعد لحظات .. لتلمحها تجلس على حافة سريرها , بثوب ناصع بياضه .. مسحت على شعرها بحنية و بصوتها الدافئ قالت .. تعالي معي .. لا تتركيني اصارع الموت وحدي .. انا بحاجة لك لتمنحيني القوة .. ناديا .. لتسقط بعدها جثة هامدة .. هرولت من سريرها و عرقها يتصبب .. و بأعلى صوتها صرخت "خاالتي .. سلمى" .. التفتت يمينا و شمالا , حدقت بزوايا الغرفة .. كأنها من عالم آخر أتت. . وضعت يديها على ركبتيها .. زفرت و همست لنفسها "الحمد لله. . كان كابوسا"
لم يزرها النوم تلك الليلة ... كانه لا يحب الاحزان, يزور فقط ذلك الذي خلى قلبه من كل وتر من اوتار قيثارة الشجون
بقت على حالها طوال الليل , تصارع من أجل النوم و لكن بلا جدوى .. الى ان بزغ الفجر , مرت الساعات الواحدة تلوى ... وقت الذهاب للجامعة آن .. و لكنها لم تذهب .. الجامعة مكان جميل , و لكن لا محل للجمال في قلبها .. ما دامت خالتها مريضة .. نظرت إلى جدار غرفتها أين عُلقت ساعة .. وجدتها تشير إلى التاسعة صباحا ..بيديها المرتعشتين حملت هاتفها .. شكلت رقم سهى و اتصلت .. مرة تلوى الأخرى, و لم يبلغها رد
ماذا هناك ؟؟ هل أصيبت سلمى بمكروه ؟؟
اتصلت مجددا , ردت سهى اخيرا .. لم تتلفظ بكلمة على الإطلاق..
-كيف حال خالتي ؟؟
بصوت متقطع كصوت شيخ قارب الرحيل ردت : ليست على ما يرام يا ناديا ... ماما متعبة
-لا تبكي , عليك ان تكوني لها سندا و معينا .. الهميها الصبر و القوة .. لا تشعريها بضعفك
-سترحل يا ناديا ... اشعر بذلك
-لن ترحل ...
لم تسمع ناديا بعدها سوى شهقة قوية ... صرخة عالية "مامااا" ... لا شيء بعدها .. انقطع الخط .. و كادت بذلك وتيرة قلب ناديا تستقيم .. بسرعة البرق قامت من سريرها , جهزت نفسها و هرولت مسرعة خارج غرفتها .. ليس بيدها سوى مفتاح سيارتها و حقيبة يد بها وثائقها..
-أمي, أنا مسافرة للعاصمة
-ماذا هناك ؟؟
-لا شيء. . لا تجزعي , ساكلمك لاحقا
-انتظري
غادرت المنزل مسرعة , ركبت سيارتها و انطلقت .. قلبها و روحها هناك .. هناك عند خالتها , رغم ان جسدها لا يزال هنا يصارع الوقت .. ليبلغ وجهته .. قادت سيارتها بسرعة .. سرعة لم يبلغ أقصاها سرعة نبضات قلبها الخائف ... تمتلئ مقلتيها بالدموع تارة فتمسحها بيدها .. و يشحب وجهها خوفا على خالتها تارة أخرى... بعد ساعات من السير وصلت اخيرا ... ركنت السيارة و بيرعة نزلت .. لم تطرق الباب بل دخلت كنشال ينهب البيوت في وضح النهار. . صعدت الدرج لغرفة سلمى مسرعة .. فتحت الباب بعد طرقتين سريعتين و دخلت صارخة "خالتي" ... خلف ذلك الباب سرير امتدت عليه سلمى , احاطت بها سهى و فتون , و كذلك رامز. .. و احمد يمسك يدها كأنه يمسح عنها دما فاض من عمق كلمها .. اقتربت منها ناديا مهرولة
-خالتي , كيف الحال ؟؟
ابتسمت ببراءة دون أن ترد بكلمة , فهمت ناديا عيونها التي تقول "إني اتقطع" , و بسمتها التي تكذب و تنفي لغة العيون بقولها "أنا بخير" ..
احتضنتها بحب و في اذنها همست : أنت قوية :-) ستنجح العملية بإذن الله
نظرت سلمى اليها بعينين لامعتين , و جاهدت نفسها لتقول : ان شاء الله
-أحمد: بنيتي ناديا , اذهبي و البنات الى غرفتكن , أنت ايضا رامز.. لا بد ان تاخد والدتكم دواءها و ترتاح
لبى الجميع طلب أحمد, غادروا الغرفة نحو غرفة سهى ... ارتمت على حضن ناديا و بحرقة بكت و قالت : "العملية ستنجح , أليس كذلك ؟؟"
مسحت على رأسها و بحنية قالت : أكيد, ستنجح :-) معظم عمليات استئصال الأورام تنجح .. لا تجزعي
ردت فتون التي قطع البكاء أنفاسها : ماذا لو لم تنجح , هل ستموت ؟؟
-سوف تنجح ... بالتأكيد ستنجحتذكرت ناديا المنام , خالتها طلبت منها ان ترافقها .. ان لا تتركها لوحدها, قالت أنها بحاجة لها ,,, افلتت سهى من يدها و خرجت مسرعة من الغرفة
دقت باب غرفة رامز. اذن لها بالدخول لتجده غارقا في الاحزان, جلست أمامه على حافة السرير .. مسحت على كتفه و قالت : إياك أن تيأس, أنت لاخواتك سندا و قدوة .. أنت و أنا الأكبر من بينهم .. لا بد ان نبقى أقوياء. . حتى نحفز سلمى و نذهب روع اختيك
صمت لبرهة مسندا رأسه على كفيه , و كوعيه على ركبتيه ... ثم رفع عينيه إلى ناديا, نظر إليها مطولا .. ابتسم برقة , و قال :شكرا ناديا ... شكرا لأنك موجودة بيننا , لا اعلم ما كان سيحل بي و اخواتي لولا وجودك بيننا .. شكرا
-لا تشكرني على واجبي ... أخبرني, من سيسافر غدا مع خالتي سلمى ؟؟
-أنا و أبي بإذن الله
-سأسافر معكم
دخل العم أحمد بغتة قائلا: لا يا ناديا , ابقي هنا مع البنات , فهن بأمس الحاجة لك
انتفضت و قامت من مكانها .. تقدمت خطوتين , وقفت أمام أحمد و قالت :خالتي أحوج لي منهن , ارجوك يا عمي لا ترد طلبي هدا و لك مني ما تريد
أنت تقرأ
بين أمس و غد
Romance"بين امس و غد" رواية من وحي الخيال , تحكي عن صراع فتاة لقت من تقلبات الحياة المريرة ما يبكي الحجر , و لكنها لم تيأس و لم تستسلم .. بل ظلت تستقبل الأيام ببسمة أمل و تفاؤل رغم كل الصعاب