...التفتت يمينا و شمالا كأنها تتخبط لإبعاد الأفكار السوداء التي لبدت سماء تخمينها .. لتكسر السكوت فجأة بقولها : انا موافقة
لم تتلفظ بعدها بكلمة , كأن ما قالته أحل عليها لعنة سماوية أفقدتها كلماتها .. كأن شيئا ما يخنقها .. و يعاتبها على ما فعلت ... كأنها التبست شخصية "آدم" فاختارت رجلا لا تحبه, و لن تحبه يوما .. فقط من أجل تدميره و الإنتقام من الماضي... ما ذنب عمر ؟؟ ماهي خطيئته التي يستحق دفع ثمنها على يد ناديا ؟؟ لما عليها أن تجعله يعيش اوهاما !! هل سيدفع ثمن اخطاء ابناء جنسه ؟؟ ولكن آدم لم يسبق له أن دفع ثمن خطاياه .. دائما يذنب و ينتصر , و تكون "حواء'' الظالمة .. أيُعقل أن يكون القدر ساقه إليها من أجل اختبار آخر لتفشل فيه ؟؟
بدرت إلى ذهنها اسئلة لا تعد و لا تحصى .. عجزت عن الافصاح عنها .. و لما الافصاح و قد فات الأوان !! زلق لسانها ليقرر مصيرها .. نطقت بحكم اعدامها بعظمة لسانها ... لا بأس, عليها التفاؤل .. من يدري , ربما يكون عمر بداية حياة جديدة "جميلة"...
افرش الليل ستائره , لكن النوم لم يزر جفون ناديا .. فامضت وقتها بالمذاكرة لساعات طويلة من الليل , ليرن الهاتف في حدود الواحدة ليلا ... رقم غريب يظهر على الشاشة , حاولت ناديا تذكره و لكنها عجزت , لم يتصل بها من قبل قط...من سيتصل في مثل هذا الوقت ؟؟ قد يكون شابا طائشا لم يجد ما يملأ وقت فراغه .. أغلقت الخط , و لكنه عاود الإتصال مجددا .. يبدو المتصل عنيدا لا ييأس , قررت الرد عليه
-مرحبا , من معي ؟؟
-ناديا ؟؟
-من أنت ؟؟
-معك عمر .. تذكرتني !!
لم تجد ناديا ردا , ينتابها شعور بالخوف .. حاولت التغلب على وجلها , أليست هي من اختارت هذه الطريق ؟؟ عليها السير فيه الى ان تبلغ ما ينتظرها في آخر النفق...
-بلا , كيف حالك ؟؟
-سعيد ^_^
-جميل , ما سر هذه السعادة !!
-سعيد لأنك وافقت على منحي فرصة للتعرف عليك
-هكذا إذا !!
-نعم , متى يمكننا أن نلتقي !!
تعجبت ناديا من طلبه ... شاب يكلمها لأول مرة , لم يسأل عن اي شيء يهم من يختار شريكا لحياته , يطمح للقاءات بعد أول حديث ... علاوة على كونها لم تره قط , لم تنظر إلى وجهه من قبل .. ولو حدث و أن التقت به صدفة فلن تعرفه ..
أهو الغريب ؟؟ أم أنها تعودت على حاتم الذي تزين بالخجل و العفة , أحبها في سره و لم يفصح لها إلا بعد صراع مرير مع ذاته .. حتى حين أعرب عن حبه و اعترف بما يخالج نفسه من احاسيس , فقد كانت لقاءاته بها تعد على الأنامل.. انتابها تردد حيال قبول طلب حاتم .. و بعد برهة صمت , ردت قائلة : أعتذر, و لكني مشغولة جدا هذه الايام بسبب الجامعة
-لا بأس, سآتي رفقة كريم إلى الجامعة .. و هكذا أراك كل يومبلغ السيل الزبا , يبدو أنه لا يعرف حدوده .. قررت ناديا وضع حد للموضوع .. و بلهجة شديدة ردت : يستحيل ذلك , تصبح على خير
-ستنامين ؟؟
-لا و لكني منشغلة .. وداعا
-حسنا كما تشائين
أغلقت الخط و وضعت هاتفها جانبا .. و عادت للمذاكرة .. لكنها لم تستطع , تذكر الماضي , القنوط من الحاضر .. و التفكير في المستقبل يمنعها .. كذبت على نفسها مرارا , حاولت كثيرا نسيان الماضي و حذفه .. و لكنها لم تستطع . كيف تنسى ماض رحل و اخذ معه قطعة من روحها !! كيف تنسى ماض لولاه لما اصبحت كما هي اليوم ؟؟ حاولت كثيرا اقناع نفسها أنها لم تعد تحب حاتم .. و لكن !! من بوسعه تصديق كذبة صاغها بنفسه ؟؟
ليس الماض وحده ما يشغل تفكيرها .. حتى الحاضر الذي سيطر عليه الروتين الممل , جعلها تنقاد للقدر الذي يسوقها أينما شاء .. و ذلك المستقبل الذي تشق خطاها نحوه كالاعمى لا يدري اين وجهته..
حملت مذكرتها كعادتها التي تنتهجها كلما ضاق صدرها ولم تجد أذنا تصغي لها .. و بين السبابة و الإبهام احتضنت قلمها , و راحت تذرف كلماتها حبرا على ورق مذكرتها ..
{كل من على هذه الارض سعداء .... كما ان الأحزان تغمر كل من على هذه الارض .. نعم فلكل حياة تختلف عن تلك التي يراها الآخرون. . ربما عجز كل واحد عن الخروج من دوامة الشجون يجعل منه يرى نفسه السجين الوحيد , و كل من حوله عتقاء .. و لكن لماذا ؟؟ لما هذه الاحزان !! لماذا تغرق البشرية في السواد !! من السبب ؟؟
إنه نحن .. نعم نحن السبب. . لسنا مظلومون و إنما نحن الظالمون .. نحن من القينا بأنفسنا في دوامة الأحزان.. باتباع قلوبنا , و بتعطيل عقولنا التي منحنا الله لنميز بين الحق و الباطل ... نحن المذنبون لأننا نجرؤ على خوض المعارك رغم علمنا أننا خاسرون .. نحن المخطؤون لأن الطمع يعمينا و يجعل منا نرنو إلى الانغماس في كل حوض , و لو علمنا أننا سنصارع الغرق .. نحن المذنبون لأننا لا نتعلم من اخطائنا و نلقي التهم على التاريخ بأنه يعيد نفسه... نحن السبب .. و نحن من بوسعنا ابطال العجب ...}
لم تفرغ من الكتابة و لكن التعب اسقط القلم الذي كان ينطق عنها , و اسقطها على مكتبها الذي نامت عليه .. إلى أن رن المنبه معلنا بداية يوم جديد .. قامت لتعد متاعها و نفسها وذهبت للجامعة ... مرت الساعات ككل الأيام. .. محاضرات انقضت بشكل عادي , و اخرى لم تحضرها ناديا و صديقاتها من البداية .. ما ميز اليوم عن غيره هو فكرة سمية .. التي اقترحت على الشلة الذهاب للتسوق .. و بالطبع وافقن على الفكرة. .بعد ساعات من التسوق ... غادرن و اياديهن محملة بما اقتنوه من ثياب و مكياج و اكسيسوارات .. و بعد دفع ثمن ما ابتعنه غادرن المول .. أوصلت ناديا كلا من سمية و تنهنان لمنازلهن... و بقيت سيلين .. فتحت ناديا موضوع عمر بقولها : سيلين , آسفة ان كنت سأحرجك بطلبي و لكن ..
-ماذا هناك
-لا استطيع الموافقة على طلب عمر .. أرجوك اخبريه نيابة عني
-لماذا يا ناديا؟؟
نظرت اليها مطولا قبل أن تجيب : "أحب حاتم" 💔
أنت تقرأ
بين أمس و غد
Storie d'amore"بين امس و غد" رواية من وحي الخيال , تحكي عن صراع فتاة لقت من تقلبات الحياة المريرة ما يبكي الحجر , و لكنها لم تيأس و لم تستسلم .. بل ظلت تستقبل الأيام ببسمة أمل و تفاؤل رغم كل الصعاب