طرقت ناديا الباب , و بعد دقائق فتح حاتم
-مرحبا , تفضلي بالدخول
-شكرا , كيف حالك !!
-بخير
جلست ناديا تنتظر حاتم .. الذي اقبل و معه كوبي عصير , و جلس بجانبها ... نظر إليها مطولا بصمت , هي الاخرى طأطأت رأسها منتظرة منه المبادرة بالحديث .. و هو ما حدث
-ناديا , ماذا تعرفين عن أهلي... اخبريني كل شيء,, كل شيء عنهم
التفتت اليه ناديا .. وضعت عينها بعينه , وبادلته بسمة شجية , ثم قالت بهدوء
-اهلك ؟ أمك و اختك .. كنت تحدثني عنهم كثيرا , عن أمك الخالة سعاد التي طالما ودعتك صباحا بدعوات من القلب .. و اختك ..قطع حديثها بقوله : كوثر ؟؟
نظرت إليه مستغربة و قالت ... كيف تذكرت اسمها ؟؟
نظر اليها و قال .. "لا , لا اعلم .. بدر اسمها إلى ذهني الآن صدفة"
-رائع ..تطور ملحوظ
ابتسم و قال "اخبريني المزيد عنها "
-كوثر هي اقرب انسانة اليك .. كنت تحبها لدرجة تشعرني بالغيرة منها ..
-ماذا ايضا ؟؟
-هي أيضا أم لطفلين يتيمين .. كنت تحبهما أكثر من والدهملم يرد حاتم بكلمة , كل ما كان يفعله هو التحديق بناديا .. منتظرا منها المزيد ..
-ألم تتذكر أي شيء. ..
-بلا .. العيادة , لقد تذكرت العيادة
ابتسمت ناديا فرحة ... فالعيادة هي المكان الذي التقت فيه بحاتم اول مرة
-حقا ؟؟ ماذا تذكرت تحديدا
-عملت كبائع ملابس عند احد كبار التجار في اخر سنوات الجامعة , قبل التخرج ... وَ بعد سنتين من التخرج , تمكنت من شراء ذلك المحل وَ.. و عملت جاهدا على ترميمه و اعادة تعديله .. اذكر ان والدي هو الذي كان يدعمني
-رحمه الله
-من ؟؟؟
-عمي أكرم
-أبي ؟؟ هل مات ؟؟
-توفي منذ اربع سنوات يا حاتم !
-هكذا إذن. .. رحمه الله
تذكر حاتم لبعض تفاصيل ماضيه أمر جيد .. و لكن نسيان كل ما يتعلق بناديا ليس هينا عليها , ساد الصمت للحظات .. بعدها اعتذرت ناديا من حاتم و غادرت المنزل .. ركبت سيارة اجرة و عادت ادراجها الى منزل كاترين , مفكرة بما حدث معها .. حاتم تذكر جامعته , العيادة , والديه .. اخته , كل ما يتعلق به ماعدا هي , لم يتذكر سوى اسمها
وصلت اخيرا إلى وجهتها ,أين استقبلتها كاترين .. بدلت ملابسها و جلست رفقة صديقتها
-كاترين : أخبريني ماذا حدث معك ؟؟ هل تذكر شيئا
-نعم .. بدأ بتذكر بعض الاحداث القديمة جدا , تذكر عيادته و والدته و اخته .. حتى والده لا يعلم أنه توفي
-تفاءلي خيرا , عليك الجلوس معه وإجراء بعض التحليلات النفسية، والبحث في دفاعاته النفسية السالبة التي جعلته يصل لهذه الدرجة، لتظهر لكي بعد ذلك الأمور على السطح بصورة جلية ويعود حاتم لحالته الطبيعية، ولكن اعلمي أن ّ الأمر قد يتطلب أكثر من جلسة وأكثر من وسيلة.
-تغيبت اسبوعا كاملا عن الجامعة, علي اقناعه بالعودة معي الى البلد و مواصلة العلاج هناك
-فكرة جيدة , قد يساعد ذلك على التذكر بشكل افضل
-آمل ذلك
______________________________
#بعد اسبوع#
استيقظت ناديا باكرا تعد نفسها للجامعة , قبلت خد أمها و جبين والدها , و غادرت .. ركبت سيارتها و انطلقت بها نحو الجامعة .. بعد لحظات اتصلت بها سيلين
-الو صباح الخير
-صباح النور .. ناديا , هل يمكنك المرور و اخذي معك للجامعة , كريم لا يعمل و لا اريد ازعاجه
-حسنا , لحظات و أكون هناك
مر اليوم كغيره من أيام الجامعة. . طلبت ناديا من سيلين ان توضح لها بعضا مما فاتها من دروس .. و بالطبع وافقت
و بينما هن في المكتبة للمراجعة , رن جوال ناديا . اعتذرت من سيلين و ردت لتجد ان المتصل هو حاتم
-مرحبا حاتم
-اهلا .. ناديا هل أنت مشغولة ؟؟
-انا في الجامعة
-متى يمكننا ان نلتقي ؟؟ أنا بأمس الحاجة لك
-بعد ساعتين , هل يناسبك ؟؟
-حسنا , نلتقي بعد ساعتين ... في العيادة
ردت بدهشة : هل فتحت العيادة مجددا ؟؟
-لا ليس بعد , موعدنا بعد ساعتين اتفقنا ؟
-حسنا
انهت المكالمة و وضعت هاتفها على الطاولة , و استمرت المراجعة مع سيلين إلى أن آن أوان اللقاء .. اوصلت سيلين لمنزلها و استمرت في طريقها إلى العيادة , لتفهم سبب دعوة حاتم لها و الذي رجحت انه استدعاها ليسالها عن ماضيه كالعادة .. بعد مدة وجيزة وصلت للعيادة .. نزلت من السيارة و وقفت تطلع من بعيد .. رأت صاحب المحل المقابل للعيادة , لترجع بها الذاكرة الى المرة الأولى التي لقته بها .. تذكرت عمق ذلك الجرح الذي خلفه السكين المغروز في قلبها .. سكين الفراق .. كم هو جميل تذكر كل تفاصيل الحياة مع من نحب ..و لكنه صعب رؤيتهم ينكرون وجودنا في ماضيهم , كما لو أننا لم نكن ...تقربت بخطوات بطيئة من العيادة .. تلك العيادة التي حاولت تحاشيها لستة اشهر , هروبا من شبح الذكريات ,, ها قد ساقتها الأيام إليها مجددا .. و هي غريبة عن صاحبها كأول مرة أتت اليها .. دفعت الباب و دخلت اين وجدت حاتم جالس هناك .. مستقبلا إياها بظهره ,بصوت رقيق كنسمات الربيع قالت : حاتم
-التفتت بكرسيه , ابتسم بوجهها و قال : تفضلي ناديا .. اجلسي هنا
استجابت له و جلست حيث طلب منها , ضمت كفيها لبعضهما واضعة اياهما على حجرها .. و طأطأت رأسها دون ان تتلفظ بحرف ..
بنبرة صوته الحادة قال حاتم: ما بك صامتة ؟؟ هل هناك شيء يزعجك !!
-لا , لا شيء على الإطلاق. .. اخبرني , لما دعوتني إلى هنا !!
صمت لبرهة ثم قال : كيف حال لين ؟؟
استغربت من سؤاله بشدة , التفتت اليه موجهة. عينها الى عينه .. ثم قالت : من , من تقصد !! لين ابنة أختي ؟؟
-ومن غيرها ؟؟ احبها كثيرا .. هل تعلمين السبب ؟؟
بغير استيعاب ردت : لا !!
-كيف لا ؟؟ لولاها لما جمعني القدر بك يا أجمل هدية ربانية !
-حاااتم !!!!
-لقد كنتي عنيدة جدا , و هو ماجعلني ادوس كبريائي و اركض خلفك عشقا بك يا ناديا ..
'امتلأت عيونها بالدموع ,لم تقل شيئا .. التزمت الاصغاء فقط ... لا شيء سوى الاصغاء لحديث حاتم
-أذكر يومها أنك أتيت رفقة لين .. من اجل فحصها عندي .. تأخرت عليك لانشغالي بالحديث على الهاتف .. و هو ما أثار غضبك ... فقمت من مكانك وسط جميع من ينتظرون دورهم مثلك و صرخت.. هل تذكرين ما قلته ؟؟
لم ترد ناديا ... كانت تستمع اليه و دموعها تنسدل كالشلالات على وجنتيها ..
-لقد قلتِ لي غاضبة : ما هذا الذوق الرفيع الذي تملكه ؟؟ تت...
قطعت حديثه قائله بصوت متقطع : "تترك كل هؤلاء الأشخاص بانتظارك و انت منشغل بالحديث .. كم شخصا اخرته عن عمله .. بسببك قد يطردون من مناصبهم و أنت هنا تتحدث عبر الهاتف ؟؟
-لقد كانت تلك المرة الأولى التي اصغي لأحدهم بذلك الاهتمام... خاصة بالنسبة لشخص يوبخني .. انهيت المكالمة بسرعة و طلبت منك ان تحضري الصغيرة للعلاج.. هل تذكرين ذلك ؟؟
ابتسمت بوجهه و الدمع فاض على وجهها , و قالت ببراءة : أذكر كل لحظة امضيناها سويا .. كل التفاصيل راسخة في ذهني .. فما بالك بذكرى جميلة كتلك ؟؟
-كنت يومها افحص لين و عيني لا تغيب عنك .. بينما أنت منشغلة بهاتفك
-قلت لي حينها .. جعلت حربا تندلع لأني كنت اتحدث بالهاتف , و الآن لا تبعدين نظرك عنه ..
-كان جوابكي .. استخدامي للهاتف الآن لن يضر أحدا
ذرفت ناديا ما في جوفها من دموع و ارتمت بين ذراعي حاتم ضامة إياه بقوة .. و قالت بشهقة :لا ترحل و تتركني مجددا يا حاتم , أعدك أني لن اغضبك مرة اخرى
-لم أغضب منك يوما يا حبيبتي
-و لما رحلت اذن ؟؟؟ لما غادرت و تركتني وحدي هنا ؟!
افلتها من بين ساعديه , مسح بلطف دموعها و قال : الزمن كان أقسى علي من ان اتحمل يا ناديا .. لم اجد مكيدة لانجو و انجيك سوى الفرار بعيدا .. الى عالم آخر
-تنجيني بتركي و الرحيل ؟؟
-اكتشفت قبل سفري أنني مصاب بمرض السكري .. أنت طبيبة و تعلمين أنه من الممكن ان اورثه لابنائنا لو تزوجتك
-و لكن كيف تفكر بهذه الطريقة ؟؟؟ و ما أدراك أنهم سيكونون كذلك !! أدخلت في علم الغيب ؟؟
-هل تقبلين الزواج مني رغم ذلك يا ناديا ؟؟ رغم المرض
-لقد وقفنا معا في كل الكرب و النوائب .. كيف تخالني ساتركك في أخر خطواتنا معا !!
أنت تقرأ
بين أمس و غد
Romance"بين امس و غد" رواية من وحي الخيال , تحكي عن صراع فتاة لقت من تقلبات الحياة المريرة ما يبكي الحجر , و لكنها لم تيأس و لم تستسلم .. بل ظلت تستقبل الأيام ببسمة أمل و تفاؤل رغم كل الصعاب