ماض ضائع

71 12 0
                                    

على الساعة السادسة صباحا , افاقت ناديا من نومها , و راحت تعد نفسها لانطلاق مشوار البحث عن حاتم .. ايقظت كاترين
-استيقظي , فلنقصد العنوان , عنوان منزل حاتم
نظرت كاترين إلى الساعة بعين واحدة , ثم التفتت إلى ناديا و بتكاسل قالت:
-هل أنت جادة ؟؟ هل تعلمين كم الساعة!
-هيا , المكان بعيد .. ستاخدين وقتا لتجهيز نفسك
غادرت كاترين سريرها قائلة : كبرتي و لم تتغيري ,ستبقين عنيدة إلى آخر العمر

بعد ان اعدت البنتين نفسهما , تناولتا وجبة الافطار و أعدت كاترين فطورا لابنائها و زوجها ثم غادرتا المنزل , .. أحست ناديا بغصة في قلبها , منذ مغادرة المنزل , و كلام رامز يدور برأسها كالكابوس .. ماذا لو ان حاتم متزوج الآن ؟؟ و زوجته تساعده على استرجاع الجزء المفقود من ذكرياته .. ماذا لو أعرض عنها , و لم يتذكرها ؟؟

-كاترين: هنا الشارع المقصود , انزلي دعينا نسأل عن الشقة
نظرت ناديا الى كاترين لبرهة , و قالت بعد صمت : أنا خائفة
-لا داعي للخوف, سيكون كل شيء على ما يرام
-أرجو ذلك
*بعد بحث لم يدم طويلا , هاهي الآن ناديا تقف أمام باب مسكن حاتم , راودها نفس ذلك الإحساس الذي خالجها حين وقفت أمام باب منزل عائلته .. تخاف من عيش نفس السيناريو مجددا .. تخشى من ضياع حاتم من بين يديها إلى الأبد
-كاترين: تعالي , ماالذي تنتظرينه !!
-كاترين ... ماذا لو نعود مرة أخرى, أنا. .. أنا لست مستعدة لفعل شيء الآن
-لم اعهدك جبانة هكذا يا ناديا .. لن أعترض طريقكي ان اردتي العودة , و لكن اعلمي ان الفرصة لا تأتي مرتين ..

امسكت ناديا بيد كاترين .. و سارت ببطئ نحو المنزل , و بمجرد وصولها الى عتبة الباب .. فتح احدهم , تراجعت الى الخلف بسرعة .. نظرت الى ذلك الشاب الذي باتت ملامحه كملامح هرم على فراش الموت .. حدقت به من بعيد , و ما ان وقعت عينه بعينها دمعت و قالت : حاتم
نظر اليها لوهلة .. بدى كأنه لم يستوعب ما قالته .. لكنها لم يتلفظ بحرف , ظل صامتا .. ينظر اليها بعينيه الصغيرتين .. تلك النظرة الحادة و البريئة نفسها .. اعادت ناديا النده مرة اخرى : حاتم !!
-انتِ... من ؟؟ من تكونين !!
لم تتمالك نفسها , نبرة صوته لم تتغير ... جعلت ساقيها تعجزان عن حملها , نظرت إليه بعينين دامعتين .. ثم قالت : أيُعقل أنك نسيتني !! حاتم , أنا" ناديا"
تغيرت ملامح وجهه , التفت يمينا و شمالا ثم قال : ناديا ؟؟ أنت ناديا
-نعم حاتم حبيبي .. انا ناديا
لم يرد بكلمة , غادر المكان بسرعة .. لحقته ناديا و الدمع يذرف موجا , "أرجوك حاتم , أرجوك. . تعبت كثيرا و أنا أبحث عنك .. لا تدعني يا حاتم اعيش نفس المأساة مجددا "
بلهجة حادة رد , كأنه فقد احساسه كع ذكرياته "ابتعدي .. ابتعدي عني , لا أريد سماع هذا , رأسي, لا استطيع التحمل "
-لن أبتعد, لا بذ ان نتحدث .. لن ابتعد مرة أخرى .. الفرصة لا تأتي مرتين يا حاتم
وجه نظراته اليها , و لكن عقله لم يكن معها .. كان بعيدا جدا .. "تفضلا , هنا منزلي"
امسكت ناديا بيد كاترين , و لحقت حاتم الذي استقبلهما في منزله
-حاتم : تفضلا .. اجلسا هنا(مشيرا الى أريكة غبراء)
-ناديا/كاترين: شكرا
-تريدان شرب شيء! !
-لا , اتيت إلى هنا لنتحدث يا حاتم
-حسنا
غادرت كاترين المكان متحججة باتصال هاتفي , لتبقى ناديا على انفراد و حاتم.. عم هدوء المكان , كل سارح بفكره بين مخاوفه
-حاتم : اخبرتني أنك أتيت من أجل أمر مهم
-نعم .. اجبني بصراحة .. هل تذكرتني يا حاتم ؟؟ ام انك تتذكر اسمي فقط!!
ضم رأسه بين يديه , واضعا كوعيه على كتفيه .. اغمض عينية بقوة.. كمن يحاول الهرب من الواقع .. ثم قال : لا .. لا اتذكر شيئا , "ناديا" هو الاسم الوحيد الذي تذكرته .. و عندما رايتك أول مرة , في المشفى .. انتابني شعور غريب , كأنك ...
لم يتمكن من المواصلة .. احس بصداع في رأسه, صرخ قائلا :"ماء .. احضري لي الماء" قامت ناديا مسرعة , احضرت كوب ماء , اخرج حاتم دواءه .. مد يده المرتعشة ليمسك الكأس و لكنه عجز .. اقتربت ناديا منه , ساعدته على شرب دوائه و اةتمدد في سريره , و بعد ان اطمأنت عليه , غادرت المنزل .. و أخبرته انها ستزوره في وقت آخر. . اخدت رقمه و رحلت , رحلت و ألم يغمر قلبها الذي تركت قطعة منه هناك... عند حاتم
ركبت السيارة اين تنتظرها كاترين
-اخبريني , ماذا حدث ؟؟ هل تذكر شيئا! !
-لم يحدث شيء. .. لقد كان متعبا جدا
-لا بأس.. اصبري فقط و كل شيء سيكون بخير
-علي شراء شريحة , للإتصال بأمي . أعلم انها قلقة علي
___________-_____________-_________
في المساء .. و بعد يوم طويل , دخلت ناديا الغرفة التي خصصت لها كاترين .. اتصلت بوالدتها لتطمئن عليها .. و اخدت تحاول النوم .. استلقت على سريرها واضعة كفيها تحت رأسها, مرت احداث اليوم أمام عينيها... "حاتم" نسي كل ما يربطه بها .. و هي لا تزال تتذكر كل ثانية امضتها بجانبه , ضحكته و بسمته البريئة , حركاته العفوية , مشيته العسكرية .. كل تفاصيله راسخة في ذكراها .. أما هو , فلم يعد يذكر منها سوى اسمها , لم تأبه للوقت المتأخر و حملت الهاتف لتتصل به
-مرحبا .. من معي ؟؟
-أنا ناديا, أتمنى ألا أكون ايقظتك من نومك
-لا لم انم بعد
-جميل
صمتوا لبرهة , كل منهم ينتظر من الآخر ان يكسر جمود الصمت .. بعد لحظات , قال حاتم بصوت ناعم كنسمات الربيع : ناديا ... من تكونين ؟؟ ماهو الشيء الذي يربطني بك !!

صحيح ان حاتم فاقد لذاكرته .. و لكن كان لكلامه وقعا كالسم على قلب ناديا الذي ارتجف , حاولت تبديد كل فكرة سوداء تكدر صفاء تفكيرها , و ردت بصوت هادئ
-هل تذكر عيادتك ؟؟ و كل أولئك الأطفال الذين شفاهم الله على يدك , الذين رسمت على وجههم البريء بسمات !!
-أي عيادة !! كل ما أذكره أنني طالب في كلية الطب و ...
فهمت ناديا ان حاتم يعاني من تجزأ الذاكرة .. بتذكر فقط بعض الاحداث التي وقعت قبل تعرضه للصدمة جراء الحادث ... و لكنها تفاءلت و حاولت الرفع من معنوياته و قالت
-من الجيد أنك تتذكر ذلك .. لا تحزن سأسير معك خطوة بخطوةإلى ان تشفى
-شكرا , و لكن ... لما تفعلين كل هذا من اجلي ؟؟ من .. من تكونين !!
-ناديا ... حبيبتك , و من ستكون زوجتك و شريكة حياتك
-"ناديا" إسمك راسخ في ذاكرتي ... كلما تلفظت به شفتاي شعرت بشيء يجمعني بك ... صلة قوية بيني و بينك و لكن .. لكني لا أستطيع التذكر , كلما فكرت بالأمر شعرت بصداع قوي .. يكاد يغمى علي

كلام حاتم أثر في ناديا و جعلها تسترجع تذكار ايام خلت .. أيام جميلة اهدتها إياها الأيام, لتدفع ثمن ذلك شقاءا و حزنا بعدها
-اخبرني حاتم .. هل تذكر يوم الحادث ؟؟ ماذا حدث معك ؟؟ لما تعرضت للحادث !! اين كنت قبله و الى اين كنت ذاهبا ؟؟ اخبرني بكل ما تذكره
-اذكر لحظة الحادث.. لقد مرت أمام انظاري لمرات .. كنت اقود بسرعة .. بسرعة فائقة, كان الجو ممطر يومها و السماء تبكي لحزنها .. كنت حزينا , فجأة لا أدري ما حصل ... كل ما سمعته تزمير شاحنة , صوتها يقترب مني شيئا فشيئا و يزداد صخبا .. حاولت التحكم بالسيارة ... و لكنني عندما افقت , كان الأوان قد فات .. و جدت نفسي ملقا على سرير , لوحدي , لا أحد هناك ... أذكر أنني صرخت بأعلى صوتي "أين أنا !! أين أنا !!" اقبل نحوي طبيب و سألني كيف حالي , فكانت اجابتي "ناديا".. هذا كل ما اذكره , كأن حياتي انطلقت منذ تلك اللحظة ... لحظة الحادث
امتلأت عيون ناديا بالدموع .. حاولت استجماع قوتها و لفظ انفاسها , و قالت
-لما كنت حزينا ؟؟ أصلا ما الذي أتى بك إلى هنا ؟؟ لما سافرت !! تركتني و تركت أمك قلبها يحترق ... و اختك تائهة بين أيامها, لا تجد لها معينا سوى الله ؟؟ لما فعلت ذلك يا حاتم !!
-أمي؟؟! أذكر أنها كانت مريضة .. لا لا .. ليس كذلك , ربما سافرت .. أو, لا أعلم. .. لا اذكر شيئا ...~ثم صرخ~ رأسي يؤلمني يا ناديا .. آه
-يا إلهي. . عليك ان....
قطعت المكالمة ... شعرت ناديا بخوف شديد , أخدت تلف و تدور بين أركان الغرفة .. تفكر بحاتم , ماذا لو أصابه مكروه .. و هو هناك بمفرده , لن يجد حتى من يعينه .. ارتمت على سريرها و اجهشت بالبكاء .. تمنت لو ان حاتم مكان ذلك السرير, يصغي اليها و يمسح دمعا رقراقا فاض عن وجنتيها .. كلما تذكرت حاتم "القديم" و هذا الشخص الذي حدثته قبل لحظات .. ازدادت شهقة و اجهاشا .. تملكها الخوف و الحزن .. الى ان سيطرا على جسدها فانهارت و نامت غارقة في دموعها المنهمرة .. نامت و لم تنهض إلا على رنة الهاتف .. اتصل بها حاتم ..حملت الجوال بيديها المرتعشتين , و ردت على اتصاله : حاتم ... كيف حالك ؟؟ خفت عليك كثيرا البارحة
-لا تقلقي ناديا .. أنا بخير , تعالي إلى منزلي أنا بامس الحاجة إليك
-حسنا .. لا تقلق لحظات و اكون هناك
جهزت نفسها و تركت رسالة لكاترين على هاتفها لتطمئنها قبل ان تغادر المنزل .. و اتجهت صوب المكان الذي ينتظرها فيه حبيبها و زوجها "حاتم"

بين أمس و غدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن