الفصل الرابع: الظل القديم

847 34 3
                                    

بينما كان أحمد يحاول التعامل مع الموقف الغريب، بدأت ذكريات قديمة بالظهور في ذهنه، ذكريات كان قد دفنها لسنوات. تذكر موقفاً من طفولته، عندما كان يقضي الصيف في منزل جده في القرية. كان هناك رجل مسن يُعرف بأنه حكيم القرية، وكان يتحدث دائماً عن أرواح غامضة وظواهر خارقة للطبيعة. أحمد لم يكن يأخذ تلك الأحاديث بجدية آنذاك، لكنها الآن بدت أكثر واقعية مما كانت عليه من قبل.

عاد أحمد إلى ذلك الصيف البعيد في ذهنه، وتذكر تفاصيل تلك الليالي التي كان يجلس فيها مع جده ويستمع لحكايات الرجل المسن. تحدث عن "الكيانات" التي تعيش بيننا، والتي قد تتواصل معنا في لحظات غير متوقعة. في ذلك الوقت، كانت تلك القصص مجرد حكايات، لكن الآن بدأت تأخذ شكلاً آخر في حياة أحمد.

لم يستطع أحمد تجاهل هذا الرابط بين تلك الذكريات والمكالمة الغامضة. قرر العودة إلى القرية القديمة، ليبحث عن إجابات قد تساعده على فهم ما يحدث له. كان يعلم أن الرجل المسن قد توفي منذ سنوات، لكن ربما كان هناك أشخاص آخرون يعرفون شيئاً عن هذه الحكايات.

عندما وصل إلى القرية، كانت المشاعر المختلطة تملأ قلبه. المكان لم يتغير كثيراً؛ الطرقات الضيقة، البيوت الطينية، ورائحة الطبيعة التي كانت دائماً جزءاً من طفولته. ذهب أحمد مباشرة إلى بيت جده القديم، لكنه كان مغلقاً ومهجوراً منذ وفاة الجد.

تجول أحمد في القرية، وسأل بعض السكان عن الرجل المسن وحكاياته، لكن قلة منهم تذكروا شيئاً عنه. وأخيراً، وصل إلى منزل امرأة عجوز تُدعى خديجة، كانت قريبة من الرجل المسن وتعرف الكثير من أسراره.

"أنت حفيد الحاج سالم، أليس كذلك؟" سألت خديجة عندما رأته. "نعم، جدتي كانت صديقة للرجل المسن. سمعت أنك تبحث عن شيء يتعلق به."

أحمد أخبرها بكل ما حدث معه، بما في ذلك المكالمة الغريبة والرموز والضحكة الشريرة. استمعت خديجة بتركيز، ثم قالت: "أنت تتعامل مع شيء ليس من هذا العالم.

جلست خديجة ببطء على كرسي خشبي مهترئ وأشارت لأحمد أن يجلس بجانبها. كان الجو في الغرفة خافتاً، والريح تداعب الستائر الخفيفة. قالت بصوت مبحوح: "الكيانات التي تحدث عنها الحكيم ليست مجرد أساطير. لقد عاش حياة طويلة يدرس ما لا يمكن للعين المجردة أن تراه. هناك عالم آخر بيننا، مليء بأشياء لا نجرؤ على ذكرها، وهي ليست بعيدة عن عالمنا كما يظن الناس."

ابتلع أحمد ريقه بصعوبة، وكان يشعر بالرهبة لكنه متحمس للمعرفة. "هل تعتقدين أن ما حدث لي مرتبط بهذه الكيانات؟"

هزّت خديجة رأسها وقالت: "قد يكون كذلك. هناك أشياء قديمة تُنسى، لكنها لا تختفي. تلك المكالمة، الرموز، والضحكة التي سمعتها... كلها إشارات إلى شيء أكبر من مجرد حادثة عادية. قد تكون تلك الكيانات تحاول التواصل معك."

"لكن لماذا أنا؟ ماذا يريدون مني؟" سأل أحمد بصوت مليء بالحيرة.

"الأمر ليس سهلاً كما يبدو. هناك بعض الكيانات التي ترتبط بأشخاص معينين لأسباب خفية. ربما كان هناك شيء حدث في ماضيك أو ماضي أسرتك يجعلهم يتوجهون نحوك الآن. الأمر ليس شخصياً، بل هو جزء من توازن أعمق بين العوالم. أحياناً تختار هذه الكيانات من يمكنهم التفاعل معه."

أحمد شعر بالغموض يزداد من حوله. "كيف يمكنني التعامل مع هذا؟ هل هناك طريقة لإيقافهم أو على الأقل فهم ما يريدونه؟"

ابتسمت خديجة ابتسامة حزينة وقالت: "الفهم هو الخطوة الأولى، لكن إيقافهم ليس دائماً خياراً. أحياناً كل ما يمكنك فعله هو التعرف على رغباتهم والتعايش معها. لكن هناك من يستطيع مساعدتك في معرفة ما يحدث بالضبط."

"من؟" سأل أحمد بسرعة.

"هناك شخص يعيش في أطراف القرية، بعيداً عن الأنظار. يُدعى 'الشيخ عمران'. هو الوحيد الذي يعرف كيفية التواصل مع هذه الكيانات ويفهم رسائلهم. كان يدرس مع الحكيم نفسه، لكنه ابتعد عن الناس بعد وفاة الحكيم. الناس هنا يخافون من زيارته، لكنني أعتقد أنه قد يكون الشخص الوحيد الذي يستطيع تقديم بعض الإجابات لك."

أحمد شعر بتيار من الأمل يتسلل إلى قلبه. قرر أن يزور الشيخ عمران، على الرغم من أن الخوف كان يحوم حوله. شكر خديجة على المعلومات وغادر منزلها.

أسرار العقل : العهد المظلمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن