مرت عدة أيام على المكالمة الغامضة، لكن آثارها لم تختفِ من عقل أحمد. حاول تجاهل الأمر في البداية، معتقداً أن الزمن سيزيل القلق الذي رافقه منذ تلك الليلة. لكن في كل مرة ينظر فيها إلى هاتفه، كانت تلك الرموز الغريبة والضحكة الشريرة تعود لتطارده.
في يوم مشمس، قرر أحمد أن يأخذ خطوة أكبر لفهم ما حدث. كان يعتقد أن الأمر قد يكون له تفسير منطقي، ربما مجرد عطل في النظام أو حتى مقلب من شخص يعرفه. ولكن مع مرور الوقت، لم يعد الأمر يبدو بهذه البساطة. قرر الذهاب إلى صديقه القديم، يوسف، الذي كان يعمل في مجال تقنية المعلومات والأمن السيبراني.
في مقهى هادئ بعيد عن صخب المدينة، جلس أحمد منتظراً يوسف. لم يكن يعرف ماذا يقول له بالضبط، لكن كان يعلم أن يوسف قد يكون الشخص الوحيد الذي يستطيع مساعدته في فهم ما يحدث. وصل يوسف بابتسامة، وجلس بجانب أحمد، لكنه سرعان ما لاحظ قلق صديقه.
"أنت تبدو قلقاً يا أحمد. ماذا يحدث؟" سأل يوسف بعد أن طلب فنجاناً من القهوة.
"يوسف، الموضوع غريب جداً. قبل أيام، تلقيت مكالمة لم أفهمها. كانت هناك رموز غريبة على الشاشة، ولم أسمع سوى أنفاس وضحكة مخيفة عندما أجبت. حاولت تجاهل الأمر، لكن لا يمكنني الخروج من هذه الدوامة. أشعر أن هناك شيئاً غير طبيعي يحدث."
استمع يوسف باهتمام، ثم قال: "رموز غريبة؟ هذا يبدو غير طبيعي. هل احتفظت بأي تفاصيل؟"
"نعم، لدي صورة للرموز التي ظهرت على الشاشة، التقطتها فوراً بعد المكالمة."
فتح أحمد هاتفه وأظهر الصورة ليوسف. نظر يوسف بتمعن في الشاشة، محاولاً فك شفرة الرموز، ولكنه لم يكن قادراً على معرفة معناها في البداية. "هذه الرموز لا تبدو كأي شيء رأيته من قبل، لكنني سأقوم ببحث سريع لأرى إن كانت متصلة بأي شيء معروف."
أخذ يوسف الهاتف وبدأ بالبحث في الأنترنت، مستخدماً الأدوات المتاحة له لتحليل الرموز. مر الوقت بصمت بينهما، وأحمد يتابع يوسف بقلق. بعد عدة دقائق، رفع يوسف رأسه وقال: "حسناً، يبدو أن هذه الرموز قد تكون مرتبطة بنوع من البرامج الخبيثة أو الهجمات السيبرانية المعقدة. لكن هذا غير مؤكد بعد. سأحتاج إلى المزيد من الوقت للتحقق."
كان هذا التفسير الأولي يزيد من قلق أحمد. "هل تعتقد أن أحدهم يستهدفني؟ لكن لماذا؟ لا أعتقد أنني فعلت شيئاً قد يجعلني هدفاً لهجوم إلكتروني."
هز يوسف رأسه ببطء وقال: "لا يمكننا التأكد الآن. قد يكون الأمر مجرد حادثة عشوائية، وقد يكون هناك شيء أكبر. أحتاج إلى فحص جهازك وهاتفك بالكامل لأتأكد من عدم وجود أي برامج خبيثة أو اختراقات."
في اليوم التالي، التقى أحمد بيوسف في منزله، حيث بدأ الأخير بفحص كل شيء بدقة. لم يجد يوسف أي أثر لبرامج خبيثة، لكن هناك شيء غريب: المكالمة التي تلقاها أحمد لم تكن مسجلة في السجل. "أحمد، هذا غير طبيعي. عادةً، حتى المكالمات الغريبة يتم تسجيلها في سجل المكالمات، لكن هذه المكالمة ليست هنا. وكأنها لم تحدث أبداً."
تبادل أحمد ويوسف نظرات مشوبة بالدهشة والخوف. "ماذا يعني هذا؟" تساءل أحمد.
"يعني أن من اتصل بك يستخدم تقنيات متقدمة جداً أو أن هناك شيء يتجاوز التكنولوجيا المعتادة."
في تلك اللحظة، قرر أحمد أنه لن يتجاهل هذا الأمر بعد الآن. بدأ يشعر بأن هناك شيئاً أكبر مما يتخيله يحدث حوله، شيء قد يكون مرتبطاً بعالم آخر، أو ربما شيء من الماضي قد عاد ليطارده.
![](https://img.wattpad.com/cover/116436385-288-k72394.jpg)