عديم الإحساس

1.2K 88 4
                                    


كنت في صباح يوم أحد الأيام في قطار الأنفاق بمدينة نيويورك وكان الركاب جالسين في سكينة بعضهم يقرأ الصحف وبعضهم مستغرق بالتفكير وآخرون في حالة استرخاء، وكان الجو ساكناً مفعماً بالهدوء، فجأة صعد رجل بصحبة أطفاله الذين سرعان ما ملأ ضجيجهم وهرجهم عربة القطار،

جلس الرجل إلى جانبي وأغلق عينيه غافلاً عن الموقف كله، كان الأطفال يتبادلون الصياح ويتقاذفون بالأشياء، بل ويجذبون الصحف من الركاب وكان الأمر مثيراً للإزعاج ، ورغم ذلك استمر الرجل في جلسته إلى جواري، دون أن يحرك ساكناً!

لم أكن أصدق أن يكون على هذا القدر من التبلد، والسماح لأبنائه بالركض هكذا دون أن يفعل شيئاً . وبعد أن نفذ صبري ، التفت إلى الرجل قائلاً: أن أطفالك يا سيدي يسببون إزعاجاً للكثير من الناس ، وإني لأعجب أن لم تستطع أن تكبح جماحهم أكثر من ذلك! إنك عديم الإحساس. فتح الرجل عينيه، كما لو كان يعي الموقف للمرة الأولى

وقال بلطف: نعم إنك على حق ، يبدو أنه يتعين علي أن أفعل شيئاً إزاء هذا الأمر، لقد قدمنا لتونا من المستشفى حيث لفظت والدتهم أنفاسها الأخيرة منذ ساعة واحدة، إنني عاجز عن التفكير، وأظن أنهم لا يدرون كيف يواجهون الموقف أيضاً.

تخيلوا شعوري آئنذ ! فجأة امتلأ قلبي بآلام الرجل وتدفقت مشاعر التعاطف والتراحم دون قيود. فقلت له: هل ماتت زوجتك للتو؟ أنني آسف، هل يمكنني المساعدة ؟ لقد تغير كل شيء في لحظة انتهت القصة ولكن ما انتهت المشاعر المرتبطة بهذا الموقف في نفوسنا، نعم كم ظلمنا أنفسنا حين ظلمنا غيرنا في الحكم السريع المبني على سوء فهم وبدون حتى أن نبحث عن الأسباب التي أدت إلى تصرف غير متوقع من إنسان قريب أو بعيد في حياتنا، وسبحان الله يوم تنكشف الأسباب وتتضح الرؤية نعرف أن الحكم الغيبي الغير عادل الذي أصدرناه بلحظة غضب، كان مؤلماً على النفس ويتطلب منا شجاعة للاعتذار والعودة إلى الله والتوبة عن سوء الظن.

قصص حيث تعيش القصص. اكتشف الآن